صفحة الطريق
حدث وتعليق .
زيارات عمل ..
في الوقت المناسب وفي المكان الأنسب !
أطلعتنا صفحة الطريق على زيارات عمل قام بها قادة من الحزب الشيوعي العراقي ، في الفترة الأخيرة ، شملت دولاً أوربية هي سلوفاكيا وهنغاريا والنمسا والنرويج ، جرت خلالها لقاءات مع بعض ممثلي الرأي العام الشعبي والرسمي إضافة إلى اللقاءات مع الأحزاب الشيوعية والقوى اليسارية والديمقراطية . وقد رافقتها لقاءات مع أبناء العراق ، شيوعيين وغيرهم .
وفي محاولةٍ لتوضيح تقييمي لتلك الزيارات اخترت العنوان . فالوقت مناسب وملح جداً . فشعبنا وعراقنا الحبيب يمران بمحنة قاسية تتطلب جهوداً استثنائية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، من براثن حكم دموي وإرهابي عمل جاهداً على تخريب كل ما هو جميل وطيب في بلد الرافدين ولدى شعبه العريق ، خلال أكثر من ثلاثة عقود من الزمن .
وتتضاعف أهمية نشاط وعمل الخيرين من أبناء الشعب العراقي ، لاستقطاب الرأي العام العالمي شعوباً وحكومات للتضامن مع الشعب العراقي في هذا الظرف العصيب ، عندما يلوح في الأفق المظلم ، أن زمرة بغداد الحاكمة مقدمة على ارتكاب جريرة كبرى جديدة تضاف إلى جرائمها السابقة بحق الشعب والوطن حاضراً ومستقبلا .
نعم ، إنها حقاً زيارات عمل في الوقت المناسب والملح جداً .
ولكن ، لماذا في " المكان الأنسب " ؟!
وراء ذلك تقييمات مختلفة ، ناتجة عن تباين في الآراء والاجتهادات حول دور أوربا دولاً وشعوباً في الأحداث العالمية الراهنة ومنها ما يتعلق بدورها في الأحداث والتطورات المرتقبة في العراق والمنطقة ، بشتى احتمالاتها .
والآراء تجد ، بالضرورة ، انعكاساً لها على تحرك ونشاط الناس العملي ومدى جدواه ، وهو المعيار الرئيسي لموضوعية أي تقييم .
تتباين الاجتهادات حول دور أوربا في العالم وأحداثه في الحاضر والمستقبل . وهي تتوزع على مساحة واسعة يحتل طرفاها رأيان متناقضان ومتعارضان كليةً .
رأي _ يستهين أو ينتقص من دور أوربا على الصعيد العالمي ويعتبر أمريكا هي القطب المهيمن على العالم ويعطيها الدور الحاسم أو الرئيسي في تقرير شؤون المجتمع الإنساني ودوله . وهو رأي يسهل تفنيده وتخطئته لتوفر الكثير من المعطيات والشواهد التاريخية والحجج المنطقية التي تبرهن على خلله الواضح .
ورأي معاكس _ يستهين بدور أمريكا كقطب حاسم أو رئيسي ويرفع من دور أوربا كقطب مكافئ أو حتى متفوق على القطب الأمريكي . ولدى أنصار هذا الرأي ، ومنهم كاتب هذه الورقة ، معطيات وحجج يصعب ويشق تفنيدها (!) ، ولكن يتعذر تماماً تجاهلها .
سأكتفي بالتركيز على الأبرز منها :-
1_ أوربا قوة اقتصادية وسياسية كبيرة تنمو وتكبر مع توحدها وتوجهها الحثيث نحو الوحدة الكاملة ونحو توسيعها كي تشمل أكثر بلدان أوربا وحتى جميعها . وتلعب أمريكا ، بالضد من رغبتها ، دوراً كبيراً في " تزايد " سرعة عملية الاندماج الأوربي ، عمقاً وسعةً ، من خلال الضغط عليها والإجراءات التي تتخذها ضدها وضد مصالح جميع دولها ، بهدف إخضاعها لهيمنتا المطلقة ( دفاع عن النفس والمصالح ) .
تلك الحالة تفرضها الناقضات الحادة بين الرأسمال الأوربي والرأسمال الأمريكي ، وخاصةً رأسمالها المالي الأكثر وقاحةً وجشعاً . ورغم الطبيعة المشتركة وتداخل الكثير من المصالح بينهما ، يبقى الصراع هو الأقوى والأشد .
وتتزايد حظوظ أوربا في كسب الرهان ، بسبب المعاناة المماثلة لجميع الدول الرأسمالية الأخرى المتطورة والدول النامية والتي تجد في أوربا حليفاً لها مهما كانت حدة الخلافات أو تعارض المصالح معها ، ومهما كانت درجة تشابك علاقاتها ومصالحها مع أمريكا .
2_ تشهد أوربا في الظرف الراهن استنفاراً شديداً في قواها الداخلية نتيجةً لتصاعد عدوانية الإدارة الأمريكية بشنها الحرب الكونية الثالثة تحت ذريعة مكافحة الإرهاب . ويمكن القول بأن أوربا دولاً وشعوباً لم تشهد في تأريخها تعبئة داخلية قصوى كالتي نراها الآن وهي تواجه القوة الأكثر عدوانية ورغبةً في الهيمنة على العالم .
وتلك الحالة تضاعف بالتأكيد من الطاقة الفاعلة والمؤثرة الناتجة عن الاستخدام الكامل للحد الأقصى تقريباً للقوى الاقتصادية والسياسية التي تمتلكها أوربا دولاً وشعوباً ومؤسسات .
ويشهد العالم هذه الأيام اصطفافاً فريداً من نوعه في القوى الداخلية في جميع الدول الأوربية على الإطلاق وهي ، وإن كانت بدرجات متفاوتة ، لكنها قريبةً ، في كل الدول ، من الحد الأقصى في مقاومة حرب صقور أمريكا ضد العالم . وقد كان مثالاً مبهراً ومتميزاً على تلك الحالة ما قدمه أعضاء الباندستاغ الألماني عند سماعهم لخطاب بوش فقد رفع في واجهته ثلاثة نواب ، من الديمقراطيين واليساريين وأنصار السلام ، لافتة كتب عليها شعار ضد الحرب ، وفي نفس الوقت ارتفعت وسمعت أصوات تخاطبه " ارحل عنا ، أنت وحروبك !" من بين صفوف ممثلي أقصى اليمين الألماني ورثة النازية المقيتة ( ! ) .
إنه اصطفاف داخلي في القوى غريب على ماضي أوربا ولكنه غير ذلك في الوقت الراهن .
3_ وهنا أصل إلى العامل الأهم والأكثر تأثيراً في ترجيح كفة أوربا على أمريكا وهو التأثير الذي يتركه نموذج الحياة الأوربية المتطورة على مثيلتها في أمريكا من ناحية احترام حقوق الإنسان وحريته وتأمين حياة له أكثر أمناً واستقراراً وضماناً وكرامة وجمالا . هذا النموذج الذي استطاعت شعوبها بناءه بتضحيات جسام ومعاناة ، أشدها وأقساها خلفتها حروب ونزاعات القوى الرأسمالية المهيمنة على الحكم في بلدانها الرئيسية ، من أجل الربح وزيادة الاستغلال وإعادة اقتسام مناطق النفوذ والأرباح في العالم . ومن خلال نضالها الشاق والعسير استطاعت شعوب أوربا " تدجين " وحوشها الكاسرة وبذلك قدمت نموذجاً ملموساً ومعاشاً في الواقع على إمكانية منع اليمين المتطرف من تقرير مصير الشعوب وتكبيده لها خسائر جسيمة . ويضاعف من أهمية ذلك التأثير ، المستوى الثقافي والعلمي والتكنولوجي المتقدم جداً في أمريكا .
وأمام كل ذلك يتضاءل دور الفرق في مستوى دخل الفرد بين أوربا وأمريكا والذي تمحيه ، إن لم تعكسه ، طرق التوزيع والتفوق في الخدمات والضمان الاجتماعي والأمني وغيرها .
وبفضل ذلك ولأسباب عديدة متأصلة في التاريخ المشترك لأوربا وأمريكا ، لسنا بصددها الآن ، امتلكت أوربا ومواقفها تأثيراً كبيراً على الشعب الأمريكي ، خاصةً في المواقف السياسية الرئيسية وفي مقدمتها موقفه من الحروب وحقوق الإنسان والبيئة وغيرها من المواقف التي تجد الطبقة الحاكمة في أمريكا مصلحةً لها في تخطيها وفرض سياستها المعبرة عن مصالح الأقلية الضيقة المهيمنة على الحياة الاقتصادية .
وقد تزايد هذا التأثير إلى درجة كبيرة خلال سنوات الحرب الباردة بحكم سياسة التعبئة الشعبية الرسمية المشتركة لحكام دول أوربا وأمريكا ضد خطر " الإرهاب الشيوعي المزعوم " من خلال نشاط إعلامي مكثف ، دام عدة عقود من الزمن ، يمجد الحرية ويقدس حقوق الإنسان مما رسخها في ذاكرة وقناعة الشعوب وفي مقاييسها عن الحياة الإنسانية و " الأفكار تتحول إلى قوة مادية عندما تدخل عقول الناس " حسب فكر ماركس .
وهذه القوة المادية الهائلة هي العامل الرئيسي الذي يرفع من أهمية دور أوربا شعوباً وحكومات على السياسة الأمريكية من خلال تأثيرها على الشعب الأمريكي ودعمها لقواه الديمقراطية المحبة للسلم والمدافعة عن حقوق الإنسان والمعادية " للصقور الأمريكية " . وتلك القوى هي من يقرر في النهاية مصير حكام أمريكا وسياساتها بإسناد من شعوب العالم ، وشعوب أوربا في المقدمة ، بسبب المصلحة المشتركة ، وبدعم من غالبية دول العالم ، وأوربا خاصةً ، بسبب التعارض الحاد في المصالح وحتمية صراعها .
وعلى ضوء ذلك الإدراك يمكن تقييم نشاط وتحرك قادة وكوادر الحزب ومنظماته في أوربا ، في الظرف الراهن ، باعتباره تقييماً إيجابياً عالياً ومفرحاً حقاً .
كما أن اختيار المكان الأنسب للنشاط الملموس يعكس الدرجة المتقدمة ، التي يمتلكها الشيوعيون العراقيون وحزبهم وقادته ، من الوعي والشعور العالي بالمسؤولية تجاه الشعب والوطن مما يعزز من رصيدهم على الصعيدين الوطني والأممي .
اقتراحات .
1 _ أن تقوم صفحة الطريق عن طريق المراسلين بأجراء مقابلات صحفية مع قادة وكوادر الحزب بعد زيارات العمل كي نستطيع الحصول على حصتنا من حصيلة هذه الزيارات ومشاركة رفاقنا انطباعاتهم الميدانية الغنية والمجدية لجميع الشيوعيين والقراء . مع تثبيت تقصير الصفحة في هذا المجال والتي تقتصر " تقريباً " على نشر أخبار تلك الزيارات والنشاطات دون ذكر التفاصيل والانطباعات ، والأخيرة هي الأهم والأجدى .
2 _ من خلال صفحة الطريق ارفع مقترحاً إلى منظمات الحزب في أوربا وخاصةً المتميزة منها في تنظيم مثل تلك اللقاءات والمبادرات الجيدة ، والتي توافينا ، عادةً ، بأخبار نشاطاتها عن طريق صفحة الطريق ، بأن لا تقصرها على الإعلان عنها ، دون التفاصيل والانطباعات والتقييمات كي لا تحسب من باب الدعاية والإعلام وحسب ، في حين أنها نشاطات هامة ومفيدة وهي موضع اعتزاز وتقدير كبيرين . وتسعدنا حقاً أخبارها وتفاصيلها .
14/حزيران/2002 نزار خالـد