|
ملاحظات حول الكتاب الأخير لمرشد جماعة العدل و الإحسان
أحمد عصيد
الحوار المتمدن-العدد: 2654 - 2009 / 5 / 22 - 04:18
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أصدر الأستاذ عبد السلام ياسين زعيم تنظيم العدل و الإحسان الإسلامي الراديكالي كتابا جديدا يحمل عنوان "إمامة الأمة"، و هو الكتاب الذي يسعى أتباع الشيخ و مريدوه كعادتهم إلى الترويج له و التبشير به و توزيعه بحماس و ثقة، مما ينم عن أنهم ـ كعادتهم ـ يتبنون بالمطلق محتوياته التي لا يبدو أنها تحمل جديدا عما سبق للشيخ أن دعا إليه من قبل، و هو ما لا يتناسب مع طموح الجماعة لأن تجعل من كتاب الشيخ "حدثا". قارئ الكتاب سيلمس بدون كبير عناء بأنّ الشيخ لم يأخذ العبرة من صراعه المرير مع السلطة بالمغرب منذ 1972، و من خلافه مع القوى السياسية و المدنية التي لا توافقه على نهجه و لا تقاسمه نفس الأهداف، كما أنه لم يفهم الكثير من عبر التاريخ الإسلامي الطويل و تاريخ الشعوب و البلدان المتقدمة منها و المتخلفة، و التي يوليها عادة الزعماء السياسيون أهمية قصوى، و يستلهمون منها خططهم و يستعينون بها في تحاليلهم و اختياراتهم و مواقفهم، لكي لا يقعوا في أخطاء أسلافهم أو أخطاء غيرهم من القادة و الزعماء السابقين . على عكس ذلك يبدو الشيخ أكثر ثقة في أفكاره من ذي قبل، مع العلم أنها أفكار جعلت تنظيم العدل و الإحسان معزولا رغم انتشاره ضعيفا رغم قوته، و مردّ ذلك في اعتقادنا إلى أمور أربعة لا يبدو أنّ الشيخ و أتباعه يكترثون بها رغم أهميتها : 1) أنّ الطبيعة التنظيمية للعدل و الإحسان و التي تقوم على قطبية الشيخ المرشد و مركزية سلطته الروحية و الإيديولوجية قد جعلت منه المنظر الوحيد للتنظيم ككل، فهو مؤلف الكتب و صانع المفاهيم المؤسسة و مهندس المشروع العدلي في مجمله، و هم التابعون المستهلكون و المروجون لخطاب الشيخ الذي لا يناقش، و قد أدّى هذا إلى إضعاف الدور النقدي للأتباع داخل التنظيم، كما حدّ من دينامية النقاش الداخلي مما يؤدّي إلى حكم الجماعة بالطرد على كل من حاول التعبير عن رأي مخالف، كما حدث للبشيري و كل الذين انشقوا عن الجماعة بعد ذلك. و مكمن الضعف في هذا الأمر هو ما يسببه من إحراج لأعضاء التنظيم العدلي في النقاش العمومي، فالكثير من أفكار الشيخ و مواقفه يغلب عليها الإنفعال الذاتي و النفس الإنتقامي، كما أنّ بعضها الآخر يتسم بنزوع استعلائي إطلاقي ماحق لا يسمح بالتحاور و لا بالتقارب، زد على ذلك كثرة الأخطاء المعرفية سواء في قراءة التراث الفكري الإسلامي أم التراث الإنساني الفلسفي و العلمي، كما أنّ الكثير من المفاهيم التي يستعملها الشيخ هي مفاهيم تراثية غير قابلة للتحيين لأن السياق مختلف كليا و بشكل حاسم لا رجعة فيه، فالتركيز مثلا على مفهوم "الكفر" و "الكافر" لا تتطابق مطلقا مع الرصيد الحالي للبشرية في مجال حقوق الإنسان، حيث أصبحت حرية الإعتقاد مبدأ أساسيا، و المؤمن و غير المؤمن متساويين أمام القانون بوصفهما مواطنين لا مفاضلة بينهما بالعقيدة و لا باللون و لا بالجنس أو النسب أو العرق أو اللغة. 2) أنّ الطريقة التي تأسس بها الخطاب العدلي تقوم على اعتقاد راسخ في فكرة الإنتداب الإلاهي للجماعة التي هي خليط من الفكر الصوفي و الشيعي، حيث تمزج بين فكرة الولاية الصوفية و القطبية و بين فكرة المهدوية الشيعية، و ترمي إلى إقناع الجمهور بأنّ التنظيم الذي يرأسه الشيخ مأيد من الله و يحمل رسالة عظمى للأمة، و لهذا تقوم فكرة الجماعة على حديث منسوب إلى النبي محمد مفاده أنّ الخلافة الإسلامية ستكون ثلاثين سنة بعد موت النبي ثم يهيمن "ملك عضوض" و استبدادي ثم تعود "الخلافة الثانية على منهاج النبوة"، و هي فكرة استنفذت حدّ الإنهاك عبر تاريخ الإسلام كله، حيث كثر الذين زكّوا أنفسهم بأنهم ممثلو الخلافة الشرعيين، و لم تعد لهذه الفكرة اليوم نفس المصداقية التي كانت لها بالأمس بعد انهيار الخلافة عام 1924 التي تحولت في نظر الغرب المتقدم إلى مجرد "رجل مريض"، في سياق تغيرت فيه قواعد اللعبة كليا في حقل السياسة، كما انقلب نموذج الدولة انقلابا جذريا بعد أن تعرف المغرب على الدولة الوطنية الحديثة خلال فترة الحماية الفرنسية، ما يعني بأنّ الشيخ جاء متأخرا عن عصره بقرن كامل، و هو القرن الذي حدثت فيه تحولات حاسمة غيرت مجرى التاريخ . 3) أنّ كثرة الأقاويل الخرافية التي أحاطت بشخصية الشيخ و جماعته قد أضرّت بالجماعة و بمصداقيتها في أعين الناس، و خاصة لدى القوى السياسية و المدنية، و ذلك مثل قدرة الشيخ على معالجة أمراض مستعصية كالعمى و البرص، و نفاذه عبر الجدران ، و كفكرة القومة التي ستقع في تاريخ معين من سنة معينة دون أن يكون لذلك أية علاقة بالواقع، و كموضوع الرؤى و الأحلام التي شغلت مريدي الشيخ و ألهتهم بشكل غريب عن واقعهم و جعلتهم غرباء عن العصر الذي نحن فيه، و الذي يعرف انفجارا معرفيا و فتوحات علمية لا نظير لها في التاريخ كله. 4) أنّ أفكار الشيخ تصبح ـ بسبب ما ذكرناه ـ بمجرد كتابتها مواقف رسمية للجماعة، مما يجعل الفرقاء السياسيين و المدنيين يحاكمون الجماعة انطلاقا مما يكتبه الشيخ، كما أنها تصبح بسبب ذلك مواقف أبدية للجماعة، ما أدّى إلى توسيع الهوة بين العدل و الإحسان و باقي مكونات المشهد السياسي و المدني و الثقافي بالمغرب ـ و خاصة عندما تكون الأفكار التي يقترحها الشيخ أسوأ من سياسة السلطة و "المخزن" ـ و جعل هذا التنظيم الراديكالي معزولا حتى عن التنظيمات الإسلامية الأخرى التي لا تنظر إليه بارتياح و التي يعتبرها الشيخ و جماعته "مخزنية" مدجنة من قبل النظام و داخلة في لعبته. و رغم أنّ بعض أفكار الشيخ المغالية لا تروق لبعض أتباعه أحيانا، مما يجعلهم يحاولون في النقاش العمومي تسويغها عبر تأويلها بطرق ملتوية و غير مقنعة، إلا أنهم لا يستطيعون نقدها علانية إلا عندما تكون لديهم نية مغادرة التنظيم بصفة نهائية. 5) أنّ مفهوم "الحوار" لدى الشيخ و الذي يهدف إلى الوصول إلى ميثاق وطني جامع هو مفهوم ملتبس لا يلتزم بالمبدإ الأساسي للحوار، و هو الإختلاف، فالشيخ يقول "تعالوا إلى كلمة سواء" و لكنه لا يعتبر الكلمة السواء هي العناصر المشتركة بين الجميع ، بل يقصد بها الأرضية الدينية الإسلامية، و الحال أن النقاش العمومي و دينامية الحياة السياسية و الثقافية بالمغرب قد تجاوزا وحدة المرجعية و أصبح الفاعلون السياسيون و المدنيون يتطلعون إلى مناخ ديمقراطي أكثر انفتاحا و تسامحا، مناخ يتمّ فيه القبول بالآخر المختلف و البحث عن أساليب التعايش المشترك في ظل القانون الذي يساوي بين الجميع.
#أحمد_عصيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عودة إلى موضوع التنصير و الأسلمة
-
الإنفجار الديمغرافي الإسلامي في مواجهة تقدم الغرب: آخر ابتكا
...
-
التبشير المسيحي و التبشير الإسلامي
-
ملاحظات حول مفهوم -الأمن الروحي للمغاربة-
-
عنصرية إسرائيل بين عصا البشير و عمامة نجاد
-
مظاهر الميز ضد الأمازيغ و السود و اليهود بالمغرب إلى الوزير
...
-
نداء من أجل الحرية
-
أبعاد التواطؤ بين الإسلاميين و السلطة
-
لماذا يعيش المغرب حالة بارانويا دينية ؟
-
التضامن الإنساني و التضامن العرقي
-
حين يباع الوطن و يهان المواطن
-
33 قرنا من تاريخ الأمازيغيين
-
المفهوم اللاديمقراطي للديمقراطية
-
الوطنية المغربية و الطابو التاريخي
-
انتحار امرأة
-
الجذور الفكرية لإيديولوجيا التعريب المطلق
-
نظرية المؤامرة في السجال العمومي
-
الأمازيغية في مفترق الطرق أسئلة الحصيلة و الآفاق
-
الشذوذ الجنسي و الشذوذ الديني
-
ما بعد النموذج اليعقوبي للدولة الوطنية
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|