جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2656 - 2009 / 5 / 24 - 06:20
المحور:
سيرة ذاتية
كان في عام 1997 ,. شعاره الأول والأخير هو : حب الوطن , وكان يقول عاش الوطن , فليحيا الوطن , وكان يموت في كل يوم أكثر من 1000 مرة في سبيل الدفاع عن الوطن , طبعاً هذا لا يعني أنه تخلى عن الوطن بل ما زال يحب الوطن .
القصيدة تنبض مع دم الشاعر في عروقه وأوردته , وهي تنبض مع نبضات القلب وتدق مع دقات القلب , وينزل ضغطها ويرتفع على حسب قوة التأثير في دم الشاعر , والشاعر هو المخلوق الوحيد الذي إذا فُحص دمه فإنه من المحتمل أن يكون لونه كلون زيت السيارات المحروق , وذلك من كثرة إشتعاله وغليانه , أما المواطن العادي فإن دمه يبقى كما هو بارد ولا ينفع للري والزراعة .
والقصيدة أو المقال الذي كان يكتبه في حب الوطن لم يكن يساوي عند رئيس التحرير أكثر من عدة قروش حمراء معدودة على أصابع اليد اليمنى , لذلك كانت النظرة لها نظرة رخيصة جداً , أما بالنسبة للشاعر فقد كانت القصيدة تكلفه ثمن حياته بكاملها , فكان يفكر أن يموت تحت تعذيب القصيدة ولواعجها , فالقصيدة تعذب الشاعر , تقتله وتمارس عليه هواية التعذيب , القصيدة تُعذب الشاعر وتصلبه , وتدفنه وهو ما زال على قيد الحياة , أو أنها كانت تكلفه حياة أمة بكاملها أو حياة جيل كامل أو جيلين , فالقصائد الحقيقية والصادرة من القلب تكلف صاحبها الشيء الكثير , لأن الشاعر ينحتها من قلبه أو من رأسه , فكثيراً ما كان يشعر ُ أن القصيدة تخرج ُ من رأسه كما خرجت (أثينا) من رأس (زيوس) أو ك(بجماليون) التي ساهم بخلقها الفنان والعابد والنحات والشاعر وكل ضروب الفن .
القصيدة تكلف الشاعر ثمناً باهظاً , ثمناً وأي ثمن!!, إنها تحترق بداخله وكأنها مدينة كاملة أحرقتها كتلة ملتهبة قادمة من السماء , القصيدة بالنسبة له تتفجرُ بصدره كما تتفجر البراكين والينابيع الحارة .
أول قصيدة للوطن كتبها حين إنفجرت بداخله ذكريات ..أي ذكريات ؟؟ لا توجد ذكريات , بل إنفجرت بسبب غلاء الأسعار يوم مد يده إلى جيبه لتخرج بيضاء من غير سوء وإذا بها تخرج كلها سوء وسوداء لونها غير فاقع ولا يسرُ الناظرين .
الجملة الشعرية هي أكثر شيء يفتش عنه , وعن المواقع التي من الممكن له أن يُحس وأن يشعر بها الناس .
وكذلك الحب والمرأة , فالقصيدة التي تخلو من المرأة لا تعتبر جميلة , إنها تصبح جافة , كالبيت الذي لا توجد به إمرأة , ولا ننسى الحب فكل قصيدة ناجحة ومؤثرة هي بحاجة لأن تدخلها إمرأة بقصة حب عنيفة , وكذلك المرأة التي تكتب وليس بحياتها رجل تعشقه , لا يمكن أن تأتي مفرداتها متسلسلة ومرتبة وناعمة , إن الحب والرومنسية إذا فقدهما الإنسان المبدع فإن أدواته أيضاً تتعرض للجفاف , وتصبح مراكز للتبول بدل أن تكون مواقع للإستجمام .
وكان لا يقوم من نومه مبكراً , ولا ينام مبكراً , بل كان يتأخر لأنه يسهر كل يوم على كتابة قصيدة جميلة ,برضه القصيدة ليست له بل للوطن , هذه المرة القصيدة قصيدة مدح , وكان يشرب في كل يوم أكثر من كيلو قهوة وهو يحاول أن يجعل ذهنه صافياً من أجل كتابة قصيدة بمزاج عالي , وكان يشرب في اليوم الواحد أيضاً ما يربوا على 5 ألتار من الشاي الساخن لكي يساعده الشاي على إعداد قصيدة جميلة تليق بالوطن وجمالياته ولا ننسى السجائر فقد كان يشرب في اليوم أكثر من 60 سيجارة تتطاير جميعها في أرجاء غرفته مشكلة السحاب والمنخفضات الجوية , وكان يستعمل الشاي كمساعد ورافد آخر للقهوة , حيث أظهرت خبرته وتجربته أن شرب القهوة لا يساعده على كتابة نص جميل يليق بمستوى الوطن أمام الناس الغرباء , شو ها الحكي ؟.
إذاً القصيدة التي تقرأونها بين أيديكم , تكلف الشاعر أحياناً كيلو قهوة مطحونة من غير سكر أو بسكر زيادة , هذا طبعاً على حسب الطلب , القصيدة تكلف متر مكعب أحياناً من الشاي , وأحياناً من الفودكا , ولكنه نادراً ما كان يستعمل الفودكا لأجل أن لا تظهر بالقصيدة رائحة الحرام , فالفودكا حرام , ولو فاحت من القصيدة رائحة الفودكا لبطل عمل القصيدة , ولأصبحت غير وطنية ولا تهتم بأمر الناس والواقع .
من داخله كان يرى العالم , تماماً كما كان كافكا ينظر للعالم من ثقب الباب .
وكان مرة أن كتب قصيدة ووزعها على كل الناس بطريقة ملتوية , كأن يضعها على الكرسي الذي يجلس عليه في الباص , عامداً متعمداً , ولكن المخلصين من الأمة والشعب كانوا يلحقونه بها وهم يصيحون به : يا أستاذ وقعت منك على الأرض هاي الورقة .
كان يقول بينه وبين نفسه : شو هذا الإخلاص الكبير في الأمه والشعب والناس , ماشاء الله عليهم أمينين جداً.
ثم ينزل من الباص فيرمي القصيدة على الأرض , ويخطر بباله أن يلقاها أحد المعجبين بالشعر وبالقراءة فيقرأها ويعجب بها , ولكن لا جدوى, ففي كل مرة يرميها على الأرض كان يلتقطها عامل النظافة وبدل أن يقوم بفتحها كان يقوم بفتح الكيس الأسود الذي يحمله بيده اليمنى ليضعها به معلناً نهايتها في مشرحة إبلاستيكية .
فكر في شيء آخر , الزمن يمر وعقارب الساعة تدور بسرعة وإذا إنتظر شيء فإن عقارب الساعة تدور ببطىء شديد , ألآن راقت له فكرة جيدة قرر أن يذهب للصحف لنشر المادة الإبداعية .
وهذه أول صحيفة يدخلها صحيفة حرة وجريئة وتحترم الكلمة الجريئة والحرة , وتشجع على الثقافة , ويبدو أنها مثل كل الصحف العربية الرائعة حقاً , فكل الصحف العربية هكذا , وضع عند رئيس تحرير الصفحة الثقافية قصيدة جديدة , القصيدة قصيدة غزل في الوطن ورجال الوطن وحب الوطن والموت من أجل الوطن والعيش من أجل الوطن والوفاء وتحمل القرف من أجل الوطن وبيع كل شيء من أجل الوطن حتى صار الشاعر على الحديدة من أجل الوطن , وجاء عليه ذات يوم يومٌ مثل طين الشتا فباع حتى الحديدة من أجل الوطن , وأحرق قصائده الشعرية من أجل أن يستدفء عليها فداءاً للوطن .
كان عليه أول مرة أن ينتظر أكثر من عام كامل لنشر قصيدته , وحين يمر الحول الكامل عليها يأتي ليسأل عنها فلا يجدها لأنها ضاعت بين الوطنيين الأحرار فالوطنيون الأحرار أحبوا القصيدة وأخفوها في أدراجهم , حتى لا يعشقها أحد ٌ غيرهم , إخلاص كبير وشديد ليس بعده إخلاص.
وكان إذا كتب مقال راتجعه بنفسه ونقحه من كل الأخطاء اللغوية وعلى نهج المدرسة البصرية والكوفية وكان يرفض المدرسة البغدادية والتي تتوسط المدرستين , أحب انحو العربي والنحو أحبه وأحب الشارع العربي والشارع أحبه , وحين ينتهي من حبه للشترع والمقال كان يذهب ُ به إلى الصحف المحلية , لا يحب الصحيفة الصفراء أو الحمراء , ظكان مصاب بعمى ألوان , كله عنده صابون , كل الصحف بالنسبة له بيضاء , لأن الوطن الجميل لا يسمح بولادة صحف غير الصحف التي تصدرها هي .
وكان ينتظر على نشر المقال شهراً أو شهرين , سنة أو سنتين , وليس يوماً أو يومين , بل سنة أو عشرة سنين على أقل تقدير .
ومن ترك الكتابة للصحف الوطنية , صدقوني إرتاح ضميره وأصبح يشعر بالراحة , فقد إرتاح من رؤساء التحرير أو من عصابات التحرير , وإرتاح من شرب القهوة والشاي وترك التدخين , فكل الظروف أصبحت مناسبة للإبداع ولا شيء يدعو للقلق .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟