عادل الخياط
الحوار المتمدن-العدد: 811 - 2004 / 4 / 21 - 04:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما طرقَ سمعي إغتيال عبد العزيز الرنتيسي , تذكرت الجنة التي عرضها السماوات والأرض , لا أعرف لماذا ؟ ربما لأن الرنتيسي ينتمي إلى تنظيم - حماس الإسلامي - وصلة التنظيمات الإسلامية المعاصرة أكثر إرتباطا أو أكثر سعيا للفوز بالجنة من الأولين أو الأسبقين , بل ربما إن سعيهم هذا أقوى صميمية حتى من المجاهدين الأوائل , في صدر الإسلام , حيث لم نسمع أو نقرأ في تلك العهود عن عمليات التضحية بالنفس من خلال التفجيرات الإنتحارية كما نشهده في هذا الزمان ! لكن من يدري ربما لو كانت عندهم قنابل كما الآن أيضا لفجروا أنفسهم في حشود الناس وأحالوها شظايا متناثرة !!
على أي حال , أقول تذكرت الجنة , أو بالأحرى حكاية عن شخص ما دخلَ الجنة نتيجة - سكرة قوية - في بار من بارات شارع - أبو نؤاس - ؟
كانت حياة هذا الشخص عبارة عن سلسلة متصلة من السكر والإفلاس , لكن شفيعه في ذلك إنه كان من النوع الإجتماعي , بحيث يستطيع أن يحصل على المال من خلال تلك العلاقات ! فمثلا في إحدى المرات دخل على أصدقائه في بار - الخضراء - عل ضفة - أبو نؤاس - ولم يكن عنده - فلس أحمر - أو ربما فقط - درهم - إجرة الباص - وأصدقاؤه كذلك , كانت النقود التي في حوزتهم على قدر - الشراب الذي كانوا يشربونه . حاول معهم بكل الطرق , أو كما نقول باللهجة العراقية ( منا منا , كل واحد بيك عرق , كل واحد بطل بيره ) فلم يفلح , فرجع خائبا , لكن في الطريق , أو بالأحرى في الباص قاده حظه إلى الجلوس بجانب إمرأة كانت ذاهبة إلى بيتها بعد إنتهاء عملها , حيث كان الوقت حينها نهاية عمل . أيضا من الصدف التي خدمته إن ذلك المكان في الباص كان هو الوحيد الفارغ , كذلك كان ذلك اليوم - يوم رواتب الموظفين - حيث إن تلك المرأة كانت تعمل موظفة حكومية . وهكذا , ولأنه كان يغلي على تلك - السكرة - على ضفاف أبو نؤاس وبرفقة أصدقاء السوء والرذيلة ( إلي مايستحون من سكرهم وعربدتهم المستمرة )
فقال لها , أو سألها فيما إذا كانت تعمل , لكن لا , في البداية أخذ يتحدث إليها أحاديث غير مترابطة - فمرة يقول لها : لو كنت إستخدمت غير هذا الباص أحسن , ومرة يقول إنه يُفضل سينما - سميره أميس على سينما الخيام لأنها هادئة , وأخرى يقول : المواد في السوق العربي أرخص من الأسواق المركزية .. وغيرها , وأخيرا سألها عن العمل , فأجابته بالإيجاب بأنها تعمل وأنها أنهت عملها للتو ومتوجهة إلى البيت - وكان وضعها إزاء تلك الحالة بين الدهشة والضحك - فرجع سائلا عن يوم الراتب , فإزدادت دهجة وضحكا وقالت له : ولماذا تسأل ؟ فقال لها : ولله محتاج خمس دنانير , جماعتي ( أصحابي ) يسكرون حاليا على أبو نؤاس وتركتهم لأن ما عندي فلوس . ثم أخذ يُقسم لها بالقسم العراقي الذي ربما لا يعرفونه إخواننا العربان : والحسين والعباس راح أرجع الفلوس إليك أول ما يصير عندي , ثم اردف : الله يخليك الله يخليك بس خمس دنانير. " كانت الفتاة قد أخذت عيونها تدمع من شدة الضحك وهو يحدثها بهذه الطريقة . وبالفعل أعطته ال - خمسة دنانير ورجع إلى أصحابه ليسكر معهم .
هذه واحدة من حكاويه عن الإفلاس . أما بخصوص حكايته مع الجنة وكيف دخلها , فقد أتت ببساطة ودون تعقيد - لا تفجيرات ولا جهاد ولا عمائم ولا بطيخ - . فذات ليلة كان في جيبه عشرين دينار , كيف تكونَ هذا المبلغ عنده ؟ لم يخبر أحدا بذلك . ربما بقدرة قادر , فالمعهود إنه حتى حين يطلب فلوس من معارفه فإنه يطلب على قدر - سكرة يوم واحد - لكن يظهر إنها فعلا بقدرة العلي القدير لأنه أراد أن يدخله الجنة !! على أي حال , سكرَ تلك الليلة حد الثمالة , وأعطى الكثير من ( البخشيش ) لنادل البار - بالمناسبة السِكير عادة يكون ( كريم ) جدا في عطائه , ليس مثل رجل الدين يمتاز بالبخل - إضافة لذلك شرب أحد أصدقائه على حسابه . وحين خرج من الحانة , وأثناء مسيره في الطريق إعترضه أحد ( المتسولين ) طالبا المساعده , فمد يده في جيبه - كانت قد فضلت عنده ( خمسة دنانير ) من العشرين دينار - وأخرج الخمسة دنانير وأعطاها بالكامل إلى ذلك المتسول قائلا له : خذها , حلال عليك .. وأضاف : لاتخف طالما يوجد سكارى على الأرض لن تموت من الجوع ." .. لكنه بعد أن سلمها له , عبرَ الشارع فصدمته سيارة مسرعة فمات على الفور . لا أعرف كيف حدث هذا , لكن الواضح إن أمثاله يعشقون الموت - مثل جان دمو - . المهم , بعد أن تمت مراسيم دفنه , إنتقل إلى الأعلى - الغريب إنه لم يظهر له أحد في القبر , لا مُنكر ولا نكير - وبدأت محاكمته , وبعد مداولات بين رئيس المحكمة ومساعديه , نُطق بالحكم التالي : قررت المحكمة إنك تذهب إلى الجنة . " كان ذلك القرار غير متوقع بالنسبة له , ولأنه لا يؤمن بالقدريات , أن تقع الأشياء هكذا دونما مقدمات أو أسس ترتكز عليها , فقد ضحك بقوة وقال لهم : لا شك إنكم تمزحون . " فصاحوا به : نحن لانمزح , تذهب إلى الجنة , معناها تذهب إلى الجنة , هل تفهم ؟ . فرجع سائلا : لكن كيف , فقط أفهم , لقد أنفقت عمري كله سكر وعربدة . عند ذاك قالوا له : هذا صحيح , لكنك عملت حسنة قبل موتك , حين أعطيت المتسول - خمسة دنانير - هل تذكر ؟ لذلك قررنا عليك الجنة . "
عندنا باللهجة العراقية أمثال كثيرة ترتبط بهذه الحالة , واحد منها يقول : ( ومهروش وطاح بكروش ) ومعناه, يعني يعني يعني ( هاي شلون ورطه , شلون تفسر هذا بله ) بإختصار , يعني هو كان سابقا لا يشبع ولا يقنع من الخمر , والآن دخل جنة عرضها السماوات والأرض , وأنهار الخمر فيها لا تُعد ولا تُحصى , فماذا تراه سيفعل ؟ الذي فعله , إنه لم يفارق أنهار الخمر للحظة واحدة , ينتقل من نهر إلى آخر , يغرف من النهر من هنا , ثم يلتقط الفاكهة من هنا , بل أخذ ( يخبط ) يخلط الخمر باللبن ويشرب ( طبعا الخلط في الجنة ليست فيه أية مضاعفات مِعوية كما في الأرض حين تخبط أحيانا يُسبب عندك تسممْ أو حالات أخرى ) .. ثم أخذ يتأمر على الملائكة , مرة يقول لهم : أريد ( مركة باميا ) مرقة باميا - ومرة ( باجه ), ومرة يطلب سمك ! وطبعا هو يطلب هذه الطبخات لأنها مرتبطة في مُخيلته بأيام الأرض , وكيف كان يسكر من هنا ويذهب ليأكل سمك ( مسكوف) على أبو نؤاس , أو يذهب إلى ( منطقة العلاوي ) ليأكل ( باجه ) أو حين تطبخ له ( الحجيه أُمه مركة باميا ) ! لكن الواضح إن الملائكة قد بدأوا يضجرون من طلباته التي لا تنتهي , والتي لم يلبوها بالكامل , لأنهم بصراحة لايملكون بعضا منها و كانوا يقولون له : إذا تريد - باميا , أو باجة, عليك أن تذهب إلى النار , هناك أصحابك الذين تعرفهم , يطبخون هذه الطبخات , أما نحن فليس عندنا منها , نحن عندنا تفاح , برتقال ,عسل, موز, لوز , جوز .. لكن ذات يوم بالفعل أخرجهم من طورهم , فقد سكرَ سكرة قوية جدا , وأخذ يصيح عليهم : وا ( الحور العين ) أين أصبحن , أريد الحور العين , حالا أريد الحور العين .. " حين ذاك مسكوا به ( وشبعو جلاقات ) مسكوا به وأخذوا يشبعوه ضربا , وهم يقولون له : ملينا منك وجزعنا , يعني هي خمس دنانير , كيف رايك , تشترينا بيها ( خوب موتشترينا ) تشتري الجنة بيها , ثم حملوه ورموا به في النار , وحتى بدون أي أمر من رئيس المحكمة , وقالوا له : روح هناك , إطبخ باميا , وباجه !!
الرباط في حكايتنا هذه هو الرنتيسي وكيفية التعامل معه هناك , فالمشهود للرنتيسي إنه مجاهد ضد الكيان الصهيوني , لكن مع الأسف هناك نقطة سوداء في حياته , هي علاقته بصدام حسين المجرم إبن المجرمين , وظل متشبثا بهذا الموقف حتى آخر نفس لفظه , ونحن نذكر كيف أقام مجلس الفاتحة للمجرمين عدي وقصي , ولا أعرف أين صلة الربط بين هذا وذاك , يعني مثلا هل كان الرنتيسي سيقبل دعوة دعارة وسط العاهرات من - عدي - وهو الشيخ الإسلامي المُفلطح ؟ , أو هل كان سيقبل منه حفلة حرق مجاميع بشرية بالتيزاب أو بالأحماض الكيميائية ؟ , أو هل إرتاح ضميره المتكلس وهو يرى تلك المجازر التي لايمكن أن تخفى على أي مصاب بعته عقلي . والواقع إن هؤلاء حقا يدعون إلى السخرية والعجب - أعني حماس وبقية التنظيمات الفلسطينية - فعلى سبيل المثال حماس هذه , هل هي في تحالف مع إيران وحزب الله وسوريا , أم مع صدام , أم مع الجميع أم مع منْ ؟ أم إنهم جميعا ينافقون بعضهم على بعض , فصدام كانت عنده معارضة إيرانية ضد نظام الملالي , وهؤلاء الملالي عندهم معارضة عراقية ضد صدام , وإيران علاقاتها مع - حماس منذ بداية حكم الملالي, ولحد العام الماضي تُمسك لها سفينة أسلحة مرسلة إلى - حماس - وحزب الله في قناته - المنار - يعرض عملية إعدام بشعة , تفجير شباب عراقيين , ويتهجم على نظام صدام , وثاني يوم يظهر أحد عناصر - حماس - في نفس القناة يمتدح صدام , . وغيرها وغيرها وغيرها .. وكل هذا النفاق والخداع والمتاجرة , فقط لأجل أن تُوضع , أميركا شماعة , العداء لأمريكا هو المقياس وليس الأخلاق , والحقيقة إنه ليس عداءا , كلها فبركات سخيفة أبله البلهاء ممكن أن يراها واضحة وضوح الشمس!! إذاً فليظلوا تحت مطرقة الصهيونية طالما ظلوا غير صادقين في معتقداهم - إذا كانت عندهم ذرة من المُعتقدات- وسلوكياتهم , أو بتعبير أكثر دقة إنهم طالما إستمروا في نفاقهم هذا فلن ينالوا مايبتغوه ولو حاربت معهم كل ملائكة السماء التي يُؤمنون بها !!
[email protected]
#عادل_الخياط (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟