محمد نعمان جلال
الحوار المتمدن-العدد: 811 - 2004 / 4 / 21 - 04:32
المحور:
حقوق الانسان
عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان
عاشت مصر علي مدى اكثر من قرن من الزمان في ظل قوانين استثنائية مابين الخضوع للسلطة العثمانية ثم اعلان الحماية البريطانية وحتي عندما صدر دستور1923 بعد اعلان استقلال مصر في1922 وضعت على ذلك الاستقلال التحفظات الاربعة المشهورة ثم سرعان ما سحبت السلطة الحقيقية من الشعب بعد اغتيال السردار سير لي ستاك وجرى تطوير عادة تزوير انتخابات بعد تلك الانتخابات النزيهة التي اجراها عبدالخالق ثروت, وكان ذلك مضرب المثل في النزاهة حيث سقط رئيس الوزراء الذي اجري الانتخابات.
وتطور التزوير ليصبح سمة رئيسية بل ركيزة من ركائز النظام السياسي المصري لاكثر من نصف قرن وان تخللت ذلك ومضات من الحرية والنزاهة,
والاكثر سوءا ساد البلاد حكم الطواريء سواء بالاعلان الرسمي أو العمل الفعلي في ظل دساتير مؤقتة واعلانات دستورية, أو في ظل حكومات الاقلية وتم اقصاء حزب الاغلبية. وهكذا فقدت الديمقراطية المصرية والدستور المصري بل والمجلس التشريعي المصري اهم سماته وهي سمة الاستمرارية وتراكم الخبرة والممارسة الديمقراطية.
والان ومع بداية عام2004 برزت علي الساحة المصرية [ثلاثة] ملامح هامة ومبشرة:---
اولها
إن القيادة السياسية العليا اصبحت اكثر من اي وقت مضى مستعدة لادخال الاصلاح السياسي واحداث التطور الديمقراطي؛ ولعل في انشاء المجلس القومي لحقوق الانسان من نخبة متميزة من ابناء وبنات مصر خير دلالة علي ذلك.
ثانيها:
إن العالم كله أصبح يتحدث عن حقوق الانسان وعن الحكم الصالح وعن الانتخابات الحرة والنزيهة والدورية والتي من شأنها افراز قيادات تستند في شعبيتها الي قاعدة شعبية بدلا من ارتكازها علي أوامر أو تعليمات ادارية في حركتها وفكرها وسلوكها.
ثالثها:
إن الشرق الاوسط أصبح يموج بمبادرات تدعو للاصلاح سواء كانت مبادرات دولية مثل المبادرة الامريكية أو المبادرة الاوروبية أو مبادرات اقليمية مثل المبادرة المصرية السعودية, السورية او المبادرة الاردنية أو مبادرات تم وضعها موضع التنفيذ الفعلي بإجراء انتخابات حرة وتشكيل مجالس نيابية كما حدث في البحرين, أو اجراء انتخابات في الجزئر وغيرها, ورغم مايرد من تحفظات علي مختلف تلك المبادرات سواء تلك المبادرات النظرية والتي من بينها أوراق المثقفين مثل تلك الصادرة عن مؤتمر الاسكندرية, أو المبادرات العملية المنفذة ببدء الاصلاحات وممارسة الديمقراطية في بعض دول الخليج التي كانت كلمة ديمقراطية تكاد لاتنطق فيها في الماضي,
نقول إنه رغم كل ذلك وما يعتريه من أوجه القصور إلا أنه يعكس حقيقتين هامتين:
الاولي:
إن الارضية أصبحت مهيأة لاحداث اصلاح ديمقراطي حقيقي ووقف ممارسة تزوير الانتخابات أو الحد من ذلك لتغيير الصورة العربية المشوهة وخاصة نتائج الـ99% والتي زادها صدام حسين تشويها بحصوله علي مائة في المائة عندما أجري انتخابات في العراق قبل شهور من سقوطه تحت احذية العراقيين المسنودة بقوي الاحتلال.
الثانية:
إن القيادات السياسية العربية أصبحت بدورها اكثر استعدادا للتخلي عن بعض من صلاحياتها وممارساتها القديمة القائمة علي السلطة المطلقة بل انها اصبحت تطرح مقولات اصلاحية.
اذن السؤال كيف العمل ومن اين نبدأ؟
لاشك في أن عالمنا العربي لن يخترع الديمقراطية ولا اساليبها فهناك ممارسات معروفة لدى العالم شرقه وغربه.
هناك منهج واضح اتبعته الهند وهي دولة نامية تعاني الكثير من المشاكل ومع ذلك حافظت علي الممارسة الديمقراطية
بفضل ثلاثة عوامل.-
الاول:
ايمان القيادة منذ نهرو وخلفائه بان الديمقراطية بكل سيئاتها افضل الف مرة من الديكتاتورية بكل حسناتها.
الثاني:
استعداد الشعب رجالا ونساء للوقوف في طابور الانتخابات والحرص علي الادلاء بصوته من اجل من يراه مناسبا مهما كانت الظروف ومهما كانت المحاذير والتحفظات.
الثالث:
ايمان القيادات والاحزاب بانها ليست ابدية وانه يمكن ان تكون في السلطة وتتخلي غدا ثم تعود مرة ثانية.
وكان الرقيب علي ذلك كله ليس وزارة الداخلية او اي جهاز من اجهزة الحكومة, ولكن اللجنة العليا للانتخابات التي هي مؤسسة من مؤسسات الدولة ولا سلطان للحكومة عليها.
وهذا افضل الف مرة مما يسمي بمراقبة أو اشراف القضاء علي الانتخابات لأن القضاة مع نزاهتهم وعلمهم هم جزء في الواقع من السلطة التنفيذية, هم جزء من وزارة العدل التي تضطلع بدور مباشر أو غير مباشر في قرارات تعيينهم وترقيتهم بل وتوزيعهم علي مختلف المحافظات.. ومن هنا ينبغي اعادة النظر في ممارسات تتم في بلادنا العزيزة.
من حيث استقلالية القضاء وهؤلاء القضاة الذين يتسمون بالنزاهة مثقلون بالعدد الضخم من القضايا التي تتأخر كثيرا في اصدار الاحكام بشأنها ومن هنا ينبغي ألا نزيدهم ارهاقا ونكلفهم بما لايطيقون بالنسبة للاشراف علي الانتخابات. ومن الضروري أن يصدر مجلس الشعب قانونا بانشاء لجنة عليا للانتخابات يتمتع اعضاؤها بالنزاهة والاستقلالية عن جميع الاحزاب وتكون مسئؤليتها الاشراف على قوائم الانتخابات وصناديق الاقتراع واعلان النتائج وباختصار المطلوب التخلص من ان الذي يحكم في صحة العضوية ونتيجة الانتخابات هي وزارة الداخلية أو مجلس الشعب بل ينبغي ان يناط ذلك كله بهيئة مستقلة.
وامامنا كما ذكرتُ التجربة الهندية وهناك تجارب اخرى في دول متقدمة ايضا ويمكننا الاستفادة منها. وقبل اجراء الانتخابات الديمقراطية فان الشعب كله يتطلع الي الغاء حالة الطواريء التي ظلت ردحا من الزمن وحقا لقد حافظ قانون الطواريء علي استقرار البلاد وامنها في مرحلة عصيبة من تاريخ مصر كان الارهاب والفتن الطائفية تهددها, ولكن الآن تحقق السلام والأمن ولابد ان يصبح القاضي الطبيعي والقانون العادي هو المرجع للمواطن في تأكيد حقوقه وضمانات التمتع بها في كل احواله.
ولقد كان الرئيس مبارك مبادرا بإنشاء المجلس القومي لحقوق الانسان ولاشك انه يتوقع ان يكون لهذه المجلس دوره الحقيقي في انماء هذه الحقوق, واذا كان الخبراء والمسئولون مثل السيد وزير الداخلية لايمانعون في انهاء قانون الطواريء وحالة الطواريء فإن الامل كبير في صدور القرار الذي يعيد الاطمئنان للنفوس قريبا.
#محمد_نعمان_جلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟