أسعد أسعد
الحوار المتمدن-العدد: 2653 - 2009 / 5 / 21 - 09:50
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من أكثر النصوص القرآنية المثيرة للجدل المسيحي الإسلامي هو ما ورد في سورة النساء عن إتهام اليهود بأنهم إدعوا أنهم صلبوا المسيح فنفي القرآن هذا الإدعاء و إتهمهم بالإختلاف و الشك و إتباع الظن , و قد إنخرط المسلمون و المسيحيون في جدال و هجوم و دفاع علي مدي قرون طويلة حول مسألة هل صُلب المسيح أم لم يصلب . و لا شك إن إتهام المسيحية التي تنادي بصلب المسيح و موته و قيامته بأنها مزورة و مزيفة و إن الكتاب المقدس محرّف يفتح المجال أيضا أن توجّه مثل هذه الإتهامات للإسلام و القرآن الذي يدعي المسلمون أنه ينفي صلب المسيح , ثم إن إستخدام المسلمين لآيات من الكتاب المقدس للتدليل علي صحة بعث محمد إبن عبد الله نبيا للعرب يفتح الباب أيضا لإستخدام الآيات القرآنية لإثبات صحة العقيدة المسيحية , و هذا يدفعنا للدوران في حلقات مفرغة. لذلك فإنه لإقامة حوار سليم يبقي أن يدور الحوار مركزا علي موضوعات محددة و بتساؤل و ردود تكون هي السبيل المستقيم لتقصي الحقائق و خاصة في هذا المقطع القرآني الذي لا يشكّل مجرّد خلاف فقهي علي عقيدة أو فكر أو قاعدة سلوكية بل هو يناقش حدثا تاريخيا الذي هو صلب المسيح من حيث كونه قد وقع فعلا أم لم يقع و هل حدث فعلا أم لم يحدث , و إليك يا قارئي العزيز المقطع من سورة النساء و الذي نحن بصدد طرح تساؤلاتنا عنه للمناقشة:
153يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ وَآتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُّبِينًا
وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا154
فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاء بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً155
وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا156
157وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلوهُ يَقِينًا
بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا158
وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا159
فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا160
161وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
و هنا أقول أنني قد سبق لي أن ناقشت في عدة مقالات سابقة إن شخصية عيسي إبن مريم التي قدّمها القرآن و كُتب الثقافة الإسلامية تختلف تماما جوهريا و تفصيليا عن شخصية يسوع المسيح الذي قدّمه الكتاب المقدس فاديا للبشرية بحسب نبوّات أنبياء الأمة الإسرائيلية التي قيلت عنه قبل ظهوره بمئات السنين و بحسب أحداث حياة يسوع المسيح و موته مصلوبا و قيامته من بين الأموات كما رواها لنا أسفار العهد الجديد
و بدون الدخول في مناقشة أطول مع القرّاء الذين يصرّون علي إلصاق شخصية عيسي إبن مريم بيسوع المسيح أقول إنه بمناقشة هذا النص القرآني سنري أنه أيضا لا يشكل دليلا ينطبق علي قولهم بعدم صلب عيسي إبن مريم ... سواء إدّعي من إدّعي إن يسوع المسيح هو عيسي إبن مريم أو فصل بين الإثنين
فأولا... لا يوجد نص صريح في القرآن يقول إن عيسي إبن مريم لم يصلب... و أنا أستعمل هنا نفس المنطق الذي طالب به الإخوة المسلمون أن يقدم لهم المسيحيون نصا من الإنجيل يقول فيه المسيح يسوع "أنا هو الله فاعبدوني"
و أنا أتساءل ... عن من يتكلم هذا النص الذي أوردته لكم ... من هو أو من هم موضوع الحديث القرآني... اليهود أم المسيح أم النصاري .... و كيف يقول اليهود إنا قتلنا المسيح... أليس المسيح هو رجاء و إنتظار اليهود... فهل قالوا هكذا إعترافا قانونيا أم أنهم كانوا يسخرون من النصاري...
هل نفي إرتكاب الفعل عن اليهود ينفي أيضا وقوع فعل القتل علي المسيح... فإذا كان القرآن قد برّأ اليهود من دم المسيح بقوله "وما قتلوه"... فهل هذا يعني عدم قتل المسيح بيد أناس أو قوم آخرين... الذين هم الرومان بحسب الكتاب المقدس
و إذا ما تأملنا في النص القرآني من جهة اللغة فالسوآل هو...ما الفرق في المعني و بحسب قواعد اللغة العربية بين عبارة "و لكن شبه لهم" و بين عبارة "ولكنّه شبه لهم" و أنا أرجو أن يتأمل المسلم و يدقق قبل أن يعطي إجابة
ثانيا... الفعل "شُبّه" فعل مبني للمجهول فمن هو الفاعل .... لا تستطيع أن تنسب ذلك الفعل إلي الله لأنه بنفس المبدأ الذي ذكرته لا يوجد نص قرآني صريح بذلك
ثم علي من وقع فعل "شُبّه" هل وقع علي المسيح كما يدّعي بعض المسلمين أم وقع علي اليهود... و إذا قلت وقع علي اليهود فما الذي شبه لهم.... المسيح أم القتل
ثم هل يجوز أن يسري هذا (أي القول شُبّه لهم )علي أتباع عيسي إبن مريم أيضا....هل خدع الله أتباع المسيح أيضا... و هل الله هو الذي خدع اليهود.... هل يوجد نص صريح بهذا
ثالثا... ما هو مصير عيسي إبن مريم ... أين هو الآن...
يورد القرآن نصوصا تتكلم صراحة عن موت و وفاة المسيح فيقول في سورة مريم علي لسان المسيح:
وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا33
ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ34
لقد أورد القرآن هنا علي لسان عيسي ثلاثة أحداث... ولُدتُ ... و هذا طبعا حدث و هو فعل ماض .... لكن متي حدث الفعل "يوم أموت" أو متي سيحدث أو لعله حدث .... و ماذا عن يوم "يوم أُبعث حيا"... متي حدث أو متي سيحدث هذا
و لماذا ينكر المسلمون إن هذه الأحداث قد حدثت للمسيح يسوع... و لماذا يرفضون ربطها بموته و قيامته التي هي بحسب الكتاب المقدس
و يقول القرآن أيضا علي لسان الله في حديثه إلي عيسي في سورة آل عمران:
55إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُم ْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
و نلاحظ في هذه الآية ترتيب الأفعال ... متوفيك...رافعك إليّ... مطهرك من الذين كفروا... جاعل الذين إتبعوك فوق الذين كفروا
فهل تمت هذه الأفعال التي بحسب القرآن قال الله إنه سيفعلها بعيسي... و هل تمت بالترتيب المذكور
فالمسلمون يقولون إن الله رفع عيسي إليه.... فهل رفعه دون أن يتوفاه.... و إلا فمتي توفاه...
و في سورة المائدة يتكلم عيسي إلي الله قائلا:
117مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
هنا يتكلم عيسي عن وفاته بصيغة الماضي قائلا لله "فلما توفيتني"... فهل عيسي يتكلم و هو ميت أم و هو حي ... هل يعني هذا الكلام إن الله توفي عيسي ثم بعثه حيا و إن هذا الحديث تم في مسامع أتباعه و حوارييه بعد بعثه حيا
و للخلاصة نستطيع أن نقول إن القرآن يتحدث عن عدة أمور من جهة المسيح الذي دعاه عيسي إبن مريم و هذه الأحداث هي: ولادته... موته... وفاته... بعثه حيا... رفعه إلي الله ... مطهره من الذين كفروا... جاعل الذين يتبعوه فوق الذين كفروا.. فلماذا يصر المسلمون علي قبول الحدثين الأول أي الولادة و الأخير أي الرفع و علي إنكار الأحداث التي بينهما و هي موته و وفاته و بعثه حيا...
و هناك سوآلا آخرا هو ... لماذا ينكر المسلمون علي المسيح حق الشهادة في سبيل الله ... أليست قيامة المسيح من بين الأموات أي بعثه حيا هو تطهير له من الذين كفروا أي الذين الصقوا به تهمة الإنشقاق علي الدين و الدولة...
صدقني يا قارئي العزيز إن إتهام المسيحيين بالكفر و الكتاب المقدس بالتحريف لن يفيد الحوار و لا المناقشة ... ولاحظ يا قارئي العزيز إنني قدمت لك موضوعا واحدا ... هو موت المسيح و قيامته من عدمه...و النصوص التي أدعو إلي مناقشتها هي نصوص القرآن عن هذا الموضوع و ليست نصوص الكتاب المقدس... فهل من محاور ملتزم يفحص نصوص القرآن و يبدأ المناقشة ؟
#أسعد_أسعد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟