|
التوافق... خطوات لإلغاء هذا المصطلح النفاقي
سهيل أحمد بهجت
باحث مختص بتاريخ الأديان و خصوصا المسيحية الأولى و الإسلام إلى جانب اختصاصات أخر
(Sohel Bahjat)
الحوار المتمدن-العدد: 2650 - 2009 / 5 / 18 - 08:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يحاول البعث و منذ إسقاطه في 2003 أن يعيد المعادلة القديمة في هيمنة قليلة و صغيرة على مقدّرات البلد بأكمله و بمصيره السياسي و الاجتماعي، و نجاح أو فشل هذه المحاولات يتوقف على مدى وعي الشعب العراقي و صلابته و مواقفه الحدّية في رفض إعادة البعث العبثي ليس للمشاركة في الحكم فحسب، خصوصا و أنّ هذا الحزب لا يؤمن بالمشاركة، و إنّما على الشّعب أن يرفض حتى فكرة فتح المجال لهذا الحزب الإرهابي الإجرامي بالعودة إلى الواجهة السياسية كحزب قانوني معترف به، و هناك أكثر من مخطط بعثي لإفشال العملية الدّيمقراطية و ترويج حالة الفوضى و الكراهية و التنازع في البلد. لقد وصل البعث إلى السلطة خلال الستينيات مستغلا حالة الفوضى و اللا قانون التي سادت العراق خلال حكم الجمهورية القائم على دعم العسكر المُسيّس و خلال ضغط المحيط العروبي الذي أدى بالعراق إلى انقسام طائفي و قومي، و الآن يحاول البعث ـ خصوصا جناح عزة الدوري و الإرهابي مشعان الجبوري و من لفّ لفهم ـ دفع جهات داخل السلطة نحو خلق صراعات طائفية و عرقية قومية تفتيتية، فكلما ضعف الحس الوطني العراقي كلما رأى البعث أملا في الوصول مرة أخرى للحكم، و نحن نأمل أن ذلك العهد البائس و المظلم لن يعود، لكن لا بأس في أن ننبه أبناء الشعب العراقي إلى أن البعث يشكل الخطر الأساسي (بالتالي فتنظيمات القاعدة و المليشيات تأتي في المستوى الثاني)، و إذا لم يكن البعث قادرا على الاستيلاء على الحكم عبر مروره بواسطة "التوافق"!! إلا أنه يمكن له على الأقل أن يضع العصي لإرباك الوضع و الاقتصاد و عجلة التطور. المشكلة الحالية التي يعاني منها الشعب، هو أن البرلمان العراقي "مجلس النواب" مليء بالفساد المالي و العمل على المصلحة الشخصية الضيقة و الأنانية و يفعل أكبر ما يمكن من أجل الحصول على رواتب خيالية بعشرات الملايين من الدولارات و قطع الأراضي التي تساوي ملايين أخرى و المنح المالية بينما الشعب الفقير يفتقر إلى أبسط مقومات الحياة من ماء و كهرباء و سكن و خدمات صحية، و إلى جانب هذا الفساد ـ و أنا حقا أعجب و لا أصدق أن مجلس نواب فـــــــاسد يستطيع محـــاسبة وزير فاسد ـ نجد أغلبية الكتل التي احتلت البرلمان تقوم على أُسس طائفية و قومية و هذا التقسيم "التوافق" هدفه، تفتيت الديمقراطية و إفراغ الانتخاب الديمقراطي من أي معنى، فالتوافق سيعني حتميا و بالتأكيد أن لا معنى للانتخابات و التصويت و بالتالي لا معنى هنا لأغلبية أو أقلية كون "المحاصصة = التوافق" سيحكم بتعطيل كل ما يتعلق بالدستور و الانتخابات و سائر الأطر السياسية للحكم الديمقراطي العـــقلاني، من هنا كان من الضروري بدء إلغاء فكرة التوافق نهائيا. كل الأنظمة الديمقراطية الناجحة في العالم تقوم على أسس من حكم الأغلبية و أن الأقلية ضامنة عبر حقوقها الدستورية، فهناك دوما انتخابات يتوقع منها التغيير، لكن مصطلحي الأغلبية و الأقلية يصبحان إشكالا حقيقيا حينما يتعلق الأمر بأغلبية ذات "لون طائفي أو عرقي" محدد، و ليست أغلبية حزب أو فكرة أو تيار، من هنا نتوصل إلى المفهوم الأساسي الذي يقول أن الوطنية = الإنسانية هي التي تتيح للشعب أن يقوم بعملية سياسية مستقرة و ناجحة لأن ذلك لو قدّر له أن يحدث سيسهم في تهميش المتطرفين ـ المتحكمين الآن بالبرلمان ـ و إيصال أناس يؤمنون بالبلد كانتماء بعيدا عن الأحزاب النفاقية التي تتهم الآخرين بـ"الشـــــــــــوفينية" بينما هم على أرض الواقع يطبقون أقبح السياسات العنصرية. لو حــــصل أن عاد الائتلاف العراقي ـ الشيعي في الواقع ـ إلى ترميم نفسه ككتلة طائفية ذات لون واحد، فإن ذلك سيدفع الآخرين مجددا إلى التسنن و العربنة و الكردنة و ما إلى ذلك، و بدلا من إعادة ائتلاف شيعي يحصر نفسه في زاوية من زوايا العراق، علينا بناء ائتلاف عراقي حقيقي و ما أسهل أن نطمئن "الطائفة الشيعية" التي عاشت الويلات بأن نضم الوطنيين و الصادقين في رفض الدكتاتورية و البعث، و هكذا وطنيين موجودون في كل أنحاء العراق و بين كل مكونات الشعب العراقي. شعبنا العراقي يحتاج إلى طفرة سياسية أخرى، على سبيل المثال أن تصل امرأة إلى منصب الرئاسة ـ كرمز لشريحة مضطهدة ـ أو يصبح مسيحي أو يزيدي أو صابئي متبوءا لهذا المركز، و كفى حديثا عن "مكونات أساسية" و أخرى "غير أساسية هامشية"، فالعراقيون كلّهم أساسيون و كلهم متساوون في الواجبات و الحقوق و الفرص، و ما أعنيه هنا هو أن هذا لو حصل ـ و إن كان سيراه البعض حدثا رمزيا ـ فإنه سيهز نقاط التقليد و الجمود أمام العقل العراقي القابل لأن يكون بلدا جبارا لا بالعسكر و الصواريخ و لكن بالعلم و الثقافة و الديمقراطية و الحرية و رفاهيته المعيشية. قد يرى بعض القراء ـ المتشائمين ـ كلامنا هذا مجرد أحلام و خيالات غير قابلة للتطبيق، لكنني مؤمن بأن تغيير الأمم يبدأ بأفراد، و ما لـــــــم نحلم و نعمل بهذا الحلم و نترك شيئا إيجابيا لأجيالنا المستقبلية، فلا يمكن لأصغر تغيير أن يتحقق، و بدون ذلك سيكون بلدنا المستقبلي حاله حال مصر، حيث يعتقل الإنسان بسبب رأي أو يختفي من الوجود كما اختفى الصحفي المصري رضــــــا هــــــــلال و جميعنا يعلم أن الحكومة المصرية تقف وراء هذا الاختفاء، فيا أيها العراقيون، هل تريدون لعراق الغـــــــد أن يبقى أسيرا التوافقات و السرقات و العصابات؟ أم بلدا حرا آمنا يكرّم في الإنســـــــان؟
#سهيل_أحمد_بهجت (هاشتاغ)
Sohel_Bahjat#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرئيس المتوافق عليه... ليس منتخبا
-
رسالة إلى أخي العباسي.. حول -قصور الملالي-
-
العراق و المواجهة الحتمية بين إيران و الولايات المتحدة
-
سايكوباثية -السياسي- العراقي و علاجات -الفقيه-!!
-
حرّيّتنا... مشوهة كتمثالنا!!
-
9 نيسان... يوم إسقاط هبل
-
هوية العراق (إنسانه رخيص)!!
-
مجتمعات القسوة و -أعمى العمادية-!!
-
المقاومة القذرة بين سقوطين
-
عمرو بن العاص و الاستراتيجية العراقية
-
بين جدّي و صدّام حسين
-
معايير الإنسحاب من العراق بقلم دانييل بليتكا*
-
أدباء و مثقفوا -هارون الرّشيد- في عراقنا الجديد
-
العراقيون و ... ما وراء السفارة
-
إلى الوزير خضير الخزاعي.. هل أنت غافل عن مناهج البعث؟
-
أزمتنا السّكنيّة و -الصهيونيّة-!!
-
الدبلوماسية وحدها لا تنفع مع إيران بقلم مايكل روبن
-
أزمة العقل العراقي
-
بعد الانتخابات... شبيك لبيك المرشح بين إيديك
-
المجتمعات الحرة و مجتمعات التخلف
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|