أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - في ذهنية المنفعة ونقد الثقافة















المزيد.....

في ذهنية المنفعة ونقد الثقافة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2650 - 2009 / 5 / 18 - 08:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يشيع في مداولاتنا الفكرية ما يشبه أمرا مطلقا ينهي "الحداثيين" عن نقد "الحداثة" لكونها الركيزة الصلبة لنقد أوضاعنا الثقافية والاجتماعية الحالية. من شأن نقد الحداثة أن يضفي النسبية عليها، ومن ثم أن "ينسبن" أيضا الأوضاع المنقودة، ويضعف الشعور بسلبيتها ووجوب تغييرها. ولطالما أثارت النسبية الثقافية سخط المثقفين الحداثيين العرب لأنها، إذ تنال من إطلاقية معيارهم النقدي (الحداثة ذاتها)، تفت من عضد جهودهم النقدية، النظرية والعملية. نحن منخرطون في معركة، والنسبيات لا تجدي في المعارك.
مثل ذلك ينطبق على الإسلاميين. يسكت "معتدلوهم" على مجموعات متطرفة منهم لأن من شأن نقدها أن يضعف "القضية الإسلامية" ويخدم "أعداء الإسلام". وهؤلاء جبهة واسعة تبدأ من علمانيين محليين ولا تنتهي عند الحكومات الغربية.
ومن غير المناسب كذلك نقد المعارضة الديمقراطية لأن من شأن ذلك أن يضعف قضيتها العادلة، ويضفي ضربا من الشرعية على القمع الحكومي لها. وإن لم يكن نقد العلمانية انحيازا مرفوضا للإسلاميين، فإنه إضعاف مرفوض بدوره للتيار العلماني الضعيف أصلا. ولطالما كان نقد السلطات في سورية مرفوضا بذريعة "توهين نفسية الأمة" وأشباهها.
شيوع هذا المطلب وصفته العابرة للإيديولوجيات والمواقع السياسية يشير إلى أن الأمر يتعلق بذهنية عامة، يتغلب التفكير ضد (خصم ما) على التفكير بـ(شأن ما) عند المشاركين فيها قاطبة. جمعنا. هذه الذهنية متمركزة حول "الآخر" وليس حول "الموضوع"، أي أيضا حول الهوية وليس حول المعرفة (ولا حول الفعل). ولا ريب أن مما يفاقم توجه تفكيرنا نحو الضدية لا نحو الموضوعية التدهور المتفاقم للبنى الوطنية الجامعة ونمو الوعي الذاتي الفئوي، الخصامي تكوينيا. المعرفة الجيدة في مثل هذه الحال هي المعرفة التي تخدم الحزب أو تنفع الإسلام أو تنصر الأمة أو ترفع من شأن الطائفة.. الأمر الذي يتوافق حتما مع النيل من حزب آخر أو عقيدة أخرى، ومن طائفة أو أمة أخرى. يحصل أن نجتهد من أجل معرفة المزيد، لكن خدمة لهدف مشابه لنفسه، سابق للمعرفة، لا يتحول بعد المعرفة عما كانه قبلها. يجري تسخير المعرفة، المفتوحة مبدئيا، لأغراض عملية أو نفعية ضيقة، تتصل بهوية وتماسك وغلبة مجموعات وأحزاب ودول وأديان، أي بانغلاقها وكمالها الذاتي. ربما تتسع هذه المجوعات لتشمل "الأمة" كلها (العرب كلهم أو المسلمين جميعا)، لكننا نصادف منطق التضييق نفسه: الهوية المغلقة تشرِّع للمعرفة المفتوحة. الغرض العملي وحده مطلق، والمعرفة تدور حوله.
ولعل هذا أصل فساد المعرفة. فـ"الفلسفة" التي تقوم عليها المعرفة هي اللانفعية المبدئية.
والمفارقة أن تسخير المعرفة للنفع يقلل في المحصلة من نفعها ذاته. هذا ربما لأنه مانع لقيامها أصلا، يأسرها فيما يمكن تبيّنه من نفع فوري، أو تطبيق مباشر، أو مصلحة ظاهرة. بالمقابل، يبدو أن لا نفعية المعرفة تتوافق مع عميم نفعها في النهاية، ربما لأنها تكفل استقلال التطلع المعرفي وتفتح آفاقه النظرية والتطبيقية. إن الموقف الذي يعرف فينتفع، أو يجعل من المنفعة بالذات موضوعا للمعرفة، متفوق بلا ريب على الموقف الذي يشرّع للمعرفة بالنفع. هذا يقود إلى نفعية جاهلة، بدائية، ما قد نسميه ظلامية المنفعة.
إلى جانب النفعية، تصطبغ ثقافتنا بصبغة تعبوية بارزة، الأصل فيها النظر إلى الأفكار والمعارف كأسلحة في مواجهة خصوم مقررين سلفا. وما إن نتكلم على تعبئة حتى يمتنع النقد والتحليل. ليس نقد الذات وتحليل أوضاعها وأفكارها، بل حتى نقد الخصوم. النقد ممارسة فكرية تقوم على النسبية والتفهم والاحترام، الأمر الذي لا ينبغي أن يظهره المرء، "المناضل" أو "المحارب" في هذا المقام، حيال خصومه. حسبه أن يكره جيدا وكثيرا. والتحليل يعني إدخال التعدد داخل المدروس والتمييز بين وجوه ومراتب فيه، وتاليا نفي كونه "صبّة" واحدة. وهذا ينال من الالتزام المعرّف للتعبئة، أعني تشرير الخصم وعقيدته وكيانه بإطلاق. وتتعارض التعبئة مع تحليل الذات للسبب نفسه. فالتحليل يدخل أيضا تعددا غير مرغوب في صميم ذات ينبغي أن تكون مثالا للوحدة والتماسك والصلابة والخيرية. ولما كان يتعذر التوحد حول فكرة نسبية، نطور حيالها مواقف تحليلية وشكاكة، فإن المثقفين الأكثر نقدية، الذين لا يكفون عن نسبنة الأفكار وإدخال شياطين التعدد والشك داخلها، لا مكان لهم بيننا، نحن "المسلمون" أو "الشيوعيون" أو "العلمانيون" ... إلخ.
باختصار، يحوز منطق الهوية الأسبقية في شروط المواجهة والتعبئة هذه، بينما يتراجع منطق التحليل والنقد لأنه مضاد لـ"الوحدة الوطنية"، وحدة الحزب أو الطائفة أو "الأمة".
وقد نضيف سمة ثالثة لذهنيتنا المشتركة هذه، استحالة الفلسفة. الفلسفة لا تنفع ولا تخدم. ولا تعرف كبيرا لا تسائله. لا الحداثة ولا التنوير، لا الدين ولا الدولة، لا الهوية ولا السياسة. لم يوفق رئيس قسم الفلسفة في كلية الآداب في الكويت، د. عبدالله الجسمي، حين برر تدريس الفلسفة بكونها "خادمة للدين وهي واجبة في الشرع كوسيلة للتأمل والتفكير في الخلق" ("الجريدة"، 15/4/3009) . الرجل يرد على سلفيين كويتيين يدعون إلى إغلاق كلية الفلسفة لأنها مفسدة. لكنه قدم لهم تنازلا هائلا حين سوغ الفلسفة بنفعها للدين أو خدمتها له. وطبعا النفع تحدده "الشريعة" التي تعرف جيدا كيف تخدم نفسها وتستخدم لنفسها.
الفلسفة لا تنفع. تنتقد وتهدم. تفتح المغلقات. لا مقام لها حيث السيادة للمنفعة والتعبئة.
وإنما تحت تأثير السمات الثلاثة لذهنيتنا السائدة، النفعية والتعبوية واللافلسفة، تصدر قرارات تنهى عن نقد الحداثة، لأن ذلك ربما يقوي مواقع خصومها، من إسلاميين وغيرهم. لكن بم تختلف الحداثة في هذه الحالة عن "القدامة"؟ وما يكون شأن الديمقراطية والعلمانية إن رُدّت إلى عقائد حزبية ضيقة، تحامي عن نفسها بالعقل الحزبي وتفكيره الضدي؟ نحن في كل الأحوال حيال ممارسة تؤدلج الحداثة وتسيّسها، تشوهها، غير مؤهلة تاليا لأن يتطور عليها نقد متسق لحداثتنا المشوهة.
الحداثة نقد. فإن طالبت لنفسها بأن تعفى من النقد، أعفت نفسها من نفسها.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلم والفتوى و..الفوضى
- كيف نتقدم؟ أبالثقافة أولا؟
- مفهوم سيادة الدولة كأساس لحرية الاعتقاد الديني
- عولمة التقدم وانبعاث التخلف
- في عالم -الخطيئة الأصلية-
- أي رصيد للقوة بحوزة حركات المعارضة -العلمانية- العربية؟
- من يصغر مصر الكبيرة؟
- الصعود الإسلامي وأزمة التقدم العربي
- في السياسة والثقافة وأزمة العام الوطني
- انفصال الإخوان المسلمين السوريين عن جبهة الخلاص.. ماذا بعد؟
- في نقد الأصولية
- ليس الدولة أن تفهم غير لغة القوة
- بصدد التبعات الاجتماعية والسياسية المحتملة لتحرير الاقتصاد ف ...
- الثقافة العربية وغياب الموضوع
- في أربعين صالح بشير.. المثقف المنفصل
- نظام عربي أكثر تكافلا، علاقات عربية أقل -أخوية-
- بصدد النقاش حول تعليق الإخوان المسلمين السوريين نشاطهم المعا ...
- في شأن سورية وأكرادها و..المستقبل
- -رابحا على طول الخط-.. رحل فارس مراد
- هل يصبو الإنسان إلى الحرية؟


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
- ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - في ذهنية المنفعة ونقد الثقافة