أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس عبد الرزاق الصباغ - التكفير ... ثغرة فقهية أم شذوذ أخلاقي؟!!















المزيد.....

التكفير ... ثغرة فقهية أم شذوذ أخلاقي؟!!


عباس عبد الرزاق الصباغ

الحوار المتمدن-العدد: 2650 - 2009 / 5 / 18 - 08:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بقيت كل الانشقاقات العمودية والأفقية والتشققات والجدالات والمنازعات والاختلافات والاحتدامات قيد البحث والدرس الفقهي والأصولي حتى مع بروز بوادر أول حرب اهلية بين المسلمين بين فئتين (حرب الجمل سنة 36هـ) يمثل أولاها الإمام والخليفة الشرعي علي بن أبي طالب (ت40هـ) وثانيتهما فئة اجتهدت فلم تنل مرادها ولم تكن هذه الحرب سوى تنفيس لمكبوتات ظلت جاثمة على الصدور بعد مؤتمر السقيفة وما حدث بعده من انشقاقات وانشطارات ما تزال أشباحها قائمة حتى اليوم ، كانت من جملتها معركة صفين ( سنة37هـ) التي رسخت الانشقاق الأول وأضافت نتيجة مأساوية أخرى لمعركة الجمل التي سبقتها بفترة قصيرة الى ان جاءت واقعة الطف (سنة 61هـ) التي كان احد طرفيها ابن بنت الرسول لتضع الإسفين المؤسس لما يأتي من انعطافات بلغت حدة انشقاقيتها حد الإبادة ضد هذا او ذاك وصار القتال بين المسلمين من الأمور التي لا تثير حفيظة احد رغم صراحة النصوص القرآنية الدالة على صون النفس المحترمة وبشكل عام بين الناس وليس فقط بين المسلمين (مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) كما دلت على حرمة المسلم المؤمن (ومن قتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها ) فكان التأكيد القرآني على حرمة النفس الإنسانية مرتين الأولى ضمن الإطار الإنساني العام والثانية ضمن الإطار الإسلامي الخاص ولا مناص ولا فكاك عن هذين التأكيدين وكأنهما حجتان دامغتان على قضية واحدة فضلا عن ما لا يحصى من التأكيدات التي وردت في المضمون ذاته في السنة النبوية الشريفة ..
الشروخ الأولى لم تستدع ِ حضور اتجاهات تكفيرية او مكفرة رغم حمامات الدم التي بلغت في بعض الأحيان حد الركاب إلا حين برزت في القرن الرابع الهجري نزعة أصولية سلفية تكفيرية حادة تختلف عن الاتجاه الأصولي السلطوي او النخبوي وحتى المستوى الجماهيري واتخذت هذه النزعة في بادئ الأمر اتجاها نحو تقديس السلف "الصالح" والاقتداء به في كل شيء ونبذ بقية الاتجاهات لكنها اتخذت منحىً آخر أكثر تطورا وخطورة فقهيا ومعرفيا بالانحدار الى إلغاء الآخرين وتكفيرهم كلية ً (حتى الاتجاهات المتقاربة) وإخراجهم من حظيرة الأمة الاسلامية وإهدار دمائهم وأعراضهم واستباحة وجودهم في حين إن هذه النزعة تحفظ في الوقت نفسه لأهل الذمة حقوقهم التي كفلها الإسلام لهم فكان اتجاه التكفير لدى هذه النزعة اتجاها نوعيا داخليا وهو اتجاه غريب عن الواقع الإسلامي منهجا وشريعة وسنة وأيديولوجية يمثل ثغرة "فقهية" بعيدة كل البعد عن المنهج الفقهي الإسلامي السمح والبعيد كل البعد ايضا عن الأخلاق الإسلامية الرفيعة ..
إن التكفير يمثل سقوطا إيديولوجيا ومعرفيا كونه يتوجه نحو إلغاء الآخر وإقصائه دون الانفتاح الثقافي على الآخرين ومعرفة آرائهم والتفاعل المقارن معها والتشارك معهم في استقصاء الحقيقة من منابعها وأصولها وجذورها سيما إذا كانت المنطلقات الفكرية هي نفسها للجميع (كتاب الله وسنة نبيه) ويتجلى هذا السقوط في محاولة احتكار "الحقيقة" والاستحواذ على كل المنطلقات وحرمان الآخرين منها بحجة أنهم على باطل أو كفار جملة وتفصيلا دون تمحيص وتدقيق كأن الحقيقة مطلقة وهي تخصهم وحدهم ..كما يعد التكفير سقوطا أخلاقيا وإنسانيا بالمرة كونه يعطي الضوء الأخضر لاستباحة كينونة ووجود ودم وعرض ومال المكفر (بفتح الفاء) وتوجها غير عقلاني وشاذ وغريب عن جميع القواعد الأخلاقية التي تحكم بني البشر سماوية كانت أم وضعية.
ان خطورة هذا الاتجاه لا تتمثل فقط في غرائبيته العقائدية وشذوذه الأخلاقي وإنما في خروجه من إطاره الفقهي والأصولي الى إطار أخر أكثر جدية وخطورة من التجاذبات الفقهية والمماحكات الاصولية البحتة بولوجه عالم السياسة بتسييس التكفير وجعله مذهبا معتمدا لدى "الدولة" فيكون له وجهان الاول هو الوجه المذهبي الطائفي والوجه الثاني الوجه السياسي المتطيف والذي يأخذ على عاتقه التبشير بهذا الاتجاه بالأساليب الدولتية المتاحة يضاف اليها الأدوات التي تمتلكها الدولة الراعية والحاضنة لهذا الاتجاه مثل وسائل الإعلام ودور النشر والأجهزة المخابراتية والعسكرية وما الى ذلك بتسييس التكفير وعسكرته وادلجته والتبشير به بقوة السيف وإسراف المال يضاف الى ذلك وسائل الترغيب والترهيب والإقناع وغسيل الأدمغة بحشوها بالأفكار الهدامة التي تفرق بين المسلمين وتجعل بعضهم أنداد بعض ويضرب بعضهم رقاب بعض من خلال التكفير المزدوج او التكفير أحادي الجانب باعتبار ان ليس كل المسلمين مكفرين (بكسر الفاء) وإنما هنالك جهة محددة هي التي تكفر الآخرين دون وجود رد فعل مكافئ لفعل التكفير سوى الردود التي تنم عن الامتعاض والألم وفي بعض الأحيان يكون السكوت من ذهب لكون الكلام لا ينفع مع من يهدر دماء الآخرين وأعراضهم ولهذا السبب تكون ردود الأفعال أحيانا عاطفية وحماسية وغير مصطبغة بالعلمية المنهجية القائمة على إيراد الحجة الدامغة والملقمة الطرف الآخر حجرا يسكته وسرعان ما تخفت ردود الأفعال وتخمد الأصوات التي تنادي بتغيير هذا المسار الخاطئ..
وتأتي الفتاوى التكفيرية الصادرة عن هذا الاتجاه لتكمل الفصل الأكثر تراجيدية ضمن الفصول الأخرى من هذا "المنهج" غريب الأطوار ، ولتكمل مشوار التبشير المعمد بدماء الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى أنهم مختلفون مذهبيا رغم أنهم متشاركون في اغلب الأصول والفروع ومتداخلون عقائديا مع الجميع ضمن الإطار العام الجامع للأمة الإسلامية الذي يسع الجميع رغم الفوارق والاختلافات وهذا شيء غير خارج عن مألوف جميع الأديان...وتلك الفتاوى لا تساهم في ترسيخ الانشقاقات المذهبية المتوارثة عبر العصور فحسب وإنما تعطي الضوء الأخضر للعناصر المحسوبة على هذا الاتجاه بالقيام بأعمال إرهابية وحشية ضد الأبرياء والعزل سيما من المدنيين بحجج "شرعية" يوفرها لهم أمراء التكفير و شيوخهم خاصة اذا كانت صادرة ممن يفترض ومن موقعه الرفيع والحساس ان يكون مثالا في التسامح وإشاعة الوحدة بين المسلمين لكن "فضيلة" الشيخ عادل الكلباني إمام وخطيب الحرم المكي الشريف أبى إلا ان "يغرد" خارج السرب بتكفيره فرقة إسلامية مهمة فضلا عن علمائهم ومشايخهم دون الاستناد الى أي مبرر شرعي او فقهي او أصولي او عقائدي او فلسفي او حتى أخلاقي ما يوحي بوجود اكثر من خلل مزدوج واكثر من ثغرة بنيوية فقهيا وأخلاقيا .....
اعلامي وكاتب
[email protected]



#عباس_عبد_الرزاق_الصباغ (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عقدة التاسيس الطائفي
- حكومة الدولة وحكومة القرية
- الاعلام العربي واشكالية المشهد العراقي
- الاعلام العراقي ...هل هو سلطة رابعة؟
- القرضاوي والهلوسة الطائفية
- الاعلام العربي وصناعة الوهم
- فلسفة التغيير
- البرلمان العراقي ..قبة ام مسرح؟
- الحوار بين الاديان وجدلية الفرقة الناجية
- الانتخابات خارطة طريق لصحوة سياسية
- العراق والاستحقاق الليبرالي
- داء عضال اسمه المد الاصولي
- قوائم كربلاء الانتخابية ..برامج صاخبة وشعارات صارخة
- الطاغوت القومي واللاهوت الاصولي
- الاعلام العربي بين بغداد وغزة


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
- ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عباس عبد الرزاق الصباغ - التكفير ... ثغرة فقهية أم شذوذ أخلاقي؟!!