|
مداخلة في مؤتمر العلاقات السورية اللبنانية
سمير ذكرى
الحوار المتمدن-العدد: 2650 - 2009 / 5 / 18 - 05:42
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
1 - التاريخ هو الذاكرة الجمعية لمجتمع ما. و توجد هذه الذاكرة في كل خلية عند كل فرد من هذا المجتمع... 2- والذاكرة اللبنانية هي ذاكرة الخلية اللبنانية في الجسم العربي... 3 -و بينما تصرخ الذاكرة اللبنانية بما يجيش فيها، تكبت ذاكرة الآخرين أو تقمع أو تعلن غير ما تبطن. 4 - إن لم تتصالح كل ذاكرة مع ذاتها فمن العبث أن تحاول الانسجام أو التصالح مع غيرها: - مصر عليها المصالحة مع ماضيها و مكوناتها الفرعونية و القبطية و البهائية و ومع شعبها بشكل عام. - السعودية عليها التصالح مع ماضيها والحضارة الحديثة؛ ومع المرأة و السيارة و السينما الخ...و عليها الاعتراف بالآخر و احترام حاجته إلى الصلاة في كنيسته و معبده في السعودية...(و إني لأعجب أين كان يصلي المطران ورقة بن نوفل مطران مكة زمن النبي إن لم يكن في معابد الكعبة و كنائسها!...). 5- و كمجتمع سوري،مثلا، و كي لا نكون كما غنى زياد الرحباني(هاي بلد...هاي مش بلد...هاي أرطة ناس مجّمعين....)علينا أن نتعرّف على بعضنا، ليس لكي نحذر من بعضنا، بل كي نعترف ببعضنا، و نحترم بعضنا... 6- عندما نعرف و نعترف أن في كل واحد منا جزءً من الوطن، إن لم يكن يمثّل مكوّناته كلها، وعندما نفخر ببعضنا، يكون الجسم كله قد أبلى من أمراضه الطائفية أو القومية أو العرقية و صار جاهزا كي ينطلق نحو مجتمع ديمقراطي حضاري....لكن قبل ذلك علينا أن نحسن التشخيص و دراسة العينات... 7- و أنا كفرد من سوريا سأجعل من نفسي وسيلة إيضاح لماهية هذه المصالحة مع الذات: أنا سمير ذكرى (مخرج سينمائي سوري)، إعلاميا تكتب كنيتي(ذكرى) أما في الهوية فهي(زكره)، و هي كلمة سريانية يعود أصلها إلى العهد الوثني قبل دخول المسيحية إلى سوريا كما تضمن ذلك أرشيف الطائفة السريانية في حلب. و تعني طقس مدائح الآلهة و من ثم الإله و من ثم الزكر أي المدائح النبوية الإسلامية... كنت أظن أن عائلتنا الحلبية المارونية تقتصر علينا، و على بيت عم لنا في حلب، و على أبناء عمومة عبر الأجداد في مجدليا قرب زغرتا في لبنان. لكنني اكتشفت و خلال تصويري لفيلم (تراب الغرباء) عن الشيخ عبد الرحمن الكواكبي، فروعا لعائلتنا و تكتب كنيتهم كذلك (زكره)في كل من معرة النعمان و حماه و حلب. و هم مسلمون سنة. وهذا ما ينطبق عليه، ما ذكره الدكتور الشويري حول توزع و انقسام العشائر العربية). كان جدي (حبيب الله الزكره)يقود القوافل التجارية من حلب إلى السودان...و إلى الآن لدينا أبناء عمومة هناك من أبن عم لأبي كان يسمى (الشيخ جورج زكره)لأنه هجر التجارة وفضّل ممارسة كتابة الأحجبة... 8- صرّح أحد الأساتذة أن المسيحيين النهضويين العرب، كانوا حذرين من الوحدة العربية؛ مع تحفظي على هذه الفكرة، إلا أنني أود أن أوضح أن أبي عبد الكريم زكره و الذي أقرأني القرآن و قرأ عليّ المعلّقات، نعم كان يتحسس من الوحدة العربية و ذلك لأنه شريكه الرئيسي و شقيقه في هذه الوحدة العربية المسلم العربي وتحديداً السنة منهم ، لم يأبه لذبح أجداده الذين كانوا يشكلون 80%من سكان بلاد الشام منذ العهد الأموي و حتى نهاية القرن العاشر ظلوا بحدود 70%من السكان (حسب كتاب النصارى العرب للأستاذ حسين العودات وحسب قول الرسول العربي:كادت تغلب أن تسود العرب!...)، ذبحوا على يد الإسلام غير العرب مثل الأتراك و الأكراد و غيرهم من جهة و على يد الفرنجة الصليبيين من جهة أخرى...و صارت ديار بكر، ديار بني بكر ووائل أهل الزير سالم نصارى العرب ، ديارا للأكراد على مسمع و مرأى من العرب المسلمين... و لم ينس أبي كلمة (طورِقْ) التي كانت تقال للمسيحي زمن الأتراك كي يسير في مجاري مياه الصرف الصحي ... 9- هناك أصوات حرّضتني على المجاهرة بهذه المداخلة: أ- الصبية اللبنانية التي صرّحت عند انسحاب الجيش السوري من لبنان بأنها و خلال كل مدة تواجد السوريين في لبنان لم تلتق أو ترى مثقفا سوريا واحدا في لبنان!.... ب- السيدة ديانا جبور مديرة التلفزيون الرسمي السوري، التي ما إن سمعتني أرحب بما صرّح به الدكتور عصام خليفة عن أهمية حلب كمركز للإشعاع القومي و النهضوي و عن افتخاري بذلك حيث :أول مطبعة باللغة العربية في الشرق هي المطبعة المارونية، و أول رواية في الأدب العربي كتبها فرنسيس مرّاش حسب ما أورد الدكتور محمد مندور. و الكواكبي الحلبي كان محاطا بمثقفين تنويريين مثل الشيخ الغزي و قسطاكي الحمصي و جبرائيل الدلال...و غيره الكثير في تاريخ حلب البعيد و القريب مما يجعلني أفخر بانتمائي إلى موارنة حلب. عندها نهرتني السيدة جبور بأن لا نستعمل (مفرداتهم) أي اللبنانيين.و ذلك على مرأى و مسمع من الدكتور عصام خليفة!...فما كان مني إلا أن أوضح لها، أن مفرداتنا و مفرداتهم واحدة، و إلا فليس هناك أية أمكانية للحوار. لكنها أضافت بأنها ستكتب (زاوية) عن ذلك...و هذا ما آمله!. ج- محاضرة الدكتور سمير إسماعيل من جامعة دمشق: ففي رؤيته تقديس مطلق للذات المسلمة أو المسيحية و تدنيس مطلق للذات اليهودية، و وألبسها لبوس الشر المطلق. فيضع الدكتور إسماعيل ماركس و فرويد و غيرهما في سلة واحدة مع ليبرمان و نتنياهو وغيرهما . ماركس الذي قدم لنا في كتابه (المسألة اليهودية) تعريفا عبقريا لليهودي يلتقي فيه مع عبقرية شكسبير في شخصية شايلوك في تاجر البندقية. يعرّف ماركس اليهودي هكذا:"اليهودي هو ذلك الذي لا يحتمل أن يرى من هو أغنى منه!." و هو بذلك يقيلنا من عثرة التخبيص بين الصهيوني و اليهودي في كل مرة نتنطع لذلك و يفك في الآن نفسه، سر عجز الأنظمة العربية...إذ و ليسمح لنا أبو تمام بمعارضته: أمامك يهود و خلفك يهود فعلى أي جانبيك تميل؟!... إذ الأصل أنه:"حيث يكون كنزك يكون قلبك"...كما قال السيد المسيح. أما فرويد فيكفيه فخرا كتابه (موسى و التوحيد) و الذي سبق به أستاذنا كمال الصليبي في الفصل بين العبرانيين الساميين الذين عاشوا في جنوب الجزيرة العربية و بين اليهود الذين خرجوا من مصر مع ضابطهم الأخناتوني التوحيدي موسى وذلك بعد فشل ثورة أخناتون التوحيدية!... كما أسلفنا، يضع الدكتور سمير إسماعيل ماركس و فرويد في سلة واحدة مع اليهود الصهاينة و مع محبي المال من كل فج و صوب...و ذلك هو الخطل الكبير الواقعة فيه الجماعات الإسلامية، و ذلك هو التيه الذي تتمنى لنا أميركا و إسرائيل أن لا نخرج منه... د- أما محاضرة الدكتور برقاوي، فعود على بدء، يكرر ما جاء به الفكر القومي و اليساري في العقود الماضية بالرغم من الفشل المأساوي لهذا الفكر، و ذلك لأنه ذهب نحو الحلم دون أن يدرس الواقع كمن يرسل المريض إلى الرياضة قبل أن يشفيه من أمراضه وعقده المتراكمة فيه عبر ماضيه كله!...و لعله، هنا أيضا سر فشل الفكر النهضوي كله... لذلك لجأت إلى تقديم نفسي عينة للبحث و التشخيص و التحليل علها تفيد، ومن ثم في تحديد العلاج لهذه الشريحة من شعبنا التي أنتمي إليها وبعدها تصبح ممارسة الرياضة بكل أنواعها:القومية و اليسارية و حتى التطوير و التحديث فالعولمة،ممكنة!... 10- و اسمحوا لي أن أخلص إلى ما يلي: يجب أن نعيد إنعاش ذاكرتنا الحقيقية و نعيد بالتالي كتابة تاريخنا منذ ما قبل الإسلام أو ما سمي (الجاهلية) حقبة عمرو بن كلثوم و قس بن ساعدة و المطران ورقة بن نوفل و الراهب بحيرا...بحيث لا نخجل من ذكر دين أمريء القيس فنغفله في الكتب المدرسية مفضلا البعض أن يعتقد طلابنا بأنه خان عشيرته عندما التجأ إلى قيصر بيزنطية كي يساعده على استرداد ملك أبيه على عشيرته: بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه و أيقن إنا لاحقان بقيصرا فقلت له لا تبك عينك إنما نحاول ملكا أو نموت فنعذرا... أي كما قال صدام حسين لأمير الكويت جابر الصباح عندما اشتكاه في الأمم المتحدة:"تشتكينا الغريب يا جابر؟!..."جاهلين أن امرؤ القيس إنما توجه إلى زعيمه الديني المسيحي قيصر بيزطية.إذ أنه كان من الطائفة المسيحية المسماة إلى الآن ( الروم الأورتوذكس أو الكاتوليك) أي الذين تبعوا مذهب قيصر الروم منذ زمن أمريء القيس!... و لا نخجل كذلك من دين طرفة بن العبد أبن مريم بنت عبد المسيح أو من عمرو بن كلثوم أو الأخطل الذي لم يعتنق الإسلام و لذلك لا يذكر دينه و إلا لكانوا ذكروا على اللائحة التي تدل على الشارع المسمى باسمه أنه أعتنق الإسلام!...ولما ظهرت هذه الشخصيات الشديدة الأهمية في تاريخنا و التي مهدّت للغة القرآن في المسلسلات في مجتمع بلا دين حتى الوثني منها، و هذا يخالف طبائع البشر منذ أن كانت الخليقة!... و يصبح كذلك لمارون عبود(أبو محمد)مكانا في كتب أطفالنا ويفخر به و بغيره أحفادهم من المسيحيين العرب فيهبوا لنجدة أخوتهم المسلمين الآن و هم يتعرضون لأشرس هجوم من الفرنجة، كما توجه إليهم السيد مصطفى الفقي راجيا من على صفحات جريدة الحياة. ما أحوجنا إلى دراسة عينات مماثلة من خلايا أخرى من مكونات مجتمعنا و ذاكرتنا الجمعية (تاريخنا). لمثل هذا يجب أن يدعوا علماء المسلمين...لا لإصدار الفتاوى الغريبة من نوع إرضاع الكبير أو التبرك ببول الأئمة و غيرها من الفتاوى التي اعتبرتها مجلة (الفوريان بوليسي) أغبى خمسة أفكار لعام2008!... عبثا نسعى إلى التقدم إن لم يتقدم الإسلام عملا بأفكار علماء دين كبار كالكواكبي و محمد عبده و الأفغاني و غيرهم!...الذين دعوا إلى تصالح الإسلام مع الحياة و مع العلم الحديث،لا أن ينكر الشيخ بن باز،مفتي السعودية السابق، حتى موته كروية الأرض!... و لغل أصدق ما قيل في هذا المجال، ما قاله مفتي سوريا سماحة الشيخ بدر الدين حسون:"إياكم و التفسير البدوي للإسلام." في الختام آمل أن لا تكون علاقتنا بلبنان كعلاقتي: - ولدت في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت التي تربّت فيها والدتي التي كانت من أنطاكية و كانت إيرانية الجنسية لأن جدها كان القنصل الفخري لإيران و كانت أمي رحمها الله من طائفة امرؤ القيس (روم اورتوذكس)، و لذلك درست في مدرسة زهرة الإحسان في بيروت و كانت زميلتها في الدراسة السيدة فيروز!... لكن و بسبب خطأ طبي أصيبت عيني بالعمى لسنوات عدة. _و عندما أرسلني والدي للدراسة في بيروت عام 1958بغية الاستفادة من مستواها العلمي المرتفع وجدت بيروت تخرج لتوها من حرب أهلية!... _و بعد انتهاء خدمتي العسكرية عام 1975ذهبت لزيارة بيروت فإذا هي تدخل لتوها في حرب أهلية أخرى!... أخاف إن لم نجهر بالحقائق و نتبادل مفرداتتنا أن تكون الولادة الجديدة لعلاقاتنا مع لبنان عمياء، فيصدرون إلينا حروبهم الأهلية و نصدر إليهم مجلس شعبنا!...و نبقى في قوقعتنا كبطل تلك الرواية. ذات يوم سئل الشاعر الألماني الرومانسي (غوته)عن أهم عامل لتوحيد الإمارات الألمانية، فأجاب:"سكك الحديد"!... أرجو في الدورة المقبلة أن يكون حضور المثقفين السوريين أكبر كما و نوعا: فمنهم من غاب و منهم من غُيّب!... دمشق / الجلسة الختامية السبت18 نيسان 2009
#سمير_ذكرى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|