للسامع لاول وهلة بالمعارضة، يتبادر لذهنه بالتأكيد إنها تريد إسقاط الدكتاتورية،وتسعى من أجل البديل الذي يتناسب مع أحد أطرافها أو مع بعض منها مجتمعة، حيث تلعب كثير من التناقضات السياسية الطبقية، القومية، الدينية والطائفية فعل النار بالهشيم في جسم المعارضة العراقية كما هو معروف لاسباب داخلية وخارجيةمعروفة أيضاً.
وهي فعلاً بغض النظر عن جملة التناقضات تسعى بالمحصلة لتحقيق الهدف السامي، الذي طال انتظار شعبنا له، ولعل في نجاح مؤتمر لجنة العمل المشترك في بيروت عام 1990 لأبلغ دليل على إجماعها على هذا الهدف، وعلى أمكانية توحدها رغم التناقضات.
لحد هذا التاريخ تميزت صورة أهداف المعارضة العراقية بالوضوح وباتفاق كل ا لاطراف المهمة والاساسية في معارضة شعبنا العراقي للدكتاتورية المقيتة، وكانت نقطة التحول التي بدأت فيها تتشوش صورة الاهداف بانعقاد ما يسمى بالمؤتمرالوطني العراقي في فينا، ثم ملحقة المؤتمر الوطني العراقي الموحد في صلاح الدين ،بحَثْ ورعاية أمريكية، سَخّرَ للاسف بعض ممن هم محسوبين على المعارضةالعراقية أنفسهم لهذا التيار الذي تشرف عليه امريكا بعد ان ساهمت هي نفسهاوبشكل فعال في عدم تمكن انتفاضة آذار 1991 من تحقيق أهدافها، ساهم هذا الطرف بكل ما اوتي من قوة ودعم خارجي و "قوة حجة" منطلقة من جزع جماهير شعبنا التي تريد البديل ونهاية الدكتاتورية بأي وسيلة ومهما كان الثمن،
هذه الحجة المنطلقة من هذا العجز، راهنت علية الامبريالية الامريكية أيضاً لتجعل من الشعب العراقي قابلاً بأي بديل.. هذا الجهد الذي أزاد الصورة تشوشاً لأنه غطى بشكل كامل على الهدف الحقيقي للامبريالية الامريكية التي تشترك علناً بالرأي مع المعارضة العراقية في الدعوة الى إسقاط الدكتاتورية، وسراًفي الحفاظ على صدام وعلى طبيعة الحكم نفسه لأنه قدم ويقدم ما تعجز أعتى الانظمة الاكثر عمالة للغرب والامريكان ان تقدمه. ولا بد من المرور سريعاً لما حققه النظام لمصلحة أهداف أمريكا الاقتصادية والسياسية الاستراتيجية.
1- أبعد بشكل كامل أي تأثير أو فعل للشعب العراقي للمساهمة في القضية العربيةالمركزية، قضية فلسطين وضمن بذلك توطيد أمن أسرائيل الذي يقع في مقدمة أجندةالاهداف الامريكية والاسرائيلية.
2- ساهم في أضعاف، ليس فقط قدرات العراق، بل قدرات دول الطوق لاسرائيل،وهنا تكثر التفاصيل لشرح مدى مساهمة نظام صدام في إضعافها وسأكتفي بالاشارة بشكل سريع لما قدمه صدام من عَونْ لعون في لبنان وما قام به من تخريب وتفجيراتومساعدة لعصابات التخريب في سوريا في عقد الثمانينات.
3- دَمًَر وعلى مدى 8 سنوات في حرب قذرة لا معنى لها ضد أيران التي جاءت ثورتها لتصطف مع القضية العربية المركزية، فلسطين، حيث بادرت الثورة الايرانيةبالغاء السفارة الاسرائيلية وأبدالها بسفارة لفلسطين وخوضها صراعاً مع الامريكان الذين صرحوا في حينها من ان هناك أصدقاء حميمين لنا في المنطقة سيثأروا لنامن النظام الايراني، دَمَّر هذه الامكانية في دعم القضية الفلسطينية وأبعدالشعب الايراني من إمكانية التعاطف معها.
4- باستغلال الاميركان لسياسة الاهوج صدام أستطاعت مع كثير من الدول الغربيةان تبتز بشكل لا مثيل له في التاريخ كل دول الخليج العربي بالضغط عليها لشراءالسلاح والذي لا يصلح إلا لان يصطف في إصطبلات هذه الدول لانه كما يقول المثل"لا ينش ولا يكش"، ولا يؤثر بأي شكل كان على ظهير أمريكا في المنطقة، اسرائيل.
5- تدمير بلداً كان يمكن ان يكون عمقاً آخر للكفاح العربي ضد اسرائيل،ففي مسوغات أحتلاله للكويت التي صاغها الاميركان لصدام بطريقة تحرق المنطقةولا تبقي ولا تذر من امكانيات سواء العراق او الكويت او منطقة الخليج.
6- أعطى فرصة للامريكان واالانكليز لاستثمارالعراق كحقل لتجارب عسكرية واختبارات لاسلحة حديثة مجرمة ومحرمة دولياً، دفعت أثمانها دول الخليج وثم يدفع جزء منها الآن شعبنا الجائع كتعويضات ومنها تجاربأسلحة مطعمة باليورانيوم المنضب "زبالة" المفاعلات النووية التي تدفئ بيوت وتشغل معامل الامبريالية الاميريكية والانكليز.
7- من ضمن أرهاصات السياسة الديماغوجية الصدامية ان أنخدع الفلسطينيون بوقوفهم الى جانب صدام ولا ادري ربما ستأتي الايام لتكشف بعض اسرار هذه السياسةالمدانة تجاه الفلسطينيين والتي آذتهم بشكل مباشر وهذا ما كانت تسعى له الامبرياليةالامريكية واسرائيل وهو ما تحقق على أيدي المجرم صدام.
وهنا لا بد من الاشارة الى خطل سياسة بعض الفصائل الفلسطينية المخدوعة في تضامنها مع المجرم صدام والتي تضررت كثيراً، ويكفي هنا ذكر بعض الحقائق حيث على سبيل المثال كان يعمل حوالي 300 ألف فلسطيني في الكويت تذهب نسبة3-5% من رواتبهم الى ميزانية منظمة التحرير الفلسطينية، حرمت منها بعد الغزوالصدامي للكويت، ليس هذا فقط بل حرمت مئات الالاف من الفلسطينيين من العيش في كثير من دول الخليج.. أضف الى ذلك إبعاد الشعب الكويتي بشكل كامل عن قضيةالتضامن مع الفلسطينيين لموقف بعضهم الخاطئ هذا وبالمناسبة كان ما تحقق من خيبات أمل وانتكاسات في الواقع العربي والفلسطيني مدعاة ليس للشماتة بل دعوة لبعض الفلسطينيين لاعادة النظر بسياستهم ومعالجة ما يمكن معالجته .. وتدقيق هذه السياسة التي يتوجب ان تكون صديقة لكل الشعوب العربية في كفاحها ضد أنظمتهاالقمعية او لان تقف حيادية تجاه الاوضاع الداخلية لهذه البلدان او تجاه الاوضاع الداخلية لهذه البلدان او تجاه الاوضاع العربية العربية التي يمكن ان تكون هي وسيط الشرف في حلها، ولكي تكسب ما يمكن ان تكسبه من كل الاطراف من تعاطف وتضامن لصالح الشعب الفلسطيني المنكوب.
بعد هذا الاستطراد فيما قد حققه صدام لمصلحة امريكا والمجتمع الغربي واسرائيل وهي الأهم حيث تكرس أمنها وأصبحت قدرات الدول العربية سواء لدول الجوار اوالبعيدة صفراً على الشمال أمام القدرات التي تكدست في أسرائيل وبدعم أمريكي وتعاطف غربي الذي أصبح علنياً في السنوات الاخيرة وعلى لسان القادة الامريكيين المقررين للسياسة الدولية، فهم أستطاعوا وببراعة لان يدعوا صداقة بعض الدول العربية ودعمهم العلني وغير المحدود وغير المشروط لاسرائيل.
لا بد من العودة لاشكالية تشوه وتشوش صورة الشعار المعارض العراقي فالحقيقةالناصعة الواضحة تؤكد ان لا الامريكان ولا اسرائيل يودها أسقاط النظام الصدامي،لما قد قدمه ويقدمه من خدمات "جليلة" لسياستها الاستراتيجية في الوقت الراهن.
ومن هذه الحقيقة الدامغة، يصبح الجدل الدائر الآن مع بعض الاصدقاء المعارضين المخدوعين بالمناورات الامريكية،الاصدقاء الذين يعولون علىالعامل الخارجي،وخاصة الامريكي الذي يختلفون مع فصائل المعارضة العراقية علىمفهوم التغييروآلياته وكيفيته ولكنهم بالتاكيد يتفقون على قضية اساسية ألا وهي قضية إسقاط النظام، تقابلها الفصائل الاخرى التي ترى ان الامريكان يناورون لتحقيق مصالح معينة تم الاشارة اليها في النقاط 1-7 أعلاه. وهنا لا بد من الاشارة الى مقال قيم تناول هذه الموضوعة للسيد سيف صادق في اوساط آيار 2002 على صفحة الانترنيت للحزب الشيوعي العراقي، وكذلك لا بد من الاشارة الى الى ممارسات الامريكان التي تؤكد نهجهم هذابما يلي:-
1- إفشال تحقيق أنتفاضة آذار 1991 التي حررت خلال أيام اكثر من ثلثي العراق لاهدافها.
2- المزيد من تشويه مواقف المعارضة العراقي وأظهارها وكأنها كلها عميلة للامريكان او الاجنبي أمام الرأي العام العربي والاسلامي ليحرمها من تعاطف الحركات الثورية والديمقراطية والتحررية العالمية.
3- الحفاظ على نظام صدام وحمايته من أية نشاطات فعلية ثورية شعبية كانت ا و انقلابية عسكرية حيث وشْت ولاكثر من مرة لصدام يمجموعات الضباط الذين راهنواعلى قدراتهم لاسقاط النظام.
4- سعيها الحثيث على إبقاء المنطقة الكردية كردستان على حالها واستطاعت بفعل تأثيرات غير مرئية، وزرع الخلافات وتأجيجها فيما بين أطرافها الرئيسية.
فأصبح الامريكان يهدفون ليس الى إسقاط الدكتاتورية وإزالة صدام وإنما الىمزيد من تشويه لصورة هدف المعارضة العراقية والامعان في أضعافها وجعل جماهيرشعبنا مترقبة منتظرة غير ناشطة.