أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - إعادة إنتاج العفاريت (1)














المزيد.....

إعادة إنتاج العفاريت (1)


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 2646 - 2009 / 5 / 14 - 09:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


حين تسيطر الأغلبية الشعبية على الموارد العامة يقل حضور العفاريت في الحياة. فهي تعبير عن عدم سيطرة الإنسان على واقعه الاجتماعي وحياته وأمراضه.
وقد شكلت سورة الجن في القرآن تعبيراً ترميزا مثاليا عن إلغاء دور العفاريت في حياة المجتمع وإبعادها عنه، بجعلها جزءًا من عالم الإسلام، من عالم الخير، فانتهت تدخلاتها الشريرة، وانتهى حضورها في عالم الإنس، وغدت السيطرة لدى الإنسان.
ان الأدوات السياسية والاقتصادية لذلك العصر المحدود الثقافة العلمية، لكن المسيطر على ثروته المادية الموزعة على الأغلبية، تجعل مقاربته مع عالم الجن مقاربة دينية مثالية، فلا تتم إزالتها بل تتم اسلمتها.
ولكن المسلمين في مسيرتهم التالية وبسبب عودة الأغنياء للحكم، وإبعاد الأغلبية عن السيطرة على واقعها الاجتماعي، أعادوا حضور الجن بكثافة، وصار الجن الشرير خاصة هو المهيمن على الفضاء الثقافي.
فكلما فقد الإنسان السيطرة على واقعه، وتاريخه، وصار في مهب الرياح السياسية، لجأ لما هو خارج وجوده الاجتماعي، واستعان بالقوى الخفية ذات القدرات السحرية لكي تعيد له صحته أو ماله أو الأعزاء الذين فقدهم أو الشباب الذي مضى أو لكي تزيل العقم الجسدي والعقم الروحي، ولهذا لا بد من تقديم أعطيات لها مثل القوى الشريرة الاجتماعية وعمليات استرضائها وخدمتها.
كانت الكلمة القرآنية والثقافية والتوحد الشعبي الواسع هي أدواتهم للسيطرة على الواقع الاجتماعي، لكن الواقع فلت من أيديهم لغياب الأدوات السياسية المناسبة، وجاءت قوى الأغنياء وحكومات الأقليات لتلغي ذلك الانسجام بينهم وبين وجودهم الاجتماعي التعاوني.
فراحوا يتصورون تاريخهم السابق كتاريخ من الأساطير ومن التدخلات السحرية العجائبية، فالكائنات والحيوانات والرموز العجيبة كلها هي التي صنعت تاريخهم الذي صنعوه هم بأيديهم، ويتراجع حضورهم الجماعي الذي تمزق فرقا وأحزابا.
لا يمنع من هذا ان المسلمين لم يسيطروا على ثقافة الخرافة كلياً، فهي نتاج موغل في القدم، فثقافتهم كانت تؤمن بالرقى والتعاويذ لكن المسيطر عليها بالقرآن، وهو جانب يماثل تحييد الجن وأسلمتها، والجانب التنويري الإسلامي حسمَ الخيار في بعض الجوانب، خاصة في تنحية الكائنات العلوية - الأرضية الشريرة، متوافقا مع الكائنات العلوية الخيرة، والأفكار المثالية الفكرية الغيبية الخيرة الأخرى باعتبار العالم نتاج إله، وهو الذي يحكم الكون بالخير والفترة الأرضية هي فترة مؤقتة تجريبية، وبالتالي فإن الأفكارَ الدينية هي التي تعاونه على استئصال الشر من حياة البشر.
ومع غياب الدولة الشعبية التي ترفد هذه التكوينات الفكرية العامة الخيرة، وتصاعد سيطرة الأشرار الاجتماعيين السياسيين الاستغلاليين، فإن الكائنات السحرية الشريرة تنطلق هي الأخرى في الحياة الاجتماعية.
لا يستطيع الإنسان في هذا المجتمع الذي فقد فيه الناس سيطرتهم على مصادر إنتاجهم، سوى أن يرتعب من كل بوادر الشر والموت والخراب والحروب، ولا يستطيع وعيه أن يفهم تاريخه وكيف عجز عن السيطرة عليه، وما هي أسباب الحروب والأوبئة وسوء العلاقات البشرية، فهذه كلها تخرج عن فهمه، ويتصور ان مسبباتها موجودة في كائنات غيبية وفي حيوانات وطيور شريرة:
(العرب مثلا تكني البوم بطائر الخراب، إذ ينظرون إليه على أنه طائر شؤم تنقبض صدورهم لدى سماع صوته ليلا، ويتوهمون جهلا حدوث مكروه كموت عزيز أو خراب ديار، ويصف الكتاب الأوروبيين بأنهم يرون في صوت البوم إعلاناً لموت أحد الأشخاص أو أن أحد الناس يعاني في تلك اللحظة سكرات الموت، ويتوهمون أن البومَ إذا ما حط على سقفِ أحد البيوت أصابه بالشقاء!)، تعليق صحفي على كتاب مُترجم بعنوان (معجم الخرافات).
ان ارتباط البوم بالخرائب الناتجة عادة من كوارث الحروب وخراب العمران التي لها أسباب شتى، تتحول مع تكرارها في مثل هذا الوعي الشعبي العفوي إلى أن تكون هي مصدر الشر.
ان اعطاء الطيور أو الزواحف كالحيات قدرات على التدخل الواسع في الحياة البشرية تتصاعد إلى حد اعطاء الألوان والألبسة والوجوه إمكانية السيطرة على حياة البشر المستقبلية.
فالتطير والطيرة هي رؤية تشاؤمية من بعض الطيور كرؤية الغربان والاستدلال من وجودها على أحداث سيئة سوف تجري في المستقبل، مع ارتباط الغربان بالجثث الناتجة من الحروب خاصة.
ومع فقدان البشر السيطرة على واقعهم يبحثون عن مفاتيح السيطرة والتحكم خارجهم، نظرا لغياب التراكم المعرفي العلمي في حياتهم، وتظهر فئاتٌ متخصصة في مثل هذه الرؤى الغيبية، المستقبلية والمصيرية، وهي تقوم بإنتاج مثل هذا الفهم الخرافي، كشكل آخر من توظيف الخرافة من أجل عيش تلك الفئة المنتجة لهذه الأشكال من الوهم.
تغدو النجوم والكواكب والأرواح مصدرا لهذه المعرفة المستقبلية مع عجز العقول الأرضية عن التحكم في يومها، فهذه الأشياء خارج الملموس، ولها ظلال وصور لا نهائية وغير محددة، يمكن عن طريقها تسريب الأفكار والتوجيهات والنبؤات وايجاد أشكال من التفكير المحتاجة إلى المعونة الماورائية نظرا لأزماتها المعيشية والسياسية والجسدية والنفسية المختلفة.
وإذا كانت هذه الأشكال السحرية عفوية وواضحة ببساطة فإن جر جوانب من الدين لعمليات سحرية هو الأمر الأكثر صعوبة في الكشف، حيث تجرى تلك المناطق الغيبية لإنتاج ممارسات سياسية عامة مضرة بالتطور.
12 مايو 2009




#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العمالة الخليجية؛ الأرقام
- أصوات الأدلجة
- المحافظة المفرطة
- الرأسمالية الحكومية في الهند
- عن البطالة في البحرين
- صراع البضائع العالمي
- إلغاء استبداد الريف
- إدارة الصراع بين شموليتين
- قوانين متدرجة للأسرة
- إشكالية الرأسماليات الحكومية الخليجية (2)
- إشكالية الرأسماليات الحكومية الخليجية (1)
- النبوة وعظمة المرأة
- التخلف مسئولية من؟
- القمة العربية: خطابات مجردة
- الهوامش والمراكز
- رأسمالية رثة.. عمالة رثة
- عولمة الرأسمالية
- تغييرات سياسية على حساب التجار
- البرامج الإسلامية للحركات التقدمية
- تطورات الرأسمالية الحكومية الروسية


المزيد.....




- معالجات Qualcomm القادمة تحدث نقلة نوعية في عالم الحواسب
- ألمانيا تصنع سفن استطلاع عسكرية من جيل جديد
- المبادئ الغذائية الأساسية للمصابين بأمراض القلب والأوعية الد ...
- -كلنا أموات بعد 72 دقيقة-.. ضابط متقاعد ينصح بايدن بعدم التر ...
- نتنياهو يعطل اتفاقا مع حماس إرضاء لبن غفير وسموتريتش
- التحقيقات بمقتل الحاخام بالإمارات تستبعد تورط إيران
- كيف يرى الأميركيون ترشيحات ترامب للمناصب الحكومية؟
- -نيويورك تايمز-: المهاجرون في الولايات المتحدة يستعدون للترح ...
- الإمارات تعتقل ثلاثة أشخاص بشبهة مقتل حاخام إسرائيلي في ظروف ...
- حزب الله يمطر إسرائيل بالصواريخ والضاحية الجنوبية تتعرض لقصف ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - إعادة إنتاج العفاريت (1)