|
مغزى علاقة التنمية بالمجتمع المدني
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2645 - 2009 / 5 / 13 - 09:24
المحور:
المجتمع المدني
في اجتماع فريق من الخبراء العرب، بدعوة من الاسكوا (اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا) التابعة للأمم المتحدة ناقش دليلاً لتعزيز المشاركة بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني، واستهدف اجتماع الخبراء الذي انعقد في بيروت عدداً من القضايا التي تندرج في إطار التنمية، منها كيفية مشاركة المجتمع المدني، أي التدخل بالمشاركة كمنهج من خلال التصميم وأساليب التنفيذ، فضلاً عن الجوانب الميدانية، وتهيئة الظروف لمشاركة المجتمع المدني ورسم استراتيجيات لبناء وتطوير القدرات المؤسسية والفردية، من خلال الأطر القانونية الضرورية للإسهام في صنع القرار، واستخدام المراصد الاجتماعية كأداة لتعزيز المشاركة بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني في السياسات العامة، مع التأكيد على دور الإعلام وفاعليته للوصول إلى ذلك. ولعل الإطار المرجعي لاجتماع الخبراء استند إلى عدد من المؤتمرات الدولية، منها مؤتمر القمة العالمي للتنمية المنعقد في كوبنهاغن العام 1995 ومؤتمر القمة العالمي للتنمية المستدامة المنعقد في جوهانسبورغ العام 2002 ومؤتمر القمة العالمي للتنمية الاجتماعية العام 2005 الذي أكده قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1/60، وهذه المرجعيات جميعها أكدت دور المجتمع المدني وبناء الخبرات وتطويرها وتعزيز التنمية المستدامة بالقضاء على الفقر وتحقيق المساواة بين الجنسين وغيرها. وكانت قمة كوبنهاغن منعطفاً في الفكر التنموي، لاسيما بعد اعتبار الحق في التنمية أحد الحقوق الأساسية الفردية والجماعية، التي لا تستقيم مسألة حقوق الإنسان من دونها لضمّها إلى حزمة الحقوق التي لا يمكن تجزئتها أو إهمال عناصر منها. وهكذا يمكن تصنيف الحق في التنمية باعتباره من الجيل الثالث لحقوق الإنسان، التي تعززت بالحق في السلام والحق في بيئة نظيفة والحق في الاستفادة من منجزات الثورة العلمية-التقنية، وهذه كلها تعميق وتعزيز لحقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتطوير لها في منظومة من الحقوق الفردية والجماعية تلك التي كان الصراع حولها مستمراً منذ صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العام 1948 واحتدم خلال صدور العهدين الدوليين العام 1966، حيث كان المعسكر الغربي يميل إلى الحقوق الفردية والسياسية والمدنية، ويهمل إلى حدود غير قليلة الحقوق الجماعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في حين أن المعسكر الشرقي كان يدعو للحقوق الجماعية، ويتشبث بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي يعطيها الأولوية على حساب الحقوق الأخرى التي يعتمدها الغرب. ولكن بعد صدور إعلان الحق في التنمية في الثمانينيات وتكريس ذلك دولياً وانعقاد مؤتمر قمة كوبنهاغن التزام 117 رئيس دولة «بخلق تنمية اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية وقانونية، تتيح لكل المجموعات البشرية بلوغ النمو الاقتصادي» وهو الأمر الذي لا يتحقق بصورة سليمة من دون شراكة المجتمع المدني وهو ما أخذت الامم المتحدة تؤكد عليه وتدعو الدول والبلدان لاعتماده بدعوة منظمات المجتمع المدني لحضور اجتماعات موازية. وإذا كانت منظمات المجتمع المدني هي جمعيات ومؤسسات غير حكومية متنوعة الاهتمامات ومتعددة الاختصاصات، فهي طوعية وحرّة وسلمية ومستقلة كما أنها غير وراثية ولا تهدف إلى الربح، ولعل من أهم أهدافها هو تحقيق التنمية بجميع جوانبها في المجتمع، الأمر الذي يمكن اعتبارها شريكاً ومكملاً للحكومات في رسم وتنفيذ السياسات العامة وفي اتخاذ القرار من جهة، ومن جهة أخرى رصد ومراقبة الانتهاكات والتجاوزات وقضايا الفساد التي تشكل معوّقاً من معوّقات التنمية، ولعل طموح المجتمع المدني يزداد اتساعاً حين يسعى لكي يكون قوة اقتراح واشتراك وتفاعل، وليس قوة احتجاج أو اعتراض أو تنافر فحسب. وإذا كانت ثمة معوّقات تحول دون وصول المجتمع المدني فيما يطمح إليه، فإن حداثة التجربة لاسيما في عالمنا العربي وتدنّي مستوى القدرات وضعف التكوين وغلاظة بعض التشريعات وشحة الحريات، خصوصاً حرية التعبير وحق التنظيم الحزبي والنقابي والاجتماعي وحق الاعتقاد، كلها عوامل تعرقل في تحقيق شراكة المجتمع المدني مع الحكومات. ولعل مثل هذه القضايا تتشابك مع المعوّقات التي تحول دون تحقيق التنمية المستدامة، ومنها عقبات خارجية مثل الاحتلال والحصار والعدوان ومحاولات فرض الاستتباع، ومنها عقبات داخلية مثل الموروث والعادات والتقاليد واستخدام الدين وتعاليمه السمحاء على نحو خاطئ وضار وباسم الإسلام أحياناً، وهو ما نطلق عليه مصطلح الإسلاملوجيا، كما أن تفشي الفقر ونقص الثقافة ونقص المعرفة بما فيها استشراء الأمية، ناهيكم عن وجود عدد من الأنظمة الانغلاقية والاستبدادية، التي بطبيعة الحال تقف أمام مبادرات المجتمع المدني بصورة سلبية. وإذا كانت تلك العوامل عقبة أمام التنمية الموعودة، فإن ضعف المواطنة وتصارع الهويات، بين هوية كبرى أحياناً وهويات فرعية لا يتم الاعتراف بها، سواءً كانت قومية أو دينية أو لغوية أو سلالية، وعدم توافر عنصر المساواة كأساس للدولة العصرية، يحول دون الوصول إلى شاطئ التنمية المنشود، مضافاً إليه استمرار ظاهرة التمزق المجتمعي مذهبياً وطائفياً وعشائرياً وجهوياً، بما يؤدي إلى عرقلة عمليات التنمية، بوضع الكوابح أمام مشاركة المجتمع المدني للحكومات باتخاذ القرار، كما أن عدم تلبية حقوق الأقليات وعدم تمكين المرأة ومساواتها مع الرجل وعدم الإقرار بالتعددية والتنوّع عوامل أخرى تؤدي إلى عدم تحقيق التنمية الموعودة. من هنا تأتي دراسة العديد من المنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي واليونسكو والاسكوا، لدور المجتمع المدني ومدى إمكاناته بالمساهمة في التنمية، بحيث تصبح التنمية الغائبة قائمة والمستحيلة ممكنة والمفقودة موعودة، ولا شك أن ذلك يتطلب أيضاً ومن خلال الضغط موافقة الحكومات وقبولها بهذا الدور وكذلك الجماعات السياسية والتنظيمات القائمة في المجتمع دينية أو سياسية، وعلى المجتمع المدني أن يكون هو الآخر جاهزاً ويسعى إلى معالجة مشكلاته وثغراته من خلال جاهزية فكرية وأجندات وطنية تلبي احتياجات الجمهور، ومن خلال عمل ديمقراطي طويل الأمد ومتراكم وسلمي، فالمجتمع المدني لا يسعى للوصول إلى السلطة وليس لديه ميليشيات ولا ينبغي أن يقتصر على طائفة أو طبقة أو دين كما أن الانتماء إليه طوعي، وعليه ألا ينخرط في الصراع الآيديولوجي والعقائدي الدائر في مجتمعاتنا ويعمل وفقاً للقوانين والأنظمة السائدة ولا يلجأ إلى العمل السري، وإذا كانت الحركات والأحزاب السياسية تريد التغيير عبر الوصول إلى السلطة فإن المجتمع المدني يريد تغيير المعادلات السياسية لتكون أكثر توازناً. إن ذلك ما يجعله شريكاً حقيقياً في التنمية، وهو ما تنبهت له الأمم المتحدة ومنظماتها التي أخذت تدعوه إلى القمم العالمية كشريك، وهو ما فعلته جامعة الدول العربية أخيراً في مؤتمر قمة الكويت، والذي يحتاج إلى اعتماده دورياً في جميع القمم العربية بصورة دائمة. * باحث ومفكر عربي
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إشكالية الهوية والمواطنة في العراق
-
في ثقافة المواطنة
-
المستقبل العراقي: الأسئلة الأكاديمية الحارقة!!
-
سعد صالح: الاستثناء في الحق!!
-
من المسؤول عن تشويه صورة الاسلام؟
-
تنميط الإسلام: الصورة الصهيونية
-
تحطيم المرايا: في ضرورة منهاجية نقدية لتجاوز الانغلاق للذات
...
-
الدكتور شعبان يحطم مراياه
-
في الطريق إلى ديربن: ماذا تعلمت إسرائيل وماذا تعلّم العرب؟
-
المرأة والسياسة والإبداع في حياة الجواهري
-
فشل المشروع الأمريكي سياسيا في العراق دعا أوباما الى الانسحا
...
-
العرب والعراق.. ماذا يريدون منه وماذا يريد منهم؟
-
أوباما في بغداد: ما الجديد؟
-
النقد الذاتي بداية الطريق إلى النقد الكلّي
-
ماركس لم يقرأ التاريخ ولم يتحدث في الدين !!
-
استراتيجية أوباما والتركة الثقيلة
-
وظيفة المثقف الأساسية.. النقد
-
فلك المواطنة!
-
3- الأزمة المعتقة وسبل تجاوزها!!
-
مؤتمر ديربن: لعلها أكثر من صدمة!!
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|