|
إشكالية الهوية والمواطنة في العراق
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2646 - 2009 / 5 / 14 - 08:58
المحور:
حقوق الانسان
على بعد آلاف الأميال من العراق التأمت ندوة أكاديمية لمدة يومين في مدينة واترلو (كندا) لتناقش مواضيع راهنية عراقية غاية في الالتباس والإشكال، ونعني بها مسألة المصالحة وإعادة الإعمار ومستقبل العراق، وخلال ما يقارب 18 ساعة عمل وخمس جلسات أساسية، بضمنها مائدة مستديرة كان الموضوع العراقي مطروحاً على بساط البحث، وعلى طاولة اجتمع حولها 15 باحثاً واستاذاً جامعياً وممارساً مختصاً ممن لهم خبرة في قضايا الشرق الأوسط، وقدّر لي أن أكون واحداً منهم.
ولعل من اللافت للنظر أن قضية الهوية استحوذت على نقاشات المشاركين، لاسيما علاقة الهوية بالمواطنة، خصوصاً ما بعد الاحتلال وعلاقتهما بالدولة، ثم علاقة الهوية بالطائفية والفيدرالية، وكان السؤال غالباً ما يتردد: هل يمكن تقسيم العراق؟ وإذا افترضنا ذلك “ممكناً” فوفقاً لأية اعتبارات؟ كما توقف أحد الأبحاث عند علاقة الهوية بالجنسية العراقية منذ تأسيس الدولة (المملكة العراقية) العام 1921 وما بعدها، خصوصاً تأثيرات ذلك في كيانية التكوينات العراقية، لا سيما بعض الغبن والإجحاف الذي شمل فئات عراقية، اقترنت باحتدامات سياسية، وأدت أحياناً الى بعض التشجنات والاصطفافات، خصوصاً بتهجير آلاف المواطنين العراقيين عشية الحرب العراقية - الإيرانية وما بعدها.
وهنا نوقشت مسألة تدخل دول الجوار وتأثيراتها وانعكاساتها على وجود عراق قوي أو ضعيف، ولعل الرأي الذي يقول إنه كلما كان العراق قوياً تقلص التمدد الفارسي داخل المنطقة العربية، وعلى العكس كلما كان العراق ضعيفاً نشط النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة، الأمر الذي يمكن اعتباره معادلة تاريخية صعبة أساسها الجغرافيا ومنبعها التاريخ وفضاؤها العلاقات الدولية والمجتمعية، والمصالح والمنافع، مهما اتخذت من ذرائع طائفية أو مذهبية أو عقائدية، وحتى إن تعكزت على اعتبارات تاريخية أو جغرافية، الاّ أنها تظل محكومة بأساس توازن القوى بين البلدين.
وإذا كان ما حدث بعد الاحتلال أمراً طبيعياً بحكم انحلال الدولة العراقية وحل مؤسساتها وتعريضها للفوضى، فإن الحضور الايراني كان فرصة تاريخية، ليس فقط لإعادة تغيير معادلة التوازن وبخاصة بعد الحرب العراقية - الإيرانية، وإنما لاستثمار ذلك بما يذكّر بعدد من التوترات والعلاقات والمعاهدات المعقودة بين البلدين ابتداء من معاهدات كردن وزهاب وارضروم الاولى والثانية ومروراً ببروتوكولي طهران والقسطنطينة ومعاهدة العام 1937 وحتى معاهدة العام 1975 وصولاً للحرب العراقية - الإيرانية 1980- ،1988 ومن ثم العودة الى معاهدة الجزائر لعام 1975 بعد غزو القوات العراقية للكويت في 2 آب/أغسطس العام 1990.
وقد تم التوقف عند الهوية وعلاقتها بالفيدرالية لاسيما من خلال الجدل أو الصراع بين الهويات الفرعية في إطار الهوية العراقية العامة، وفي حين يركز البعض على الهوية الفرعية ويعتبرها الهوية الأساس، بما يضعف علاقته بالمشترك العراقي، فإن البعض يريد احتواء الهوية الفرعية بحجة الهوية العامة المانعة الجامعة العليا، لكن وجود هويات فرعية وقد تكون أكثر من واحدة، لا يلغي جوارها وجدلها في إطار المشترك الإنساني العراقي، الذي أساسه المواطنة والمساواة بين الجميع، واحترام الهوية الكبرى - الأساسية - للهويات الصغرى الفرعية، باعتباره شرطاً لا غنى عنه للتفاعل والتعايش والتواصل.
وإذا كان الموضوع الفيدرالي قد أخذ حيّزاً من الجدل فلأن دستور العام 2005 الذي تم الاستفتاء عليه قام على أساس النظام الاتحادي (الفيدرالي) وأعطى الحق لمحافظة واحدة لكي تؤسس اقليماً ويصبح لها دستوراً وحكومة اقليمية، وقد أثار الدستور التباسات وألغاماً كثيرة فيما يتعلق بصلاحيات الاقاليم، لا سيما علاقته بالقوات المسلحة وقوى الأمن، واستثمار الثروة الطبيعية وبخاصة النفط والغاز للحقول غير المستخرجة، وكذلك الالتباس فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية والدولية، فضلاً عن بعض الجوانب الرقابية والمالية، وهو ما دعا رئيس الوزراء نوري المالكي للمطالبة بإعادة النظر فيه، رغم اعتراض الكتلة الكردية، التي وقفت بشدة مع بقاء صلاحيات الاقاليم معترضة على المساس بها، باعتبارها من ثوابت الدستور والتوافق الوطني، وهو ما ينسحب أيضاً على مسألة الاحتكاك بشأن كركوك وتطبيقات المادة 140 التي يصر الكرد على أنها لا تزال صالحة، في حين أن التكوينات الأخرى تقول إنها استنفدت أغراضها وتاريخها.
المسألة التي ظلّت بحاجة الى معالجة في إطار الوضع العراقي، هي السؤال الذي سبق لنا أن طرحناه في كتابنا: من هو العراقي؟ (العام 2002) وما هويته وما المشترك الانساني الذي يجمع عرب العراق مع كرده وتركمانه وآشورييه وكلدانه من حيث التكوين الإثني، ومسلمي العراق مع مسيحييه مع صائبته وايزيدييه، وهو السؤال الذي يلح رغم بعض التصدعات: ما الذي يجمع عرب العراق السنة مع عرب العراق الشيعة؟
وبغض النظر عن الاختلاف المذهبي أو القومي أو الديني، فثمة هوية عراقية لها ملامحها تشكل قاسماً مشتركاً للفسيفساء العراقية وللموزاييك المجتمعي العراقي، الذي يمكن أن يتعزز ويتعمق بالمواطنة الكاملة والمساواة التامة واحترام حقوق الانسان، وجعل الولاء الاول والأخير للوطن والشعب، عبوراً على الطوائف والأديان والإثنيات، مع تأكيد احترامها وخصوصيتها، كهويات فرعية، في إطار الهوية الوطنية.
وجدل الهويات قاد الى الحديث عن المنفى، لا سيما الأعداد الواسعة من المهجرين الذين بلغ عددهم أكثر من 4 ملايين، قسم منها سبق الاحتلال بثلاثة عقود من الزمان ويعاني من مشكلة الهوية بالاشتباك مع هويات جديدة دخلت على المنفيين، لا سيما للجيل الثاني وبالطبع للجيل الثالث على نحو أشد، بحيث أن مثل هذا البحث كان بحاجة الى ندوة أو ملتقى خاص، مثلما هو الموضوع الطائفي والفيدرالي، وعلاقة دول الجوار وكيفية تحقيق المصالحة الوطنية.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ثقافة المواطنة
-
المستقبل العراقي: الأسئلة الأكاديمية الحارقة!!
-
سعد صالح: الاستثناء في الحق!!
-
من المسؤول عن تشويه صورة الاسلام؟
-
تنميط الإسلام: الصورة الصهيونية
-
تحطيم المرايا: في ضرورة منهاجية نقدية لتجاوز الانغلاق للذات
...
-
الدكتور شعبان يحطم مراياه
-
في الطريق إلى ديربن: ماذا تعلمت إسرائيل وماذا تعلّم العرب؟
-
المرأة والسياسة والإبداع في حياة الجواهري
-
فشل المشروع الأمريكي سياسيا في العراق دعا أوباما الى الانسحا
...
-
العرب والعراق.. ماذا يريدون منه وماذا يريد منهم؟
-
أوباما في بغداد: ما الجديد؟
-
النقد الذاتي بداية الطريق إلى النقد الكلّي
-
ماركس لم يقرأ التاريخ ولم يتحدث في الدين !!
-
استراتيجية أوباما والتركة الثقيلة
-
وظيفة المثقف الأساسية.. النقد
-
فلك المواطنة!
-
3- الأزمة المعتقة وسبل تجاوزها!!
-
مؤتمر ديربن: لعلها أكثر من صدمة!!
-
شهادات إسرائيلية: لائحة اتهام!
المزيد.....
-
اللجان الشعبية للاجئين في غزة تنظم وقفة رفضا لاستهداف الأونر
...
-
ليندسي غراهام يهدد حلفاء الولايات المتحدة في حال ساعدوا في ا
...
-
بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
-
مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا
...
-
إصابة 16 شخصا جراء حريق في مأوى للاجئين في ألمانيا
-
مظاهرة حاشدة مناهضة للحكومة في تل أبيب تطالب بحل قضية الأسرى
...
-
آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد نتنياهو
-
مسؤول أميركي يعلق لـ-الحرة- على وقف إسرائيل الاعتقال الإداري
...
-
لماذا تعجز الأمم المتحدة عن حماية نفسها من إسرائيل؟
-
مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|