|
في ثقافة المواطنة
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2644 - 2009 / 5 / 12 - 09:08
المحور:
حقوق الانسان
كان موضوع «جدل أم صراع الهويات في العراق» أحد محاور الندوة الأكاديمية التي التأمت في كندا (واترلو) بمبادرة من المركز الدولي للحاكمية الصالحة (الحوكمة) وبمساعدة من جامعة واترلو، وحضرها 15 باحثاً وأستاذاً جامعياً ومختصاً في قضايا الشرق الأوسط، بمن فيهم بعض السفراء السابقين. هناك فارق كبير بين جدل الهوية وصراعها، فالجدل يعني وجود اختلافات وخصوصيات وتمايزات، يمكن أن تتعايش وتتفاعل مع تأكيد احترامها لبعضها البعض وفي إطار المشترك الإنساني، الذي يمكن أن يشكل الهوية الجامعة، مع احترام الهويات الفرعية والخاصة، وتأكيد كيانيتها في إطار الهوية العامة، لا باعتبارها فوقها أو متسيّدة عليها، كما ليس بمقدور الهوية العامة أن تحتوي الهوية الخاصة أو الفرعية، لكونها تمثل إطاراً أكبر أو أعلى على النطاق الوطني، ليس في العراق وحده بل ربما في عموم دول المنطقة، فهناك نقص فادح في ثقافة المواطنة وعلاقته بالهوية والدولة. بعض الشوفينيين والمتشبثين بالأغلبيات يستنكرون على أصحاب الهويات الفرعية والخاصة التمسك بهوياتهم، بل إنهم يعتبرون أي هوية خارج الهوية العامة انفصالية أو إضعافاً للهوية الوطنية الجامعة، أو تفكيكاً لصورة الدولة الموحدة، ومن جهة أخرى يبالغ بعض أصحاب الهويات الخاصة الفرعية لإعلاء هويتهم فوق الهوية العامة والمشترك الإنساني، الأمر الذي يؤدي إلى الانعزالية وضيق الأفق، سواء كان قومياً أو دينياً أو مذهبياً أحياناً، وبالمقابل فإن من يريد تذويب الهويات الفرعية، يقود إلى الاستعلائية والشوفينية والتمييزية. إن ضعف ثقافة المواطنة لاسيما من الناحية القانونية وعدم وجود قوانين ناظمة ترسم العلاقة الصحيحة بين الهوية العامة والهويات الفرعية، ناهيكم عن الممارسة التمييزية، أدى إلى حدوث اختلالات وتجاوزات على حقوق الإنسان، وهو الذي طبع مسيرة الدولة العراقية منذ تأسيسها وبخاصة في ظل النظام السابق الذي شهد احتدامات كثيرة، لاسيما خلال الحرب العراقية الإيرانية وما بعدها، خصوصاً بنزع جنسية عشرات الآلاف من المواطنين العراقيين، وهو الأمر الذي تكرس على نحو شديد ما بعد الاحتلال. وحسب التقسيمات التي جاء بها الاحتلال، فإنه لا توجد أغلبية في العراق، سواء عربية أو مسلمة أو غيرها، والجميع هم أقليات، العرب والكرد والتركمان والكلدانيون والآشوريون والمسلمون والمسيحيون والأيزيديون والصابئة وغيرهم. ولعل مشكلة من هذا النوع جعلت الأمر أقرب إلى الصراع في إطار الدستور الحالي، لاسيما عندما تحدث من صلاحيات الأقاليم على حساب الدولة الاتحادية، الأمر الذي عوّم اختصاصاتها ومنحها للأقاليم، ولعل هذه تجربة غير مسبوقة للفيدراليات العالمية التي تزيد عن 25 فيدرالية، بحيث أعطى حق استثمار الثروة الطبيعية (النفط والغاز) في الحقول غير المستخرجة للأقاليم، مثلما منحها صلاحيات فاقت صلاحيات الدولة الاتحادية (الفيدرالية) فيما يتعلق بالإشراف على القوات المسلحة وقوى الأمن التابعة لها، رغم أنها من الناحية الشكلية تتبع تشكيلات الدولة الاتحادية، لكنها غير قادرة على تحريكها إلا بأمر وموافقة سلطات الأقاليم، فضلاً عن بعض الالتباسات فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية الدولية وتنظيم العقود والاتفاقيات مع بعض الشركات الأجنبية، وهو ما دعا رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إلى الدعوة إلى تعديل الدستور لإعادة التوازن بين صلاحيات السلطة الاتحادية (المحدودة) وسلطات الأقاليم الواسعة (وغير المحدودة) وهو ما تعارضه الكتلة الكردية، التي تعتبر المساس بصلاحيات إقليم كردستان مساساً بثوابت الدستور التي لا ينبغي التعرّض لها لأنها ستؤدي إلى الإخلال بالعملية السياسية برمتها وبالتوافق الوطني. إن المواطنة في الدولة العصرية لا تعني مجرد حرية التعبير أو إجراء انتخابات، رغم أنها من أساسات النظام الديمقراطي، إلا أنها لا تعني الديمقراطية، رغم إيجابياتها بغض النظر عن نتائجها وبعض النواقص والثغرات في قانون الانتخابات ومسألة المحاصصة وغيرها، لكنها مهمة وضرورة لا غنى عنها، خصوصاً بما له علاقة بسيادة القانون والمساواة التامة بين المواطنين واحترام حقوق الأقليات وتثبيتها دستورياً وعدم التمييز وتأكيد احترام حقوق الإنسان، فذلكم هو السبيل للطريق الديمقراطي. الانتخابات وحرية التعبير التي كانت مؤشرات جديدة لفترة ما بعد النظام السابق، لا تعني الديمقراطية بأي شكل من الأشكال رغم أنها من صلب العملية الديمقراطية ومقدمات أساسية لها، وهي وإنْ شابها الكثير من الأخطاء والثغرات والنواقص، إلا أن تصحيح الديمقراطية وتعميق السير في طريقها لن يتحقق بإلغاء نتائجها، بل بالمزيد من الديمقراطية ذاتها. ورغم التحفظات حول القانون الانتخابي والعملية السياسية والمعاهدة الأميركية العراقية، فإن نتائج انتخابات المحافظات كانت أفضل حظاً من نتائج الانتخابات النيابية العام 2005، وقد تكون نتائج انتخابات العام الجاري (نهاية العام 2009) أحسن من سابقتها، وهو ما يدفع الكثير من القوى والتكتلات لإبداء القلق إزاء المستقبل، بإعادة النظر بتحالفاتها وربما بمشروعها السياسي، الأمر الذي يمكن أن يضفي على المسار نحو الديمقراطية بعداً آخر جديداً عابراً للطوائف والإثنيات. وإذا كان الحديث عن المواطنة لا يستقيم مع وجود الميليشيات ومع المحاصصة الطائفية والإثنية ومع استمرار الإرهاب والعنف، فإن تثبيت أركان وهيبة الدولة هو مقدمة ضرورية لهوية مشتركة أساسها الوطنية والمواطنة والبعد الإنساني، لاسيما في احترام حقوق الإنسان وحرياته الأساسية واحترام الخيار الديمقراطي باعتباره خياراً لا عودة عنه ولا رجعة فيه، وهو ما يمكن استكماله وتعميقه بعد إنهاء الاحتلال وإجلاء قواته من العراق حسب وعود الرئيس الأميركي أوباما.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المستقبل العراقي: الأسئلة الأكاديمية الحارقة!!
-
سعد صالح: الاستثناء في الحق!!
-
من المسؤول عن تشويه صورة الاسلام؟
-
تنميط الإسلام: الصورة الصهيونية
-
تحطيم المرايا: في ضرورة منهاجية نقدية لتجاوز الانغلاق للذات
...
-
الدكتور شعبان يحطم مراياه
-
في الطريق إلى ديربن: ماذا تعلمت إسرائيل وماذا تعلّم العرب؟
-
المرأة والسياسة والإبداع في حياة الجواهري
-
فشل المشروع الأمريكي سياسيا في العراق دعا أوباما الى الانسحا
...
-
العرب والعراق.. ماذا يريدون منه وماذا يريد منهم؟
-
أوباما في بغداد: ما الجديد؟
-
النقد الذاتي بداية الطريق إلى النقد الكلّي
-
ماركس لم يقرأ التاريخ ولم يتحدث في الدين !!
-
استراتيجية أوباما والتركة الثقيلة
-
وظيفة المثقف الأساسية.. النقد
-
فلك المواطنة!
-
3- الأزمة المعتقة وسبل تجاوزها!!
-
مؤتمر ديربن: لعلها أكثر من صدمة!!
-
شهادات إسرائيلية: لائحة اتهام!
-
تأبّط «ديمقراطية»!
المزيد.....
-
لماذا تعجز الأمم المتحدة عن حماية نفسها من إسرائيل؟
-
مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر
...
-
لندن.. اعتقال نتنياهو ودعم إسرائيل
-
اعتقالات واقتحامات بالضفة ومستوطنون يهاجمون بلدة تل الرميدة
...
-
المقررة الاممية البانيز: مذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت غير كا
...
-
شاهد.. مواقف الدول المرحبة بقرار اعتقال نتنياهو وغالانت
-
لماذا لم تعقب الحكومات العربية على قرار اعتقال نتنياهو؟
-
تظاهرات بفرنسا تدعو لتطبيق قرار اعتقال نتنياهو وغالانت
-
صحيفتان بريطانيتان: قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نت
...
-
كاميرا العالم توثّق الوضع الإنساني الصعب بدير البلح وسط غزة
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|