جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2643 - 2009 / 5 / 11 - 08:29
المحور:
سيرة ذاتية
12-5-1971م هو تاريخ عيد ميلادي الذي سيأتي يوم الغد ,وأرجو من الذين يحبونني أن يرسلوا لي بطاقة تهنئة بالعام الجديد وبالوطن السعيد وبالحب البعيد عن شرفات منازلنا .
أريد حباً جديداً وثوباً أستبدلُ به الثوب الذي ألبسه وأريد رئة أتنفس منها ولغة جديدة حية أكتب بها مقالي , ليقرأه الأحياء ولا أريد لغة ميتة أكتب بها للأموات الذين ليس لهم مستقبل .
عيد ميلادي غداً وغداً سأضيء 39وثلاثون شمعة حول طاولة العيد وسآكل كعكة عيد وسأركب مرجوحة عيد .
وفي مثل يوم الغد سنة 1971 في 12-5-1971ولد الشاعر جهاد العلاونه , على حسيرة فوقها فرشة من صوف تصلح بأن يولد عليها أمير الشعراء أو الشاعر الشعبي أو الروائي الذي حصل على جائزة نوبل للسلام .
الفرشة ترقد عليها المناضلة أمي العظيمة التي ولدت إنساناً عظيماً في حبه لها , ومن خلال حبي لأمي تعلمتُ أيضاً كيف أحب الناس, والمرأة , والنساء , فأنا أعشق كل نساء العالم , وأعشق الوطن والأهل حتى الذين يكرهونني , مدرسة وأي مدرسة ؟! مدرسة للحب والتسامح والبساطة في اللغة , وأريد القول أن أمي لها إسلوب ممتع وسها في رواية القصص التراثية , وأنا لاأمزح بل ورثتُ عن أمي هذا الإسلوب الممتنع , فأنا لم أتعلمه من روسو , ولكن نظرياً من روسو وعملياً من أمي والتي ما زالت إلى اليوم أحياناً تروي لي قصص (محمد الشاطر وحسن الشاطر والزير سالم ).
وفي حارتنا قالوا كما قالت جدتي أن اليوم الذي ولدت به لم يك يوماً عادياً بل كان مشمساً ودافئاً مثل قلب جدي الذي حملني بين يديه وطاف بي في أرجاء الغرفة والدمعة تسقط منه تلوى الدمعة لأن أبي رحمه الله كان في (بيت لحم) من أجل الإستشفاء جراء وعكة صحية ألمت به عقب قصة حب مؤلمة ورزينة ومهذبة وعتيفة , ونسيتُ أن أقول لكم أنني لم أولد لوحدي بل كان أيضاً رحمه الله معي , ولكنني دائمن السباق إلى الخير فقد سبقته بعشرة دقائق على حسب ذمة جدي الذي قال : حملت الأول وطفت به في قاع الدار ومشيتُ به حول الدوار الذي يتوسط منزلنا وبعد عشرة دقائق صاحة (الداية) الله أكبر هذا واحد ثاني .
إتصل جدي بأبي في بيت لحم وهو في المشفى وكان جدي مختار البلدة والوحيد الذي يملك هاتف أرضي , قال لأبي : يا علي أجاك توأم إثنين , واحد بدي أسميه أنا على إسم أبوي وواحد بدك إتسميه إنت , فرد أبي , واحد سموه جهاد , على شانه رايح يتعب إكثير , والثاني إنت يا يابا حر فيه سميه زي مابدك .
فرح جدي كثيراً ونظر فينا فقال هذا صحته مش مليحه وعلى قد حاله شو بدي فيه باين عليه مش وجه عيشه , أما أنا عيني على هظاك كبير وجه وسيع ومبغبج وبرضع كل يوم من أمه حتى ينسطح , هذا بدي أسميه ...؟؟..أحمد على إسم أبوي , وهظاك إسمه بصير جهاد , خليه شو بدي فيه .
وبعد ثلاثة أعوام أصابتنا الحصبة , مات أحمد والذي صحته عال العال , وعاش الشقي جهاد العلاونه .
ومن يومها ومن وعيت على حالي وعلى الدنيا والناس في الحارة ينادونني : تعال يا شقة توم روح يا شقة توم , وجدتي رحمها الله كانت تصفني بالطوع أو الطيع المطاوع للأوامر فهي لا تعتمد على غيري في الدار , أنا أذهب إلى السوق وأحضر اللبن والدجاج , والخضروات , وأذهب إلى منزل أختها وأحضر من عندها دواء الضغط والسكري , فجدتي واختها وكبار الناساء في الحارة يستعيرون الأدوية كما يستعيرون الكتب من عند بعضهن البعض , بس طبعاً هذا الكلام مبالغ فيه على شان جدتي الوحيدة التي كانت تقرأ وتكتب أما (جدات) الحارة فهن أميات لا يقرأن ولا يكتبن ولكن فقط للمداعبة أقول هذا الكلام .
أنا شقة توم مات أخي ذا الصحة الجيدة والعالية وبقي جهاد العلاونه الشخصية الهزيلة والتي كانوا يتوقعون موتها في كل يوم بسبب الحصبة والأمراض المعدية , ولكنني بفضل ؟ مش عارف مين , بقيت على قيد الحياة , ذهبت للروضة في سن السادسة ولم أتعلم شيئاً غير أكل الكعك وشرب الحليب الطازج 100% , وفي السابعة ذهبت إلى المدرسة ومن أول يوم هربت من المدرسة لأن مديرها ضربني بمطرق رمان على أصابعي والتي أصبح لونهن أخضر أخضر من إحتباس الدم بهن , شكوت لأمي وأمي قالت لجدتي وجدتي قالت لعمتي وعمتي قالت : لا تقولوش لأبو جهاد ..وأبي في الغرفة الثانية سمع كل شيء وتهدد على رئيس المدرسة بالضرب أو قتله إذا أعاد مثل تلك التصرفات معي , ولم أتعلم في المدارس رغم أنني كنتُ أحصل إمتيازات عالية غير أنني كنتُ في كل صباح أقرأ لأبي الجريدة اليومية وتدربت على القراءة من خلال قراءتي للمقالات , كان أبي يحب أن أقرأ له ما يخص السياسة أما أنا فقثد كنت أتعمد قراءة الشعر والمقالات التي تتحدث عن هموم المواطن العادية , لذلك منذ كنت في الصف الثالث كنت مولعاً بقراءة المقالات ولهذا أنا أحب كتابة المقال اللإجتماعي والساخر , وخصوصاً حين أصبحت في الصف الخامس وهي آخر سنة شاهدتُ فيها أبي , ففي الصف الخامس أحضر لي أبي كتاباً عن جان جاك روسو: وقال لي جان جاك روسو كان يبدأ مقالاته بالخروج (الدادائي التكعيبي) على اللغة كان يستعمل أحياناً (إسلانج لانجوج) وأحياناً ليس إسلانج والمهم أنه كان يستعمل لغة عامية , تلك اللغة التي تكبر عليها بودلير وعاد وإستسلم لها في إنكلترا وبدأ مشواراً جديداً من الحداثة .
بصراحة كانت لغة أبي وكلامه معي ثقيل جداً على مسمعي شو : التكعيبية والدادائية والحداثة , ومات أبي في نفس الشهر الذي أحضر به روسو وكتاب آخر إسمه : كل شيء لا شيء .
ذهبتإ إلى المدرسة وهربت منها ثم أعادوني ثم هربت ثم هربت ثم أعادوني ثم قالت جدني لأمي : إتركوه بدهوش يقرى عمره لا قري , بده إيروح على الجيش.
تركت آخر مرحلة تعليم في الإعدادية فأنا لم أكمل العاشر الإعدادي بل تعلمت للتاسع فقط لاغير .
الحياة بدت لطفل لم يبلغ الحلم وفيها شيء من التعثير , يولد وهو ويأتي شقيقه , ثم يموت الشقيق , ثم يموت الجد ثم يموت الأب , ثم أجد نفسي وحيداً فسبحاني كيف ولدت وحيداً وكيف تعلمت وحيداً وكيف قرأت وحيداً وكيف نشأت وحيداً , أنا رقم واحد في كل شيء ومنزلي هو أول منزل في الحارة وباب شقتي أول باب ترونه , ولي أمٌ واحدة وأخ جاء متأخراً وحيداً لي سنة 1976م وأنا اليساري الوحيد في بلدتنا فكل أهل بلدتنا يمينيون حتى في الطعام لا يوجد بينهم إنسان يستعمل يده اليسرى, وأنا كتبت الشعر في الصف الأول , وأنا أول من خرج على المألوف .
لا أريد أن أتحدث عن نفسي كثيراً كل ما أعرفه أن 12- 5-1971م كان يوماً دافئاً وعظيماً يوم جئتُ إلى هذه الدنيا , ويوم ضربني مدير المدرسة وتهدد أبي عليه وأراد قتله , ومات أبي ولا يدري أبي أنهم ذات يوم أوقفونني في شارع الجامعة بتهمة كتابة الشعر وأخذوني على النظارة وأجبروني على خلع ملابسي وضربونني بالأحزمة وأذلوني وقالوا لي : بكره بنجننك إذا بتعيدها .
أبي الذي لم يرفع يده في وجهي والذي مات وهو يحتضنني بين جوانحه ويبكي وهو عارف أنه تاركني لوحدي , أبي هذا لم يكن يدري أنني سأهان وسأضرب وسأطرد من عملي , الأب والأم لا يعوضان .
أن تشعر وأنت تمشي في وطنك بالغربة غير الشعور بالإغتراب, فالشعور بالإغتراب من الممكن لنا علاجه بوصفات متكررة ومتعددة , ولكن الغربة في الوطن , عدم القدرة على التعبير , عدم إيجاد صحافة جريئة أو عادية , وعلى فكرة طوال حياتي لم أكن أبحث ُ عن صحف يسارية فأنا كنت أبحث عن صحف يمينية وأياديها بيضاء ولكن عدم قدرة الصحف في التواصل معي ومع غيري أصبحنا لهذا السبب يساريين.
ولدتُ في يوم دافء جداً وكان جدي يستعد للخروج إلى المسجد من أجل الإحتفال بعيد المولد النبوي الشريف فقد كان شيخ الجامع قد أتم كل الإستعدادات لذلك , وبدأ جدي بالخروج لولا أن جدتي أمسك بعباءته وقالت له : إرجع أجاك حفيد.
المكان الذي ولدتُ به مكان شاعري يصلح بأن يولد به أمير الشعراء , والمكان الذي لعبتُ به تحت الدالية مكان جميل يصلح بأن يلعب فيه أعظم كاتب روائي على وجه الأرض , والحارة التي لعبت بها تصلح لأن تكون مسرحاً للقصص الطويلة والقصيرة عن الطفولة والأحلام والعصافير , والمدرسة التي درست بها تصلح لأن تكون مدرسة يتعلم بها عرار أو حافظ إبراهيم .
واليوم الذي ولدت به كان قد ولد معي بمثله (الفنانة شاديا) والربج (الثور) الذي أنتمي إليه ينتمي إليه بار السياسيين في العالم, ومع ذلك لا أعاني من جنون العظمة ولا أعاني إلا من الإكتئاب , فالظروف الحالية التي أعيشها في وطني لا تصلح بتاتاً لأمير الشعراء ولا لروائي يحصل على جائزة نوبل .
وبعض الأدباء يخلطون بين جائزة نوبل وجائزة الحج إبراهيم للآداب والفنون , والناس تخلط بين اليوم الذي يولدون به وبين اليوم الحقيقي الذي يولدون به , فاليوم الحقيقي الذي ولدت به كان في الحوار المتمدن في تلك المؤسسة التي سأبقى أحتفظ لها بذكريات طيبة عن أدب العشرة والمعاشرة , النجوم التي تسطع في الحوار المتمدن غير النجوم التي أراها في الصحف الخجولة والمؤدبة جداً لدرجة أنها تستحي من أن تخلع ثيابها طالولة الكتابة .
مهنتي شاقة وأي إنسان مهما كان مستواه العلمي يستطيع أن يقرأ لي ويستطيع أن يفهم ما أقول ولو أنني درست فيزياء نووية لأستطعت أن أعلم الصبي الذي يدز المحراث كيف يصنع مفاعلاً نووياً, كل الناس تستطيع أن تقرأ لي , ولكن ليس من السهل أن ينتقدني أي إنسان , لأنني معترف أنني ما زلت بحاجة للتعلم , أما تلك السيدة والتي لا تستطيع أن تكتب كلمة واحدة من قلبها وتدعي أنني أسرق مقالاتي فهي بحاجة لأن تقرأ عشرة آلاف كتاب لكي تبرهن على ذلك , أنا في القراءة لست عادياً , أنا متوحش وبربري وجشع وطماع , فالناس عندها الطمع في الدين أما أنا فالطمع عندي في الكتب .
أنا لستُ عاماً نحوياً ولو أنني أحترم الماضي جداً لعلمتُ بعض الذين يكتبون كيف يمسكون القلم , أما أولئك المدافعون عن اللغة الكلاسية فإنهم لا يعرفون أن هنالك غير الإسمية والتي تجمع وتعرف على أغيار وبتبسيط العلاقة أكثر أقول أنها نفسها التي وردت في التوراة بلفظ(جوييم) أي الأغيار, وتجمع الأغيار ..إلخ .
ولدت سنة 12-5-1971م حين كانت الناس تحتفل لمجيء الذكور فأقام جدي وليمة للناس إستمرت ثلاثة أيام يذبح بها الخرفان ويوزعها على الفقراء , وها أنا اليوم نصير الفقراء والمعدمين الذين يعيشون في السنة كاملة على 2000 دينا وغيرهم يأخذ في الشهر الواحد 100دينار أردني عداً ونقداً .
وأريد أن أنوه قراء الحوار المتمدن أنني بحياتي كلها ما كتبتُ مسودة أو راجعت مقالاً أمتبه أنا أكتب مباشرة على الكيبورد ولا أحتفظ بمسودات , ولا أكتب المقال إلا بعد أن أكون قد قرأت كتاباً أو نصف كتاب ولو حتى ورقتين أو ربع ساعة من الزمن قراءة في الموضوع الذي أريد أن أكتب به , ومنزلي يحتوي على أكثر من 1000كتاب في علم الإجتماع والأديان السماوية .
غداً 12-5-1971م عيد ميلادي , وعيد ميلاد القاصد الرسولي إليكم وعيد ميلاد الشاعر والكاتب والمُلهم والفنان والمبدع , فأسمائي كثيرة ولا أريد تكرارها لأنها من صفات الدكتاتورية , إسمي فقط جهاد علاونه , إسمٌ يدق في عالم النسيان , جهاد العلاونه الحصان الذي نظرت إليه هند أبو الشعر في قصتهها وهو يحتضر فأنا أشبه منظر الحصان الذي يحتضر في مجموعة هند أبو الشعر الحصان .
جهاد العلاونه وجه جديد ليس كوجه الزمان وقامة تمتد لتطاول الحرية والسعادة ولتقضي على الإرهاب إرهاب التاريخ والدولة والمعابد الدينية , جهاد العلاونه العلماني الذي وصل في أول مايو ليجد العلمانيين أنهم رحلوا في أول أغسطس , إسم كبير في عالم البضائع المحترقة وإسم رهيب , وقنديل وشمعة تحترق لتنير للىخرين الطريق , جهاد العلونه عالمٌ من الحب والرضى , عشق الناس وعشقوه ولكنه حين يدافع عن حقوقهم يكرهونه .
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟