|
التشكيلة الإجتماعية بسوس العليا /تالوين بالمغرب
امال الحسين
كاتب وباحث.
(Lahoucine Amal)
الحوار المتمدن-العدد: 2642 - 2009 / 5 / 10 - 09:05
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
1 ـ تقديـــــــم
تشكل جبال الأطلس الصغير و الكبير بسوس العليا مركزا هاما للتجمعات السكنية للأمازيغ خاصة قبائل إنتاون و أونزين و إمديدن و زاكمزن و أسكاون و تيفنوت و إوزيون و أيت سمك و أيت وكاز … ، و يسود بالمنطقة نمط الإنتاج الإقطاعي عبر استغلال الأراضي الخصبة المسقية بضفاف وادي زاكموزن و روافده و وديان أسكاون و تفنوت و إوزيون و الأراضي البورية الصالحة للزراعة و الرعي بغابات الأركان و العرعر و البلوط و الشيح ، و تشتمل المزارع على أشجار الزيتون و اللوز و الجوز و مختلف الفواكه و زراعة الزعفران و الشعير و الذرة ، و يشكل الرعي إلى جانب الزراعة الدعامة الأساسية للإقتصاد و يعتبر الصيد نشاطا لا يستهان به لما توفره الغابات من وحش و طير في الغابات التي شكل فيها نمر الأطلس سيدها إلى حدود الثلاثينات من القرن 20 ، و كان قادة القبائل يمارسون هواية الصيد و يملك الشيخ محند أعبد الله قائد سكتانة من نهاية القرن 19 إلى 1915 60 كلب صيد ، و تحتوي سوس العليا على خزانين مائيين هامين جبل سروا 3304 م و جبل توبقال 4165 م الذي يحتوي على بحيرة إفني عمقها أزيد من 800 م مما يجعل المنطقة مجالا فلاحيا حيويا و موردا أساسيا للمياه بسوس السفلى ، إلا أن هذه المؤهلات الإقتصادية لم يتم استثمارها لصالح الفلاحين الفقراء الذين يتم استغلالهم لتنمية الرأسمال المركزي ، و خاصة المرأة الفلاحة التي تكدح دون أدنى أجر لعملها في ظل شروط الحياة المادية للعبودية الإقطاعية و استغلالها في صناعة النسيج خاصة الزرابي ، و تشكل الحرف المستوى الثالث للإقتصاد خاصة بعد استغلال الفضة مناجم الزكوندر بأسكاون في عهد السعديين. كان لسقوط الدولة السعدية في القرن 17 أثر كبير في سقوط سوس في صراع دائمة مع السلطة المركزية التي عملت على قمع الثورات التي أشعلها القبائل الأمازيع ، و استمر الصراع لأزيد من نصف قرن من شن الحروب على ثورات الأمازيغ من طرف الدولة المركزية بمكناس ، و عرفت سوس استقلالا نسبيا عن السلطة المركزية في ظل الحكم الذاتي لأرستوقراطية شيوخ القبائل الأمازيغية في اتجاه إعادة بناء الدولة السعدية ، و على المستوى الثقافي نشأ صراع كبير بين علماء سوس المتشبثين بالدولة السعدية و علماء فاس الموالين للدولة المركزية بمكناس في ظل سيطرة أروستقراطية النبلاء بالمدينة في اتجاه بناء الدولة العلوية ، و تعتبر سوس العليا الركيزة الأساسية للثورة على السلطة المركزية بمكناس و لا غرابة أن نراها تلعب دورا هاما في مرحلة مقاومة الإستعمار المباشر في بداية القرن 20 بقيادة الشيخ محند اعبد الله الذي سيطرة على قلعة تالوين بعد إخضاع جميع قبائل سكتانة في نهاية القرن 19 ، و لم يتم إخضاع سوس العليا/تالوين إلا بعد تحالف الكلاوي بمراكش مع شيوخ قبائل سكتانة الرافضة للحكم الذاتي بتالوين و اعتقال قائدها ، و تم فصل سوس العاليا/ تالوين المكونة من قبائل سكتانة و أسكاون بالأطلس الصغير و قبائل تفنوت بالأطلس الكبير عن سوس السفلى/سهل سوس و قبائل الأطلس الكبير الشمالي الغربي و قبائل الجنوب الغربي من الأطلس الصغير و توزيغ النفوذ بين الكلاوي بتالوين و الكندافي بتيزنيت .
2 ـ التشكيلة الإجتماعية بتالوين قبل الإستعمار المباشر
ـ دور القبيل في الحركة الإجتماعية بسوس العليا
فبل سيطرة الإستعمار المباشر على السلطة المركزية بتحالف مع الإقطاع تشكل القبيلة الركيزة الأساسية لحياة الفرد و الجماعة بسوس العليا ، لكونها المحدد الأساسي للهوية الفردية و الجماعية التي لا يمكن للفرد أن يحيا خارجا عنها ، و تعرف القبائل صراعات و حروبا من أجل مصالحها خاصة أثناء النزاعات التي تنشب حول الحدود و الأراضي الرعوية و الجماعية ، و تعرف في أغلب الأحيان حروبا دائمة خاصة في مواسم المحاصيل الزراعية كما تعرف تضامنا خاصة عندما يكون العدو مشتركا ، و قد تطور هذا التضامن إلى مستوى بناء تحالفات القبائل بسوس المتجلية في حلفي "تاحكات" و "تاكوزولت" اللذان يمثلا ن شبه حزبين سياسيين متصارعين حول السلطة بسوس في القرن 19 ، و تتم السيطرة على السلطة الإدارية للحكم الذاتي من طرف القبيلة القوية التي تخضع لها جميع القبائل المتصارعة التي تكن الولاء لسلطة قائد القبيلة "أمغار" الذي يملك القوة الإقتصادية و العسكرية و السياسية ، و التي تطورت إلى حد بناء دول أمازيغية عظمى و امتداداتها كالمرابطين و الموحدين و المرينيين و السعديين من طرف أروستقراطية شيوخ القبائل ، و لعبت سوس العليا دورا هاما في بناء هذه الدول لكون قبائلها تسيطر على الطرق التجارية الهامة بين الشمال و الجنوب و ساهمت في بناء المركز الحضاري بتارودانت.
ـ دور الزاوية في الحركة الإجتماعية بسوس العليا
تعتبر الزوايا في مرحلة متقدمة من المدنية بسوس القوة الثانية بعد القبائل التي عملت على تأسيسها و تمويلها بهدف نشر العلم و المعرفة/البنية الفوقية ، و تكون خاضعة للسلطة السياسية لزعيم القبائل الذي يسخرها أيديولوجيا من أجل بسط سيطرته ، و كان لزاوية بن يعقوب بإمي ن تتلت و امتداداتها بتكركوست أثر كبير على حياة القبائل بسوس العليا في علاقتها بزاوية بناصر بتمكروت بدرعة ، و تقام بهذه الزوايا مواسم سنوية لها علاقة بالدعوات الدينية و المذهبية و السياسية و تعتبر مناسبة لترويج تجارة المنتوجات الزراعية و الحرفية ، و خير دليل على سلطة القبيلة على الزاوية سيطرة الشيخ محند أعبد الله في نهاية القرن 19 على جزء كبير من أراضي زاوية تكركوست و فرض ضريبة بنسبة 20% من محاصيلها الزراعية لدعم سلطته بتالوين بعد القضاء على سلطة الشيخ بن تبيا و إخضاع قبائل سكتانة ، و طرد شيوخ الزاوية الذين لجئوا إلى أيت معلا بسوس السفلى و عين عونه أحمد أعبد الرحمان شيخا جديدا على رأسها و الذي بنى مقرا جديدا للزاوية و بسط سيطرته على الفلاحين الفقراء التابعين للزاوية ، و استمر الحال كذلك حتى استولى الكلاوي على السلطة بتالوين بعد اعتقال قائدها بمؤامرة قبائل سكتانة و على رأسها الشيخ بن تبيا ، و اختل قلعة تالوين و ضمها إلى مثلث ورزازات مراكش تالوين في 1915 و بنى قصبته المشهورة ، و لإرضاء الزاوية و استغلال نفوذها تنازل عن أراضيها و أعفاها من الضرائب تاركا للشيخ أحمد أعبد الرحمان الذي قدم له الولاء قسطا من السلطة في ظل دعم سلطة الباشا بتالوين ، التي سخر لها الفلاحين الفقراء عبر تقديم الخدمات لدار الباشا التي تم بناؤها على حساب عرقهم و دمهم بسكتانة و دعم بيت مالها من الإتاوات المفروضة عليهم ، و لم تسلم النساء من غطرسة الباشا الذي يستقدمهن لإقامة ليالي ساهرة من رقصة أحواش و استغلال الحسناوات منهن و في قصيدة تالوين المشهورة للرايس الحاج بلعيد معاني و عبر عن قوة سلطة الباشا عبد الله الكلاوي ابن التهامي الكلاوي.
ـ دور المدارس العتيقة في الحركة الإجتماعية
تشكل المدارس العتيقة الموازية للزوايا مركزا هاما للثقافة المرتبطة بالشرق العربي حيث تم تأسيس أول مدرسة بسوس في القرن الخامس الهجري من طرف الشيخ وجاج بآكلو ، و لعب العلماء الأمازيغ دورا هاما في نشر الثقافة العربية الإسلامية و إغنائها و طبعها بالثقافة الأمازيغية ، كما تألقوا في عدة مجالات علمية و تشريعية و ثقافية و ما وصلوا إليه في مستوى حقوق المرأة خير دليل على ذلك ، و كان شيوخ القبائل يولونها اهتماما خاصا لما لها من دور أيديولوجي في دعم سلطتهم السياسية ، و قام الباشا عبد الله الكلاوي بعد سيطرته على قلعة تالوين باستقدام محمد أترودانت فقيه مدرسة دو نوريرت مسقط رأس الشيخ محند أعبد الله إلى مدرسة تالوين لإحيائها و استغلالها أيديولوجيا و عينه قاضيا على سكتانة ، و جمع محمد أترودانت ثروة هائلة في وقت وجيز لم يستغرق أكثر من 15 سنة من ممارسة القضاء بتالوين ، و استقر بزاوية تكركوست و امتلك قطعا أرضية شاسعة في مزارع "أفرا" و قطيع أغنام يضرب به المثل في العدد و العدة ، و خلفه الحاج إسماعيل رضا بعد وفاته في 1930 / 1349 في التدريس و القضاء و الذي استقر بدوره بزاوية تكركوست و يشرف على أعمال أعوانه "العدةل" بدار الكناش/مكتبة تكركوست ، و عمل الباشا عبد الله العلاوي على إعفاء الفقهاء و طلبة المدارس من الإتاوات المفروضة على الفلاحين الفقراء قصد الإستغلال الأيديولوجي لدعم سلطته ، و لعبت هذه المدارس دورا هاما في التوثيق من خلال تحرير العقود و كتابة التاريخ و المعاهدات بين القبائل و رسوم الأراضي الجماعية مما يدل على تقدم بسوس العليا ثقافيا ، و تشكل المكتبات المنتشرة بسكتانة و المتضمنة لجميع أصناف الكتب في شتى المجالات دليلا على التفاعل الحضاري مع الثقافة الشرقية ، و تعتبر مدرسة تكركوست إحدى أكبر هذه المدارس التي تم تأسيسها في القرن 17 من طرف محند أبراهيم اليعقوبي شيخ زاوية تكركوست ، و تضم في عصره 72 مخطوطا إستنسخها من المكتبات في زياراته مع طلبته إلى الشرق العربي و تمت سرقة جميع هذه المخطوطات في فجر الإستقلال الشكلي.
ـ الملكية بسوس العليا
تتشكل الملكية يسوس العليا في مرحلة ما قبل الإستعمار المباشر من :
ـ الملكية الجماعية للأراضي البورية و الغابات و المراعي التي تكون في ملكية القبائل و يتم تسميتها و تحديدها و إضفاء صفة الملكية الجماعية عليها عن طريق الرسوم المكتوبة ، و تتوفر هذه العقود إلى حد الساعة لدى الجماعات السلالية و أحفاد و لدى الأرستوقراطية الإقطاعية بالقبائل و الزوايا ، ويشكل العمل التضامني " تيويزي " الذي يميز نمط الإنتاج الجماعي بسوس العليا الركيزة الأساسية لاستغلال هذه الأراضي ، سواء أثناء الحرث أو الحصاد و جمع المحاصيل الزراعية و تخزينها بمجمعات " إكودار" ، و هذا الأسلوب تم استغلاله من طرف الأرستوقراطية الإقطاعية و تحويله إلى وسيلة لاستغلال الفلاحين الفقراء ، الذين يشكلون جزءا من الملكية الإقطاعية عند طريق الرق و الإستعباد ، و يكدحون بالأراضي التي استولى عليها شيوخ القبائل و الزوايا في مرحلة تركيز سلطة الأروستقراطية الإقطاعية و يتم وراثة هذه الأراضي و معها العبيد.
ـ الملكية الفردية للأراضي المسقية المرتبطة بالزراعة و امتلاك المواشي و المساكن و الورشات الحرفية و التي تستمد شرعيتها من كتابة العقود كثقافة متقدمة بمناطق سوس العليا حيث عقد المعاهدات بين القبائل و كتابتها و تدوين الأحداث و رسوم الممتلكات الجماعية و الفردية ، و لعب التدوين دورا أساسيا في نشر روح التعايش بين القبائل خاصة عند ترسيم الحدود مما يحد من حدة الصراعات و الحروب ، و لعبت أرستوقراطية شيوخ القبائل و الزوايا دورا هاما في تحويل الملكية الجماعية للأراضي إلى ملكية خاصة ، و قد قام الكلاوي بضم مجموعة من الأراضي الجماعية و الفردية و جلب لها المياه حارج حوضها بعد سيطرته على عين سلو بإد عيسى ، كما قام شيخ زاوية تكركوست الذي عينه بضم مجموعة من أراضي بمزارع أفرا و توزيرت و سيطر عليها و على مياهها.
ـ أراضي الوقف التي يتم منحها للزوايا و المساجد و المدارس العتيقة من طرف القبائل لتأمين مواردها الإقتصادية ، و ذلك لدعم نشر العلم و المعرفة و التي تم تحول بعضها إلى ملكية خاصة لشيوخ الزوايا عائلاتهم و جلها إلى ملكية وزارة الأوقاف .
ـ الحرف و التجارة
تعتبر الحرف المورد الثالث بعد الزراعة و الرعي حيث يشكل الحرفيون/التقنيون الذين يملكون ورشاتهم الخاصة طبقة هامة في القبيلة ، خاصة بعد اكتشاف المعادن و البارود لما لها من دور في صناعة الأسلحة التي تعتبر الركيزة الأساسية لدعم سلطة شيوخ القبائل و الدفاع عن الثغور ، كما تعتبر الحلي و الأواني الفضية و الذهبية التي ملأت دار الكلاةي و قصور الأروستقراطية القبلية خير شاهد على تقدم الصناعة التقليدية بسوس العليا ، و يأتي الخزف في الدرجة الثانية و الذي يدخل في صناعة الأواني التي يستعملها غالبية الفلاحين الفقراء مما يجسد تعميق الفوارق الطبقية في تلك المرحلة ، إلى جانب صناعة الأدوات الخاصة بالزراعة و البناء و تصنيع الحبوب بالمطاحن التقليدية و الزيتون التي تعتبر آنذاك مصدرا للطاقة بالمعاصر التقليدية ، الشيء الذي ساهم في ظهور الأنوية الأولى للطبقة العاملة بعد استغلال مناجم الزكوندر بأسكاون ، إلا أن نمط الإنتاج الإقطاعي الذي طغى على الحياة بسوس لم يسمح ببروز البروليتاريا كطبقة اجتماعية نتيجة سيطرة الإقطاع الذي شكله شيوخ القبائل و الزوايا أعمدته ، و بعد سقوط الدولة السعدية دخلت القبائل في صراع دائم مع السلطة المركزية للسلطان إسماعيل بمكناس من أجل الحكم الذاتي ، و ظهرت طبقة الجيوش الإقطاعية الدعامة الأساسية للدولة المركزية ضد دول الحكم الذاتي بمناطق سوس التي شكلت قبائل بنو هلال ركيزتها الأساسية .
ـ تشكل تجارة فائض المنتوج الزراعي و المنتوجات الحرفية نشاطا هاما بكون سوس العليا من بين نقاط الطرق التجارية من الشمال إلى الجنوب و ممرا هاما إلى درعة في اتجاه باقي الدول المغاربية و الشرق العربي ، مما ساهم في بروز طبقة الكومبرادور بعد بروز التجارة بواسطة النقد مكان المقايضة بعد استغلال المعادن الثمينة كالفضة و الذهب ، و تعتبر مناجم الفضة بالزكوندر بأسكاون من بين المناجم الأوائل التي تم استغلال من طرف الإقطاع بواسطة الحرفيين خاصة صناعة الحلي و الأواني و النقد لدهم بيت المال و منح الإتاوات للسلطة المركزية ، و نشأ الرأسمال التجاري و طهرت طبقة البورجوازية الكومبرادورية عبر التجارية الداخلية و الخارجية خاصة بالرودانت و مراكش كمراكز تجارية هامة ، و التي تعمل إلى جانب الحرفيين و المهنيين و المثقفين على دعم سلطة أروستقراطية النبلاء بالمدن التي ساهمت في تأسيس الدول الأمازيغية العظمى كالمرابطين و الموحدين و المرينيين و السعديين.
ـ ظهور الطبقات الإجتماعية و تركيز الإقطاع بسوس العليا
يشكل الأمازيغ سكان سوس العليا إلى جانب بعض الأقليات كالأفارقة الذين يتم استغلالهم كعبيد بالمزارع الإقطاعية من طرف شيوخ القبائل و الزوايا ، و اليهود الذين لهم امتدادات تاريخية عريقة بالمنطقة و يشتغلون بالحرف و التجارة و يسكنون بتجمعاتهم الخاصة ، و يختلف الموقع الإجتماعي للفرد حسب موقعه في هرم سلطة القبيلة و الزاوية و درجة الملكية الخاصة و الحرفة و الثقافة و العرق و النفوذ بالقبيلة ، و كان لطغيان قادة القبائل و حاجتهم إلى الدعم المالي لبسط سلطتهم أثر كبير على ظهور الإقطاع و الفوارق الطبقية و الإجتماعية ، خاصة بعد السيطرة على بعض الأراضي الجماعية و اكتشاف المعادن و استغلالها و سك العملة ، و لعب اكتشاف البارود دورا هاما في تحول حياة القبائل خاصة بعد غزو السودان و استعباد الأفارقة لخدمة الأرض و السلطة و شيوع تجارة العبيد ، إلا أن الصراعات بين القبائل غالبا ما تكون الحاسم في فصل هذا القائد أو ذاك و تنصيب الزعيم ، كما أن الزوايا و المدارس العتيقة بما تملكه من قوة العلم و الثقافة تلعب دورا أساسيا في الحد من سلطة قادة القبائل ، و لعبت سيطرة شيوخ الزوايا على بعض أراضي الوقف دورا هاما في تركيز الإقطاع بعد تحويل ممتلكات الزوايا إلى ملكية خاصة يتم توريثها من طرف الشيوخ و عائلاتهم .
ـ النشاط الثقافي بسوس العليا
إلى جانب دور الزوايا و المساجد و المدارس في تركيز اللغة العربية و الثقافة الإسلامية و شيوع الكتابة و التدوين بعد سقوط المماليك الأمازيغية ، تأتي الثقافة الأمازيغية و امتداداتها في أوساط عامة السكان الأمازيغ بسوس العليا و التي طبعت اللغة و الثقافة العربية الوافدة بطابعها و إدماجها في الطقوس الدينية ، و الحفاظ على خصوصية الأمازيغية لغة و ثقافة و هوية ذلك ما يتجلى في الممارسة العملية للأمازيغ بسوس العليا و التي لا تخلو من النعرات القبلية ، و تعتبر الأنشطة الزراعية و الحرفية مجالا هاما لتصريف الثقافة الأمازيغية إن على مستوى طبع المصنوعات أو على مستوى العلاقات الإجتماعية المتسمة أساسيا بالطابع الجماعي ، و تعتبر الأسرة الممتدة داخل القبيلة الركيزة الأساسية التي من خلالها يتم توريث العادات و التقاليد الأمازيغية خاصة في المناسبات كالزواج و الأعياد و مواسم الحصاد و جني المحاصيل الزراعية ، حيث تركيز العمل الجماعي و الروابط القبلية و تصريف العادات و التقاليد ذات البعد الجماعي لبناء العقل الجمعي و تركيز التراث الحضاري ، و تعتبر رقصات أحواش المختلف في سوس العليا المعبر الأساسي الذي يضم أنواع التعبير كنتاج للحركة الإجتماعية و العرفية للأمازيغ بالمنطقة ، كما يشكل التراث الثقافي الشفهي خاصة منه الشعر الأمازيغي الذي يتم نقله شفهيا عبر الأجيال الوعاء الأساسي لكتابة التاريخ و تعتبر قصيدة تالوين للرايس الحاج بلعيد أروع ما تم تدوينه في هذا الشأن ، و لعبت الزوايا دورا هاما في نشر أشكال مختلف للتعبير عن طريق إقامة المواسم و الأعياد و تعتبر زاوية تكركوست رائدة في هذا المجال حيث يتم إقامة مواسم كناوة و عيساوة و الرما و موسم محند أبراهيم اليعقوبي. 3 ـ التشكيلة الإجتماعية في مرحلة الإستعمار المباشر يسوس العليا
ـ تركيز الكومبرادور و ظهور الطبقة العاملة بسوس العليا
إن سيطرة القبيلة و الملكية الجماعية للأراضي هي السائدة في سوس قبل الإستعمار المباشر الذي تحالف معه القائد الكلاوي الذي سيطر على قلعة تالوين في 1915 بعد القضاء على القائد مجند اعبد الله و أخضع قبائل سكتانة ، و الكندافي الذي سيطر على سوس السفلى بعد القضاء على ثورة أحمد الهيبة في 1912 و تنصيب مجموعة من القياد على طول حوض سوس لإخضاع باقي القبائل ، و قام الكلاوي بالسيطرة على بعض أراضي الفلاحين الفقراء لإقامة مركزه الإداري و مرافقه و البساتين المجاورة لها و تم تحرير عقود الملكية لها و تحفيظها ، مما فتح الطريق أمام سيطرة الإستعمار المباشر على سوس للقضاء على الملكية الجماعية للأراضي عبر مراحل موالية و تركيز الملكية الخاصة الرأسمالية للأراضي ، و استطاع الإستعمار المباشر السيطرة على حوض سوس حيث تخلى عن المناطق الجبلية و بعض الأراضي في السهل لقياد الإقطاع و استولى على الأراضي الخصبة بالحوض ، و لبسط سيطرته على تالوين أقام مركز سلطته على بعض أراضي الفلاحين الفقراء التي احتلاها بعد شق الطريق الرئيسية بين أكادير و ورزازات و التي توقفت الأشغال بها بقنطرة وادي زاكموزن بتالوين بعد اندلاع الحرب الإمبريالية الثانية في شتنبر 1939 بعد التحاق المعمرين بصفوف الجيش الفرنسي ، و كان الهدف من هذا الطريق التحكم في سوس و السيطرة على أراضي السهل و القضاء على مقاومة الفلاحين الفقراء بسوس العليا لفسح المجال لاستغلال المعادن بورزازات لتصديرها عبر ميناء أكادير ، كما شق الطريق الثانوية بين مراكش و تارودانت لتركيز علاقة تالوين بإدارة الكلاوي بمراكش و ورزازات ، و تم إنشاء أوراش هذه الطرق على حساب عرق و دم الفلاحين الفقراء الذين يكدحون بدون أجر يذكر ، و برزت الطبقة العاملة الزراعية بسهل سوس و المنجمية بمناجم ببوزار و إمني التي وفرت فرص الشغل للفلاحين الفقراء بتالوين في ظل استغلال الإستعمار المباشر ، و سن الإستعمار المباشر قوانين تعسفية تحرم الممارسة النقابية للمغاربة بظهير 1936 و تجزير هذه الممارسة بظهير 1938 من أجل استعباد الطبقة العاملة المغربية في ظل قوانينها العنصرية ، رغم وجود فروع الكوفدرالية العامة للشغل الفرنسية بالمغرب و التي تحمي فقط حقوق العمال الفرنسيين و تمييزهم عن رفاقهم المغاربة.
تم بسط سلطة الكلاوي بعد فصل سكتانة عن تارودانت و إلحاقها بسلطته بورزازات و مراكش مما فتح المجال أمام توغل الإستعمار المباشر الذي عمل على إنشاء عدة مراكز إدارية لإقامة سلطته الإدارية و السياسية ، أولا من أجل بسطة سيطرته و بلورة مفهوم الضبط الإجتماعي للتحكم في مصير المنطقة و أحدث بذلك مركز سلطته الإدارية بتالوين إلى جانب مركز سلطة الكلاوي ، ثانية لنشر ثقافته الإستعمارية و لخلق إجماع حول مشروعه الإستعماري أقام أوراشا لبناء الإدارة الإستعمارية و ما تحتاجه من مرافق موازية لها ، مما ساهم في إحداث رواج ملحوظ و خلق فرص للشغل و بالتالي حركة اجتماعية تضم طبقة عاملة تقيم في التجمعات السكنية الجديدة بالمركز و تتمكن من الحصول على مورد اقتصادي خارج الإستعباد بالمزارع ، ثالثا لتركيز مفهوم الرأسمال بإقامة أسواقا تجارية جديدة لدعم البرجوازية التجارية/الكومبرادور و منح امتيازات لبعض أعوان الإقطاع بالترخيص لهم بما يسمى " البون " لتجارة بعض المواد الأساسية كالسكر و الشاي و القهوة و الدخان و البنزين و الكحول ، وهكذا تم تأسيس مركز تجاري بزاوية بتكركوست تحت إشراف أحد المعمرين الذي خلفه بعض أعوانه بعد موته و سوق الإثنين بتالوين هذا المركز التجاري الهام الذي يسيطر على التجارة بسوس العليا و الذي تمتد سيطرته إلى زناكة لدعم و تركيز الكومبرادور بالمنطقة .
ـ المقاومة و جيش التحرير بسوس العليا
بعد سقوط جبال سغرو في 1934 ساد هدوء نسبي في سهل سوس ذلك الهدوء الذي يسود بعد عاصفة هوجاء تلك هي راحة المحارب /الفلاح الفقير ، و الذي هب في فجر الإستعمار المباشر للمقاومة كعادته لكن شراسة المستعمر كانت أقوى ، خاصة بعد القضاء على ثورة الهبة التي لم تساهم فيها سوس العليا نظرا للخلافات بين حلفي تحكات و تكوزولت و القضاء على ثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي بالريف في 1926 ، و لم يزل المستعمر يبسط نفوذه بالسهل و الجبال حتى اندلعت شرارة المقاومة من جديد ليلتحم تنظيم الفلاحين الفقراء/جيش التحرير بالبوادي بتنظيم الطبقة العاملة/المقاومة بالمدن ، و كان من بين قياداة هذين التنظيمين أبناء سوس العليا ، و تشكل انتفاضة تالوين في 25 فبراير 1951 الشرارة الأولى بعد القضاء على ثورة الهبة في 1912 و تأسيس فرع حزب الإستقلال بتالوين في 1947 ، و لعب فيها قاضي تالوين دورا هاما مع معاونين بدار الكناش يتكركوست و طلبته بمدرسة تالوين ، و تم اعتقال 400 متظاهر و إبقاء 44 منهم رهن الإعتقال و الأعمال الشاقة بطريق أوناين و التحق بعض من فر منهم بجيش التحرير و المقاومة مع غيرهم ممن تم نفيهم ، و ساهموا في تأسيس الإتحاد المغربي للشغل في مارس 1955 بالدار البيضاء و عاد بعضهم في 1956 للقضاء على القياد الإقطاعيين الذين تم إعدام بعضهم بالصحراء .
4 ـ التشكيبة الإجتماعية بعد الإستقلال الشكلي بسوس العليا
ـ تركيز السياسة التبعية للإستعمار المباشر
بعد الإستقلال الشكلي تحول قاضي تالوين في 1957 إلى رئيس شبه دائرة تالوين مقام سلطة تحالف الإستعمار و الإقطاع و تحول إلى أداة للقمع الشرس بدءا بقمع طلبة المعهد في 1960 خلال الإضرابات و قمع الإتحاديين بعد مقاطعة الإستفتاء في 1962 و التصويت لصالح المعارضة في انتخابات 1963 ، و بالتالي إغلاق معهد تالوين للتعليم الإصيل في 1964 الذي تم تأسيسه في 1958 ، بدعوى عدم توفر الدعم المالي لتمويل الطلبة الداخليين رغم امتلاء مخازن القيادة بالقمح الذي أتى عليه الدود عن آخره ، مما خلق متاعب للطلبة المحظوظين الذين يضطرون للتنقل إلى ورزازات لمتابعة دراستهم ، و يبقى جل أبناء الفلاحين الفقراء عرضة للإستغلال في المزارع و الهجرة إلى المدن إلى أن تم فتح نواة التعليم الإعدادي في 1973 ، و بقيت تالوين تابعة لإدارة تحالف البورجوازية و الإقطاع بورزازات كما خطط لها تحالف الإقطاع الإستعمار المباشرتتعرض للتهمبش ، و تم تكثيف هذا التهميش بعد حركة عمر دهكون في مارس 1973 . و في 18 دجنبر 1981 تم إحداث إقليم تارودانت الذي ضم من جديد تالوين و المناطق التابعة لها مع إبقاء قطاع الفلاحة بتالوين تابعا لإقليم ورزازات إلى اليوم ، و تحولت تالوين إلى سوق للطبقة العاملة الرخيصة للإستغلال بالضيعات الفلاحية و معامل التلفيف التي ورثها المعمرون الجدد عن الإستعمار المباشر و التي أقامها الملاكون العقاريون الكبار بسوس السفلى ، و طبقة عاملة صناعية بالمدن المغربية و أوربا الغربية التي لعبت دورا هاما في إعادة بناء ما دمرته الحرب الإمبريالية الثانية خاصة بفرنسا ، و عمل النظام القائم على إعادة تعيين أبناء الأعيان في مناصب آبائهم خدمة للمشروع الإستعماري . و رغم أن أراضي الكلاوي تمت مصادرة نصفها إلا أن هذه الأراضي ما زالت معلقة بين قرار ردها لأصحابها و تفويتها للفلاحين الفقراء الذين كانوا يخدمونها ، و بقيت معلمة قصبة الكلاوي عرضة للتخريب و الضياع رغم أنها إرث تاريخي يبرز مدى غطرسة الإقطاع بالمنطقة و التي تم تشييدها على حساب عرق و دم الفلاحين الفقراء الذين تم استعبادهم من طرف الإقطاع . أما الأراضي التي تم احتلالها من طرف الإستعمار المباشر و التي أقام عليها إدارته الإستعمارية فقد تم الإستمرار في استغلالها من طرف أجهزة النظام القائم رغم عدم انتزاع ملكيتها من أصحابها الفلاحين الفقراء بتكركوست.
ـ تركيز الإقطاع و الكومبرادور بسوس و تهميش سوس العليا
أصبحت الأراضي الجماعية للفلاحين الفقراء هدفا للملاكين العقاريين الكبار من أجل تبييض ما تم نهبه من المال و الملك العام و ما تم ترويجه في المخدرات و الكحول و السلع المهربة ، و كانت قضية " الحاج ثابت " و " البولونجي " في بداية التسعينات من القرن 20 خير دليل على ذلك ، لما لهما من علاقة ببعض المسؤولين بعمالة تارودانت و بعض رؤساء الجماعات المحلية و على رأسها جماعات تالوين ، و نشأت طبقة بورجوازية كومبرادورية تستمد قوتها من النفوذ داخل البرلمان و الجماعات المحلية بدعم السلطة المركزية للنظام القائم بالمغرب بعد انتخابات 1976 /1977 ، و تم ابتلاع الأراضي الجماعية للفلاحين الفقراء و تدمير الفرشة المائية و غابة أركان و نهب المال العام و الملك العام ، عبر استغلال النفوذ بالجماعات المحلية و إنشاء السدود خاصة سدي أولوز و المختار السوسي على حساب ممتلكات الفلاحين الفقراء بأوزيوة التي تم فصلها عن تالوين في 1992 ، و يتم تسخير الجمعيات التنموية لتمرير سياسات التهميش عبر استغلالها في المواسم الإنتخابية . وكان لسياسة التهميش الممنهج التي أقامها النظام القائم بسوس عامة و سوس العليا خاصة أثر كبير في فسح المجال أمام التهميش المكثف للبوادي ، و خاصة في المناطق النائية بالجبال التي يسكنها الإمازيغ بالإطلس الصغير و الكبير حيث انعدام التجهيزات الأساسية من كهرباء و ماء صالح للشرب و مستشفيات و مدارس ، فبالرغم من تأسيس المدارس الأولى منذ بداية الخمسينات بمركز تالوين في 1952 إلا أن الأمية قد انتشرت بشكل فظيع خاصة في أوساط النساء نتيجة السياسة التعليمية الطبقية ، كما أن الحق في الصحة قد عرف انتهاكا خطيرا حيث انعدام شروط التطبيب خاصة بالمناطق النائية التي تتعرض فيها حياة الطفل و المرأة للمخاطر رغم تأسيس مستشفى تالوين منذ 1952 .
ـ العمران و البنيات الأساسية بسوس العليا/تالوين
تعرف سوس العليا تهميشا مضاعفا في مجال العمران مما له تأثير على البنيات التحتية شبه المنعدمة مما ينعكس على حياة الفلاحين الفقراء الذي يعيشون في تجمعاتهم السكنية المبنية جلها بالطرق التقليدية ، حيث أغلب المنازل مبنية بالطين و لا تتوفر على الصرف الصحي و تبليط الأزقة مما يهددها بالسقوط أثناء التساقطات المطرية الغزيرة ، و ما تعرضت له الدواوير خلال هذه السنة المعروفة بالأمطار الغزيرة و التي تسببت في وفيات تم السكوت عنها خير دليل على ذلك ، و جل الطرق غير معبدة و ذات المسالك الوعرة مما يجعل مناطق سوس العليا معزولة و التي تنعدم فيها ظروف العيش الكريم ، حيث أغلب الدواوير محرومة من شبكة الماء الصالح للشرب مما يعرض المياه للتلوث ، فباستثناء مركز تالوين الذي أقامه المستعمر و الذي يعيش يدوره أزمة في هذا المجال و بعض الجماعات فإن جل المناطق تفتقر لشبكة المياه الصالحة للشرب رغم المياه الوفيرة ، أما الكهرباء فلم يتم بداية ما يسمى ببرنامج كهربة القرى بتالوين إلا في 1992 بعد استنزاف السكان بدواوير تالوين من طرف بعض الجمعيات التي تم تسخيرها من طرف جمعية الهجرة و التنمية عبر شراء المحركات الكهربائية ، و هكذا فإن جل الدواوير لم تصلها الخطوط الوطنية إلى الآن بل أكثر من ذلك يتم تنفيذ ما يسمى بالبرنامج الخاص الفاشل ، و الذي يستهدف استنزاف ما تبقى من إمكانيات الفلاحين الفقراء بتحميلهم ما لا طاقة لهم به بعد توقيع إتفاقية بين البرلمانيين و رؤساء الجماعات بتارودانت مع المكتب الوطني للكهرباء لتحميل السكان أزيد من 5000 درهم للربط المنزلي بالخطوط الوطنية ، و تملص النظام القائم من مسؤولياته خاصة في مناطق مثل منطقة تالوين المعروفة بالفقر و يتم الترويج للكهرباء بالطاقة الشمسية.
ـ ظروف الشغل بسوس العليا/تالوين
يعد العمل بالمزارع في ظروف قاسية المورد الإقتصادي الأساس بتالوين و الذي تلعب فيه المرأة الفلاحة دورا هاما حيث تعمل طول النهار دون مقابل مما يوفر للرأسمال ربحا عظيما دون نفقة تذكر ، و تبقى لمرأة بالدواوير طبقة عاملة خارج نطاق قوانين الشغل حيث تقوم بجميع الأعمال بالبيت و المزرعة و الصناعة التقليدية دون مقابل يذكر. و تأتي الطبقة العاملة في مجال البناء في الدرجة الثانية و يعرف العمال بهذا المجال استغلال مكثفا من طرف المقاولين الكبار و الصغار بعدم تطبيق أدنى قوانين الشغل ، بالإضافة إلى عدم تمتعهم بالتأمين من حوادث الشغل التي تهدد حياتهم يوميا ، سواء بالمراكز التي تتواجد بها البلدية أو بمراكز الجماعات القروية ، أما في غيرها من الدواوير فيسود العمل غير المنظم في مجال البناء الذي ما زال تقليديا في أغلبه ، و يتم فرض رسوم الضرائب للترخيص بالبناء و الجبايات على المباني رغم عدم تقديم أية خدمات خاصة النظافة و الصرف الصحي و تم مؤخر تعبيد شوارع البلدية في غياب شبكة الصرف الصحي. و يعتبر التشغيل في الجماعات المحلية بتالوين مجالا مهما لتشغيل الشباب خاصة ذوي الشهادات و الذي يعتبر فضاء للزبونية و المحسوبية بين رؤساء الجماعات و السلطات بتارودانت ، و يشكل الشباب ذوي الشهادات طبقة عاملة بدون مقابل حيث يتم استغلالهم بدعوى التدريب بمؤسسات الدولة و الخاصة في ظل فقدانهم لتنظيم المعطلين. و يشكل قطاع التجارة و الحرف مجالا حيويا للتشغيل خاصة في المقاهي و الفنادق و المحلات التجارية و الأوراش الحرفية في أوضاع لا تقل عن العبودية.
الوضعية التعليمية بسوس العليا/تالوين
قبل البدء لا بد من الإشارة إلى أن التعليم بسوس قد مر بعدة مراحل كان أولها التعليم بالمدارس العتيقة التي تم تأسيسها قبل تأسيس الزوايا التي لعبت دورا أساسيا في تمويلها فيما بعد ، و كان لهذه المدارس دور هام في نشر الثقافة و اللغة العربية المطبوعة بالثقافة الأمازيغية ، و تم تطوير علم اللغة و الفقه و التشريع و القوانين والمنطق دون أن ننسى تأثير تالوين على الحركة الفكرية و الثقافية بسوس ، و كان لدخول للإستعمار المباشر أثر كبير في تغيير معالم التعليم و الثقافة بسوس و بتالوين خاصة :
ـ نشر التعليم العتيق في اتجاه تطويره خدمة للأهداف الإستعمارية في محاولة لإدماجه في المنظومة الثقافية و الفكرية التي يرغب المستعمر في تركيزها بتعاون مع الكلاوي الذي عمل على تشجيعها و دعمها و تسخيرها لبسط سيطرته. ـ إحداث التعليم الفرنسي من خلال إنشاء مدارس التعليم العصري من أجل نشر الثقافة و اللغة الفرنسية باعتبارها لغة الإدارة و التسيير في المجالات الحيوية الإنتاجية و المالية و الجيش. ـ المحافظة على الثقافة و اللغة اليهودية عبر ولوج أبناء اليهود المدارس اليهودية بالمدن الكبرى المغربية .
و خلال مرحلة الإستقلال الشكلي قام النظام القائم بنهج نفس السياسة الطبقية التي تهدف إلى تعميق الفوارق الطبقية و الإجتماعية ، و يتجلى ذلك في تركيز المدارس الثانوية و العليا بالمدن الكبرى و تهميش البوادي و من ضمنها تالوين ، مما ساهم في رفع مستوى الأمية بسوس العليا الذي يبلغ في بعض المناطق النائية أكثر من % 90 خاصة في صفوف النساء ، إذا اعتبرنا أن الأمية هي عدم القدرة على الكتابة و القراءة نتيجة سياسات التهميش بسوس ، فبالإضافة إلى البعد الأمازيغي المهمش في السياسات التعليمية المتبعة منذ نصف قرن فإن هذه المناطق تعتبر حقلا للتجارب و تدريب الأطر التعليمية التي تعيش تناقضات مركبة تجعل المدارس كائنات غريبة . أما عن التعليم الأولي فلا يمكن اعتباره لأن مواصفات المؤسسات التعليمية في هذا المستوى غير متوفرة و تبقى الكتاتيب القرآنية بالمساجد ملجأ للأطفال ، و لا غرابة أن نجد بمناطق سوس العليا انتشار المدارس العتيقة التي ما زالت تستعمل أساليب تعليم القرون الوسطى ليس تشبثا بما يسمى بالخصوصيات المحلية كما يحلو للدارسين البورجوازيين أن يقدموا به هذه المدارس ، و لكن الحاجة إلى الحصول عن مستوى من الثقافة بعد فشل المدرسة العصرية يدفع الآباء إلى محاولة إدماج أبنائهم المغادرين للمدرسة لتهيئهم للهجرة إلى المدينة و تبقى الفتات بالبيت و المزرعة عرضة للإستغلال. أما عن محاربة الأمية التي يتم التطبيل و التزمير لها فلا يمكن إخراجها من إطار الضبط الإجتماعي عن طريق إحتواء ما يسمى بالجمعيات التنموية ذات الأهداف المتعددة ، خاصة في المواسم الإنتخابية و ترويج أديولوجية النظام القائم في صفوف النساء و توظيف المساجد لهذه الغاية للحد من تأثير الجماعات الإسلامية ، و فسح المجال أمام نهب الأموال المرصودة لذلك من طرف المؤسسات المالية الدولية و ما يسمى بإعانات المنظمات الدولية.
ـ ظروف الصحة بسوس العليا/تالوين
إن المشاكل الحقيقية التي يعيشها قطاع الصحة عامة ناتجة عن السياسة الصحية الطبقية و التي تستهدف خوصصة المرافق الصحية العمومية مما يضرب مصداقية المستشفيات العمومية المجردة من شروط التطبيب ، و رغم أن يناء مستشفى تالوين قد تم في 1952 و يتوفر في تلك المرحلة على طبيب أخصائي في الجراحة نظرا لحرس الإستعمار المباشر على سلامة الفرنسيين المقيمين بتالوين ، فإن هذا المستشفى اليوم لا يتوفر على شروط التطبيب نظر لانعدام الطاقم الطبي الضروري لأزيد من 140 ألف نسمة ، الكون الميزانية المخصصة للصحة بالمغرب تشكل فقط % 5 من ميزانية الدولة بينما فرنسا تخصص لها % 12 من ميزانيتها بالإضافة إلى التأمين و غيرها من الحقوق الصحية التي يوفرها الشغل ، و يتم توجيه الصحة في اتجاه الخوصصة بنسبة كبيرة فمثلا مستشفى المختار السوسي بتارودانت المستشفى الوحيد بالإقليم الذي يتوفر على جل الإختصاصات تشكل ميزانية تسييره في 2006 8 ملايين درهم في السنة تمول فيها الدولة فقط % 18 و الباقي من مداخيل المستشفى رغم الخدمات الناقصة التي يقدمها. و يشكل الخصاص في مجال الأخصائيين عائقا أساسيا خاصة في طب النساء الذي يعيش ازدواجية طب الولادة و أمراض النساء حيث الطبيب المختص في هذا المجال يقوم بجميع العمليات حتى مراقبة المرأة أثناء الولادة ، مما يتناقض مع ما هو جاري به العمل في فرنسا حيث وجود طبيبات مختصات في الولادة فقط مما يشكل خطرا على صحة المرأة و الطفل ، فمستشفى المختار السوسي بتارودانت يستقبل 5000 حالة ولادة في السنة بنسبة 12 إلى 20 ولادة في اليوم بينما في فرنسا مثلا الطبيبة المختصة تستقبل ولادتين إلى 03 ولادات في الأسبوع ، مما ينتج عن هذه الوضعية الخطيرة وفيات في صفوف النساء و الأطفال معا ، هذا بالنسبة للمستشفى الإقليمي فما بالنا بالمراكز الطبية الهشة التي يبقى فيها الطب التقليدي هو الملاذ الأول و الأخير ، و يبقى مستشفى تالوين في حاجة ماسة على إحيائه بتوسيعه و توفير جميع الإخصائيين الضروريين لضمان الصحة للفلاحين الفقراء المنتشرين بالجبال.
5 ـ خــلاصــــة
إن ما تعيشه سوس العليا لا يخرج ضمن التهميش الممنهج ضد الفلاحين الفقراء الذين هبوا لمحاربة المستعمر بدءا بثورة الهبة في 1912 بالجنوب مرورا بثورة محمد بن عبد الكريم الخطابي من 1919 إلى 1926 بالريف و انتهاء بمقاومة جبل صغرو في 1934 ، و ما نعيشه اليوم ما هو إلا استمرارا لنفس السياسات التبعية للإستعمار في جميع مناحي الحياة السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية و التي يجب مقاومتها ، أولا بالوعي بها و نشر هذا الوعي في أوساط الفلاحين الفقراء من طرف الشباب المتعلم عبر حركة الجمعيات ، و ثانيا ببلورة الوعي السياسي في أوساطهم و تنظيمهم في تنظيماتهم الذاتية الجماهيرية ، و ثالثا بتطوير تنظيمهم عبر النقابات الفلاحية للدفاع عن مصالحهم الإقتصادية التي تتمحور حول الحق في الماء و الأرض و الثروات الغابوية و الأمازيغية في أفق المساهمة في بناء الحزب البروليتاري.
تارودانت في 04 ماي 2009
امال الحسين
هذه الورقة مجمل عرض تم تقديمه في اليومين الثقافيين اللذين نظمتهما لجنة طلبة تالوين بجامعة ابن زهر بتنسيق مع جمعية تويزي بتكركوست و جمعية القاطرة بأكادير في 03 و 04 ماي 2009 بالمركب الثقافي محمد جمال الذرة بأكادير .
امال الحسين
#امال_الحسين (هاشتاغ)
Lahoucine_Amal#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النضال الطبقي للفلاحين الفقراء بأولوز ضد الإقطاع و الكومبراد
...
-
من كولومنا إلى جبل بوعلام بإفني أيت بعمران 20 ألف متظاهرة و
...
-
التلويح بتهمة التجمهر في الشارع العمومي بدون ترخيص لقمع الأص
...
-
منظور حزب النهج الديمقراطي من الأمازيغية و الصراع الطبقي 3
-
منظور حزب النهج الديمقراطي من الأمازيغية و الصراع الطبقي 2
-
منظور حزب النهج الديمقراطي من الأمازيغية و الصراع الطبقي 1
-
الرأسمالية الإمبريالية و النضال الطبقي بسوس بالمغرب
-
المؤتمر الإستثنائي لحزب النهج الديمقراطي و مفهوم المقدس
-
الحركة الطلابية المغربية على ضوء الأحداث الجامعية الأخيرة 4
-
مفهوم الفاشية من منظور أدبيات منظمة إلى الأمام
-
الحركة الطلابية المغربية على ضوء الأحداث الأخيرة 3
-
الحركة الطلابية المغربية على ضوء الأحداث الجامعية الأخيرة 2
-
الأمازيغية و الصراع الطبقي
-
الحركة الطلابية المغربية على ضوء الأحداث الجامعية الأخيرة
-
المهام النضالية للماركسيين اللينينيين
-
السياسي و النقابي في علاقتهما بالمجتمع المدني في عصر الرأسما
...
-
مهمات منظمات الشباب
-
نجاحات السلطة السوفياتية و مصاعبها
-
تثوير علاقات الإنتاج في ظل المجتمع الإشتراكي
-
الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي ينعت اللينينية بالتايلور
...
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|