|
من الشمولية إلى الديمقراطية
محمد الحداد
الحوار المتمدن-العدد: 2641 - 2009 / 5 / 9 - 07:20
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يعقد الآن في كردستان العراق وفي مدينة أربيل تحديداً مؤتمر المساءلة والمصالحة ، للفترة من الخامس وحتى السابع من مايس ، تحت شعار (من الشمولية إلى الديمقراطية المساءلة والمصالحة في العراق – خلق فضاء للتشاور ) ، والذي ينظمه التحالف الدولي من اجل العدالة بالتعاون مع منظمة التسامحية العالمية . شيء جيد أن يحتضن العراق مؤتمرات بهذا الشكل ، تحاول إشاعة ثقافة التسامح والتصالح ونبذ ثقافة الكره والثأر ، والتي يحتاجها العراق بقوة في الفترة الراهنة ليخرج من دوامة العنف المستمرة ، والتي تتصاعد أحيانا ، وتنخفض أحيانا أخرى على تبع بانو متر المناخ السياسي بين القوى الفاعلة في العراق ، أيا كانت هذه القوى ، عراقية بحتة ، أم عراقية مرتبطة و تمثل أجندة أجنبية . ولكن ما يؤخذ على المؤتمر هو حضور ممثلين عن القوى الممثلة بالعملية السياسية الحالية فقط ، أي هي تلك القوى التي رضت الدخول بالعملية السياسية و اعتبرت النضال من داخل منظومة العملية السياسية هو خيارها ، في حين لا نجد أي تمثيل لأي من القوى التي قبلت بالعملية السياسية ولكن لم تحصل على مقاعد بالبرلمان مثلا ، وليس لها تمثيل داخل السلطة ، كذا لا وجود للقوى التي ترفض العملية السياسية ، بل والتي لا تعترف بها من الأساس ، والتي تطلق على نفسها مسمى المقاومة ، على مختلف تياراتها ، كأن تكون بعثية بجناحيه المنقسمين ، أو إسلامية سنية ، أو تابعة للقاعدة . وهذا الأمر هو ما سيؤدي بكذا مؤتمر أن يكون فقط مؤتمر لإلقاء الخطب على المنابر ، وللسلام على بعض بين أعضاء العملية السياسية ، كذا سيلقى الفشل كسابقاته من مؤتمرات في خلق مصالحة حقيقية . أساس مشكل المصالحة العراقية الحقيقية تتلخص بمفردتين رئيسيتين ، أولاهما هو عدم توحد القوى الداخلة بالعملية السياسية على رؤية واحدة موحدة تجاه من هم خارج العملية السياسية ، أو الرافضين لها ، هذا الاختلاف الجوهري بالرؤى أدى بالسابق ويؤدي حاليا وسيؤدي مستقبلا لوجود خلاف وشقاق كبير بينهم ، فمن داعي لعودة البعث للعمل السياسي ، إلى إلغاء قانون المساءلة ، إلى عودة البعثيين الغير ملطخة أيديهم بالدماء للعمل ، إلى قوى ترفض فكرة عودة البعث وعناصره بالعودة للعمل المهني والحزبي جملة وتفصيلا . هذا الخلاف بين القوى الممثلة بالبرلمان العراقي والذي هو كذلك انعكاس للخلاف المتجذر بالشارع العراقي ، لا يبدوا أن له حلا بالوقت القريب ، فما دام هناك ممن ما زال يدفع ثمن أفعال حكم صدام ، ممن فقد أعضاء من أسرته ، أو فقد وظيفته ، أو طرد وهجر ، أو قبع بالسجون لسنوات طويلة ، أو ضرب بالسلاح الكيمياوي ، كل هؤلاء وجدنا وسنجد معهم صعوبة بالغة بإقناعهم بعودة البعث للساحة السياسية ، حتى وإن قلنا لهم فقط البعثيين الغير مشاركين بعمليات إجرامية ضد الشعب أو الغير ملطخة أيديهم بدماء الشعب . فمجرد التفكير لدى طوائف واسعة من الشعب بعودة وجود البعثيين بين رجال السلطة التنفيذية أو التشريعية تجعل هؤلاء يشعرون بتقزز ورغبة بالتقيؤ ، ويقولون يا ريت يا زيد ما كنت غزيت . فكيف إذن ستكون الدعوة لوجود قوى لا تؤمن بالعملية السياسية الحالية ، وهذه هي المفردة الثانية بمشكل المصالحة ، كفروع المقاومة العراقية على اختلاف مسمياتها ، فالمشكلة هنا ليست بالمؤتمرين ، بل بمن هم خارج المؤتمر ، والذين لا يعترفون بمن هم داخل المؤتمر ، بل يدعون لتصفيتهم جميعا ، وبإنهاء العملية السياسية التي بناها المحتل الأمريكي ، وأهم ما في خطابهم يتلخص بمقولة يرددونها دوما ، وهي ، أن ما بني على باطل فهو باطل . والمشكلة الأكبر هي في القوى المتشددة الإسلامية ، أو المرتبطة مع القاعدة ، فهذه القوى ليست مشكلتها مع القوات الأمريكية أو الحكومة العراقية ومؤسساتها الحالية فقط ، بل هي تدعوا لإنشاء دولة إسلامية عراقية وفق منظور القاعدة ، لا وجود لأي مكون إسلامي مذهبي آخر غير الوهابي ، وكل المنتسبين إلى الأديان السماوية الأخرى عدا المسلمين ، يصبحون أهل ذمة بدولة العراق الإسلامية ، أي عراقيون من الدرجة الثانية بالمواطنة ، وباقي الأديان كالصابئة مثلا أو اليزيدية يقتلوا أو يهجروا ، كذا الحال مع مكون كبير جدا من أهل العراق ، والذين هم الشيعة ، فأما الذبح ، أو التهجير خارج العراق ، أو تحويل المذهب إلى الوهابية . فكيف يمكن أن تكون هناك مصالحة حقيقية مع من يريد قتل أكثر من نصف الشعب العراقي ، إن لم يكن أكثر من ثلثيه ، وهذه كانت النقطة الثانية التي تواجه أي مؤتمر للمصالحة . من هذا كله وغيره كثير يتعلق بتأريخ الأحزاب العراقية وممثليها ، ومدى تداخل مصالحها مع مصالح دول الجوار ، كإيران مثلا ، أو مدى تعاطف أعضاء بتلك الأحزاب بطوائفهم ومذاهبهم ، كل هذا يؤدي بالضرورة أن تكون كثير من مؤتمرات كهذه مؤتمرات ذر الرمال بالعيون ، ومؤتمرات رفع الحرج والعتب على عدم الفعل تجاه مصالحة وتقليل درجة العنف العالية ، والتي بدأت بالتصاعد من جديد . والى لقاء بمؤتمرات مصالحة قريبة فاشلة كسابقاتها لا تغني ولا تسمن .
#محمد_الحداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإرهاب من منظور ليبرالي – الحلقة الأولى
-
أدياننا ومعتقداتنا في العراق - الجزء الثاني
-
أدياننا ومعتقداتنا في العراق
-
الطقس الديني وسيلة لغسل الدماغ الجمعي ، الليبرالية - الجزء ا
...
-
التترس والدماء الرخيصة
-
أحمد السيد عبد السلام الشافعي ...والثور الأبيض
-
عادل إمام و النصر
-
الليبرالية - الجزء الثاني
-
كتل كونكريتية وكتل سياسية
-
اللّيبرالية - الجزء الأول
-
الليبرالية – الجزء الرابع
-
الليبرالية ...الجزء الثالث فصل الدين عن الدولة
-
الشعب في غزة بين كماشتي مٌجرِمَي الحرب ... إسرائيل وحماس
-
غزة ... الضفة ... وصراع السلطة
-
الماسونية
-
نموذج جديد من أجل بناء الدولة لمواطني العراق
-
الإستبداد الشرقي الضعيف
المزيد.....
-
روبرت كينيدي في تصريحات سابقة: ترامب يشبه هتلر لكن بدون خطة.
...
-
مجلس محافظي وكالة الطاقة الذرية يصدر قرارا ضد إيران
-
مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي لتعليق مبيعات الأسلحة للإ
...
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|