|
العنصرية لا يمكن أن تكون أساساً للفكر الاشتراكي
برناديت ضو
الحوار المتمدن-العدد: 2640 - 2009 / 5 / 8 - 08:44
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
ردّ من التجمع اليساري من أجل التغيير على مقال العلاقة ما بين الفكر الاشتراكي والفكر اليهودي
اشتهر كارل ماركس عندما ردد مقولة أنّ الدين هو أفيون الشعوب، وكان ذلك ضمن تحليل علمي ونقديّ للدين عندما يخدّر الشعوب عن ألمها، بهدف الإبقاء على الوضع القائم المسبب لهذا الألم، من استغلالٍ وفقرٍ، وتشرذمٍ وقمع... بل ويعد أتباعه بالجنة، ولكن بعد الموت. وهكذا، لا يمكننا نقد أي من الأديان من خارج إطار النقد العلمي.
إنّ الدين اليهودي، كما سائر الأديان، يتضمّن مجموعة من الشعائر البدائية، اللاعقلانية والوثنية. تماماً كما يفعل المسيحيون عندما يذهبون إلى الكنيسة ويتناولون جسد المسيح. أو كما يفعل المسلمون عندما يمارسون عمليات السجود والنهوض في أوقاتٍ معينة من النهار. كل الأديان تمارس شعائرها وتقوم على الغيبية والروح.
والدين يقول بأن الإنسان جسد وروح وهو يعتني بهما. أما هذه الفكرة فتسقط أمام العلم القائل بأن العقل هو جزء من الجسد المادي الذي يتفاعل مع محيطه. وعملية التفكير ليست وحياً ماورائياً متفوقاً على الطبيعة والواقع، بل هو عملية تفاعل مع الواقع وبناء عليه. إذن، لا يمكن نقد الدين اليهودي من خلال نقد الشعائر التي يقوم عليها، كي لا يبقى النقد ضمن الدين وحدوده.
وإذا كان الدين مجموعة من الأفكار التي تعبّر عن توق الإنسان إلى العدالة والخير والسلام، فبالنسبة إلى ماركس، إنّ الناس يتحررون من الدين عندما يمتلكون زمام الأمور بثورتهم وبخلق مسار تاريخي لتحررهم. من هنا المغالطة بالقول إنّ "الدين اليهودي يختلف عن باقي الأديان"، وإنّ "اليهودية شكلٌ متخلفٌ للمسيحية"، فهذا القول يتبنّى وجهة نظر لاهوتية في تحليل الدين اليهودي وخصائصه، وبأنّ هناك أديان أسمى من أخرى. وكأننا بالأحرى نسأل أي من أتباع الأديان قادر على التحرر أكثر من غيره؟ هل هو المسيحي؟ أم المسلم؟ أم اليهودي؟
يقول ماركس في ما كتبه "حول المسألة اليهودية"، "لا يعود الدين بالنسبة لنا هو الأساس وإنما كظاهرة للمحدودية الدنيوية وحسب. ومن هنا فإننا نفسّر اللاموضوعية الدينية للمواطنين الأحرار بلاموضوعيتهم الدنيوية. لا ندّعي أن عليهم أن يتخلّوا عن محدوديتهم الدينية، ليزيلوا حواجزهم الدنيوية. بل نزعم أنهم سيتخلون عن محدوديتهم الدينية حالما يزيلون حواجزهم الدنيوية. إننا لا نحوّل المسائل الدنيوية إلى مسائل لاهوتية، وإنما اللاهوتية إلى دنيوية. نحل الغيبيات في التاريخ بعد أن انحل التاريخ وقتاً كافياً في الغيبيات. تصبح مسألة علاقة التحرر السياسي بالدين بالنسبة لنا علاقة التحرر السياسي بالتحرر البشري".
الدين يكرس الفوارق الماورائية بين الناس. فكل دين من جهة يعد أتباعه وحدهم بالخلاص. ويستثني أتباع الديانات الأخرى. أما الاشتراكية فتهدف إلى الاتحاد رغم كل الفوارق الماورائية، بل وتخطيها. لأن الفوارق المادية الحقيقية هي بين من ينتج الثروات، أي الطبقة العاملة، وبين من يسيطر على هذه الثروات ويتنعّم بها. سواء كان أعضاء هاتين الطبقتين من اليهود أو المسيحيين أو المسلمين. من هنا يأتي تأكيد ماركس بأن رأس المال لا دين له ولا هوية. وبالتالي تنعدم العلاقة بين الدين اليهودي وبين الرأسمالية. والشركات الرأسمالية تعبر عن نفسها بتوصيفها "عابرة للقارات" أو "متعددة الجنسيات". وهذا ينفي أيضاً مقولة أن اليهود هم "عنصر هامشي، غير منتج، يتركز في التجارة والأعمال المالية".
الأفكار العنصرية لا يمكن أن تكون أساساً للفكر الاشتراكي. فهي السلاح الذي تعتمده الرأسمالية بهدف قسمة الطبقة العاملة، بذهنية فرّق تسد، فتستغل وتربح.
العنصرية والتمييز والكراهية القائمة على أساس العرق أو الدين أو الجنس، تؤسس إلى تفكيك قوى المجتمع وتحول دون وحدة الطبقة العاملة. فالتهجّم على اليهود بأنهم لصوص ومرابين، يجب طردهم، وبأنهم كالبكتيريا يلوّثون المكان... هي الأفكار التي نقدها بشدة واضعو الأسس العلمية للفكر الاشتراكي. وهي نفسها الأفكار العنصرية التي بنيت المحرقة النازية عليها حيث عذّب وقُتل اليهود ومثليّو الجنس والشيوعيون.
كل مطالبة بطرد اليهود ساهمت في تأسيس الفكر الصهيوني، أي طرد اليهود وتوطينهم في أرض الميعاد وبالتالي احتلال فلسطين. من الضروري التمييز بين اليهود كدين، وخاصة كطبقة عاملة، وبين الصهيونية كقومية دينية. فليون تروتسكي معارض للصهيونية، وكل أشكال عزل الذات من قبل العمال اليهود. وهو لا يخلط بين اليهود والقومية اليهودية، أي الصهيونية، بل يقول "إن الطريق المظلم الذي تجد اليهودية الألمانية نفسها فيه، كما الطريق المظلم الذي تجد الصهيونية نفسها فيه، مرتبط بشكل لا فكاك منه بالطريق المظلم الذي دخلته الرأسمالية العالمية، ككل. حين يرى العمال اليهود بوضوح هذه العلاقة، عندها فقط سيتنبهون ضد التشاؤم والخيبة".
من كل ما تقدم، ما هو موقف الاشتراكيين من "القضية اليهودية"؟ لقد أراد البعض أن يرمي بهم في البحر. ويمكن للبعض الآخر أن يجيب كما حاول مشروع اليسار اللبناني في السبعينيات بعزل الانعزاليين. الأمر الذي أدى إلى عزل الموارنة من دون إمكانية إبراز التناقضات الطبقية داخل الطائفة المارونية.
نسمع البعض اليوم يستعمل التحليل اللاهوتي نفسه للقول إن السنة في لبنان هم برجوازيون والشيعة هم من الطبقة العاملة(!). لقد آن الأوان للاشتراكيين أن يتخطوا عقدة الدين والأفكار المتخلّفة في المجتمع، أن يكسروا الحواجز المتشكلة منها، أن يدوسوا عليها، ويمضوا في بناء الثورة الاشتراكية.
#برناديت_ضو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
“يا عمال العالم اتحدوا” هل ذلك ما يزال صحيحاً الآن؟
-
حقوق الفلسطينيين هي حقوقنا جميعاً
المزيد.....
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال... دفاعا عن الجدل (ملحق الجزء
...
-
الحراك الشعبي بفجيج ينير طريق المقاومة من أجل حق السكان في ا
...
-
جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فر
...
-
بيان للمكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية
-
«الديمقراطية» ترحب بقرار الجنائية الدولية، وتدعو المجتمع الد
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|