أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فهد راشد المطيري - طفل يبحث عمّن يتبنّاه














المزيد.....

طفل يبحث عمّن يتبنّاه


فهد راشد المطيري

الحوار المتمدن-العدد: 2640 - 2009 / 5 / 8 - 08:11
المحور: المجتمع المدني
    


لو كنت مديراً لشركة، ثم أرسلت تعميماً صارماً إلى جميع الموظفين بعدم قبول أي أوامر لا تستند إلى سبب منطقي أو دليل مادي، حتى لو كانت هذه الأوامر صادرة من جهتي، فما هي تداعيات مثل هذا القرار الغريب؟ من الواضح أن دعوة الموظفين إلى التفكير النقدي تحدّ من سلطتي كمدير للشركة، فهي دعوة لا تتيح لي إصدار أي قرار لا يخضع إلى ميزان العقل! على ضوء هذا المثال الافتراضي، أريد من خلال هذا المقال أن أستعرض الأسباب التي تقف وراء عدم تبني مشروع التفكير النقدي من قبل أي شكل من أشكال السلطة في عالمنا العربي.

ليس من مصلحة أي حكومة عربية أن تتبنى مشروع التفكير النقدي ضمن برامجها التعليمية، فهذا المشروع «الخطير» من شأنه إنتاج مواطنين لهم من القدرة الذهنية ما يكفي لطرح أسئلة تتعلق بشرعية السلطة السياسية. ربما أنقذت قطعة من الخبز حكم دكتاتور من ثورة شعب جائع، لكن عندما تثور العقول فلن ينفع توزيع الخبز! القرار السياسي الذي يدعو إلى تبني مشروع التفكير النقدي يتضمن اعترافاً ضمنياً مفاده أن لا سلطة تعلو على سلطة العقل، ومن الصعب تخيل وجود حكومة عربية على استعداد إلى تقديم اعتراف بهذا الحجم! كيف تستطيع حكومة غير منتخبة أن تبرّر بقاءها الدائم في السلطة لشعب يفكر أغلب أفراده بطريقة نقدية؟!

ليس من مصلحة أي مؤسسة دينية أن تتبنى مشروع التفكير النقدي ضمن برامجها الدعوية، فهذا المشروع «الخطير» من شأنه إنتاج أفراد لهم من القدرة الذهنية ما يكفي لطرح أسئلة تتعلق بمفهوم الدين ومدى تأثره بالثقافة المحلية. ربما أبكت الخطب البلاغية الرجال قبل النساء، لكن عندما تثور العقول فلن يكون مفعول تلك الخطب أفضل من مفعول الآذان في مالطا! إن انتشار التفكير النقدي يعني ببساطة انقراض البرامج والمحاضرات الدينية، وكساد التجارة بالدين، وإفلاس البنوك الإسلامية! عندما يصبح التفكير النقدي عادة روتينية، فإن «زغلول النجار» و»عمرو خالد» وغيرهما الكثير سينسحبون مرغمين من دائرة الضوء ومن دون ضجيج، وستبقى كتاباتهم وأقوالهم شاهداً على حقبة من الانحطاط الفكري لم يشهد التاريخ الحديث مثيلاً لها. إذا كان جيل اليوم من أبناء الغرب يقف مندهشاً من حجم انتشار الخرافة في القرون الوسطى، فإن أجيالنا ستقف في الغد البعيد مبهورة من حجم التخلف الفكري الذي نعيشه هذه الساعة. من المؤسف حقاً أن لا يستطيع الإنسان أن يقرر متى يولد!

ليس من مصلحة أي طبقة تجارية أن تتبنى مشروع التفكير النقدي ضمن مشاريعها الاستثمارية، فهذا المشروع «الخطير» من شأنه إنتاج أفراد لهم من القدرة الذهنية ما يكفي لطرح أسئلة تتعلق باحتكار السوق ومدى عدالة توزيع الثروة. من جانب آخر، مفهوم التسويق التجاري يقف على النقيض من وظيفة التفكير النقدي، ذلك أن من أهم عوامل التسويق الناجح هو شل قدرة المستهلك على التفكير بطريقة نقدية. هناك بعض الشركات الكبرى تستعين بخبراء في ميدان علم النفس للعثور على أنجح السبل في ترويج بضاعتها، كما أن فكرة الدعاية التجارية قائمة على خلق الحاجة الواهية عند المستهلك وتحطيم قدرته العقلية على طرح الأسئلة النقدية حول جودة المنتوج المعروض للبيع. عندما تقف عارضة الأزياء الألمانية «كلاوديا شيفر»، مثلاً، أمام سيارة «سيتروين» في إعلان تجاري، فإن آخر ما يتمناه مدير شركة «ستروين» هو أن يطرح المستهلك على نفسه سؤالاً حول مدى خبرة هذه الفتاة الجميلة في مجال صناعة السيارات! الطريف في الأمر هو أن العارضة الألمانية، عندما ظهرت في ذلك الإعلان، لم تكن تحمل رخصة قيادة ولم تكن تعرف قيادة السيارة!

مشروع التفكير النقدي في عالمنا العربي أشبه بطفل يبحث عمّن يتبناه، طفل ليس له عينان، لكنه قادر على أن يجعلنا نرى بوضوح حجم التخلف الفكري الذي يحاصرنا من كل جانب، طفل ليس له أذنان، لكنه قادر على أن يجعلنا نبتسم بخبث ذكيّ عند سماع خطبة السيد الرئيس، أو خطبة فضيلة الشيخ الجليل، أو حتى تأوّهات «كلاوديا شيفر» على باب سيارة سيتروين!



#فهد_راشد_المطيري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العقل والمرأة
- الشقاء في السراء والضراء
- من يجب أن يحكم؟
- الحرية بين الشرق والغرب
- آفة الطاعة وأنواعها
- خرافة علم الأنساب
- تشويه المفاهيم الغربية
- انحسار الخطاب العلماني
- العدل والديمقراطية
- الثنائية المزيفة: إما حكم الأغلبية...وإما حكم الأقلية
- الوطنية و حلبة الصراع من أجل السلطة
- الديمقراطية و استبداد الأغلبية
- حوار في الدين و السياسة و التعليم
- الرقابة في عصر -الأنوار- الإسباني
- نقد العقل الجبان
- التفكير النقدي: طريق الخلاص
- الأفكار الجديدة و التقاليد الموروثة
- المثقف بين الطموح و تسويق الذات
- ماذا أقول له؟
- شعوب تحدق في السماء


المزيد.....




- ضحايانا بالاسلحة الكيميائية خير شاهد على عبثية الغرب بحقوق ا ...
- غزة .. الأمم المتحدة والسعودية تجددان انتقاداتهما لإسرائيل
- الأونروا: غزة تقترب من الجوع الشديد للغاية جراء الحصار الإسر ...
- عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون نصرة لغزة
- الرياضة في معسكرات الاعتقال النازية .. الملاكمة أنقذت حياة ب ...
- الخارجية الإيرانية تصف موقف ألمانيا بشأن حقوق الإنسان بالمزي ...
- الأمم المتحدة توثق 36 غارة للاحتلال على غزة ضحاياها نساء ولأ ...
- الأمم المتحدة: الرسوم الأميركية تهدد الدول النامية بكارثة اق ...
- أردوغان مفتتحا منتدى أنطاليا: إسرائيل تنتهك أبسط حقوق الإنسا ...
- الأمم المتحدة تحذر من مخاطر إبادة جماعية في غزة


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - فهد راشد المطيري - طفل يبحث عمّن يتبنّاه