عبد الإله بوحمالة
الحوار المتمدن-العدد: 2639 - 2009 / 5 / 7 - 08:57
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
وأنا أتابع ما دار في الأيام الفارطة من شد وجذب حول مشروع قانون مدونة السير بين وزارة النقل والتجهيز والمهنيين من سائقي شاحنات النقل وسيارات الأجرة، لم تثرني الحجة التي تذرعت بها الجهات الرسمية لتسويغ بنود هذا القانون والتي احتجت بما أسمته مصلحة المواطن المغربي وحمايته من كوارث حرب الطرقات، فالكل يعرف أن للموت جبهات عديدة يحصد من خلالها الأرواح يوميا في البر والبحر وبعيدا عن الطرقات المعبدة ووسائل النقل.
ولم تثرني، كذلك، كل تلك الإشكالات التي قد يطرحها خروج مثل هذا القانون المتشدد إلى حيز التطبيق، فالكل يدرك أن الانعكاسات السلبية للعقوبات المنصوص عليها قد تبدأ عند الشخص المخطئ المتهور أو السكران لكنها تمتد إلى ما هو أبعد وإلى من هم أبعد.. أي إلى حياة أسرته المعيشية وإلى أشياء أخرى في غاية الخطورة كاستفحال ظاهرة الرشوة في أجهزة الأمن والمراقبة واكتظاظ السجون وتكريس مزيد من الميز بين الفئات الاجتماعية الدنيا والفئات ذات النفوذ والسلطة على مستوى الخضوع لمقتضيات هكذا قانون.
كما أنه، قبل كل هذا، لم يثرني أن يصاغ مشروع قانون من هذا العيار اقتباسا عن قانون بلد أوربي كما شاع، في غياب المعنيين الأوائل بالأمر، المهنيين، فهذه الأشياء تحدث في الحكومة الحالية وحدثت في حكومات سابقة وستحدث في حكومات مقبلة.
شيء واحد أثارني فعلا وهو أن الوزارة ومن خلفها الحكومة، بعد أن وقع ما وقع، أخذتها العزة بالإثم وشق عليها كثيرا أن تتراجع وتتخلى عن هذه المدونة وظلت تتشبث بها إلى آخر قطرة من ماء وجهها حفاظا على ما أسمته هيبة الدولة.
أثارتني هذه النقطة بالذات لأن تصلبا من هذا القبيل في سن قوانين مغرقة في الطوباوية والتشدد، إذا كان قد وقف اليوم عند حدود العقوبات السجنية عند وزير يدعي حزبه الوسطية وتنادي أدبياته بفكر الاعتدال والمرونة فإنه قد يشتط غدا إلى أبعد من ذلك عند من يؤمنون بفكر القصاص ولا يعتقدون لا في ثقافة الحوار ولا في حقوق إنسان ولا هم يحزنون، وحينئذ، حينما يسنون قوانين أخرى أشد تطرفا وغلوا، لن نملك مطالبة أحدهم بالتراجع والتصحيح لأن الذريعة الجاهزة ستكون بالنسبة لهم أيضا هي حماية المواطنين ورعاية مصالحهم والحفاظ على هيبة الدولة، وبالتالي فإن الحكومة حينما تركب اليوم كبرياءها المشتط لفرض قانون كقانون مدونة السير فإنها في نفس الوقت، ومن حيث لا تدري، تفتح الطريق واسعا في المستقبل نحو قانون السوط وتؤسس لشرعية القصاص والمقصلة..
وإن غدا لناظره قريب.
#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟