|
فليم حسن ومرقص
محمد الأحمد
الحوار المتمدن-العدد: 2638 - 2009 / 5 / 6 - 09:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يدخل فليم (حسن ومرقص) لمخرجه الشاب (رامي إمام)، إلى قائمة الأفلام العربية الأكثر جدلاً، بموضوعه الجديد، والجريء، والشيق، الذي كتب قصته (يوسف معاطي)، ليعرض بتفصيل دقيق وجريء ما يجري بين المسلمين والأقباط في مصر، حيث تسير لقطات الفيلم موزعة بتساوّ ما بين بيوت الله (جوامع وكنائس)، متطرقة بجرأة لموضوعتين الإرهاب أولا والحوار بين الأديان ثانياً، بحوار ذكي مشحون بالدلالة، همه الإنسان بشكل عام، حيث لا يختلف أمام الله والقانون بكل الأحوال المواطن المسلم عن أخيه المواطن المسيحي، وبدون شك يعتبر الرقيب هكذا موضوع هو من اشق واخطر الموضوعات التي تجسدها السينما العربية، حيث رسمت التأثيرات السياسية والتجارية تطور السينما العربية، وقد تكرس الإرهاب الديني ليتصدر قائمة الأفلام التي تضاعف الطلب على شباك تذاكرها. تضفي موسيقى (ياسر عبد الرحمن)، على التواصل الإنساني المتواشج بين اثنين لم يفترقا قط على امتداد الفيلم؛ بل ومنذ زمن طويل، حيث تطل مقطوعة في المقدمة لتجمع التهاليل الكنسية مع آذان الجامع في مقطوعة موسيقية موفقة، رائعة، كأن الأحداث التي ستعرض أمام المشاهد بشكلّ متساوق، ومتعادل.. (مادامت الصور تنطلق بسرعة اكبر، وتنتقل من مشهد أو وضع إلى مشهد أو وضع آخر بسرعة اكبر كذلك فان الموسيقى تصبح أكثر وجدانية أو أكثر حزنا وأكثر جلبة بكثير)، وقد أكدت أسرة الفيلم على استشارة البابا (شنودة السادس) بابا الأقباط حول بعض تفاصيل الفيلم الذي كانت فكرته تقوم على أساس العلاقة بين شيخ وقسيس، (لا يجوز قيام قسيس بالمشاركة في الفيلم؛ لأنه ليس مسموحا له بأن يخلع ثيابه الكهنوتية خصوصاً وأن القسيس سيضطر إلى خلع ثيابه اللاهوتية في الفيلم، ووجدت الأسرة مع الكنيسة حلا لهذه المعضلة بأن يكون البطل المسيحي عالما في اللاهوت بدلا من أن يكون قسيسا).. كذلك أشار كاتب السيناريو (يوسف معاطي) إلى أنه (كتب السيناريو كلمة.. كلمة مع الرقابة ولهذا لم تتدخل الرقابة فيه من قريب أو من بعيد)، وقال الفنان (عادل إمام) في مؤتمر صحفي عقدته شركة (جود نيوز للإنتاج الفني) مؤخرا بمناسبة بدء تصوير الفيلم: (سنمشي على الأشواك في هذا الفيلم) إشارة إلى حساسية الموضوع. ففيلم (حسن ومرقص) يتناول مرحلة ما يفرزه الوضع الإقليمي من مخاضات عميقة الشرخ بين العام والخاص، دون أن يجرد الكائنات البشرية من ميراثها الإنساني الانثروبولوجي، حيث الإنسان أنسانا حيثما كان موقعه، يحب ويكره، يفعل؛ ويفعل به، يتواصل؛ ويتواصل معه.. مهما اختلفت الأسماء أو الانتماءات أو الأمكنة.. ويشجب الفيلم بشكل كوميدي ساخر كل فرق بمنتهى الوعي، والرقي حيث تستخدم فيه اللقطات السينمائية حفنة متقابلات ومتوازنات- انتقالات مفاجئة إلى وضع مختلف في مكان آخر لما يحدث في الجانب الآخر من الأمر (إن حركة بصرية من هذه الحركات تقدم عنصرا جديدا إلى حدّ ما والكلمات- كما يقول جون هوارد لوسون في كتابه الشهير السينما العملية الإبداعية).. اعتمد الفيلم نجمين كبيرين وفي اختيارهما أيضاً زاد الجدل وهما، (عادل إمام)، والنجم العالمي (عمر الشريف)، الشيخ محمود العطار وزوجته (زينب)، وابنته (فاطمة)؛ يرفض بشدة أن يتسلم منصب (أمير المجاهدين) بالوراثة مكانة شقيقه الشيخ (أسامة) احد الزعماء المتطرفين، ويتعرض متجره إلى الحريق، ويصبح مطاردا من قبلهم، فتحميه الدولة، من غضب الجماعة التي كان ينتمي إليها شقيقه.. هذا كله يتكرر بنفس الوتيرة على القس بولص الواعظ (عادل إمام)، وابنه (جرجس- الفنان الشاب محمد إمام)، وزوجته (ماتيلدا- الفنانة النجمة لبلبه).. يتعرضان للاغتيال بوضع عبوة متفجرة في سيارتهما أثناء عودتهما من (المؤتمر الحادي والخمسين للوحدة الوطنية) الذي كان يدعو للحوار بين الأديان والسلام، ويقرر اللواء مختار سالم (عزت أبو عوف) مسئول امن الدولة، ولحمايتهم تقرر تزويدهم ببطاقات شخصية تحمل أسماء مسلمة فيصبح اسمه في البطاقة (حسن عبد الحميد العطار)، وزوجته باسم (زينات عبد العاطي)، وابنه (عماد)، وأيضا اقترح نقلهم إلى محافظة (المينيا) في صعيد مصر لفترة محددة بقصد التمويه وإبعادهم عن الخطر، فيستقبلهم هناك احد أعيان البلد الشيخ (بلال- الفنان القدير حسن مصطفى)، ومنذ اليوم الأول يورط (حسن العطار)، ودون قصد بممارسة الدجل والشعوذة من بعد أن ظنوه الداعية والشيخ الجليل الذي يرقي المرضى بدعائه المستجاب، ويفعل المعجزات.. كذلك يطلب منه أن يدعم احد المرشحين في الانتخابات البلدية، بل وكادوا أن يرغموه على أن يؤمهم في المسجد، مما تطلب تدخل اللواء مختار لنقله إلى مكان آخر وهو (القاهرة)، في شقة (وليم شحاته) احد زملائه القدامى ويسكنه في عمارته التي جل سكانها من الأقباط، وباسمه الجديد المستعار (حسن).. وهناك تلتقي الشخصيتان الرئيستان (حسن ومرقص) في الفلم ومن خلال الاسم المعرف به يتيقن بان كل منهما بان الثاني هو من دينه، وتتوطد علاقة حميمة بين عائلتيهما أيضا، ويتشاركان في مشروع يعيلهما، ويهمان بافتتاح (مخبز الإخلاص حسن ومرقص)، وهذا يحمل في حد ذاته علامة تسجل لصالح الفلم برمته، فـ(الخبز) له الدلالة الكبرى العظيمة في الإنسانية قاطبة، وينجح العمل المشترك إلى درجة يثير حسد الآخرين ويظهر الفلم بشكل متوازّ، ومتساوّ من كلا الطرفين؛ من يريد أن يفسد للودّ والوئام قضية، بحجة بأنهما من أديان مختلفة، ولكنهما يصران على التمسك ببعضيهما لأنهما متيقنان بان كل من الآخر من دينه، وينتظران الوقت المناسب للمصارحة. ثمة مشهد بديع لابد من الإشارة إليه وهو مشهد مهم من الفيلم، في العمارة نفسها تتصاعد البخور من شقة المسلم لتبارك إسلاميا مصحوبة بقراءة الأدعية والدفوف، ومن الشباك الآخر أيضا، يتصاعد نفس البخور ليبارك مسيحيا بالتهاليل والزناجر.. لقطات المشهد متواترة تعرض كل ما يجري في داخل الشقتين وبنفس الزمن ويختم المشهد تجمع العامة لمشاهدة ما يحدث بتوازن ما بين الأقباط والمسلمين.. إضافة لتدخلات المجوهراتي القبطي والد (هاني)، وشيخ الحارة المسلم.. ومع ذلك تنشأ قصة حب بين (مريم وعماد) تغير من مسار الأحداث ،إذ يتصارحان بغرامها للبعض، ويكشف الحب عن أسمائهم الحقيقية (فاطمة وجرجس)، فالمسلمة هي أيضا تظن حبيبها مسلما وهي متوارية تحت اسم مسيحي، والقبطي هو أيضا يظن بان حبيبته قبطية، ويبديان المصارحة، ليضعا النقط على حروفها، لأجل الاقتراب من بعض، حينئذ تتضح فجوة المحذورات، و يصبحان على مفترق طريق حافته وعرة وحادة، فتضع القصة على الحد الفاصل، وتعود الأسماء إلى دينها، وهكذا تبرد العلاقات العائلية وتفتر، وأيضا يظهر لقطة مقابل لقطة لكلتا العائلتين في الوضع الجديد، ويحاول الأبناء لمّ الشمل الذي تشتت.. (الاعتراف والاقتناع إن السينما هي فن الحاضر على نحو استثنائي، وهو فن يمتلك مصادر لا نظير لها لتصوير تحول المجتمع، أردنا أم لم نرد )... ومن الجدير بالذكر فقد تقدم أستاذ شريعة وقانون في جامعة الأزهر ببلاغ ضد مؤلف قصة الفلم يدعي فيه ملكيته الكاملة لرواية (حسن ومرقص) حيث ذكرت صحيفة (المصري) في عددها الصادر (8 مارس) بأن الدكتور (مصطفى راشد) أوضح فيه (أنه نشر الرواية من عشر سنوات باسم (إنـــه أخــي)، وأشار إلى أنه سجل روايته في الشهر العقاري بالإسكندرية برقم ١٩٣ لسنة ١٩٩٩م، وطلب تشكيل لجنة فنية لمقارنة روايته المتطابقة أحداثها مع سيناريو الفيلم، فالرواية كتبت بقلم جريء، ليتصدى لظاهرة التعصب الديني بين الأقباط والمسلمين في مصر.
#محمد_الأحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كونشيرتو النسيان
-
المثقف العربي في زمن الانحطاط العربي: على أي جانبيه يميل..؟
-
علم الاجتماع الآلي
-
الترفع غربة المثقف العراقي المقصي
-
خسارة متأزمة بالفقدان
-
النص
-
التعددية محنة الاعلام الثقافي العراقي
-
قصة قصيرة: ربيبة السيد المسؤول
-
عام قاس بعد رحيل البعقوبي (ياسين أبو ظفار)
-
عباس الأموي.. عام على رحيل قاس
-
العمة دوريس أديبة نوبل
-
هل مات اديب ابو نوار
-
الرماد الى المجد الزائف
-
جثةٌ قد تأجل موتها
-
جثة قد تأجل موتها
-
الوعي الشعري ومسار حركة المجتمعات
-
الطائفيةُ البغيضةُ سلاحٌ في المعركة البغيضة
-
هدية حسين في زجاج الوقت
-
حسن حميد في البحث عنها
-
منهجية ماكس فيبر القويمة
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|