|
العراق الجديد ما بين التمثيل بالجثث و أختطاف الرهائن
مصطفى القرة داغي
الحوار المتمدن-العدد: 807 - 2004 / 4 / 17 - 12:47
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
هناك ثقافتان لا أخلاقيتان و بعيدتان كل البعد عن أبسط الأعراف و القيم الأنسانية تحولتا في الأيام الأخيرة الى أسلوب للممارسة في العراق الجديد .. العراق الذي أصبح نتيجة لممارسات سلطة الأحتلال الخاطئة مسرحاً مفتوحاً لكل من هب و دب من عملاء أجهزة مخابرات بعض دول الجوار العربي و الأقليمي و الكثير من أعضاء تنظيمات الأرهاب الدولي و غيرهم من الأضداد التي ألتقت و تقاطعت مصالحها بعد 9 نيسان لمحاربة أمريكا على أرض العراق و بدماء أهل العراق .. هاتان الثقافتان اللتان ذكرت هما ثقافتا التمثيل بالجثث و أختطاف الرهائن فخلال الشهر المنصرم تفتحت قريحة بعض من يسمون أنفسهم بالمقاومة العراقية عن أسلوبين جديدين أضيفا الى مجموعة الأساليب الغريبة للمقاومة التي تمارس في العراق و التي بدأت بأغتيال رموز العراق من القادة الوطنيين و تفجير السيارات المفخخة في أماكن تجمع المواطنين الأبرياء و قرب مراكز الشرطة و عند مقرات المنظمات الأنسانية العاملة في العراق كالصليب الأحمر و الأمم المتحدة و قد بلغ عدد قتلى هذه المقاومة من العراقيين لحد الآن أضعاف قتلاها من جنود الأحتلال الذي تدعي مقاومته . أن حق مقاومة الأحتلال هو حق مشروع لكل بلد محتل و هذا ما لا نقاش فيه و أن تنوعت أساليب المقاومة فمنها ما هو عسكري و منها ما هو سياسي و في حالة المقاومة العسكرية لا بد من وجود ضحايا و قتلى من الجانبين و لكن أن يتم التمثيل بقتلى جنود الأحتلال بالطريقة التي تم عرضها على شاشات التلفزيون أي أن تحرق جثثهم و من ثم تسحل و تعلق على الجسور و الأعمدة الكهربائية فهذا ما لا تقبله كل الأديان السماوية وما يرفضه العقل و الضمير الأنساني مهما كانت عقيدته خصوصاً أذا تذكرنا بأن هؤلاء الجنود كان لهم الفضل في تخليص شعب بأكمله من أعتى طغات التأريخ .. لذا فأن من يقوم بمثل هذه الأعمال أما أن يكون معتوهاً أو هو بلا دين و لا ذمة و لا ضمير لأن الرسول الكريم محمد (ص) قال " المثلة حرام و لو بالكلب العقور" لذا فأن الأسلام بريء ممن قاموا بمثل هذه الأعمال ممن لم يلامس الأسلام قلوبهم تدفعهم الى ذلك ثقافة أعراب الجاهلية التي ذمها الله في كتابه العزيز و التي ما زالت متأصلة في نفوس الكثيرين . أن ثقافة التمثيل بالجثث هي و مع كل أسف ثقافة متأصلة في التركيبة الثقافية للعقل الجمعي العراقي و الذي يمتاز بتأريخ مخجل في هذا المجال .. فأولى الجثث التي تم التمثيل بها على أرض العراق و أن كان الذين قاموا بهذا العمل هم من غير العراقيين بل و كما ذكرنا سابقاً من الأعراب هي جثة سيد الشهداء و سيد شباب أهل الجنة و سبط أفضل الخلق محمد (ص) الأمام الحسين بن علي و أهل بيته الكرام (ع) .. و بعد ألف و أربعمئة سنة من تلك الجريمة النكراء و بالتحديد في 14 تموز 1958 قام مجموعة من الغوغاء بقتل أفراد العائلة المالكة في العراق تلك العائلة التي كان لأجدادها الفضل في ولادة العراق الحديث بحدوده و كيانه الحالي و تم بعد عملية القتل الغير مبرر هذه التمثيل بجثث بعض أفراد هذه العائلة عبر سحلها في الشوارع و تقطيع أوصالها و تعليقها على أعمدة الكهرباء و الجسور و تركها تداس تحت عجلات السيارات حتى أصبحت أشلائاً متناثرة " مع العلم و ملاحظة أن نَسَب هذه العائلة يعود الى الرسول محمد (ص) الذي يدعي القتلة أنهم من أتباع دينه " .. بعد ذلك بسنوات معدودة تم التمثيل بجثة الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم على شاشات التلفزيون من قبل أحد الجنود .. و قبل ايام فقط حدث ما حدث في مدينة الفلوجة من تمثيل بجثث أربعة من الجنود الأمريكان و بدلاً من أدانة مثل هذا العمل نرى خروج بعض من كانوا بالأمس من وعاظ الطاغية ليبرروا أن ماحدث هو رد فعل لما تقوم به قوات الأحتلال متناسين أن ما تقوم به هذه القوات هو قطرة من بحر ما كان يقوم أزلام النظام المقبور ضد ابناء جلدتهم و لم يدعوا أحد حينها لقتلهم و لا التمثيل بجثثهم بعد سقوط النظام بل دعى الجميع الى تركهم للقضاء لينظر في أمرهم و ينالوا من خلاله جزائهم العادل على ما أقترفت أياديهم تجاه أبناء شعبهم . و أذ يقول قائل بأن ثقافة التمثيل بالجثث هي ثقافة موجودة لدى العوام في الكثير من دول العالم أن لم يكن أغلبها فأنها في العراق و حتى الأمس القريب موجودة حتى لدى بعض النخب من السياسيين و المثقفين و لدى أعضاء بعض الأحزاب العراقية العريقة و لنا في ما حدث صبيحة 14 تموز 1958 و ما تلاها من أحداث في الموصل و كركوك عام 1959 و من ثم أحداث 1963 و في صور قادة بعض الأحزاب و هم يتقدمون المظاهرات التي كانت تصيح ( أقتل .. أقتل .. أسحل .. أسحل ) و في قصائد بعض كبار شعراء العراق التي تدعوا الى التمثيل بالجثث خير مثال على ذلك . أما الثقافة الأخرى التي بدأت بالأنتشار في الأيام الأخيرة بين صفوف أعضاء المقاومة كأنتشار النار في الهشيم فهي ثقافة أختطاف الرهائن الذين وصل عددهم الى 40 رهينة حتى الآن كما تقول الأحصائات الأخيرة و هذا الأسلوب الرخيص في التعامل مع العدو عبر أختطاف المدنيين من رعاياه و قتلهم حتى يستجيب لمطالب المُختطِفين هو أسلوب غريب لم نألفه في الثقافة العراقية .. فثقافة أختطاف الرهائن هي ثقافة وافدة الى العراق حيث لم يعمد أي حزب أو تنظيم من الأحزاب و التنظيمات السياسية العراقية و على مدى تأريخها النضالي الطويل الى أستخدام مثل هذا الأسلوب حتى ضد ألد أعدائها و كان نضالها على مدى هذه السنين الطوال نضالاً سياسياً في الدرجة الأولة و عسكرياً مباشراً في بعض الأحيان .. أما أسلوب خطف الرهائن من الرعايا الأجانب أو خطف الطائرات و غير ذلك فهو أسلوب أبتكرته و أنتهجته أسلوباً للعمل بعض الحركات اليسارية العالمية المتطرفة و بعض حركات الأسلام السياسي التي دفعت و بأعتراف مسؤوليها بالعشرات أن لم نقل بالمئات من أعضائها و مريديها الى داخل العراق لقتال الأمريكان .. و حتى في حال أن من يقوم اليوم بهذه الأعمال هم من العراقيين فأن الفكرة هي بالأساس من بنات أفكار أعضاء هذه التنظيمات الذين دخلوا الى العراق أثناء و بعد سقوط النظام و جندوا بعض المخدوعين من أبنائه بشعارت واهية للقيام بمثل هذه الأعمال المشينة التي لن تجلب للعراق بلداً و شعباً غير الخزي و العار و ما العراقيين الذين معهم و الذين يظهرون اليوم على شاشات التلفاز سوى أدوات للتنفيذ بحكم معرفتهم و خبرتهم بالبلد . المشكلة هي أن هذه الممارسات بدأت تطال رعايا جميع الدول الأجنبية سواء تلك التي شاركت في التحالف الدولي لأسقاط نظام صدام أو تلك التي لم تشارك مما يوضح ضبابية الرؤية لدى من يقومون بها و يلقي بمجموعة من الأسئلة حول المغزى و الهدف من وراء مثل هذه الأعمال .. ففي حال أستمرار هذه الموجة من عمليات الخطف العشوائي لكل أجنبي يعمل في العراق فأن الكثير من الدول و الشركات ستقوم بمراجعة حساباتها حول فكرة المشاركة في أعادة أعمار العراق و بالتالي قد تدعوا رعاياها في العراق الى الخروج منه و تمنع الآخرين من التوجه اليه .. و السؤال الآن هو .. في حال خروج جميع رعايا الدول الأجنبية و شركاتها التي تساهم اليوم في بناء العراق و أعادة ترميم بناه التحتية من العراق فمن الذي سيقوم ببنائه ؟ و كيف ستتم أعادة أعماره ؟ و على يد من ؟ أن الجواب و ببساطة هو أن ما يحدث مقصود و الهدف منه تحقيق جملة من الأهداف أولها زعزعة التحالف الذي قادته أمريكا في حربها ضد نظام صدام عبر أحراج بعض قادة دول هذا التحالف أمام شعوبهم و بالتالي أنسحابهم منه كما يحدث الآن مع أيطاليا و اليابان اللواتي لا تزالان صامدتان حتى ساعة كتابة هذه المقالة و ثانيها دفع الدول التي أنظمّت الى مسيرة بناء العراق و حملة أعادة أعماره لكنها لم تشارك في التحالف الى سحب رعاياها و شركاتها من العراق وهو ما بدأنا نلمسه اليوم في دعوات دول كفرنسا و روسيا مثلاً لرعاياها و شركاتها الى الخروج من العراق .. و نفس الشيء ينطبق على المنظمات الأنسانية العاملة في العراق و على رأسها الأمم المتحدة التي قد تبدأ في ترك العراق تباعاً أذا طالت مثل هذه الأعمال بعض أعضائها و العاملين فيها و بالتالي سيترك العراق و شعبه الى مصيرهم المظلم و المجهول الذي يريد هؤلاء أيصالهم اليه و الذي توعد به صدام قبل عشرات السنين . لذا علينا و على كل عراقي حريص على مستقبل وطنه المهدد في هذه الأيام العمل على نقد و تعرية و بيان سوء مثل هذه الظواهر و فضحها و فضح القائمين بها و من يقفون ورائها و محاولة معالجة الأسباب التي تدفع بالبعض الى مثل هذه الممارسات التي شوهت صورة العراق صاحب أولى الحضارات الأنسانية أمام أنظار العالم فبدون القضاء على مثل هذه الظواهر و الممارسات و ألغائها من المجتمع العراقي لا يمكن بناء العراق الجديد المعافى الذي يتطلب بنائه مجتمعاً مدنياً مسالماً خالياً من العقد و الأمراض النفسية التي تفعل فعلها اليوم لدى الكثير من الكتبة الذين يطبلون اليوم و يروجون و بكل وقاحة لمثل هذه الممارسات بلا خجل و لاحياء .. و للحديث بقية . مصطفى القرة داغي [email protected]
#مصطفى_القرة_داغي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق الجديد .. و مفترق الطرق
-
أحتكار حق المواطنة .. و تكرار المأساة
-
العراق الجديد بين الثرى و الثريا
-
أزنار .. بالاثيو .. لا نقول وداعاً بل الى اللقاء
-
الفضائيات .. و صفقات التسويق المفضوحة
-
أمريكا .. ما بين مسمار جحا و قميص عثمان
-
عراقية الأكراد .. عريقة عراقة دجلة و الفرات
-
الأرهاب ملّة واحدة .. صدام و بن لادن
-
المتقاعدون .. لماذا لم ينصفهم العراق الجديد ؟
-
مجلس الحكم و سياسة المحاصصة و التوافق
-
لسنا فقط أمة قاصرة .. بل أننا القصور بعينه
-
مرتزقة و مزورون
-
نعم للفدرالية .. من أجل عراق مستقر و آمن
-
العرق الجديد .. و خطوة الى الوراء
-
وزير الدفاع الأمريكي وأسير حربه !
-
لماذا ما هو حلال لكم حرام علينا ؟
-
و أَ سكَتوا صوت الحق
-
العراق الجديد و هيستيريا القومجيون العرب
-
العراق الجديد و بعض الأصوات النشاز
-
رياح التغيير و الأنظمة العربية
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|