|
ما هي الأسطورة؟
عبدالباسط سيدا
الحوار المتمدن-العدد: 2635 - 2009 / 5 / 3 - 09:18
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
دراســة فـي المصطلــح ( 1 – 2 ) أولا - حول المصطلح: تنبثق أهمية مسألة ضبط المصطلح من ضرورتها، وربما كانت هذه الضرورة تفرض ذاتها بصيغة أكثر حدة في العلوم الاجتماعية، مقارنة بما تبدو عليه في ميدان العلوم الطبيعية؛ وهذا ما يفسر إلى حدٍ ما ظاهرة الإلحاف والاختلاف في الوقت عينه التي تخيّم على جهود الباحثين في ميدان العلوم الاجتماعية، ورغبتهم - وإن من مواقع مختلفة أو بمستويات متفاوتة- في الوصول إلى نوعٍ من الضبط، يقارن أحياناً بما تجري عليه الأمور في ميدان العلوم الطبيعية؛ أو ربما بتعبير أوضح، تتخذ من مصطلحات العلوم نموذجاً يحتذى به. وفي حالات أخرى، قد نجد من يشدد على التفاصل القطعي بين الميدانين الطبيعي والاجتماعي “الإنساني”، وبالتالي بين العلوم الطبيعية و”الدراسات الإنسانية”، إذ أن استخدام مصطلح العلم بالنسبة إلى هذه الأخيرة قد يصبح هو الآخر أمراً مشكوكاً فيه .
وما تنطلق منه مثل هذه الرؤية، هو أن المصطلحات هي التي تفرض ذاتها على الباحث في ميدان العلوم الطبيعية، بينما يتمتع زميله في ميدان “الدراسات الإنسانية” بكامل حريته في اختيار ما يروق له من مصطلحات، شرط أن يحافظ على تماسكها، أو بصيغة أخرى، أن يمنحها المعنى ذاته الذي حدده لها منذ البداية، وذلك عبر استخداماته المتكررة لها ضمن نطاق البحث الواحد. إن التدقيق في مسألة المصطلح، يبين لنا أن كل مصطلح يخضع في الواقع لأنواعٍ ثلاثة من الارتباطات البنيوية التي تتحدد من خلالها وظيفته، في حين أن هذه الوظيفة ذاتها تؤثر هي الأخرى في طبيعة تلك الارتباطات، وتسهم في عملية تحديد مفاصلها الأساسية. والارتباطات المعنية هنا هي على التوالي: الارتباطات اللغوية والمعرفية والإيديولوجية. فعلى الصعيد اللغوي، تخضع عملية ضبط المصطلح لجملة شروط لغوية منها شروط تخص قواعد اللغة، ومنها ما تخص المعنى، إلى جانب شروط أخرى ذات علاقة مباشرة بالنسق اللغوي العام، وطبيعة السياق الذي تجري فيه عملية الاستخدام. أما على الصعيد المعرفي، فمن الضروري على ما يبدو أن يأتي المصطلح منسجماً مع بقية المصطلحات المعتمدة في المجال الذي يستخدم فيه؛ وحتى إذا ما دعت الضرورة إلى إعادة النظر في تلك المصطلحات ذاتها، فمن الأهمية بمكان هنا أن تجري العملية في سياق يمكّن الباحث من الإحاطة المعرفية بموضوع بحثه، والتعمق فيه أفقيا ورأسياً بصورة أفضل. ومن الواضح أن مثل هذا العمل لا يتسم بالصفة الفردية لأنه اجتماعي من حيث الأساس، والدور الفردي هنا يقتصر على ما يمكن أن يساهم به الفرد في إغناء الجهود الجماعية؛ كما تتوقف آفاق تلك المساهمة على مدى جديتها وأصالتها. من جهة أخرى، تستلزم خصوصية الموضوع الذي تجري دراسته نمطاً من المصطلحات، واستخداماً محدداً لها؛ غير أن هذا لا يمنع من اشتراك حقول معرفية عدة في استخدام مصطلحات بعينهما، تتشابه من ناحية المعنى، إلا أن السياق الذي تجري فيه عملية الاستخدام تلك يختلف بين ميدان وآخر. أما فيما يتعلق بالجانب الإيديولوجي في مسألة الضبط الاصطلاحي، فهو يتجلى عبر منحيين: الأول يتمثل في إخضاع المصطلح ذاته لعملية توظيف إيديولوجية، قد تؤدي إلى تشويهه أو إرهاقه بما لا يحتمله من مضامين أصلاً؛ كما انها قد تمثل حافزاً يمكّن من الوصول إلى درجة من الضبط، وذلك تبعاً لموقع هذه القوة الاجتماعية المؤثرة أو تلك من حركة التأريخ. أما المنحى الثاني، فيقوم على تحديد المصطلح شكلاً ومضموناً انطلاقاً من خصوصية الموقع الاجتماعي وآفاقه، وهذا ما يتجلى بصورة لافتة للنظر في العلوم الاجتماعية. وهكذا، نلاحظ أن الباحث عموماً، سواء في حقل العلوم الطبيعية أو العلوم الاجتماعية، لا يكون إزاء اختيار حر، يمكّنه من انتقاء المصطلح الذي يميل إليه أو يرغب فيه، وإنما يخضع لعملية قوامها تفاعل الارتباطات المشار إليها بعضها مع بعضها الآخر. أما بالنسبة إلى مسألة التمايز بين العلوم الطبيعية والعلوم الاجتماعية التي يجعلها بعضهم مثارخلاف، فيبدو أن التمايز القائم بهذه الصورة أو تلك، مصدره الرئيس يتمثل في تميز الموضوع الذي تتناوله هذه العلوم عن الذي تتناوله تلك؛ إلا أنه من الملاحظ أن التمايز يبقى ضمن الحدود النسبية، كما أن الوشائج والتأثيرات المتبادلة بين ما هو طبيعي، وما هو اجتماعي، لا تتيح للمرء أن يذهب بفكره في قضية التمايز بين الحقلين إلى مدى بعيد؛ كما لا تسمح له بوضع الأسس لعملية فصل قطعي بينهما. كل ما هنالك هو أننا هنا أمام درجة من الاستقلال النسبي يتمتع به كل منهما تجاه الآخر، ولكن هذا الاستقلال لا يستطيع أن يعيق عملية التواصل المستمرة بينهما، هذه العملية التي تعمقها تباعاً الاكتشافات الجديدة في ميدان العلوم الطبيعة من جهة، والحاجات الإنسانية المتنامية من جهة أخرى. إلى جانب ذلك كله، يلاحظ هنا أهمية الإشارة إلى موضوعة اختلاف مناهج العلوم الاجتماعية، نظراً لتأثرها المباشر أو غير المباشر بنوعية العلاقات بين القوى الاجتماعية المختلفة، وطبيعة التفاعلات الحاصلة فيما بينها؛ هذا بالإضافة إلى دورها الفاعل على صعيد المسألة الاصطلاحية؛ فالمنهج عادة يحدد الإطار العام للجهود المبذولة من أجل ضبط المصطلح، كما انه يهيئ الأدوات التي تمكّن تلك الجهود من تحقيق ما ترمي إليه؛ لكنه من الواضح هنا أن المنهج ذاته لا يكون بمنأى عن مختلف التأثيرات السلبية منها والايجابية، الناجمة عن مقدار التوفيق في ضبط استخدام هذا المصطلح أو ذاك؛ ولهذا فإننا لا نستطيع إجراء أي فصل بين مسألتي المنهج والمصطلح، وأي شيء من هذا القبيل لن يؤدي إلا إلى اضطراب منهجي- معرفي، لا يمكن للعبارات اللغوية المنمقة أن تتستّر عليه، أو أن تقوّم شيئاً من اعوجاجه. ثانياً- حول الأسطورة: “ما هي الأسطورة؟ “إنني اعرف جيداً ما هي بشرط ألاّ يسألني أحد عنها، ولكن إذا ما سئلت، وأردت الجواب، فسوف يعتريني التلكوء” هذا ما كتبه سنت أوغسطين عن الأسطورة في اعترافاته (11-14) . أما أرنست كاسيرر فيقول: “ما الذي تعنيه الأسطورة؟ وما هي مهمتها في حياة الإنسان الحضارية؟ بمجرد إثارتنا هذا السؤال، فإننا سنستغرق في معركة حامية تدور بين نظريتين متعارضتين” ، الأولى توجهاتها تأريخية والثانية نفسية؛ ويبيّن كاسيرر أن “نقص المادة التجريبية ليس أكثر العوامل إثارة للحيرة في هذه المسألة وإنما هو وفرتها” . إن ما يستنتج من هذين الرأيين هو صعوبة التوصل إلى تعريف محدد لمصطلح الأسطورة، وذلك بفعل تعددية وجهات النظر في هذا المجال؛ ويبدو أن الآراء التي تبحث في هذا الموضوع أكثر تعقيداً وتنوعاً من أن تحصر في نطاق نظريتين متعارضتين كما ذهب إلى ذلك كاسيرر. فهنالك نظريات عديدة يحاول أصحابها تحديد الإطار العام لمصطلح الأسطورة استناداً إلى نظرتهم العامة للأمور. وقد أشار صموئيل نوح كريمر إلى هذه المسألة، حينما وجد أن دارسي الأساطير يختلفون اختلافاً جذرياً في نظرتهم لطبيعة الأساطير؛ فمنهم من ينظر إليها و”كأنها روايات خرافية وهمية ذات منزلة فكرية روحية ضئيلة”، ومنهم من يعتبرها “واحدة من أعمق منجزات الروح الإنسانية، وهو الخلق الملهم لعقول شاعرية خيالية موهوبة، سليمة لم يفسدها تيار الفحص العلمي ولا العقلية التحليلية”، بينما أكدت بعض المدارس التي بحثت في هذا المجال أن “الأسطورة لم تزد على أن تكون - كما لو كانت- “مناسك منطوقة”؛ وهناك من مؤرخي الديانات من يزعم أن الأساطير القديمة إنما كانت أسساً عليّة من حيث الطابع، أي روايات خرافية تطورت من أجل تفسير طبيعة الكون ومصير الإنسان، وأصول العادات والعقائد والأعمال الجارية في أيامهم، وكذلك أسماء الأماكن المقدسة والأفراد البارزين”. بينما هناك من يرى من علماء النفس “في الأساطير القديمة ذخائر من دوافع ذات طابع أولي بدائي، تكشف وتنير العقل الباطن الجماعي للإنسان”؛ في حين أن قسماً من فقهاء اللغة، اقتنع بأن الأسطورة هي نتيجة مرض في اللغة”، أو أنها نتاج لمحاولات الإنسان العقيمة السخيفة الضالّة للتعبير عما لا يمكن التعبير عنه” . إن ملاحقة كل الآراء حول الأسطورة قد تخيب أملنا في الوصول إلى نوعٍ من التعريف للأسطورة، يمكن تسميته “التعريف الجاهز”، والمقصود به الجمع بين عناصر مختلف التعريفات المقترحة، ودمجها في إطار تعريف عام للمصطلح المعني؛ لأن أي عمل من هذا القبيل سيضعنا وجهاً لوجه أمام موقف انتقائي، لا يستطيع الغوص في الأعماق بغية اكتشاف الركائز الأساسية، وإنما سيكون كل همه الاقتصار على تحقيق نوعٍ من التوازن السطحي الذي يكون في مقدوره تقديم الحد الأدنى مما هو مطلوب منه، لكنه رغم هذا وذاك، نرى أن عملية الإلمام بمختلف الآراء ضرورية، والإطلاع على سائر جوانبها وتشعباتها أمر لابد منه، إلا أن كل ذلك يمثل مقدمة أولى على طريق الضبط الاصطلاحي. أما الخطوة الأخرى التي يبدو أنها لا تقل أهمية عن الأولى، فهي تتمثل في البحث عن الأسباب الكامنة وراء الاختلاف اللافت للنظر الذي يضفي صعوبة خاصة على عملية ضبط المصطلح معرفياً، ومثل هذا العمل قد تتوضح ملامحه من خلال الإجابة على الأسئلة التالية: آ- إلى أي حدٍ يمكن التحدث عن ضرورة الأسطورة بالنسبة إلى المجتمعات القديمة؟ ب- ما هي أوجه الشبه والخلاف بين الأسطورة والخرافة، والحكاية الشعبية، والأنساق الذهنية الأخرى التي تعامل أحياناً معاملة الأسطورة؟ ج- ما مدى إمكانية اعتماد تعريف محدد للأسطورة؟ آ- المجتمعات القديمة والأسطورة: يبدو أنه يوجد اتفاق عام بين سائر الباحثين في ميدان دراسة المجتمعات القديمة حول ضرورة الأسطورة، ودورها الحيوي في تلك المجتمعات؛ فهي قد مثّلت بالنسبة لها لحظة ذهنية إبداعية، عبّرت بشكل مكثف ومختلط عن علاقة الإنسان مع محيطة الخارجي. ولما كان الإنسان في ذلك الحين يعتمد على الجماعة كلياً، يعيش من خلالها وبفضلها، لأنها كانت تهيئ له شروط إعادة تجديد قواه، فلم يكن في مقدوره - الإنسان الفرد- ممارسة أي نوعٍ من الاستقلال الذهني الفردي؛ وإنما كان يساهم مع بقية أفراد الجماعة في صياغة تصورات عامة، جسدت نظرة هذه الأخيرة إلى الكون وظواهره؛ كما عبرت عن مدى فهمها لطبيعة ما يجري من حولها. هنا نلاحظ خطورة الدور الذي أدته الأسطورة في حياة الجماعات القديمة، وخاصة على صعيد التكيّف مع المحيط الخارجي، هذا التكيف الذي كان يعتبر ضرورة قصوى لم يكن له أن يتم لولا ممارسة الإنسان نوعاً من النشاط الذهني الذي يهيئ له الأدوات الممكنة - بغض النظر عن مدى واقعيتها- التي يركن إليها، ويمارس بالاعتماد عليها نشاطاً يستطيع بفعله التعامل مع ما يجري من حوله. ولكن ما يلاحظ في هذا الميدان هو عدم وجود اتفاق بين الباحثين حول هذه النقطة؛ فمرسيا الياد يرى على سبيل المثال أن الأسطورة تمثل صيغة لفظية لطقس عابر، مارسه الإنسان في المجتمعات القديمة، اعتقاداً منه “أن الحياة لا يمكن إصلاحها بل يمكن خلقها من جديد بالعودة إلى الأصول” ؛ كما انه يؤكد أن الأسطورة “تصور لنا مختلف تفجّرات القدسي في العالم، وهي تفجّرات ذات طابع درامي في بعض الأحيان” . ومن أجل هذا، فقد وجد الياد أن الأساطير لم تكن تُروى في المجتمعات القديمة إلا في إطار زمان ومكان مقدسين، باعتبار أن الأسطورة ذاتها تمثل لحظة من لحظات تجلي المقدس في الدنيوي أو العادي. وحول علاقة الأسطورة بالطقس، بيّن مالينوفسكي “أن الأساطير التي لا ترتبط بالطقوس حكايات خرافية ترويها العجائز” ؛ وقد أشار شتراوس من ناحيته إلى هذه العلاقة قائلاً: “الواقع أن الأساطير والطقوس يمكن معالجتها على أنها صيغ من التواصل، الآلهة مع الناس (أساطير) والناس مع الآلهة (طقوس) . أما غار ودي، فقد وجد في الطقس “تقنية أولى، بدائية”، كما اعتبر الأسطورة علماً أول” ، لأنها في اعتقاده - مثل العلم- ترمي إلى اكتشاف العالم الخفي للعلل التي تتحكم بعاملنا المحسوس”. وفي سياق الحديث عن علاقة الأسطورة بالطقس، نشير هنا إلى أن هذا الأخير غالباً ما يؤخذ بمعناه الديني، في حين أن الأسطورة تعامل بوصفها تؤدي وظيفة دينية. إلا أننا نستنتج من دراسة المعطيات التي تخص المجتمعات القديمة، أن الوعي الديني الذي يدخل في إطار التدين، لم يكن متبلوراً منذ بدايات التأريخ، إلا إذا نظرنا إلى أي ميل للتعاون مع ما هو مجهول - من دون أخذ مسألة القداسة والهيمنة بعين الاعتبار- نوعاً من التدين، وحينئذٍ سنضطر إلى اعتبار العلم نفسه صيغة من صيغ التدين، وكذلك السحر، مع أن الوقائع تبين أن دائرة الدين غير متداخلة مع دائرة العلم؛ وهنا يمكننا القول: إن الطقس والأسطورة ربما كانا يستمدان نسغهما من مصدر ثالث، نرى أنه يتجسد في النشاط والعمل الإنساني عموماً، فالإنسان في تعامله مع الطبيعة اضطر إلى بذل جهود معينة، عبّرت عنها حركات مختلفة؛ وهذه الجهود لم تكن تبذل دائماً بقصد إحداث نوعٍ من التغيير الفاعل في ملامح الطبيعة، بقدر ما كانت تستهدف المحافظة على “علاقة طيبة” مع الطبيعة، من موقع الأقل قوة. وفي السياق ذاته، كان الإنسان يحتاج إلى نوعٍ من الإحاطة الذهنية بالموضوع الذي كان يتعامل معه، فبرزت الأسطورة التي عبرت في مراحلها الأولى عن احتياجات الإنسان المادية، ومخاوفه؛ وجسدت في الوقت عينه عمق صلاته مع أقرانه في إطار الجماعة الإنسانية. انسجاما مع ما تقدم، نميل إلى القول: إن الأسطورة في بداياتها لم تكن مقدسة، على الرغم من أنها كانت تؤدي وظيفة ضرورية، كما أن الحركات التي كان الإنسان القديم يؤديها، لم تكن قد تحولت بعد إلى طقوس اكتسبت صفة دينية على مر العصور. ب- أوجه الشبه والخلاف بين الأسطورة والأنساق الذهنية الأخرى التي قد تعامل أحياناً معاملتها. -1 الأسطورة والخرافة: يظهر الخلط الذي نواجهه بين الأسطورة والخرافة في العديد من الكتابات في صيغتين: الأولى قوامها معاملة الأساطير على أنها مجرد “خرافات” لا أساس لها من الصحة. أما الثانية، فهي التي تبين كيف أن بعض الباحثين ينظر إلى الخرافة وكأنها البقية الباقية من الأسطورة، أو بوصفها أسطورة في طريقها إلى الانحدار، وهذا ما أخذت به المدرسة الأسطورية في مجال دراسة الخرافة بزعامة “يعقوب جرم”، فقد اعتبرت هذه المدرسة الحكاية الخرافية مجرد “بقايا معتقدات أسطورية قديمة” . ولعل هذا الخلط يشير من جهة إلى نقاط التشابه الكثيرة بين كل من الخرافة والأسطورة، كما انه من جهة أخرى يستلزم ضرورة بذل محاولة لتحديد الملامح العامة للخرافة بغية الوقوف على أوجه التمايز بينها وبين الأسطورة. فالخرافة بشكل عام هي محاولة لإحداث نوعٍ من التوازن في حياة الإنسان، ترمي إلى تفسير الظواهر التي تقلقه، ويقف إزاءها موقف المشدوه ؛ وهي تعتمد أحياناً في تفسيراتها على إدخال بعض العناصر الإلهية في سير أحداثها أسوة بالأسطورة، إلا أن هذا يتم في إطار وظيفتها التفسيرية المحدودة التي تقتصر غالباً على حدثٍ معين، أو ظاهرة محددة ؛ ومن هنا سر التصاقها ببيئتها المحلية،فهي ترتبط “بمكان محدد تتولد فيه، أثناء زمن غير محدد” . وهذا ما يفسر ظاهرة اختفاء الخرافة بمجرد اختفاء الظواهر التي ولدتها، أو بعد التوصل إلى تفسير علمي مقبول بشأنها. أما الأسطورة، فهي تتسم بتناولها الشمولي للظواهر الكونية، وارتباطها الوثيق بعالم الآلهة المتعددة التي تجسد القوى الطبيعية المختلفة، ومخاطبتها لأعمق المشاعر الإنسانية، إلى جانب إثارتها أسئلة كبرى تبحث في الموت والخلود والمعرفة والقيم وتشكّل الكون؛ وهذا ما يفسر انتشارها وديمومة تقديرها حتى في عصرنا هذا رغم نزعته العلمية الواضحة. أما العالم الأساسي الذي تدور فيه أحداث الأسطورة فهو العالم المختلط، حيث تتشابك أنشطة القوى الكونية الكبرى التي تتجلى من خلال الآلهة بوصفها رموز كونية؛ أما الإنسان فينظر إليه في هذا العالم على أنه أداة أعدتها الآلهة من أجل خدمتها، وتحرير نفسها من مهمات تافهة. وبهذا يكون مجال الأسطورة أوسع من مجال الخرافة، كما أن رؤيتها للأحداث مختلفة، وطريقة معالجتها للأمور أعمق وأشمل، وإثارتها للهموم الإنسانية الكبرى لا تقاس بما تفعله الخرافة.
#عبدالباسط_سيدا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرية للكاتب فاروق حاج مصطفى وسائر سجناء الضمير في سورية
-
جائزة أوصمان صبري ومعاناة الشعب الكردي في سورية
-
انتفاضة قامشلي المباركة في ذكراها الخامسة
-
كمال مظهر باحث أصيل متجدد 2/2
-
كمال مظهر باحث أصيل متجدد 1/2
-
غزة: تأملات في مرحلة ما بعد العدوان
-
تركيا بين التمزّق الداخلي والهاجس الإقليمي
-
الشرق الأوسط: معادلات الراهن واحتمالات المستقبل -3
-
الشرق الأوسط: معادلات الراهن واحتمالات المستقبل -2
-
1-الشرق الأوسط: معادلات الراهن واحتمالات المستقبل
-
محاكمة نظام صدام في أجواء صدمة الإعدام
-
اللهاث خلف السراب تكتيك سئمناه
-
جهود مستمرة في مواجهة مأساة مستمرة
-
حزب البعث: مؤتمر بائس وموقف حائر
-
كردستان العراق: ضرورة تجاوز العصبية الحزبية إلى المؤسساتية ا
...
-
حول خلفية وطبيعة موقف حزب البعث من المسالة الكردية
-
إلى الانتخابات أيها العراقيون من أجل ألاّ يتحكّم صدام آخر بر
...
-
الحضور الكردي القوي في الجمعية الوطنية القادمة ضمان لوحدة ال
...
-
المعارضة السورية وضرورة الاعتراف بالوقائع
-
تغييب الوعي وأسطرة المزيف في الاعلام العربي - أهمية الاعتراف
...
المزيد.....
-
ماذا يعني إصدار مذكرات توقيف من الجنائية الدولية بحق نتانياه
...
-
هولندا: سنعتقل نتنياهو وغالانت
-
مصدر: مرتزقة فرنسيون أطلقوا النار على المدنيين في مدينة سيلي
...
-
مكتب نتنياهو يعلق على مذكرتي اعتقاله وغالانت
-
متى يكون الصداع علامة على مشكلة صحية خطيرة؟
-
الأسباب الأكثر شيوعا لعقم الرجال
-
-القسام- تعلن الإجهاز على 15 جنديا إسرائيليا في بيت لاهيا من
...
-
كأس -بيلي جين كينغ- للتنس: سيدات إيطاليا يحرزن اللقب
-
شاهد.. متهم يحطم جدار غرفة التحقيق ويحاول الهرب من الشرطة
-
-أصبح من التاريخ-.. مغردون يتفاعلون مع مقتل مؤرخ إسرائيلي بج
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|