موسم عودة الذئاب لترقص على أنغام الكوليرا

حمزه الجناحي

الحوار المتمدن-العدد: 2633 - 2009 / 5 / 1 - 07:28
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    

كل شيء هادئ واليوم الذي بزغت شمسه لا يختلف عن الامس وقرية البوحمندي ذات البيوتات المتعبة كتعب اهلها تلك البيوت المتباعدة التي بنيت في عهد امبراطورية الموت الماضية ,,يخرج من تلك البيوت ناجح الجاسم شاب نحيل لا تعرف اهو يحمل مسحاته ام مسحاته تحمله ويتوجه الى اخر بقعة فيها شيء من الخضرة الباهتة بقايا مزرعة كانت بالامس واحة من واحات الفرات وخلفه ابنه الذي يجر خلفه خيط اسود ينتهي عند اخر خيط من خيوط الشمس التي بدأت ترسل بنيرانها الى تلك القرية ..
دس ناجح مسحاته ليداعب تربته المعطاء وهو يتذكر ان العام الفائت كانت ابنته حواسم وفي مثل هذا اليوم وعند هذه البقعة التي للتو ذبحها بمسحاته تجلس هنا وهي تنظر لأبوها وسنينها الخمس بدأن يذبلن دون ان تعلم ان ماكرعته من البركه القريبة هي اخر كرعة لتبدأ بعدها رحلة السفر نحو مغيب الشمس الى هاوية الخلود ,,,
ركض ابن ناجح نحو تلك البركة التي هي اخر من يفارقها الماء والجميع يشرب منها حتى كلاب قرية البو حمندي لتبدأ رحلة الابن نحو ذالك السفر المميت...
ايمنعه ام يدعه والله هو المالك للأرواح وابنا اخيه قد اصيبا بالامس بالاسهال الشبيه بما جرى لأبنته وهناك في اخر البيوت الطينية بكت امرأة لأن ابنتها تذكرت حواسم التي زارتها في المنام وتريد منها ان تلحقها لتلعبا لعبة جديدة غير اللعب التي تعرفها تلك البنت ....
رحل الماء عن قرية البو حمندي وخزان الماء الذي نصبته احدى المنظمات الانسانية في العام الفائت عام الغزو للقرية فارقته المياه ولم يملأ الى ثلاث مرات واقرب مصدر للماء النقي لقرية حواسم هي 2500متر والجميع يخشى من ان تعود الكوليرا لتعبث بعيون الامهات وتمطرها دمعا وبما ان تلك القرية مثلها مثل العشرات من القرى تقع على اذناب الانهر التي تفتقر الى الماء الجاري بسبب شحة المياه وقلة المنسوب يعني ان المجمعات التي بنيت لتحلية المياه تصبح مجرد الات صامته لا تنتج مياه ولا تعمل ...
تتكون قرية البو حمندي الواقعة في اقصى الجنوب من ناحية الطليعة التابعة لقضاء الهاشمية والذي يتبع لمحافظة بابل تتكون هذه القرية من خمسين دارا وتتميز هذه القرية انها اول القرى تبشيرا بقدوم الكوليرا وهي اول من يقدم القربان لهذا الذئب القادم قبل القرى الاخرى ,,,
وصل عدد المصابين بالاسهال لشهر اذار فقط 524 حالة
واليوم هو اليوم الاخير من شهر نيسان وصلت حالات الاسهال الى اكثر 923حالة اسهال ,,
والاسهال الطبيعي في هذه القرى يتبعه الاسهال المائي نتيجة عدم وجود الماء الصالح للشرب والحالات المعلنة لهذين الشهرين هن قياسا للشهرين نفسهما من العام الماضي هن حوالي الضعف أي ان الضيف القادم هذه المرة قد بكر في قدومه لتلك القرى النائية ...
قبل شهرين من الان كتبنا مقالة بعنوان(ايها السادة انتبهوا الكوليرا قادمة) وجهت لنا الكثير من الردود القاسية التي تنعتنا بالمخربين واننا غير متفائلين والكثير من الاستحضارات قد اتخذت لمواجهة مرض الكوليرا واحدهم يكتب عنا بأننا لا نختلف كثيرا عن المخربين والارهابين .
للاسف الشديد البعض ينظر للامر نظرة غير متمعنه وغير دقيقة ولكننا ننظر للامر من وجهته واسبابه التي بدأت الان تظهر على السطح وبسرعة واهم تلك الاسباب هي شحة المياه القاسية والتي وصلت الى ايقاف الكثير من المجمعات المبنية على فروع الانهر الكبيرة نتيجة عدم وصول الماء الى تلك المجمعات وبما ان الماء هو المسبب الرئيسي للمرض فهذا يعني اننا (لا نظرب بالتخت رمل ) بل نتوقع الاسوء نتيجة كل تلك الدلائل التي وجدت اليوم والتي لم تظهر في نفس الوقت من العام الماضي والجميع يعلم الذي حصل في قضاء الهاشمية وعدد الإصابات الذي ادت الى ازهاق ارواح الناس,,
نحن نتمنى ان يكون اولاءك الناس على حق وتوقعاتنا غير صحيحة نعم نتمنى ذالك لكن التمني وحده لا يقدم لتلك القرى أي منأى من خطر الكوليرا القادمة والتمني لايعيد حواسم الى ابيها نا جح الذي حملها على صدره وهي تلفظ اخر نفس من انفاسها نتيجة تلك الكارثة,,,
اذا لم تبدا ومن الان حملة مبرمجة ومدروسة بدقة واستنفار الاختصاصات والدوائر المعنية من الصحة والبلديات واذا تطلب الامر ان تستنفر الحكومة حتى الجيش ومنظمات المجتمع المدني او حتى تطلق نداء اغاثة للمنظمات العالمية لغوث ابناء تلك المناطق وتخليصهم من ذئاب الكوليرا التي بدأت تزحف نحو تلك القرى قبل شروق شمس البوحمندي وقبل ان يصيح الديك ليوقظ ابو حواسم من غفوته المتعلعلة لتبدأ رحلة الخلود ثانية وهو ينظر لخيط ابنه الطويل الذي يجره والذي يوصل تلك القرية بجوف الموت البعيد الذي يتربص بتلك الوجوه الغضة التي تقتلها شربة ماء ملوثة .
اذا لم تفعل الحكومة كل ذالك فان الخريطة الجغرافية والسكانية يجب اعادة النظر بها وربما ستبقى بيوت البو حمندي تحكي قصة قرية وموت خمسين بيت .

#حمزه_الجناحي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات