علي شكيرالطائي
الحوار المتمدن-العدد: 2630 - 2009 / 4 / 28 - 05:20
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
كثر الكلام ، وفي اكثر من مكان ومناسبة في الصحف وفي القنوات التلفازية ، فبين حين وحين يطل علينا في برنامج أو في ندوة ما أعدت مسبقاً اعداداً جيداً من حيث مقدم البرنامج او ضيف البرنامج لتحليل موضوع ( الانسحاب ) وماذا بعد الانسحاب !!
ويبدأ الضيف الكريم بالحديث ، واول ما يبدأ به هو المراهنة على الظلام .. وعلى الدخول في النفق المظلم .. وعلى الجلوس تحت تلك الغيمة السوداء .. وعلى العودة بنا الى نقطة الصفر حيث النهب والسلب ( الفرهود ) والقتل والتشريد على الهوية والهدم والتهجير وكأننا نعيش في غابة لا يسكنها الا الوحوش ، ولا يسود فيها الا قانون الغاب .. نعم مرت مرحلة صعبة علينا وعلى كل عراقي شريف ، ذقنا مرارتها جميعاً دون استثناء ، ولكن كلمة الحق يجب ان تقال ، فقد عاد الامان وعادت الحياة بكل معانيها ولكل اهلنا في الجنوب والشمال والشرق والغرب ، ومن ينكر هذا فإنه اعمى ، ويريد ان يبقى اعمى في الدنيا والاخرة . عادت الحياة بفضل الله العزيز القدير الذي أطفأ نار الفتنة ، واصبح الجميع يعيش في هذه الارض المباركة تحت خيمة القانون ، يؤدي طقوسه بحرية تامة واندفاع كبير ، فزادت الاحتفالات بالمناسبات الدينية والمناسبات الخاصة كالاعراس والعاب الكرة المنتشرة في كل مكان من مدننا ، اليس هذا استقراراً ايها السادة المحللون والباحثون في السياسة العراقية ؟ ولا يغيب عن بالنا ان الذين يتناولون موضوع الانسحاب وما بعد الانسحاب ينقسمون الى ثلاثة فرق ، كل فريق له رأيه الخاص يدافع عنه وبكل قوة ، وكما يلي :
الفريق الاول ، يعتمد في موقفه على ما يراه في هذا البلد بالوقت الحاضر حيث عودة كثير من العوائل المهجرة قسراً ، الى ديارها لتسكن في منطقتها القديمة بغض النظر عن مذهبها او دينها وكذلك تجانس وتفاعل اصحاب الكتل والاحزاب على اختلاف آرائهم وسياستهم ، يتحاورون ويتبادلون الاراء خدمة لصالح العراق .. فلا قتل او تهجير على الهوية ولا صولات وحشية بين منطقة واخرى فالكل يرى ان العراقيين قد تفهموا الوضع المر الذي مر به العراق ، ولعبة الاجنبي في زرع الفتن بين اهله وناسه كي يفرض السيطرة التامة عليه وفقاً لمبدأ ( فرّق تسد ) وهذا الفريق يفكر بالايجاب ويعطينا صورة مشرقة عن تجربتنا السابقة وتجربتنا الحالية التي تخطينا فيها كل المحن وكل الصعاب ، فهم يتفاءلون بالخير والتعايش السلمي بين ابناء البلد الواحد لا يفرقهم مذهب او طائفة او عِرق او دِين ، فالجميع عراقيون .. وما أجمله من شعار .
اما الفريق الثاني ، فيذهب الى ان قدرة قواتنا العسكرية والامنية قادرة وحاضرة لاحتواء أي طارىء يعكر أمن واستقرار بلدنا الجريح ، فهم يعملون ليل نهار لتطوير هذه القوات وجعلها مرتبطة بالدولة وحامية للقانون الذي يعيش تحت مظلته كل ابناء العراق بعيداً عن المصالح والطوائف والتحزب ، وهذا الفريق كالفريق الاول يفكر بالايجاب ولا يرغب ولا يسمح بالعودة الى الوراء حيث القتل والنهب والتسليب والتهجير بين ابناء الوطن الواحد فهو موجود في كل مكان وزمان ، وحاضر يضرب بيد من حديد كل من يحاول ان يعكر ويخرب تعايش ابناء العراق الوفي المخلص ، فلا فتنة ولا مخافة من انسحاب القوات الاجنبية من العراق ولا فراغ يحدث فاننا موجودون لأننا شرفاء لا تخيفنا ابواق الشياطين او المراهنات ، ونتمنى ان تخرج القوات الاجنبية من العراق اليوم وليس غداً . وما دمنا نعمل باخلاص وصدق فإن الله معنا بحكته ورحمته التي وسعت كل شيء لنشر السكينة والطمأنينة في كل بيت وفي كل قلب .
اما الفريق الثالث ، اعزائي القراء ، ان هذا الفريق هو الذي يتحدث وحده دون اعطاء غيره مجالاً او فرصة يدافع فيها عن رأيه او موقفه ، هذا الفريق يعتبر نفسه من اصحاب الخبرة والتحليل في تناوي أي حدث ، ويعطي لنفسه حرية التحدث من بداية الموضوع حتى نهايته ، فهو الفاهم وغيره جاهل ، وهو الوطني وغيره العميل . ان اصحاب هذا الفريق يتحدثون بلا احراج او دراية بما يدور او يجري في ارض العراق ويعتمدون على ما يزودون من اخبار كاذبة عن ما يحصل هنا وهناك من تفجير او قتل فردي ، وهذا ليس في العراق وحده فقد حصل في مصر وفي اليمن وفي الجزائر وفي لبنان وفي سوريا ، فلماذا هذا السكوت ؟ اليس نحن من استطاع ان ينهي كل الخلافات السياسية والطائفية ، ونعيش متآخين ومتحابين فيما بيننا ألم يعود المهجرون من خارج العراق الى وطنهم وأنتم تشاهدون ولم تكلفوا انفسكم نشر الخبر او تحليل الصور الايجابية التي يعيشها ابناء العراق . انكم والله تتصيدون في الماء العكر وتريدون بل وتتمنون ان لا تنسحب القوات الاجنبية من العراق ، وهذا ما يجعلكم تعقدون الاجتماعات وتحللون الاخبار وحدكم لكي تضعوا الحلول السوداء ، وتعقدون الندوات تلو الندوات لتقولوا شر القول عساكم تخيفون ابناء العراق من المرحلة القادمة ( بعد سحب القوات ) وماذا سيحل بالعراق الصامد وبأهله الابرياء الاوفياء الصابرين .
اعزائي يا من لا يرون كيف تخرج الناس في اعيادهم المختلفة الى الحدائق الزاهية الالوان يجلسون ويلعب اطفاله ويأكلون الاكلات البغدادية مجتمعين ( كالدولمة والبرياني ) وهم فرحون مستبشرون بمستقبل بلدهم بلا حروب او قوات اجنبية ، يتفاءلون بالخير والسعادة ، فتأتون انتم لتجلسوا في برنامج او ندوة وتعطون التحليل والخبر المشؤوم الذي سيحل بنا بعد الانسحاب ، ولا ندري لماذا هذا التشاؤم من المستقبل ؟ ولا ندري الى أي هدف يهدف هذا التخوف من مرحلة ما بعد الانسحاب ؟ فإن كنتم تريدون بقاء القوات فقولوها بصراحة وانتم اصحاب الرأي والتحليل !!
وأخيراً ارجو المعذرة أن قسوت ببعض كلماتي على من يريد بنا ان نغمض أعيننا عن ما يجري من بناء وتحول في كثير من المجالات ، نعم يختلفون هنا وهناك ويتحاورون وبعدها يخرجون بقرار صائب يرضي الجميع ، فعليكم يا سادتي ان تنتبهوا لكلامكم الذي تطلقوه علينا من خلال القنوات التلفازية كالعيارات النارية لنبقى خائفين مترددين في اعمالنا ومشاريعنا ومستقبلنا .
فكونوا معنا لنتوجه الى الله ان ينصرنا على عدونا ونصافي قلوبنا ونبني عراقنا ليعود الى حجمه الطبيعي دون أي تقسيم ودون أي وصايا من احد عليه ، يحكمه اهله بالقانون والعدل ولنمد ايدينا ونتعانق بما يخدم ويطور وطننا وبما يرضي الله ، واتركوا المراهنات على شعب العراق فهي لا تجدي نفعاً ولا تحقق مكسباً يستفاد منه احد سواء كان داخل العراق او خارجه .
ولا ننسى كم راهن الاعداء على الحرب الاهلية ، وقد خسروا الرهان ، وكم راهن غيرهم على سيطرة الطائفية ونفوذها وانفرادها في حكم البلاد وفشلوا في رهانهم ... ألا يكفي مراهنات خاسرة ؟ فلا مانع من ان يساهم ابناء العراق في أي مكان وان يتحدثوا ويحللوا الاحداث في لقاءات وندوات مفتوحة ولكن بعيداً عن الترهيب والتخويف من المرحلة القادمة .. ولاتجعلوا شعبنا ضحية توقعاتكم وتحليلكم الباطل ، فهذا الشعب لا يستحق هذه التوقعات المدمرة لكل شيء بل عليكم ان تقدموا لنا الدعوات الخيرة والامنيات السعيدة لكي نستمر في عطائنا ونعيش احراراً بلا قيود وبلا احتلال وبلا قتل او تهجير او تهميش ليعود الفضل الى كل من يعمل ويتكلم ويكتب بصدق وأمانة لخدمة الجميع ولأجل عراق متطور متقدم محفوف برعاية رب العرش العظيم ، ورب العالمين ، عليه نتوكل واليه المصير .
#علي_شكيرالطائي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟