|
شهود يهوه .. ظاهرة جديدة في المجتمع العراقي
فواز فرحان
الحوار المتمدن-العدد: 2629 - 2009 / 4 / 27 - 10:11
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
كان من الطبيعي بعد القضاء على الدكتاتورية في العراق ان تطفو للسطح كل عقد المجتمع العراقي وتعبّر عن نفسها بعد عقود من الكبت والقمع ، كما ان الواقع يفرض في مثل هذه الحالة انفتاح المجتمع على الكثير من الآراء والأفكار وكذلك يصبح مكشوفاً لاستقبال أفكار وطرق حياة جديدة نتيجة هذا التغيير ... فقد كانت المراسيم الدينية للشيعة محظورة في عهد صدام ومعها منعت الكثير من الاحتفالات القومية للأكراد وجعل الدكتاتور كل المناسبات والأعياد تصب في خدمة نهجهِ الفاشي الذي قاد البلاد الى الهاوية وأصبحت الأمراض الاجتماعية والنفسية والسياسية كلها في واقع الأمر نتيجة لذلك النهج ولم تأتي من العدم ، فخرجت لنا أمراضاً بالجملة يصعب علاجها بفترة زمنية قصيرة بعد ان تراكمت على مدار عقود من حكم الطاغية واسرته للعراق ... وفور نهاية حكمهِ جاءت تلك العقد متزامنة مع باقي المشاكل الاقتصادية والصحية والسياسية وكانت أبرزها الدين والطائفية ، فشمّرت الكثير من الأحزاب سواعدها لقيادة تلك الجموع المتعطشة لممارسة ما كان في الأمس محرّماً وهنا برزت حركات الاسلام السياسي في العراق لتعطي العالم فكرة عن طبيعة الفكر السائد في عراق ما بعد الدكتاتورية ، والحقيقة ان هذه الفكرة مشوّهه لاسباب كثيرة منها ان الشعب العراقي خرج للتو من محنة ولا يمكن قياس الحالة الطبيعية للفكر السائد في هذه الفترة بالتحديد فهي مرحلة انتقالية وربما تنطبق عليها كلمة فوضوية لانها جعلت الكثير من المفاهيم والقيم وطرق التصرّف متداخلة فيما بينها ، فهناك فوضى في الاعلام العراقي وكذلك في الحالة السياسية السائدة في البلاد كما ان هناك فوضى في الشارع وفراغ أمني كبير يعبّر عن هذه الفوضى بوضوح من خلال الارهاب والقتل والدم وتصفية الحسابات بين الاحزاب السياسية فيما بينها وبين الدول الاقليمية المحيطة بالعراق والولايات المتحدة من جهة أخرى ... هناك فوضى في الاقتصاد وفوضى في الصحافة والفضائيات وفوضى في الدستور الذي تم وضعه بعد القضاء على الدكتاتورية وهذه الفوضى تتجسد في قيادة الدولة الجديدة بعلم تعتليه كلمتين وضعهما الدكتاتور نفسه على العلم العراقي ، هناك فوضى في الكثير من التعريفات التي تناولها هذا الدستور ... فمن الطبيعي ان يكون مجتمعنا عرضة لكل المفاهيم القادمة من كل جهة مهما كانت ومن بينها الافكار التي تتبنّاها مجموعات جاءت للعراق كمنظمات خيرية من ايران واسرائيل وتركيا والولايات المتحدة وغيرها ... وابرزها جماعة شهود يهوه التي تنشر المسيحية الصهيونية في العراق ولا تعترف بباقي الاديان او الافكار وتعمل على ابادتها وطمرها وجعل فكرها يسود من أجل التمهيد لمعركة هرمجدون التي يتوقعون حدوثها بعد ظهور الاعور الدجال المعمم في العراق ...!!! الخطوط العامة للجماعة التي أسسها تشارلز راسل في الولايات المتحدة عام 1870 تقوم على الدمج بين المسيحية واليهودية في ديانة واحدة ولاقت الفكرة تشجيعاً من بعض قادة الكونكرس الامريكي لتعطيل تقدم الافكار العلمانية في المجتمع الامريكي وكذلك منافسة الافكار الاشتراكية في المحتوى الانساني ، فهذه الجماعة تضم بشر من قوميات مختلفة وتمتلك دعماً مالياً يفوق ميزانية العديد من الدول العربية ودول العالم الثالث ، وهي حركة سياسية بالاساس رغم نفي الجماعة لها لانها في كل حرب للناتو في الشرق الاوسط يتطوّع الآلآف منهم مجاناً للحرب بحجة التعجيل في حدوث معركتهم المرتقبة وانتظار المسيح المخلص مع جنوده المئة واربعة واربعون الفاً راكبين على الاحصنة وحاملين لسيوف للقضاء على الاشرار وترك الجماعة يرثون الارض لانهم اسهموا في نزول المسيح للقيام بحربه الاخيرة وحكمه للارض الذي يمتد لالف عام ... في الحرب الاخيرة على العراق تطوّع احد عشر الف جندي ودون مقابل لخوض الحرب في العراق بين صفوف الجيش الامريكي من هذه الجماعة ونقلوا الكثير من منظماتهم للعمل في العراق وفي كردستان بالتحديد ، وكانت لهذه الخطوة أثراً كبيراً على عملهم في الشرق الاوسط او بالاحرى إختراقاً للمرة الاولى بعد ان كشفت العديد من الدول العربية ان هذه الجماعة ليست الا أداة من أدوات المخابرات المركزية الامريكية لاختراق المجتمعات بحجة التبشير ومنعتها من الدخول لاراضيها ، ليس الدول العربية فحسب بل ان هناك الكثير من الدول الاوربية تضع أعضاء الجماعة تحت رقابة مشدّدة لانها تقوم بتصفية من يخرج من صفوفها كما حدث لشاب الماني في مدينة فرانكفورت والعديد من الالمان في الولايات الالمانية لكنهم في كل مرّة لم يتركوا دليلاً على جريمتهم ... وكذلك في باقي البلدان الاوربية التي إنتبهت الى طبيعة العمل الحقيقي لشهود يهوه والذي يرتكز في الاساس على خلق قاعدة سياسية عريضة في مختلف البلدان تمهد للاعتراف الشرعي بعملها في كل بلدان العالم دون استثناء ... يقول المتخصص الالماني هلموت رايندل في علم النفس ان شهود يهوه يركزوا في تبشيرهم على المرضى نفسياً وعلى المتذبذبين الذين تنعدم لديهم القدرة على خلق مبرر منطقي لمواصلة الحياة والعطاء لها وهولاء في الحقيقة يقعوا ضحايا لفكر تبشيري غلافه الخارجي ديني وباطنه عمل سياسي خبيث ... وهناك الكثير من المتخصصين النفسسين لدى الجماعة تختار المناطق الملائمة للعمل كما حدث في كوسوفو فقد حقق شهود يهوه نجاحاً كبيراً في التأثير على البشر هناك وجعلوا ثلث أهالي الدولة تتخلى عن ديانتها ووقفوا معهم حتى نالوا استقلالهم . لكنهم في نفس الوقت قاموا بتصفية العديد من الذين انسحبوا منهم من الذين قرروا البحث عن حياة أفضل في باقي بلدان اوربا ... ورغم ادعاء الجماعة بان عملها تطوّعياً الا ان ذلك لا يمثل الحقيقة فأعضاء هذه الجماعة يحصلون على الجنسية الامريكية والجواز الامريكي باسرع وقت بعد ان يتم تعميدهم وكذلك يحصلوا على مبالغ مالية لابأس بها للقيام بسفراتهم والتنقل بين الدول ، ويرفضوا أداء الخدمة العسكرية في أي بلد لان عقيدتهم تبرر لهم ذلك بأنهم جنود للمسيح المنتظر فقط ولا ولاء لهم لغيره !!! ومشاركتهم العسكرية في أي واجب يجب ان تنطلق من التمهيد فقط لظهور المسيح وهذا ما يدفع أغلبهم للتطوع في حروب الشرق الاوسط على إعتبار ان المعركة ستكون هناك ومن الممكن حدوثها في أية لحظة ، هذا الكم من الخرافات إخترقت الشارع العراقي المبتلي أصلاً بالدين والطائفية والارهاب وجاءت لتحفر لها مكاناً بين مكوّنات الشعب العراقي بحجة التبشير والانكى من ذلك ان الكثير من المرضى وقعوا ضحية لتصديق هذا النوع من الهراء في عصرنا الحالي ... وعند تسليط الضوء على مشكلة من هذا القبيل لا بد من البحث عن الاسباب التي جعلت المجتمع العراقي مخترقاً من قبل مجموعات دينية من هذا النوع في الشمال وأخرى ايرانية تحمل نفس الخرافات تعمل في الجنوب ولكن بأفكار مختلفة والاثنين يعود سبب وجودهما الى الفوضى التي حلت بالعراق لتشمل جانب آخر هو الفوضى الدينية والفكرية ... الضياع والفوضى التي تسببت بهما الحرب في العراق جعلت البعض يتشبث بالاوهام في الوقت الذي تغادر فيه من الكثير من المجتمعات التي تتحول تدريجياً الى مجتمعات علمانية ترفض الحديث عن أفكار وهمية لا يمكن لها ان تجلب للانسانية إلا المزيد من الحروب والعنصرية والتخلف ، ان بروز التيّارات الدينية في العراق والعالمين العربي والاسلامي هو حالة مؤقتة مهما جاءت بمبررات وآراء لان المجتمعات التي تتوق للحرية لا يمكن لها السير في طريق معاكس إذا ما علمت بأنها تسير بعكس الاتجاه ... يعتنون بهندامهم وهم يدعون الوداعة والنبل ويصرّحوا بأنهم يدفعون الضرائب ومطيعون للقوانين لكنهم يعملوا بالتدريج على تدمير تلك القوانين لتصب في خدمة أهدافهم فقط ، في الاتحاد السوفيتي السابق تنبّهت المخابرات السوفيتية في عهد ستالين لطبيعة أهداف المنظمة الدينية شهود يهوه وسارع ستالين لاصدار أمر بإعتقالهم وسوقهم الى سيبيريا لكنهم فيما بعد ساهموا مساهمة فعالة في الصحافة الامريكية والاوربية في تشويه الحقائق القادمة من الاتحاد السوفيتي وتشويه حقبة ستالين بالكامل ...
تقوم هذه الجماعة اليوم بنشاطات جادة في سهول نينوى للتأثير على سكان البلدات هناك من آشوريين وكلدان وسريان وارمن وايزيديين وشبك كما تشجع البعض منهم على الهجرة لترك المكان في نفس الوقت تقوم بتخصيص أموال طائلة لشراء الاراضي لاتباعها هناك واستقدامهم للعراق كي يكونوا قريبين لارض المعركة ... وعلى الاغلب ان تلك الاراضي ستخصص لشهود يهوه العرب فقط من لبنانيين وسوريين وباقي البلدان كي لا يثير وجود جنسيات اخرى الشبهات بعد ان يتم درج الديانة مستقبلاً في الدستور العراقي كي تصبح شرعية على ارض العراق ، والمجتمع العراقي اليوم نفسه مهدد بالكثير من القيم الغريبة التي دخلت عليه ولا يمكن اعتبار ذلك شذوذا لانه جزء من المجتمع البشري ومن الطبيعي ان يكون هناك تفاعل بين الشعوب من أجل السلام والتقدم على الارض لكن هذا التفاعل السائد اليوم في المجتمع العراقي يهدد كيانه ووجوده ولا يمت بصلة للتفاعل الحضاري بين الامم من اجل تقدمها فهو تبشير بعودة الافكار الظلامية الى مجتمعاتنا في الوقت الذي يجب ان تتوحد فيه جهودنا لمواجهة موجات العنف والتخلف التي انتشرت في البلاد نتيجة الفتنة الدينية والطائفية وإعطاء المثل لشعوب العالم بقدرتنا على مواجهة هكذا أخطار تهدد النسيج الاجتماعي العراقي الذي يحاول المحتل تدميره كما فعل في المانيا واليابان ودول أخرى لكنه فشل في نفس الوقت في أماكن من العالم ككوريا والصين وفيتنام ...
#فواز_فرحان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأيادي الصفراء للرأسمالية ...
-
التأثيرات السلبية لألعاب الكومبيوتر على الطفل ...
-
النظام لا يزال حديديّاً ...
-
أحباب في العالم الآخر ...3
-
معجزات البرلمان العراقي ...الخمس عشرة ..!!!
-
مالذي إعتبره لينين أساساً متيناً للنظرية الثورية ؟
-
لم يعُد لينين بيننا !!
-
سقوط الارادة الدولية ...
-
حادثة المؤتمر الصحفي لبوش بشكل معاكس ...
-
مكافحة العنصرية والأيدلوجية الدموية ...
-
ما الذي ننتظرهُ من الإنتخابات المقبلة ...
-
الفرصة الكبرى لليسار السياسي الأمريكي ..
-
ثورة اكتوبر ...ودولة المجالس العمالية
-
سفراء الولايات المتحدة وأشواك اليسار المتمرّد
-
الموضوعية ...في وسائل الاعلام الغربية
-
حول عودة المهجّرين قسرياً ...
-
الثوابت الفكرية للاتحاد الاوربي ...
-
الهدف من الإتفاقية الأمريكية مع العراق ...
-
دراسة في واقع ألسياسة ألأمريكية .
-
ألمكان ألأكثر بؤساً في ألعالم ...
المزيد.....
-
رصد طائرات مسيرة مجهولة تحلق فوق 3 قواعد جوية أمريكية في بري
...
-
جوزيب بوريل يحذر بأن لبنان -بات على شفير الانهيار-
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
لحظة هروب الجنود والمسافرين من محطة قطارات في تل أبيب إثر هج
...
-
لحظة إصابة مبنى في بيتاح تكفا شرق تل أبيب بصاروخ قادم من لبن
...
-
قلق غربي بعد قرار إيران تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة
-
كيف تؤثر القهوة على أمعائك؟
-
أحلام الطفل عزام.. عندما تسرق الحرب الطفولة بين صواريخ اليمن
...
-
شاهد.. أطول وأقصر امرأتين في العالم تجتمعان في لندن بضيافة -
...
-
-عملية شنيعة-.. نتانياهو يعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي في
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|