|
ابعاد ومراهنات الاتفاقية الثلاثية
سكفان محمد صالح
الحوار المتمدن-العدد: 2629 - 2009 / 4 / 27 - 09:19
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
عقدت الاتفاقية الثلاثية منذ فترة طويلة ما بين كل من أمريكا وتركيا والعراق تحت أسم الاتفاقية الأمنية المشتركة بهدفها المعلن هو القضاء على حزب العمال الكوردستاني أو باحتمال أخر هو إضعاف مسيرة نضاله الذي يخوضه لأكثر من ربع قرن لنيل حقوق الشعب الكوردي في كوردستان الشمالية وتأتي هذه الاتفاقية ضمن سلسلة من المخططات المعادية لتطلعات الشعب الكوردي عبر ممثلها حزب العمال الكوردستاني ، إن تفعيل هذه الاتفاقية الآن جاءت بعد أن وضع الرئيس الأمريكي أوباما اللمسات الأخيرة عليها بزيارته إلى تركبا مؤخرا التي سبقتها زيارة الرئيس التركي عبدا لله كول إلى بغداد وبعدها جاءت زيارة وزير الداخلية التركي للعراق للمباشرة بعمل اللجنة الثلاثية عمليا خاصة لعدم وجود المعوقات لها من الجانب العراقي على العكس لقي الترحيب من خلال تصريح الرئيس العراقي جلال طلباني الذي دعا فيه حزب العمال الكوردستاني إلى إلقاء السلاح بدون شروط .
ومما لاشك فيه إن هناك أهداف ومصالح لكل من أطراف الاتفاقية وبطبيعة الحال الأولوية هي للمصالح الأمريكية التي تسعى لفرض أجندتها ومشاريعها في الشرق الأوسط ولا تلاقي في مسعاها معارضة تذكر من قبل أغلب الأنظمة القائمة في المنطقة بل تعمل من اجل التكيف معها لأن أمريكا هي التي أوجدتها وسلطتها على رقاب الشعوب التي تحكمها فهذه الأنظمة راضخة لإملاءات أمريكا عرفان بفضلها وأي نظام يبدي أقل معارضة تعمل أمريكا لإعادة تأهيلها بما ينسجم مع توجهاتها في هذه المرحلة ولأجل هذا فأن جهود أمريكا الحالية منصبة لمجابهة الحركات والقوى السياسية المعارضة للأنظمة القائمة في المنطقة والتي تخالف توجهات أمريكا ذلك عبر ممارسة الضغوط عليها وإدراجها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية وتواصل إعداد المخططات المعادية لها وخوض الحروب ضدها بلا هوادة لإجبارها على الارتباط بها ، ويأتي حزب العمال الكوردستاني في صدارة هذه الحركات المستهدفة لاعتبارها حركة تمتلك فكر وأيديولوجية تتناقض مع أطروحات الرأسمالية العالمية فلديها طرحها حول القضية الكوردية وكذلك حول كل القضايا المصيرية في الشرق الأوسط وهي تستند على ضرورة الحل السلمي والديمقراطي الحقيقي للقضية الكوردية مع الاحتفاظ بحق الدفاع المشرع في حالة عدم الاستجابة للمطالب الشرعية للشعب الكوردي وكذلك مبدأ التعايش السلمي لشعوب الشرق الأوسط وفق مشروع الكونفدرالية الديمقراطية المجتمعية الذي طرحه المفكر عبد لله أوجلان كبديل لمشروع الرأسمالية وهذا أكثر ما تخشاه أمريكا وعلى نقيض ما تظهره من عدم مبالاتها تجاه الحركات المسلحة التقليدية في المنطقة لأنها تخدم توجهات أمريكا ولو بشكل غير مباشر .
إما الجانب التركي فأنه يتصور بأنة من أكثر المستفيدين من هذه الاتفاقية ومن أجل ذلك قدم في سبيلها الكثير من التنازلات للرأسمالية الغربية وجعلت من نفسها أداة لتنفيذ مصالحها في المنطقة وبهذا تعيد ممارسة دورها القديم الجديد كشرطي المنطقة بمباركة الرأسمالية الغربية خاصة وقد خليت الساحة لها بعد كل من شاه إيران وصدام رغم إدراكها بما أل إليه مصيرهما ، لازال النظام التركي متمسك بذهنيته القوموية وفق مفهوم قومية واحدة وعلم واحد ولغة واحدة ذلك الشعار الذي ردده رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان كتواصل لسياسة الإنكار والإمحاء تجاه التعددية والتنوع الذي يسود الدولة التركية مع الإصرار على الحسم العسكري لحل القضية الكوردية على الرغم من إدعاءاتها بأنها من أكثر الأنظمة في الشرق الأوسط ديمقراطية وانفتاحا، والشيء الملفت للانتباه وكما هو متعارف عليه أن المعارضة في البلدان دائما تلجئ للاستعانة الخارجية لحل قضاياها ولكن الذي يحدث في تركيا هو العكس فالنظام التركي هو الذي يبحث في الخارج عن حلول قضاياه الداخلية من خلال الاستعانة بالرأسمالية لاعتبارها عضوا في حلف الناتو وتقدم التنازلات المهينة لها وترهق اقتصاد بلدها لتغطية تكاليف حروب مؤسستها العسكرية الفاشية التي تضطرها للاستدانة من صندوق النقد الدولي ثمنا لصفقات الأسلحة التي تشتريها من الغرب ، أما أن الأوان لتركيا لتعيد حساباتها فما الذي كسبته من عنجهيتها وسياسة القمع و الإنكار للقضية الكوردية وما الذي أستجد هذه المرة بهذه الاتفاقية هل تتصور بأنها قد وجدت الحل أخيرا عندما تعرض على حزب العمال الكوردستاني إلقاء السلاح بدون شروط والاستسلام لكي تزجهم في السجون مع بقية رفاقهم المعتقلين وأنهم سيقبلون هذا برحابة الصدر وبكل بساطة بعد ألاف التضحيات التي قدمها عبر سنين من الكفاح والنضال في ظروف صعبة ذاقوا مرارتها ومن جهة أخر يستمر ( النظام التركي ) بقمع وأهانه الشعب الكوردي دون منحهم أدنى الحقوق ، لذا فأن تركيا لن تخدع بهذا أحد سوى نفسها .
أما الحكومة العراقية ترى باشتراكها في هذه الاتفاقية بأنها تستطيع تحقيق هدفها بتقويض تجربة حكومة إقليم كوردستان وكفرصة مؤاتيه لها للقضاء على المكاسب التي حققها الشعب الكوردي ويعيدون نظامهم المركزي السابق انطلاقا من ذهنيتهم التي لا تتقبل التغير وتواصل منطق الذهنية السلطوية المركزية المقيتة مع عدم تقبل مبدأ الشراكة بين مكونات الشعب العراقي وما مرور سبعة أعوام على سقوط النظام السابق مع بقاء جميع القضايا المصيرية المتعلقة بمستقبل الشعب العراقي بدون حلول إلا دليلا يثبت حقيقية النوايا المبيتة ضد تطلعات وأمال الشعب العراقي في العيش الحر الكريم في ظل نظام يسود فيه المساواة والعدالة والديمقراطية ، يا ترى هل تتغابى الحكومة العراقية عن الواقع المرير الذي يعيشه الشعب العراقي وهي التي تتحمل مسؤوليته لعدم مقدرتها إحلال السلام والأمن والاستقرار في العاصمة بغداد ناهيك عن عموم العراق هل قامت بهذا الواجب لكي تبحث لها عن دور كأدوار الأنظمة السابقة من خلال الاشتراك في الاتفاقيات والمعاهدات الخارجية المشبوهة والدخول من جرائها في حروب خارجية لا تخدم مصالح الشعب العراقي لا من قريب ولا بعيد والتي كانت السبب بما أل إليه العراق .
أما حكومة إقليم كوردستان فقد أوصلتها المصالح الآنية الضيقة للأحزاب السلطوية إلى حالة الغباء السياسي لقبول بهذه الاتفاقية من خلال دور ثانوي لها بدون أن يذكر أسمها حتى ومع ذلك فأن مركز عمليات اللجنة الثلاثية في اربيل وهي تتأمل من ذلك تقوية سلطتها من خلال أرضاء الجميع عنها بدون أن تعطي أدنى اعتبار لمصالح الشعب الكوردي ومتناسية خطورة هذه الاتفاقية وتداعياتها على مكاسب الشعب الكوردي التي حققها بدماء أبنائه ومستقبلهم الذي تتربص له الأنظمة الإقليمية وتنتظر الفرصة لافتراسهم والانقضاض عليهم ويظهر ذلك بوضوح وبشكل معلن دون مؤاربه لما تكنه من عداء تجاه الشعب الكوردي .
لكن تبقى قوة الشعوب التي تواصل نضالها بروح وإرادة حرة الرهان الحقيقي والصخرة الصلدة التي تتحطم عليها كل الرهانات والدسائس الاستعمارية التي تستهدف النيل من عزيمة الشعوب ومطالبها الشرعية في الحرية والعدالة والمساواة ولقد أثبت التاريخ بأن الطغاة والدكتاتوريات مهما بلغت من قوة ووحشية فأن مصيرها الزوال وتبقى المبادئ الإنسانية حية من خلال نضال الشعوب الحرة .
#سكفان_محمد_صالح (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
معالم سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط
المزيد.....
-
كيف ستساعد بقايا سيارة الـBMW بهجوم المشتبه به السعودي على س
...
-
إسرائيل تواصل هدم وجرف المنازل والبساتين في الجنوب اللبناني
...
-
حادثة بـ-نيران صديقة- تسقط طائرتين أمريكيتين فوق البحر الأحم
...
-
الحوثيون يحذرون الدول من مساندة إسرائيل في غاراتها على اليمن
...
-
الثاني في أسبوع.. زلزال بقوة 6.1 درجة يضرب جزر فانواتو
-
في ظل تهديد -وباء رباعي-.. المصادر الغذائية الرئيسية لفيتامي
...
-
مباشر - سوريا: تركيا ستفعل -كل ما يلزم- إذا فشلت الحكومة الج
...
-
عاجل | مراسل الجزيرة: 13 شهيدا جراء قصف إسرائيلي متواصل على
...
-
الحوثيون يكشفون خسائر الغارات الإسرائيلية على موانئ الحديدة
...
-
قوة متحالفة مع جيش السودان تسيطر على قاعدة -الزُرق- بدارفور
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|