أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين - بعد الاجتياح.. استنهاض عناصر القوة الفلسطينية















المزيد.....



بعد الاجتياح.. استنهاض عناصر القوة الفلسطينية


الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

الحوار المتمدن-العدد: 159 - 2002 / 6 / 13 - 07:01
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    



 

June 9, 2002

  
 عقدت اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في الأيام القليلة الماضية دورة اجتماعاتها لحلفائها الثلاث في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة ومناطق الشتات، راجعت فيها تطورات الحالة الفلسطينية على ضوء تقرير مقدم من المكتب السياسي بعنوان «المرحلة الجديدة في المواجهة الفلسطينية ـ الإسرائيلية» كما ناقشت الدعوات إلى الإصلاح والتغيير وصاغت موقفها كاملاً في هذا السياق في مشروع «للإصلاح الوطني والتغيير الديمقراطي» وأجازتهما كخطة عمل لعموم منظمات الجبهة في الوطن والشتات للمرحلة القادمة.
 
 
في المراجعة السياسية توقفت اللجنة المركزية أمام منعطف 11 أيلول 2001 وانعكاساته على الانتفاضة مبـرزة العوامل الدولية والإسرائيلية والعربية والفلسطينية التي سهلت على الحلف المعادي تقديم النضال الوطني الفلسطيني في إطار الإرهاب وتخلص اللجنة المركزية في هذا الجانب إلى التأكيد أن الانتفاضة ما زالت تشهد تواصلاً ملفتاً رغم الزاوية الضيقة التي حوصرت فيها بفعل عملية السور الواقي وتداعياتها.
وفي قراءتها لعملية السور الواقي وأهدافها ونتائجها ترى اللجنة المركزية أن المواجهة الفلسطينية ـ الإسرائيلية دخلت مرحلة جديدة وانتقلت إلى مستوى الحرب الشاملة، وتشكل افتتاحاً لفصل جديد في المواجهة، وهي وإن كانت، حققت بعض النتائج وما أوقعته من خسائر بشرية ومادية فادحة إلا أنها بالمقابل لم تنجح في إخماد جذوة الانتفاضة أو في استئصال المقاومة، وهي من جهة أخرى فجرت موجة غير مسبوقة من الاحتجاج الشعبي العربي وأعادت زخم التحرك الجماهيري العالمي دعماً للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال.
وتلحظ اللجنة المركزية أن إسرائيل تواصل ملاحظة أهداف عملية السور الواقي على محوري: عسكري ـ أمني، وسياسي بهدف مواصلة تصفية كوادر المقاومة واعتقالها وتولي المسؤولية الأمنية المباشرة في المناطق الفلسطينية كافة، وكذلك بهدف قطف الثمار السياسية للعدوان بالتنسيق مع الولايات المتحدة عبـر إعادة هيكلة السلطة لجعلها أكثر مطواعية، وعبـر الإعداد لمؤتمر إقليمي أو دولي لترسيم وقوننة الواقع الجديد وتوظيفه لإعادة رسم معالم التسوية السياسية.
وفي الباب الرابع والأخير من التقرير تحمل اللجنة المركزية السلطة الفلسطينية المسؤولية الأولى والأهم عن غياب الجاهزية لمجابهة ناجعة للعدوان الذي كانت علامات وقوعه واضحة للعيان. كما ترى أن نقطة الضعف الرئيسية في البنية الفلسطينية التي نجحت عملية «السور الواقي» في اختراقها هي السلطة الفلسطينية. كما تحمل اللجنة المركزية القوى الوطنية والإسلامية بدورها قسطاً من المسؤولية عن غياب الجاهزية لمواجهة الاجتياح الشامل، وترى أنه كان بإمكانها اجتراح خطتها الخاصة ضمن قدراتها وإمكانياتها لو أنها تجاوزت ثغراتها ونواقصها وحسنت أداءها وطورت تقديماتها في المجالين المدني والعسكري. تجربة الاجتياح شكلت حافزاً للدعوة لمواجهة جريئة وشاملة لأوضاع البيت الفلسطيني، خاصة بعدما عادت السلطة إلى سياسة التنازلات في اتفاق المقاطعة وكنيسة المهد وبيان إدانة عملية ريشون ليتسيون (8/5) ووصفها بالإرهاب.
وتخلص اللجنة المركزية إلى أن الحملة العدوانية التي شنها جيش الاحتلال لم تنجح في تحقيق أهدافها السياسية وأن المعركة من أجل إحباط هذه الأهداف ما زالت مستمرة ومفتوحة على أفق الانتصار وإنجاز الحقوق الوطنية. وهو ما تناولته اللجنة المركزية على يد محاور عمل محدد ومهمات ملموسة في «مشروع الإصلاح الوطني والتغيير الديمقراطي».
وجدت شريحة نافذة في السلطة الفلسطينية في الظرف الدولي بعد 11/9/2001 فرصة للعمل من أجل التساوق مع المطالب الأميركية بوقف الانتفاضة.
عجز القوى السياسية الفلسطينية عن بلورة بـرنامج سياسي ونضالي واضح وموحد يعزز لحمة الشعب ويوضح له وللعالم أجمع هدف الانتفاضة ورسالتها سّهل على الحلف المعادي تقديم النضال الفلسطيني على أنه إرهاب.
دخلت المواجهة مع إسرائيل في عملية «السور الواقي» مرحلة جديدة انتقلت فيها إلى مستوى الحرب الشاملة والمفتوحة التي تهدف للقضاء على الانتفاضة والمقاومة واستعادة جيش الاحتلال السيطرة المباشرة على جميع المناطق الفلسطينية.
ما تزال الوجهة التي ستتخذها عملية إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية موضع صراع متواصل بات يشكل المحور الأبـرز لمساعي قطف الثمار السياسية للحملة العدوانية العسكرية
لم تعد خطتا تينيت وميتشل الممر المعتمد أميركياً وإسرائيلياً للانتقال إلى طاولة المفاوضات، وحل محلهما مشروع إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية على نحو يجعلها أكثر انسجاماً مع متطلبات الأمن الإسرائيلي وأكثر استعداداً للتعاطي مع طروحات التسوية الشارونية.
ما يزال تكوين المؤتمر «الجديد» ومرجعيته ووظيفته يصاغ بعموميات مما يجعل هذه القضايا مادة للمساومة ولابتزاز الأطراف العربية لتقديم تنازلات مسبقة. وفي هذا السياق جاء بيان شرم الشيخ الثلاثي (12/5/2002).
غياب الجاهزية لدى السلطة لمواجهة الاحتلال يعود إلى غياب التوجه السياسي الذي يسمح بذلك ويقود إلى قرار المواجهة المنظمة للعدوان، وهذا ما لم تكن السلطة مهيأة له بحكم نمط تكوينها.
صاغت السلطة بناها على قاعدة التعايش مع الاحتلال وكان طبيعياً أن تصاب بالشلل الكامل في ظروف المواجهة التي سادت في أعقاب اندلاع الانتفاضة.
بدورها تتحمل القوى الوطنية والإسلامية قسطاً من المسؤولية عن غياب الجاهزية لمواجهة الاجتياح الشامل.. فلو أنها وحدت رؤيتها حول أشكال العمل والنضال في الانتفاضة والتكتيكات الواجب اتباعها لتطويرها فضلاً عن التباينات حول الأهداف السياسية للانتفاضة والموقف من السلطة لا يمكن التعويض عن ثغرات والنواقص.
من أهم دروس الاجتياح الدعوة إلى مواجهة جزئية وشاملة لأوضاع البيت الفلسطيني وإعادة بناء السلطة على أسس جديدة. يعزز هذا الاتجاه ميل السلطة مجدداً للعودة إلى نهج التنازلات والانحناء أمام الإملاءات الأميركية والابتزازات الإسرائيلية.

 

المرحلة الجديدة في المواجهة الفلسطينية ــ الإسرائيلية
1. منعطف 11 أيلول و انعكاساته.
2.عملية<<السور الواقي>>:الأهداف و النتائج.
3.عملية <<السور الواقي>>:الاستمرار وقطف الثمار.
4.نحو تجاوز نقطة الضعف في البينة الفلسطينية.
* * * *
(1)
منعطف 11 أيلول وانعكاساته على الانئفاضة
1ـ منذ الحادي عشر من أيلول (سبتمبـر) 2001 شهد الوضع الدولي منعطفاً خطيراً، فالإدارة الجمهورية فى البيت الأبيض قررت أن تستغل بشراسة ولؤم المأساة التي حلت بالشعب الأمريكي في ذلك اليوم، لتشنَّ حملة إرهابية شاملة ضد العالم بأسره بهدف تشديد قبضة الهيمنة الأمريكية وإخضاع بؤر التمرد لها، تحت ستار الحرب ضد ما يسمى بالإرهاب. هذه الهجمة الأمريكية الكونية انعكست سلباً على المسار الصاعد للانتفاضة الفلسطينية، فحكومة الائتلاف الصهيوني بقيادة شارون سعت إلى استغلال هذه الانعطافة في الوضع الدولي من أجل عزل وتطويق الانتفاضة ومحاولة وصمها بالإرهاب وتأليب مراكز القرار الدولي ضدها، في محاولة لإطلاق يد إسرائيل لتصعيد عدوانها بهدف قمع الانتفاضة بالقوة وفرض البـرنامج السياسي التصفوي، الذي أعلن عنه شارون والذي يقوم على تسويات انتقالية طويلة المدى، جوهرها تأبيد هيمنة الاحتلال على الأرض والشعب الفلسطيني. ومنذ أن حققت نصراً سهلاً وسريعاً نسبياً فى أفغانستان، بدأت الإدارة الأمريكية تتناغم بشكل سافر مع هذا المخطط الشاروني وتمنحه الدعم والتأييد المعلن، يشجعها على ذلك تخاذل النظام الرسمي العربي وخضوعه للعربدة الأمريكية، مما زاد تفاقم عجزه المزمن عن اتخاذ مواقف ملموسة لدعم الانتفاضة.
2ـ بفعل هذه التحولات وضعت الانتفاضة في زاوية حرجة وخطيرة ألقت بظلالها الثقيلة على الوضع الداخلي الفلسطيني، وساهمت في تسهيل هذا التحول، النواقص والثغراث فى الأداء الفلسطيني الناجمة عن غياب استراتيجية وخطة عمل وطنية واضحة ومشتركة وقيادة وطنية موحدة. فقد انتهجت السلطة الفلسطينية، رسمياً، سياسة تؤكد تمسكها ولو من جانب واحد بالاتفاقيات المبـرمة مع حكومة إسرائيل وبخاصة في شقها الأمني، وهو ما قاد إلى موافقتها على تفاهمات شرم الشيخ وفيما بعد على خطة تينيت التى تحيي الجانب الأمني في اتفاق واي ريفر (23/10/1998). هذه الموافقة ألقت ظلالاً داكنة على مشروعية المقاومة المناهضة للعدوان الإسرائيلي وغذت المواقف الدولية، وبخاصة الأمريكية، الهادفة إلى نزع الشرعية عنها ووصمها بالإرهاب. وجاءت هذه الموافقة على خلفية تبني السلطة، رسمياً، خطة ميتشل، التي تدعو إلى وقف الانتفاضة مقابل وقف الاستيطان واستئناف المفاوضات وفق صيغة أوسلو العقيمة السابقة، واعتبار هذه الخطة سقفاً لموقفها السياسي، وهو ما كان قد أنتج ازدواجبة ضارة في خطاب السلطة الفلسطينية السياسية، وعطل أي جهد لإعادة ترتيب الوضع الداخلي بما يوفر مقومات الصمود طويل الأمد والاستمرار المديد للانتفاضة حتى تكسر شوكة العدوان الإسرائيلي.
3ـ منذ 11 أيلول (سبتمبـر) 2001، وجدت شريحة نافذة فى السلطة فى الظرف الدولي الجديد فرصتها للتفلت من ضوابط الإجماع الوطني على خيار الانتفاضة، وهو الإجماع الذي انجرت إلى أرضيته أصلاً بفعل زخم الاندفاع الجماهيري وانسداد أفق التسوية. وباشرت هذه الشريحة ضغطاً مكثفاً على مركز القرار في السلطة من أجل التساوق مع المطالب الأمريكية بوقف الانتفاضة. وعمق الخلل فى الأداء الفلسطيني، من جهة أخرى، عجز القوى السياسية الفلسطينية عن بلورة بـرنامج سياسي ونضالي واضح وموحد يعزز لحمة الشعب ويوضح له وللعالم أجمع هدف الانتفاضة ورسالتها، وتلكؤها في وضع الضوابط لتوحيد وترشيد أسلوب الفعل الانتفاضي والمقاوم، مما سهل على الحلف المعادي تقديم النضال الوطني الفلسطيني فى إطار الإرهاب.
4 ـ لكن رغم فداحة الخلل الداخلي وما أدى إليه من مصاعب وتضحيات مضاعفة، لم تنجح الهجمة المعادية فى اغتيال الانتفاضة ولا في نسف إنجازاتها، فمنذ انطلاقتها ألحقت الانتفاضة خسائر فادحة بالجانب الإسرائيلي على مختلف الصعد الأمنية والاقتصادية والسياسية والمعنوية. وهي أثبتت أنه لا أمن ولا استقرار في المنطقة إلا بإقرار تسوية متوازنة تنهي الاحتلال وتؤمن الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. ولقد خلقت، بالتالي، إجماعاً دولياً على ضرورة إنهاء الاحتلال وقيام دولة فلسطين. ورغم الزاوية الضيقة التي حوصرت فيها مؤخراً بفعل عملية «السور الواقي» وتداعياتها، فإن جذوة الانتفاضة والمقاومة تواصل اتقادها، وهي تشهد تواصلاً ملفتاً وتبدي قدرة عالية على الصمود والاستمرار بفعل زخم الالتفاف الشعبي حولها والاستعداد الكفاحي العالي لدى الجماهير التي ترى فيها سبيلاً وحيد‏اً للخلاص من نير الاحتلال، وما زال هذا الزخم كافياً، إذا ما تم استنهاضه، لمعالجة التصدع في الإجماع الوطني الناجم عن انحناء السلطة للضغوط الأمريكية والإسرائيلية.
إن عملية «السور الواقي»، على الرغم من نتائجها الميدانية والخسائر التي ألحقتها في الصف الفلسطيني، لا تغير من صحة هذا الأمر، بل تفتح آفاقاً حقيقية أمام تقدم النضال الفلسطيني على طريق إنجاز أهدافه الوطنية. وهذا ما يتطلب بدوره تحركاً عاجلاً لمعالجة النواقص والثغرات في الوضع الداخلي الفلسطيني وفي الأداء النضالي يداً بيد، مع تعزيز الوحدة الوطنية وإعادة بنائها حيث استوجب الأمر على أسس ائتلافية ديمقراطية، وانطلاقاً من إلحاحية استحقاق الإصلاح الوطني والتغيير الديمقراطي وضرورة التسريع بإحداثه على البنى السياسية والمؤسسات الوطنية الفلسطينية.
(2)
عملية «السور الواقي»... الأهداف والنتائج
1ـ بعملية «السور الواقي» وضع شارون موضع التنفيذ وعده لناخبيه بإطلاق يد الجيش «كي ينتصر» على الانتفاضة. ولكن جيش الاحتلال، الذي أطلقت يده لاستخدام كل ما لديه من قوة عاتية دون روادع سياسية أو كوابح جدية التأثير، لم يتمكن من تحقيق الانتصار. لقد دخلت المواجهة الفلسطينية ـ الإسرائيلية بهذه العملية مرحلة جديدة، وانتـقلت إلى مستوى الحرب الشاملة المفتوحة التي تهدف إلى إنهاء الانتفاضة، واستئصال المقاومة، واستعادة إسرائيل المسؤولية المباشرة عن الأمن في جميع المناطق الفلسطينية (تحويل مناطق أ إلى ب)، وتفكيك بنى السلطة الفلسطينية، الأمنية منها والمدنية، على نحو يمكن من إعادة تركيبها وفق مواصفات تنسجم مع مفهوم الليكود للحكم الذاتي الخاضع تماماً للـهيمنة الإسرائيلية بدون أدنى هامش استقلالي، وتوفير التربة المناسبة لبـروز قيادة فلسطينية مطواعة للإملاءات الإسرائيلية.
2ـ هذه النقلة النوعية في مستوى وأهداف الحرب العدوانية الإسرائيلية أقدمت عليها حكومة شارون فى ظل توفر جملة من الشروط المؤاتية على الصعد الدولية والإقليمية والإسرائيلية الداخلية:
* دولياً كشفت مجريات الحملة أنها جاءت بقرار مشترك أمريكي ـ إسرائيلي، وأن الولايات المتحدة كانت شريكاً مباشراً فى العدوان ولعبت دوراً رئيسياً في تغطيته وحمايته من الإدانة الدولية. وتتضح أكثر فأكثر، أن الإدارة الأمريكية أو اتجاهها الغالبي النافذ، تنظر إلى الحرب العدوانية التى يشنها شارون باعتبارها تندرج في سياق الحرب الشاملة ضد ما يسمى بالإرهاب التي تقودها الولايات المتحدة. هذا الموقف الأمريكي شكل عاملاً ضاغطاً على مراكز القرار الدولي لشل دورها فى كبح الهجمة الإسرائيلية. وهكذا جاء الموقف الأوروبي فاقد الوزن ومتردداً، بل ومطأطئ الرأس إزاء الغطرسة الإسرائيلية. أما الدور الروسي، الذي كان خلال فترة العملية على رأس مجلس الأمن، فقد كان غائباً تماماً.
* إقليمياً بلغ الموقف الرسمي العربي ذروة العجز والتخاذل. المنحى الذى أخذته القمة العربية فى بيروث (27 ـ 28/ 3/ 02 20)، لمواجهة العدوان الصهيوني المتصاعد بإطلاق «مبادرة السلام»، كان مؤشراً بالغ الدلالة، التقطته حكومة شارون للمضي فى حملتها دون أن تخشى ردوداً عربية تمس بالمصالح الإسرائيلية أو الأمريكية. والبؤرة الوحيدة التي فتحتها المقاومة اللبنانية بتفعيلها جبهة مزارع شبعا، سرعان ما وظفت الإدارة الأمريكية كل ثقلها للتأثير على العوامل الإقليمية الفاعلة بهدف تهدئتها.
* إسرائيلياً حظي قرار إطلاق عملية «السور الواقي» بإجماع شامل على المستوى الشعبي كما على مستوى المؤسسة السياسية الحاكمة. وإذا كان هذا الإجماع قد أخذ يهتـز في الأيام الأخيرة للعملية وفي أعقابها، فإن استمرار الدعم لها من قيادة حزب العمل كان كافياً لتأمين الغطاء لها على مستوى المؤسسة الرسمية.
3ـ رغم ذلك، هل حققت هذه العملية أهدافها؟ لا بد من التأكيد، ابتداءً، أن عملية «السور الواقي» ينبغي النظر إليها لا باعتبارها حملة منفردة قائمة بذاتها، بل بصفتها افتتاحاً لفصل جديد في المواجهة لم تسدل ستائره بعد وما زال مستمراً. لقد أوقعت الحملة العدوانية خسائر بشرية ومادية فادحة. وهي نجحت فى تفكيك أجهزة ومؤسسات السلطة الفلسطينية وكشفت هشاشة بنيتها، وألحقت أضراراً بالغة بالقاعدة المادية الضرورية لاستئناف أدائها لوظائفها. ولكنها لم ئنجح في إخماد جذوة الانتفاضة وإن تكن أضعفت زخمها، ولا في استئصال المقاومة وإن كانت سددت ضربات موجعة لبنيتها التحتية، وما تزال الوجهة التي ستتخذها عملية إعــادة هيكلة السلطة الفلسطينية موضع صراع متواصل، بات يشكل المحور الأبـرز لمساعي قطف الثمار السياسية للحملة العدوانية العسكرية.
من جهة أخرى، فجرت الحملة موجة من الاحتجاج الشعبي في الشارع العربي لم يشهد لها مثيل منذ عقود. وبلغت هذه الموجة مستوى باتت فيه تشكل خطراً ملموساً على استقرار النظام الرسمى العربي، كما على المصالح والمكانة الأمريكية في المنطقة، وعلى ما أنجزته مسيرة التسوية الشرق أوسطية من نتائج على صعيد العلاقات العربية ـ الإسرائيلية. وهي بما انطوت عليه من مجازر دموية وجرائم حرب موصوفة، ألحقت ضرراً فادحاً بصورة إسرائيل ومكانتها الدولية، وأعادت زخم التحرك الجماهيري العالمي دعماً للنضال الفلسطيني ضد الاحتلال.
(3)
عملية «السور الواقي» الاستمرار وقطف الثمار
1ـ إذا كانت عملية «السور الواقي» لم تنجح في تحقيق انتصار حاسم، فإن المرحلة الجديدة التي افتتحتها ما تزال مستمرة، تواصل إسرائيل خلالها ملاحقة أهدافها على محورين: العسكري ـ الأمني أولاً والسياسي ثانياً.
على الصعيد العسكري ـ الأمني يواصل جيش الاحتلال باستباحة مناطق (أ) بتوغلات متكررة تهدف إلى اعتقال أو تصفية كوادر المقاومة ومواصلة تدمير ركائزها، أو إلى مجرد إثبات الحضور وتأكيداً لما أعلنه قادة الجيش بشأن التعامل مع مناطق (أ) كما لو كانت مناطق (ب)، أي تولي المسؤولية الأمنية المباشرة في جميع المناطق الفلسطينية دون اكتراث لترتيبات اتفاقية أوسلو ـ 2 (28/9/1995) التي أدخلت التقسيمات الثلاثة المعروفة (أ، ب، ج) على المناطق الفلسطينية ضمن تقاسم وظيفي أمني ـ مدني بين السلطة الفلسطينية وقوات الاحتلال. وما تزال خطة اجتياح مناطق فى قطاع غزة بانتظار توفر الشروط الملائمة لوضعها موضع التنفيذ. وهكذا فإن الوجه العسكري للعدوان مستمر مع ملاحظة التغيير النوعي في قواعد اللعبة على هذا الصعيد. ولكن الأخطر هنا هو محاولة قطف الثمار السياسية للعدوان، وهي محاولة منسقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل يجري العمل بها فى اتجاهين، الأول، الأكثر إلحاحاً، وهو إعادة هيكلة السلطة ـ بعد أن تم تفكيك بناها بقوة الآلة العسكرية الإسرائيلية ـ وفق صيغة تجعلها أكثر مطواعية للإملاءات الأمريكية والإسرائيلية. والثاني هو الإعداد لمؤتمر إقليمى (أو دولي) لترسيم وقوننة الوقائع الجديدة على الأرض، والناجمة عن العدوان، وتوظيفها لإعادة رسم معالم التسوية السياسية.
2ـ لم يعد تنفيذ خطتي تينيت وميتشل هو الممر المعتمد (أمريكياً، وإسرائيلياً) للانتقال إلى طاولة المفاوضات. ثمة اليوم تسليم ضمني، وإن كان ما زال مستتراً، بأن أياً من الخطتين لم تعودا «ذات صلة». وبدلاً منهما يجري التركيز على متطلب آخر لتمهيد سبيل المفاوضات وهو إعادة هيكلة السلطة الفلسطينية. الإعلانات الأمريكية والإسرائيلية بهذا الشأن تتحدث عن الإصلاح والديمقراطية والشفافية واستئصال الفساد. ولكن هدفها الفعلي هو إعادة صوغ أجهزة السلطة ومؤسساتها على نحو تجعلها أكثر انسجاماً مع متطلبات الأمن الإسرائيلي وأكثر استعداداً، بالتالي، للتعاطي مع طروحات التسوية الشارونية.
لقد بدأ الضغط بهذا الاتجاه منذ زيارة وزير الخارجية الأمريكي كولن باول التى بدأت ببلورة المضمون الأمريكي لما جاء فى بيان مدريد الرباعي (المنعقد في 4/10/2002 بمشاركة روسيا، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة) حول إعادة بناء مؤسسات السلطة. ويجري التركيز في هذا المجال على النقاط الخمس التالية:
أ ـ توزيع صلاحيات الرئيس وتحويلها إلى شخص أو إلى عدة اشخاص وذلك كوسيلة جديدة لتمرير مخطط القيادة البديلة الذى جوبه بـرفض شعبي ووطني إجماعي مما استدعى تغييراً فى أسلوب تقديمه مع الحفاظ المضمون.
ب ـ توحيد أجهزة الأمن في جهاز موحد بقيادة موثوقة وبوظيفة محددة هي «عملية السلام» (أي قمع المقاومة المناهضة للاحتلال الإسرائيلية)..
ج ـ إعادة بناء جهاز التربية والتعليم بما ينسجم مع وظيفة «إشاعة ثقافة السلام».
ء ـ إعادة هيكلة الجهاز الإعلامي بما يراعي مطلب «وقف التحريض».
هـ ـ إعادة تنظيم المؤسسة المالية للسلطة تحت عنوان «الشفافية> بما يضمن منع التمويل عن ما يسمى «بنية الإرهاب والتحكم باتجاهات السياسة الاقتصادية».
3ـ تجعل حكومة شارون من «إصلاح السلطة» شرطاً للمضي بالمفاوضات (إذ لم يعد منطقياً اشتراط «الهدوء الأمني الكامل» بعد أن أخذ جيش الاحتلال على عاتقه مسؤولية الأمن). أما الإدارة الأمريكية فهي ترى أن الإصلاح يمكن أن يترافق مع الإعداد لمؤتمر إقليمي (أو دولي) لا يندرج على رأس أولوياته التقدم الفعلي نحو تسوية سياسية، بل إيجاد صيغة للتفاوض تنهي الجانب الفلسطيني بالتطلع نحو «أفق سياسي وتمهد لعملية التطبيع العربية ـ الإسرائيلية وتؤمن أجواء من التهدئة للصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، والعربي الإسرائيلي، بما يخدم عملية التحضير للعدوان على العراق. ولذلك فإن تكوين المؤتمر العتيد (من يحضر ومن لا يحضر) ومرجعيته ووظيفته ما تزال كلها تصاغ بعموميات، تجعلها بحد ذاتها مادة للمساومة ولابتزاز الأطراف العربية لتقديم تنازلات تسبق انعقاد المؤتمر. ويأتي بيان شرم الشيخ الثلاثي (12/5/2002) مؤشراً لطبيعة التنازلات المطلوبة «رفض العنف بكل أشكاله».
وبصرف النظر عن المرجعية التي ستعتمد نظرياً لهذا المؤتمر، فإن «الأفق السياسي» الفعلي لما يمكن أن يؤدي إليه، إذا ما أدى إلى شيء، يتراوح بين: أـ «رؤية بوش» لدولة فلسطينية غير محددة الحدود، تحدد سيادتها متطلبات أمن إسرائيل، وتفصل قيادتها ونظامها السياسي على مقاص الرغبات الأمريكية والإسرائيلية. ب ـ مشروع شارون لتسوية انتقالية طويلة الأمد يتخللـها بعد استيفاء اشتراطاتها الأمنية المحددة إسرائيلياً الإعلان عن دولة مقطعة الأوصال ومعزولة عن العمق العربي على 42 % من أراضي الضفة الغربية (و64% من قطاع غزة) بدون القدس، على أن تستمر المفاوضات، لسنوات طوال (دونما تحديد للسقف الزمني)، حول الحدود والمستوطنات والقدس واللاجئين والمياه.. مع استمرار سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على جميع هذه الحقول طيلة فترة المفاوضات حول التسوية الدائمة.
(4)
نحو تجاوز نقطة الضعف في البنية الفلسطينية
1 ـ لا شك أن السلطة الفلسطينية تتحمل المسؤولية الرئيسية الأولى والأهم عن غياب الجاهزية لمجابهة ناجعة للعدوان الذي كانت تنذر باقتراب وقوعه مجموعة مواقف وخطوات من الصعب تجاهل تسارع تدرجها نحو الاجتياح الشامل للمدن والقرى والمخيمات في الضفة الغربية.
وإذا وضعنا جانباً المواقف والتصريحات الصادرة بكثافة (نسبياً) عن المستويين السياسي والأمني في إسرائيل، ناهيك عن الخطط معلنة الأهداف التي كانت موضع ترويج واسع (من «حقل الأشواك» مروراً «بأورانيم» وانتهاء «بالمتدحرجة»..)، فإن الوقائع الميدانية بأقلها كانت تقدم مشهداً واضحاً عن انتقال قوات الاحتلال الى اتبابع أسلوب جديد في المواجهة بعد موجتين من التصعيد:
الأولى: بعد عمليات حيفا والقدس (1/12/2001) حيث استباح الجيش الإسرائيلي المناطق الفلسطينية ومنع الرئيس الفلسطيني من مغادرة رام اللـه.
والثانية في سياق موجة العمليات الفلسطينية التى تفجرت على نحو غير مسبوق ورفعت الخسائر البشرية الإسرائيلية إلى أعلى معدلاتها منذ اندلاع الانتفاضة إثر اغتيال رائد الكرمي (14/1/2002) قائد «كتائب الأقصى» فى طولكرم.
فى سياق هذا التصعيد انتقلت قوات الاحتلال إلى اتباع أسلوب يجمع بين التوغل المؤقت فى المدن وتقطيع أوصال المناطق (بما فيها غزة) من جهة، وتمشيط المخيمات لتدمير مرتكزات المقاومة (فى نابلس، طولكرم، رام اللـه، رفح، خان يونس...) من جهة أخرى. أسلوب يقرن الاستطلاع بالقوة (ميدانياً وسياسياً) بالمناورات («البـروفات») المتدرجة اتساعاً تمهيداً للمناورة الكبـرى المتمثلة بالاجتياح.. إن كل هذا كان من المفترض أن يملي على السلطة اعتماد خطة تواكب التصعيد العسكري الإسرائيلي وما يفتح عليه من احتمالات، بتعبئة الطاقات العسكرية والمدنية للمواجهة المنظمة.
إن غياب الجاهزية لدى السلطة لا يعود لافتقادها العناصر التي تتيح التوصل إلى تقدير موقف صحيح، بل إلى غياب التوجه السياسي الذي يسمح بذلك ويفرج، بالتالي، عن قرار المواجهة المنظمة للعدوان. وهذا ما لم تكن السلطة مهيأة له بحكم نمط تكوينها ونزوعها للاستعاضة عن المعطيات الملموسة، بما يترتب عليها من مهام بالوعود الفارغة وما ينجم عنها من أوهام تقود إلى مآس وانتكاسات(1).
2ـ نقطة الضعف الرئيسية في البنية الفلسطينية التي نجحت عملية «السور الواقي» في اختراقها هي السلطة الفلسطينية. لقد كشف الزلزال الذي أحدثته هذه العملية على نحو فاقع، مكامن الخلل الفاحش في بنى السلطة وفي أدائها. هذه البنى أقيمت على أساس الافتراض أن عملية التفاوض وفق صيغة أوسلو ستقود إلى تسوية تضمن قيام دولة فلسطينية، وهو افتراض يعكس المصلحة الطبقية للشريحة التي شكلت المضمون الاجتماعي للسلطة المحكوم بأن يشكل مرتعاً لعوامل الترهل الطفيلي والفساد.
وهكذا صيغت هذه البنى على قاعدة التعايش مع الاحتلال، وكان طبيعياً أن تصاب بالشلل الكامل فى ظروف المواجهة مع الاحتلال التي سادت فى أعقاب اندلاع الانتفاضة. ولأن خيار «المجابهة وصولاً إلى حل متوازن» لم يكن خياراً استراتيجياً لقيادة السلطة (بل بالأحرى كان ينظر للانتفاضة والمقاومة كعوامل ضغط تكتيكية لتحسين المواقع التفاوضية ضمن حدود الصيغة العقيمة نفسها)، فإن فترة الانتفاضة لم تشهد عملاً ملموساً لإعادة صوغ هياكل السلطة بما ينسجم مع متطلبات معركة مديدة، ويؤمن مقومات الصمود في المجابهة. وهكذا بات الشلل يتفاقم ليصل لحظة الإجتياح الاسرائيلي إلى الإنهيار.
هذا الانهيار لم يكن فقط من نصيب الأجهزة الأمنية التي افتقرت إلى الحد الأدنى من الجاهزية لمقاومة التوغل، بالرغم من البطولات الفردية المشرفة للعديد من عناصرها وبعض قياداتها. ولكنه أصاب معظم الأجهزة المدنية المعنية بتقديم الخدمات الحيوية للسكان الذين تفاقمت معاناتهم تحت وطأة وحشية الهجمة الإسرائيلية ونزعتها التدميرية المنفلتة من عقالها.
3ـ وعلى الجانب الآخر، فإن القوى الوطنية والإسلامية تتحمل بدورها قسطاً من المسؤولية عن غياب الجاهزية لمواجهة الاجتياح الشامل. وإن صح القول إنه لم يكن بمقدور القوى الوطنية والإسلامية بمعزل عن السلطة (بإمكانياتها العسكرية والإدارية والمالية) أن تضع وتنفذ خطة شاملة للمقاومة والصمود تستجيب لتحدي الاجتياح الإسرائيلي، خاصة في ضوء عدم توحد الرؤية بين مختلف هذه الفصائل حول أشكال العمل والنضال في إطار الانتفاضة، والتكتيكات الواجب اتباعها لتطويرها، فضلاً عن تباينات أخرى حول الأهداف السياسية للانتفاضة والموقف من السلطة الخ.. إن صح هذا القول، وهو كذلك إلى حدود بعيدة، فإنه لا يلغي واقع أن القوى الوطنية والإسلامية كانت على معرفة، وإن متباينة، بأوضاع السلطة وثغراتها وجوانب الضعف في أدائها، وبالتالي كان بإمكانها اجتراح خطتها انسجاماً مع إدراكها لهذه المعطيات وللسلوك المتوقع من السلطة، من أجل التعويض، عن الثغرات والنواقص بتحسين أدائها وتطوير تقديماتها في المجالين المدني والعسكري.
وفي هذا السياق أبـرزت تقديمات المؤسسات الأهلية (التي تقف وراءها قوى سياسية وفعاليات من المجتمع المدني) أهمية الاحتياجات التي لبتها، وكذلك التي بمقدورها أن تتوجه إليها فيما لو ضاعفت جهودها. كما أبـرزت ملحمة جنين التي خيضت بالاعتماد على قوى الفصائل موحدة، وكذلك تجربة القطاع التي وحدت الإمكانيات الميدانية في السلطة والفصائل بقيادة غرف عمليات مشتركة.. كم هو حيوي دور القوى الوطنية والإسلامية عسكرياً في التعويض عن أجهزة السلطة (مخيحم جنين) عندما تغيب، أو في تحفيزها (قطاع غزة) عندما تحضر.
4 ـ فاتحة عملية «السور الواقي» كانت مخيمات اللاجئين وخاتمها الملحمة البطولية في مخيم جنين. وفي هذا ما يتجاوز، من زاوية حكومة ائتلاف الوحدة الصهيونية، الوظيفة «التأديبية» للمخيمات بحكم البنية العسكرية التي ينسب إليها احتضانها، وأيضاً ما يتخطى الهدف العسكري باعتبار المخيمات هي بوابات المدن وخط دفاعها الأول، وهي التي ما زالت حتى اللحظة تشكل القاعدة الرئيسية للصمود الرادع لقطاع غزة. نقول، في هذا ما يتجاوز ما ذكر، على أهميته، ليصل إلى فتح ملف اللاجئين في الضفة والقطاع، الذي تعتبـر قوى اليمين الصهيوني بشكل خاص أن قضيتهم ستبقى مفتوحة طالما المخيمات لم تفكك أو تسوى الأرض(2).
لقد أبـرزت ملحمة مخيم جنين حيوية وفعالية التصدي الاجتياح رغم محدودية القدرات التسليحية، وأظهرت ـ بالبـرهان المعاكس ـ جسامة الخلل المتمثل بغياب خطة للتصدي توظف في خدمتها كل إمكانيات السلطة والفصائل والمجتمع، وهو خلل تتحمل مسؤوليته بوضوح قيادة السلطة. لقد كان صمود المجتمع الفلسطيني وبعض مواقع المقاومة البطولية بوجه الهجمة العاتية ملحمة حقيقية، لكنها تحققت بتضحيات ومعاناة كان ممكناً بلا شك الحد من جسامتها لو توفرت الحدود الدنيا من الجاهزية لمواجهة هجوم كان مرئياً ومتوقعاً.
3 ـ هذا الخلل الذى لمسه الجميع بالأصابع الدامية كان حافزاً لارتفاع الأصوات، في أوساط قطاعات اجتماعية واسعة، أئناء الاجتياح وبعده، بالدعوة إلى مواجهة جريئة وشاملة لأوضاع البيت الوطني الفلسطيني بما يضمن، بخاصة، إعادة بناء السلطة على أسس جديدة بعد الانهيار الذي أصاب بناها. وازدادت هذه المطالبات إلحاحاً في ضوء بـروز الميل مجدداً، لدى قيادة السلطة للعودة إلى نهج التنازلات والانحناء أمام الإملاءات الأمريكية والابئزازات الإسرائيلية كما ئمثل ذلك فى ثالث محطات بارزة سجلت كل واحدة منها سابقة أكثر خطورة من سابقاتها:
* المحطة الأولى هي «اتفاق المقاطعة» (29/ 4) الذي تم بموجبه فك الحصار عن مقر الرئاسة والانسحاب من مدينة رام اللـه/ البيرة مقابل ثمن سياسي ـ أمني فادح تمثل بإصدار الأحكام الجائرة بحق المناضلين المتهمين بتنفيذ إعدام العنصري زئيفي، وإيداعهم السجن تحت حراسة بـريطانية وإشراف أمريكي ورقابة إسرائيلية، ومعهم الأمين العام للجبهة الشعبية والعميد فؤاد الشوبكي اللذان تعترف السلطة أنه لا تهم موجهة إليهما بموجب القانون الفلسطيني. وبدلاً من تدخل دولي لحماية شعبنا من الاحتلال سجلت سابقة خطيرة بقبول تدخل دولي لحماية الاحتلال.
* المحطة الثانية هي «اتفاق كنيسة المهد» (7/ 5) الذي سجلت بموجبه سابقة أكثر خطورة تتمثل بالموافقة الرسمية الفلسطينية للمرة الأولى، على إبعاد مناضلين مطلوبين لإسرائيل إلى خارج الوطن، وإبعاد آخرين إلى قطاع غزة بما يرمز إليه ذلك من خلق تمايز بين شقي البلاد، حيث ينطبق على الضفة مالا ينطبق على القطاع، وما ينطوي عليه ذلك من تمزيق للوحدة الإقليمية الئي اعترف بها ـ نظرياً ـ حتى اتفاق أوسلو.
* المحطة الثالثة هي بيان الإدانة لعملية «ريشون ليتسيون» (8/ 5) الذي لم يكتف بشجبها لكونها موجهة ضد المدنيين، بل تجاوز ذلك لوصفها بالعملية «الإرهابية»، وسجل سابقة أشد خطورة مما سلف بوضع التعهد بمكافحة «الإرهاب الفلسطيني» في سياق الالتزام بالتحالف مع الولايات المتحدة في حربها المعلنة ضد «الإرهاب الدولي»(!) وقد استكمل هذا الإعلان بخطوات عملية لشن حملة اعتقالات ضد مناضلي المقاومة في قطاع غزة في الوقت الذي كانت فيه الدبابات الإسرائيلية تتأهب لاجتياح القطاع.
4 ـ هذه التنازلات هي استئناف للسياسة العقيمة التي امتحنتها وحكمت عليها بالفشل تجربة السنوات الماضية وآخرها منذ مؤتمر شرم الشيخ (16 ـ 17/ 10/ 2000)، فالاستجابة الجزئية للضغوط الأمريكية والإملاءات الإسرائيلية، بينما تعجز عن تحقيق هدفها المعلن في درء العدوان الإسرائيلي أو احتواء الضغط الأميركي، تفتح ـ بالعكس تماماً ـ شهية الحلف المعادي لمزيد من الضغوطات والاملاءات وتمهيد الطريق أمام العدوان، وهي فوق ذلك تنال من الجاهزية الوطنية للمجابهة، وتسيء إلى معنويات الجماهير، وتفاقم التوتر في المجتمع وفي العلاقات الوطنية وتزرع الانقسام بين أبناء الشعب الواحد.
إن الحملة العدوانية التي شنها جيش الاحتلال لم تنجح في تحقيق أهدافها السياسية، والمعركة من أجل إحباط هذه الأهداف ما زالت مستمرة ومفتوحة على أفق الانتصار وإنجاز الحقوق الوطنية، وهذا ما سيتم تناوله فيما يلي على يد محاور عمل محددة ومهمات ملموسة في «مشروع الإصلاح الوطني والتغيير الديمقراطي».
الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين / اللجنة المركزية
أواغئل حزيران (يونيو)
الهوامش:
(1) من المفارقات المأسوية بنتائجها انطلاء خدعة الرسالة الأميركية التي نقلت إلى قيادة السلطة الفلسطينية حول محدودية العملية التي ستطال المدن عشية بدء الاجتياح، فحجمت هذه العملية واختزلتها إلى حدود «عمليات التنظيف والمصادرة والاعتقالات». في ضوء ذلك قررت السلطة تمرير هذا الاستحقاق طالما أنه عابـر ولا يختلف نوعياً عما سبق من عمليات، بدلاً من إعلاء اليقظة وتنظيم عملية المواجهة، تلك المواجهة التي لم تبدأ على نحو منظم إلا على أبواب نابلس «القصبة» و«جنين المدينة والمخيم»، أي بعد أن أحرز العدو تقدماً واضحاً في الميدان. فى هذا السياق يعكس الخلاف على من يتحمل مسؤولية ما جرى فى مقر الأمن الوقائي في بيتونيا (سقوط المقر ووقوع المقاومين المحتجزين في سجون المقر بيد الإسرائيليين) صراعاً بين مراكز القوى في السلطة بخلفية الحصص والنفوذ، وليس بين خطين وتصورين حول كيفية خوض المواجهة. ويبقى الأساس بين المختلفين، مهما اشتدت وتيرة التراشق الإعلامي، وبغض النظر عن حدتها، هو، وعلى قاعدة قرار السلطة، التلاقي السياسي بالخط العام كما بأسلوب إدارة المعركة.
(2) بنى ألون رئيس حزب موليدت في 10/ 5/ 2002 : «كل عملية عسكرية لا تنتهي بتفكيك مخيمات اللاجئين ستكون على الدوام قد انتهت بشكل مبكر جداً».
 
 



#الجبهة_الديمقراطية_لتحرير_فلسطين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ندين سياسة " الترانسفير السياسي " ضد د. أحمد الطيبي
- الجبهة الديمقراطية تدين " صفقة تسليم المناضلين
- الجميع الجميع الى المقاومة
- بطاقة تعريف بالجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين


المزيد.....




- قمة كوب29: الدول الغنية ستساهم ب 250 مليار دولار لمساعدة الد ...
- حدود العراق الغربية.. تحركات لرفع جاهزية القطعات العسكرية
- وقف الحرب في لبنان.. فرص الاتفاق قبل دخول ترامب البيت الأبيض ...
- أرامكو ديجيتال السعودية تبحث استثمار مليار دولار في مافينير ...
- ترامب يرشح أليكس وونغ لمنصب نائب مستشار الأمن القومي
- بالفيديو.. منصات عبرية تنشر لقطات لاشتباكات طاحنة بين الجيش ...
- Rolls-Royce تخطط لتطوير مفاعلات نووية فضائية صغيرة الحجم
- -القاتل الصامت-.. عوامل الخطر وكيفية الوقاية
- -المغذيات الهوائية-.. مصادر غذائية من نوع آخر!
- إعلام ألماني يكشف عن خرق أمني خطير استهدف حاملة طائرات بريطا ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين - بعد الاجتياح.. استنهاض عناصر القوة الفلسطينية