|
الإسلام/ الإرهاب…..أية علاقة؟
محمد الحنفي
الحوار المتمدن-العدد: 803 - 2004 / 4 / 13 - 09:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
محمد الحنفي ايت عبد الله او المختار لقد الناس في العقود الأخيرة -على الأقل-أن يربطوا بين الإسلام و الإرهاب كنتيجة للخلط القائم في الأذهان بسبب ما يحصل في العديد من دول المسلمين و في غيرها. و الواقع أن هذا الربط مغلوط من أساسه، و سنبين ذلك من خلال معالجتنا لمفهوم الإسلام. و مفهوم الارهاب، و طبيعة العلاقة القائمة بينهما، و هل هي علاقة تجذب أم تناقض؟ مسائلين عن صحة اعتبار الإسلام الحقيقي إرهابيا. و لماذا لا يعتبر التأويل الأيديولوجي للنص الديني هو الذي يدفع المسلمين إلى ممارسة الإرهاب على بعضهم البعض؟ و ما هي السبل التي تؤدي إلى عدم التوظيف الأيديولوجي المؤدي إلى ممارسة الإرهاب على الآخر حتى نتبين الحقيقة، و نقف على أن الدين الإسلامي جاء ليقضي على أسباب الإرهاب المادي و المعنوي؟ فحقيقة الإسلام تقتضي أن يسود السلام بين المسلمين، و بينهم و بين غيرهم من المعتنقين للديانات السماوية الأخرى، و سيادة السلام تقتضي إجراء الحوار الهادئ بين المسلمين حول القضايا الخلافية و الاختلافية وصولا إلى خلاصات تتحقق معها وحدة المسلمين على اختلاف ألسنتهم و ألوانهم، و تباعد أقطارهم. و تدفع بهم إلى البحث عن سبل تجنب ممارسة الإقصاء على غير المسلمين بالسعي إلى تجنب الخوض في أمور دينهم، و توفير شروط ممارستهم لحريتهم العقائدية. فالإسلام كدين انتشر على أساس الحوار و الإقناع و الاقتناع "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة" و هو لا يسعى أبدا إلى محاربة العقائد الأخرى بل يتجاور معها و يحترمها و يشاركها أهدافها ما دامت توحد عبادة الله "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم أن لا نعبد إلا الله " و إذا كان ذا هو سلوك المسلمين الدين تلقوا تربية روحية سليمة انطلاقا من الدين الإسلامي الحنيف تجاه غير المسلمين من أهل الكتاب، و تجاه الذين لا دين لهم. فإن احترام المسلمين يكون أولى كيفما كان الاختلاف معهم. و كيف ما كانت تأويلاتهم للنصوص الثابتة من الكتاب و السنة. و مهما كان المذهب الذي يقتنعون به، و هو ما يجيز لنا أن نقول بأن الدين الإسلامي هو دين السلام. و السلام يعني تجنب اللحاق الضرر بالغير مع سبق الإصرار و الترصد، سواء كان الضرر ماديا أو معنويا، وهو ما يتنافى مع الشريعة الإسلامية التي تنهى عن ذلك فقد ورد في القرآن الكريم "و من يقتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" فالسلام إذن هو منهج إسلامي سام ، في إطاره يمكن الحفاظ على سلامة الإنسان ماديا و معنويا، و هو ما أصبحت تسعى إليه المنظمات الدولية، و الجمعيات المختصة، سعيا إلى حماية البشرية من الأضرار التي تلحقها. و السلام نقيض الإرهاب الذي يتفق الجميع على مناهضته مهما كان مصدره. و الإسلام كإيمان يرسخ في سلوك المسلمين مبدأ السلام لأن الإيمان يقود إلى أمرين اثنين في نفس الوقت: الأمر الأول : الإمساك عن إلحاق الضرر بالغير كيفما كان جنسه أو دينه أو لغته. فقد جاء في الحديث النبوي الشريف : "و الله لا يومن، و الله لا يومن، قيل من يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه" و ذكر الجار في هذا الحديث بدون ربطه بعقيدة معينة، أو بجنس معين أو بلغة معينة يحقق في نظرنا مستوى ساميا من التفكير السليم و يعكس منهج المعاملة التي يجب أن يتحلى بها المسلم المومن. أما غير المومن فقد يمارس سلوكا مخالفا يتناقض مع مبدأ الإسلام يستحق عليه اللوم. فقد جاء في القرآن الكريم : " قالت الأعراب آمنا. قل لم تومنوا و لكن قولوا أسلمنا، و لما يدخل الإيمان في قلوبكم" ومن هذه القولة يمكن أن نستخلص أن الإيمان الحقيقي يمنع صاحبه من ممارسة الإرهاب ضد المسلمين و غير المسلمين، و هو ما يدفعنا إلى القول بأن المسلمين الذين يمارسون الإرهاب ضد المسلمين و غير المسلمين بدون موجب حق ينتفي عنهم الإيمان، و خاصة في صفوف الذين يدعون وصايتهم على الإسلام، و الذين اخترنا تسميتهم " المتنبئين الجدد" الذين يصدرون الفتاوى تلو الفتاوى من أجل استئصال جذوة الإيمان من قلوب المسلمين لتحل محلها الأيديولوجيا القابلة لممارسة الإرهاب المادي والمعنوي على المخالفين من المسلمين و غير المسلمين ممن يسعون إلى بث التنوير بين الناس، و نشر أشكال الوعي بينهم. و الأمر الثاني : هو الدفاع عن المسلمين، و العمل على حماية بلاد المسلمين من الهجمات التي يمارسها غير المسلمين على ديار المسلمين كما حصل في صدر الإسلام و في كل العصور، و كما يحصل الآن ضد المسلمين الفلسطينيين من الصهاينة. فالإيمان الحقيقي إذا لم يدفع بصاحبه إلى مناهضة ما يمارس و حماية ديارهم يعتبر لاغيا، و هو ما يمكن أن نستلهمه من الآية الكريمة : " و المومنون و المومنات بعضهم أولياء بعض" و تاريخ الإسلام مليء بالمحطات المعبرة في هذا الإطار، فإذا استثنينا الغزوات التي تهدف إلى جلب المزيد من الغنائم، فإن ما قام به المسلمون من فتوحات كان يهدف إلى حماية ديار الإسلام و الدفاع عن المسلمين، و هو ما ينفي كون انتشار الإسلام على حد السيف. و الفرق بين الإيمان و الأيديولوجية هو : 1) أن الإيمان يقف عند حدود الدفع من أجل الدفاع بالقول : " أدع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة" و بالقوة : " و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" عن الإسلام و حماية ديار المسلمين، ولا يتجاوز ذلك إلى شيء آخر. و جميع المسلمين المومنين يتساوون في الاستجابة، لأنهم يغارون على دينهم و على بلادهم. 2أن الأيديولوجية لا يهمها الدفع في اتجاه الدفاع عن الإسلام و حماية المسلمين بقدر ما تدفع في اتجاه الوصول إلى امتلاك ناصية الدولة باسم الدين الإسلامي الذي يتحول إلى مجرد أيديولوجية من أجل حماية المصالح الطبقية لحاملي تلك الأيديولوجية. فإخضاع المسلمين و يرهم لسلطة " الدولة الدينية" يعتبر شرطا لاستتباب الأمن الذي لا يتوفر إلا بتطبيق " الشريعة الإسلامية "التي تصبح خير وسيلة قمعية لإخضاع مناهضي " الدولة الدينية " . ولذلك نجد أن الإيمان الخالص يلعب دورا كبيرا في إخلاص العبادة لله دون خليفة أيدلوجية ، وفي حماية الإسلام والمسلمين بناء على قاعدة الحديث الشريف الذي يقول:" من رأى منكم منكرا فليغيره ،بيده ،فان لم يستطع فبلسانه ،فان لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " . والعلاقة القائمة بين الإسلام والإيمان هي علاقة تجاذب وتنافر في نفس الوقت ، لانه ليس كل مسلم مؤمنا في الوقت الذي يعتبر كل مؤمن مسلما ، لان " الدين عند الله الإسلام "كما ورد في القرآن الكريم ، ولقوله تعالى :"قالت الأعراب ءامنا قل لم تومنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم ." فهي تكون علاقة تجاذب عندما يحترم المسلمون روح الدين الإسلامي ، ويسعون إلى تحقيق سلامة الإنسان عن طريق الابتعاد عن إلحاق الضرر به ، واحترام قناعاته الدينية والإيديولوجية ، والكف عن الاستغلال الأيدلوجي للدين الإسلامي . وتكون علاقة تنافر عندما لا يكون المسلمون مؤمنين ، ويسعون إلى إرهاب الآخر ، والحاق الأذى به ، لان انعدام الإيمان ، أو ضعف المساحة التي يشغلها ، ويفسح المجال للاستغلال الأيدلوجي للدين الإسلامي . ذلك الاستغلال الذي يحول الإسلام إلى دين للتسلط والقهر وظلم المسلمين ،أي إلى دين للإرهاب ، إرهاب الأفراد وإرهاب الجماعات ، وإرهاب الدولة الذي يلحق المسلمين . وهو ما يحدث تنافرا بين الإسلام والإيمان الذي يجنحة صاحبه إلى المسلم " وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله". وهكذا نجد أن الإسلام عندما يشحن بحمولة الإيمان الصادق يصير سلاما يستقطب المزيد من المقتنعين به المقتنعين له . من مشارق الأرض ومغاربها . أما عندما يفتقر إلى حمولة الإيمان يتحول إلى ممارسة أيدلوجية منتجة لكافة أشكال الإرهاب المادي والمعنوي الذي ينفر الناس من الإسلام ، وهو ما يتنافى مع حقيقته . والواقع أن الإسلام عندما يتحول إلى مجرد أيدلوجية يقود إلى ممارسة أشكال الإرهاب المادي ولمعنوي لاعتبار واحد وحيد ، وهو توظيف الدين الإسلامي لخدمة المصالح الطبقية للمتنبئين الجدد من الفقهاء الذين يسعون إلى فرض ولايتهم على المجتمع ككل ، سواء كانت تلك الولاية مباشرة أو عبر خدمة الفقهاء لنظام استبدادي معين. و الإرهاب الذي يمارسه المؤدلجون للدين الإسلامي يعني في عمقه ممارسة الإقصاء على الآخر الذي يتخذ عدة مستويات : 1)مستوى التكفير الذي يسود في إطاره اعتقاد المتنبئين الجدد أنهم وحدهم المومنون، و من سواهم لا إيمان له، و المقياس المعتمد هو الانتماء إلى إيديولوجية المتنبئين الجدد، أو عدم الانتماء إليها. و هو ما يكسب هؤلاء شرعية الجهاد الله الذي لا يعني في عمقه إلا إرغام الناس و بكافة الوسائل على الخضوع لارادة المتنبئين الجدد. 2) مستوى التفريق بين أفراد المجتمع، فمنهم "المومنون" المنساقون وراء المتنبئين الجدد، المنخدعون بأيديولوجيتهم التي يسمونها "إسلاما" و منهم "الكافرون" الذين يرفضون الانسياق وراء المتنبئين الجدد، حتى و إن كانوا مومنين فعلا بحقيقة الاسلام، و عاملين على الدفاع عنه، و حماية المسلمين. و في إطار هذا المستوى يسعى المتنبئون الجدد إلى عملية التحريض المستدامة التي يسمونها "جهادا" فينشب صراع بين "المومنين" و "الكافرين" على المستوى الأيديولوجي ثم على المستوى السياسي لينتقل بعد ذلك إلى مستوى التصفية الجسدية كما يحصل في العديد من البلدان الإسلامية. و كما حصل من قبل في لبنان من قبل. 3)مستوى التضحية الجسدية حيث يدخل المتنبئون الجدد في التخطيط لتصفية الرموز و الشخصيات المؤثرة و القائدة لعملية بث الوعي الحقيقي الذي يعرقل المد الأيديولوجي للمتنبئين الجدد. و الرموز المستهدفة تكون سياسية وفكرية كما هو الشأن بالنسبة للشهداء : عمر بنجلون، و مهدي عامل، و حسين مروة، و سهيل طويلة، و فرج فودة، و القائمة طويلة. و قد ينتقل الأمر إلى التصفية الجماعية بكاملها كما يحصل في الجزائر. و هذا النوع من الإرهاب يعتبره المتنبئون الجدد بمثابة قربان "يتقربون به إلى الله تعالى" و كأن الله أوكل إليهم أمر المسلمين يفعلون بهم ما يشاؤون كما حصل في كل مراحل تاريخ المسلمين. و بناء على هذه المستويات الثلاثة يمكن أن نصنف الإرهاب إلى : 1) إرهاب مادي يهدف إلى إلحاق الضرر بالمخالفين و هذا الضرر يبتدأ بسلب الأموال باعتبارها "غنيمة”. 2) و لا باحترام القناعان، و عبر جرائد و كتب المتنبئين الجدد. فأصحاب القنا عات المخالفة كفرة و ملحدون و زنادقة، ، و علمانيون (للتحقير) أو لائكيون، و متغربون، و عملاء للصهاينة و غير ذلك من الأوصاف القبيحة التي لا يناسب استعمالها أناسا يدعون وصايتهم على الإسلام. 3)إرهاب فكري ينصب على البحث في الأفكار و محاولة إيجاد منفذ لوصف أصحابها و حامليها بالإلحاد و الزندقة و الكفر من أجل تنفير الناس من الأفكار المتنورة التي ينشرونها عبر كتبهم و مقالاتهم. و هذا النوع من الإرهاب قد يكون مبطنا بالإرهاب المادي، لأنه يحمل في طيه دعوة إلى التخلص من مبدعي تلك الأفكار. وهذه الأشكال من الإرهاب هي الأسلحة التي يركز عليها ، ويستعملها المتنبئون الجدد لفرض أيدلوجيتهم التي يدعونها "إسلاما " وجعل غالبية بسطاء الناس ينساقون وراءهم ليعمدوا بعد ذلك إلى توظيفهم لممارسة أشكال الإرهاب المادي والمعنوي على المخالفين ، وإقصاءهم بعيدا عن مجال تحرك المتنبئين الجدد. وقد يطرح سؤال حول علاقة الإسلام بالإرهاب وهل هو دين الإرهاب ، أم أنه يلصق به انطلاقا من ممارسة " المسلمين " لامن حقيقة الإسلام؟ إن الخلط الذي يقع فيه الكثير من الناس يكمن ف كونهم لا يميزون بين الإسلام الحقيقي وبين الإسلام المؤدلج . فالإسلام الحقيقي كما أوضحنا ذلك في الفقرات السابقة هو دين الإسلام المنبعث من عمق الإيمان الإسلامي الذي يقودنا إلى استحضار إرادة الله في العدل والمساواة بين البشر باعتبار ذلك منطلقا لاحترام الرأي الآخر الذي له الحق في التعبير و الإفصاح عن الفهم المخالف للواقع الاقتصاديو الاجتماعي والثقافي والسياسي انطلاقا من النص الديني . أما الإسلام المؤدلج المعبر عن مصالح المتنبئين الجدد ، فانه يوحي بضرورة ممارسة الإرهاب الذي يسمونه جهادا ضد كل من لا يخدم تلك المصالح ولا ينصاع لارادة المتنبئين الجدد . فأشكال الإرهاب التي أشرنا إليها تحضر بكثافة في ممارسة مؤد لجي الدين الإسلامي . وأول شيء يجب أن يحضر في ممارسة المسلمين هو التمييز بين الإسلام الحقيقي والإسلام المؤدلج حتى يتبينوا أن الإسلام الحقيقي لاعلاقة له بالإرهاب . وأن الإسلام المؤدلج هو الذي يقود إلى ممارسة الإرهاب نظرا للفروق القائمة بين الإسلاميين ذلك: 1)إن الإسلام الحقيقي ينبع من روح لنصوص ويهدف إلى التربية الروحية والعقلية و الجسدية للمسلمين من أجل مواجهة كل أشكال الإرهاب التي قد تمارس عليهم كما مورست على المسلمين الأوائل وفي مقدمتهم محمد "ص" . 2)أن الذين أد لجوا الإسلام لم يستطعوا النفاذ إلى عمق الإيمان الإسلامي لزحزحة قناعة المسلمين الحقيقيين بحقيقة الإسلام ودوره في إعداد المسلمين لفظ كرامتهم من الاستغلال لصالح مؤد لجي الدين الإسلامي . 3) أن حفظ الدين الإسلامي هو مهمة جماعية توكل إلى الشعوب المومنة به بإرادة الله تعالى الذي ذلك الحفظ لبشر معين أولجماعة معينة ، بل أوكله لنفسه " انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون " وكما نعلم : فان إرادة الشعوب من إرادة الله. 4)أن الإسلام المؤدلج لاعلاقة له بالإيمان .لانه لا يسعى إلى حفظ كرامة الإنسان كما يسعى إلى إهدارها بكل الوسائل لجعل المسلمين في خدمة المستفيدين من تلك الادلجة . 5)أن الإسلام المؤدلج يلجأ موظفوه إلى كل أشكال الإرهاب لفرض سيادة المتنبئين الجدد على مجمل الشعوب الإسلامية حتى يتمكنوا من السيطرة على مجمل الخيرات المادية والأدبية . والمسلمون عندما يدركون هذه الفروق يستطعون امتلاك وعي إسلامي حقيقي ، ويعرفون أن حقيقة الإسلام لا تتناقض مع تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية . هذه العدالة التي ترفض أن يصبح الدين الإسلامي فيخدمة المتنبئين الجدد لتناقض ذلك مع كونه موجها للناس جميعا . ولاستحالة أن يكون الله غير عادل بين عباده. فهل يمكن أن يصير الإسلام الحقيقي إرهابيا؟ إن ما أوردنا في الفقرات السابقة من هذه المعالجة يؤكد أن الإسلام الحقيقي لايمكن أن يكون إرهابيا لان طبيعته-التي هي من إرادة الله – تتناقض مع الإرهاب سواء كان ماديا أو معنويا . فقد قال تعالى في القران الكريم "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " . ولذلك لا يصير إرهابيا بقد رما يرمي إلى الرغبة في التخلص من الإرهاب . وتوفير الحياة الكريمة للناس جميعا ، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين " يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا ونساء واتقوا الله الذي يتساءلون به والأرحام . إن الله كان عليكم رقبا وآتو اليتامى أموالهم ولاتبدلوا الخبيث من الطيب ولاتاكلوا أموالهم انه كان كبيرا" . وهذا النص وغيره من نصوص القران الكريم الذي يقرر في هذه الجزئيات لايمكن أن يجعل الإسلام الحقيقي يسعى إلى الإرهاب لتناقضه مع التقوى التي تعني عدم ارتكاب أفعال تلحق الضرر بالبشر وتهدر كرامتهم . وإذا كان الإسلام يتضمن معنى السلام . فان الإرهاب يعني انعدام الأمن الروحي والجسدي ، كما يعني إلحاق الضرر المادي والمعنوي بالآخر الذي لا يقوى على المواجهة المادية والمعنوية ، ومادام السلام والإرهاب إلى ما شاء الله . والذي يقف وراء نسبة الإرهاب إلى الإسلام هو التعريف الذي يلحق المفاهيم الإسلامية بسبب التأويلات المؤدلجة للدين الإسلامي . والتي تعدد بتعدد التيارات المؤدلجة له ، التي تختلف مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية كما تختلف انتماءاتهم الطبقية والمذهبية . والتأويلات المغرضة التي تستهدف أد لجة الدين الإسلامي عرفت منذ انقسم المسلمون إلى مذاهب الشيعة والخوارج ، والأمويين والزبيرين ليشرع كل مذهب سياسي في تأويل آيات القران الكريم ورواية الحديث بما يتناسب مع ما يقتنع به كل فريق وما يمكن اعتماده في إصدار الأحكام والفتاوى بالتكفير والقتل . وهو ما أدى إلى عملية الاغتيال التي يمكن اعتبارها سنة سيئة في تاريخ المسلمين . والسنة السيئة عمل منبوذ بنص الحديث " من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ،ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ". وإذا كان المسلمون الأوائل قد لجأوا إلى توظيف النص الديني تأويلا واختلافا فلأن المسلمين فيذلك كانوا يفتقرون إلى التراكم النظري الذي يساعدهم على فهم واستيعاب ما يجري بخلاف ما عليه أمر المسلمين اليوم الذين تحيط بهم النظريات السياسية من كل جانب مما يجعلهم في غنى عن توظيف الدين الإسلامي لأغراض حزبية ضيقة وبالإضافة إلى ذلك . فالوعي الطبقي كان منعدما . والعبودية كانت مترسخة في أدهان المسلمين إلى أبعد حد ممكن مما يعتبر تخلفا حتى عن ممارسة الرسول "ص" ، وممارسة بعض الصحابة كأبي بكر وعمر ، وعبد الله بن عمر الدين كانوا يشجعون على تحرير العبيد . وهو ما يجعل الدارسين يعتبرون الإسلام دين الحرية . وما راكمته المذاهب السياسية / الحزبية منذ القدم أعطى إمكانية الاعتقاد بأن الإسلام دين ودولة ، وبان ما حصل في عهد الرسول وفي عهد الخلفاء من بعده يعتبر دولة إسلامية وهو ما يجانب الحقيقة كما أوضحنا ذلك في مكان آخر . ولذلك نجد أن مؤد لجي الدين الإسلامي في عصرنا يحدون حدو القدامى . ويسعون إلى فرض تأويلاتهم المغرضة على جميع المسلمين مستعملين في سبيل ذلك كل أشكال الإرهاب المادي والمعنوي ، ومستغلين انتشار الأمية بنسبة كبيرة في صفوف المسلمين ، واستبدادية الأنظمة الحاكمة لجعل الناس يقتنعون بتأويلاتهم الأيدلوجية ، واتخادلك الاقتناع وسيلة لممارسة الإرهاب على المخالفين كما أوضحنا ذلك في الفقرات السابقة . و على هذا الأساس، فالإسلام الحقيقي سيبقى نقيضا للإسلام المؤدلج، و للمحافظة على الإسلام الحقيقي لابد من إشاعة الديمقراطية بمفهومها الاقتصادي و الاجتماعي و السياسي بين المسلمين حتى لا تتحول بلاد المسلمين إلى مفرخة للإرهاب بسبب التحريف الذي يصيب مضامين النصوص الدينية عن طريق التأويلات المؤدلجة. فما هي سبل عدم توظيف الإسلام لممارسة الإرهاب؟ إن تجاوز مشكل توظيف الدين الإسلامي كأيديولوجية تقود إلى ممارسة الإرهاب على الآخرين يقتضي : 1)إعادة الاعتبار للإسلام الحقيقي عن طريق دعم استحضار التأويل البريء من الأيديولوجية عبر هيئات مختصة، يساهم الجميع في تكوينها من منطلق أن الدين لله، و ليس من حق أحد احتكاره، بدعوى أنه من علماء الاسلام، أو فقهاء الشريعة الإسلامية، من أجل إيجاد فهم مشترك للنصوص الدينية حتى تبقى مرجعا للاحتكام إليها في المسائل الخلافية. 2)استحضار ما وصلت إليه البشرية من تطور اقتصادي، و اجتماعي، و ثقافي، و مدني، و سياسي في صياغة ذلك الفهم المشترك حتى لا نبقى محكومين بتأويلات الأقدمين المحكومة بالإيديولوجية التي أصبحت متجاوزة، و موظفة من طرف مؤدلجي الدين الإسلامي. 3)وضع دستور تكون فيه السيادة للشعب في كل بلد من بلاد المسلمين حتى يشعر المسلمون بأن من حقهم أن يقرروا في مصيرهم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي. 4)إجراء انتخابات حرة و نزيهة بإشراف هيئة مستقلة تشرف على تطبيق قوانين انتخابية تضمن نزاهة الانتخابات، و تردع كل أشكال التزوير التي تطال النتائج الجماعية و البرلمانية. 5)تكوين حكومة ائتلافية وطنية بمساهمة الجميع للإشراف على وضع دستور و إجراء الانتخابات. 6)العمل على إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية التي تعاني منها الجماهير الكادحة بما فيها إيجاد حلول لمشكلة العطالة، و الأمية، و الحماية الاجتماعية، و مشاكل الفلاحين الذين يتعرضون لكافة أشكال الاستغلال المادي و المعنوي. 7)العمل على إيجاد تعليم وطني متحرر يهدف إلى بناء الإنسان المتحرر، و يلبي الحاجيات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية. 8)العمل على إشاعة حقوق الإنسان بمفهومها التقدمي و الكوني و الشمولي و الديمقراطي و الجماهيري و المستقل. 9)بناء اقتصاد وطني متحرر من التبعية للاقتصاد الرأسمالي العالمي. 10)ملاءمة القوانين و التشريعات مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان بصفة عامة و بمختلف الحقوق الخاصة بالمرأة و الطفل، و العمال، و نشطاء حقوق الإنسان….الخ بصفة خاصة. 11)دعم الأحزاب و النقابات و الجمعيات المهتمة بتأطير المواطنين من أجل خلق اهتمامات مختلفة بالأفراد و الجماعات. و عندما ينشغل المسلمون بأمور الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية بعيدا عن التوظيف الأيديولوجي للدين الاسلامي، فإن العقيدة تتحول إلى ممارسة تستهدف استحضار التربية الإسلامية في المعاملة. فقد جاء في الحديث النبوي الشريف : "الدين المعاملة" و مفهوم المعاملة هنا لا يجب أن ينحصر في مجرد أخلاق المعاملة العادية ، بل يتجاوز ذلك إلى المعاملات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية باختياراتها و قانونيتها و نظمها. و المعاملة لا تكون إسلامية إلا إذا تحقق في إطارها احترام كرامة الإنسان و تحققها على أرض الواقع الذي يتمتع فيه كل فرد بحقوقه الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية في إطار الجماعة التي ينتمي إليها، و التي يجب أن تكون باختيارات شعبية و ديمقراطية. وبذلك يتم تمهيد الطريق أمام عوامل جديدة تحول دون وجود الإرهاب في مجتمعات المسلمين ، لان ذلك سوف يغير من سلوكهم ومن نمط تفكيرهم وتطهير عقيدتهم من الأيدلوجيا التي تكون مطية لممارسة الإرهاب . من أجل مجتمع للمسلمين بلا إرهاب بلا استغلال أيدلوجي للدين الإسلامي . وما يجب أن نف عنده قليلا هو أن الاستغلال الأيدلوجي للدين الإسلامي يصدر عن المتنبئين الجدد وحدهم فقط . بل إن الأنظمة القائمة في بلدان المسلمين تعمل على تكريس الاستغلال الأيدلوجي للدين الإسلامي لتتستر على استبدادها ، وتنشئ لهذه الغاية مؤسسات وجمعيات ووزارات ، وتجند لغاية الادلجة جيشا من المتنبئين الجدد الذين يضعون أنفسهم في خدمة الأنظمة الاستبدادية القائمة في بلاد المسلمين بموازاة مع رجال الكنيسة الذين يتحصصون في معرفة النص الديني وتأويلاته المختلفة . ووصولا إلى صياغة تأويل يعطي الشرعية للحاكمين ، لان علماء المسلمين هم أنفسهم "رجال الدين" الذين تنصبهم الأنظمة لقائمة وتوجههم لخدمة النص الديني سعيا إلى توظيفه لرغبة الحكام . والاستغلال الأيدلوجي من قبل الأنظمة القائمة للنص الديني يترتب عنه إرهاب الدولة الذي يبرره المتنبئون الجدد خدمة لمصالح الأنظمة الاستبدادية من خلال الآلة الإعلامية المتطورة التي تحول كل من خالف تلك الأنظمة الاستبدادية الرأي في أسلوب الحكم الذي تتبعه إلى كافر ، أو زنديق …. الخ . والخلاصة أن علاقة الإسلام الحقيقي جاء في الأصل لتقويض أسلوب الإرهاب ، وليبث تربية راقية بين البشر حتى يقبلوا على تكريم الإنسان بتمتيعه بكل حقوقه الاقتصادية و الاجتماعية والثقافية والسياسية التي هي قوام حفظ تلك الكرامة التي أكد عليها الله تعالى في قوله" ولقد كرمنا بني آدم " . أما الإسلام المؤدلج فهو لا يخدم الامصلحة المتنبئين الجدد . وارتباطهم بالأنظمة الاستبدادية القائمة في بلاد المسلمين ، ولذلك فهو يتناقض مع حفظ كرامة المسلمين ، كأفراد أو جماعات ، فيحرمون من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية ، وبسبب حرصهم على المطالبة بتلك الحقوق يتعرضون لكل أشكال الإرهاب المادي والمعنوي .سواء من طرف الأنظمة الاستبداديةالمؤدلجة للدين الإسلامي ، أومن طرف تنظيمات المتنبئين الجدد التي تسعى إلى الوصول إلى السلطة في إطار دولة ولاية الفقيه . ولتجاوز ظاهرة الاستغلال الأيدلوجي للدين أل إسلامي المنتج للإرهاب لابد من إعادة صياغة واقع المسلمين على جميع المستويات سعيا إلى تحقيق مجتمع يسود فيه السلام وتتحقق في إطاره كرامة الإنسان ، وتختفي منه المعاناة الناتجة عن القهر الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي ليحل محلها الاطمئنان إلى الحاضر والمستقبل والتفرغ لبناء واقع جديد خاب من عوامل إنتاج الإرهاب. ومتوفر على الإمكانيات المادية والمعنوية الضرورية لسعادة الإنسان في الحياة الدنيا التي تعتبر مطية للسعادة في الحياة الأخرى . فهل يعمد المسلمون إلى إعادة النظر في فهمهم الإسلام الحقيقي حتى لا يختلط بالإسلام المؤدلج ؟ هل يميزون بين إسلام السلام واسلام الإرهاب ؟ هل يعملون على حفظ كرامتهم من خلال حرصهم على التمتع بكل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية ؟ هل يسعون إلى القضاء على كل أشكال الأمية السائدة بينهم حتى يقووا على مواجهة متطلبات العصر . واستيعاب قيم الحداثة ؟إنها أسئلة نطرحها من أجل العمل على إيجاد مسلم من نوع جديد ، يرفض أدلجةالدين الإسلامي ويعمل على طهارته من كل أشكال الإيديولوجية حتى يصير خالصا سائفا لعبادة الله تعالى،وحفظ كرامة الإنسان . محمد الحنفي ابن جرير في 22-8-2001
#محمد_الحنفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|