|
طريق المصالحة الوعر
عدنان شيرخان
الحوار المتمدن-العدد: 2624 - 2009 / 4 / 22 - 09:07
المحور:
حقوق الانسان
في مواضيع سياسية كثيرة ينبغي ان يكون الوضوح هو السمة السائدة، ولكن قد يلجأ السياسي المحنك صاحب الخبرة الطويلة احيانا الى الغموض ليمرر ما يريد، او تكون تصريحاته الغامضة المبطنة مجسا يريد من خلالها اختبار ردود الافعال .ثم يلجأ مكتبه او الناطق بأسمه فيما بعد الى اصدار بيان مقتضب يقول فيه: " اسيء فهم التصريحات التي ادلى بها، وانه لم يكن يقصد ... ". الشيء المؤكد ان موضوع المصالحة في العراق لايحتمل الغموض، وعلى السياسيين ان يكونوا بغاية الوضوح عندما يتحدثون في هذا الموضوع، لان اهم المعوقات التي تعترض سبل الوصول الى مصالحة وطنية شاملة يتعلق بتعريف مفهوم المصالحة نفسها، ومن ثم الاتفاق بشأن تحديد الاطراف التي من المفترض المشاركة فيها، والاطراف التي تستبعد ولماذا؟ وهل من الضروري انشاء لجان الحقيقة المختصة بالاستماع الى شهادات الضحايا والجناة في آن واحد، وما وقع مشاهدة جلسات هذه اللجان على الجمهور، وهل من الممكن القفز على مرحلة العدالة الانتقالية للوصول الى مصالحة وطنية شاملة ترضي جميع الاطراف. كثيرا ما تطرح تجربة جنوب افريقيا في المصالحة الوطنية كتجربة ناجحة ورائدة، ولكن - مع الاسف- لا يعرف الكثير من الناس تفاصيل مهمة عن تجربة جنوب افريقيا، وقد اتاح برنامج للامم المتحدة الفرصة لي ولزملاء ناشطين في المجتمع المدني التعرف عن كثب على التجربة بالسفر الى جنوب افريقيا صيف العام الماضي. اول ملاحظة مهمة اود تسجيلها عن تجربة جنوب افريقيا هو وجود قطبين عظيمين الاول هو نيلسون مانديلا، والقطب الآخر الذي لايقل شأنا عنه ويمثل نظام الفصل العنصري وهو الرئيس فردريك دي كليرك، الفائز بجائزة نوبل للسلام مناصفة مع مانديلا، وقد اناب الرجلان بامانة واخلاص وعبقرية كل عن الشعب الذي وراءه، اجادا قراءة الماضي والحاضر والمستقبل بشكل رائع وصحيح، وهذا ما تفتقده عملية المصالحة في العراق. الملاحظة الثانية المهمة تتعلق بروح الصفح العالية والتسامح والرغبة في نسيان الماضي وفتح صفحة جديدة. وربما يكون من المفيد والمحبط في آن واحد القول ان ما حدث في جنوب افريقيا ربما لا يمكن ان يحدث في انحاء اخرى من العالم. اود ان اشير الى ان خلط الاوراق في التعريف بعملية المصالحة عمل خطير، لا يؤدي فقط الى عرقلة العملية برمتها، وانما الى نتائج عكسية، فمثلا تجد من لا تتوقع منه ان تلتبس عليه الامور لعلمه وعمره وتجربته في الحياة، يحدثك عن المصالحة ممزوجة بكلمات: (السماحة واليسر والرفق واللين والتسيير والمداراة)، ويستعين بايات من الذكر الحكيم، ويذهب الى ان القابل بشروط الجاني الذي يريد الصلح بلا اية تبعات حتى ولو اخلاقية كالاعتذار هو حبيب لله ورسوله، والرافض الدخول الى المصالحة الا بشرط تعويض الضحايا ومعرفة ما جرى هو متشدد متعصب واصل البلاء على الارض. وهذا كلام قد يصح على المصالحة بين الاشخاص والعشائر على ابعد احتمال، وليس مصالحة سياسية تهم مصير البلاد وملايين الضحايا، والتي تمكن المجتمع من تجاوز حالات الاحتقان ومسائل الثأر الشخصي والقبلي. ومن حق اطراف متضررة من فكر وممارسات النظام السابق اعتبار مثل هذه الدعوات عملية تهيئة اجواء ومناخ للتحايل واجبار الضحايا على المغفرة والسماح وايجاد مبررات للمذنبين والمجرمين للافلات من المحاسبة. وعندما يخفق اولو الامر في تثبيت خارطة طريق واضحة للمصالحة الوطنية، سيكون مصير المؤتمرات والاجتماعات التي تعقد لالقاء الخطب والاستهلاك الاعلامي الفشل الذريع، والخلل عندنا واضح ويتمثل في عدم تسمية الاطراف المعنية تماما بالمصالحة، وهذا يرجع الى حد بعيد للضبابية التي تلف مسألة تعامل النخبة السياسية مع الماضي، واعني وبدون لبس فترة حكم النظام البعثي السابق والتاريخ الاجرامي الاسود الذي يحمل وزره، ويبدو واضحا الى اين ترمي مطالب اطراف محسوبة على النظام السابق ادخال الجرائم والخروقات التي سجلت في الفترة التي تلت تغيير العام 2003، كحزمة واحدة لبحث موضوع المصالحة. سيعقد تأخير البدء بالمصالحة العملية برمتها الى حد بعيد، لان عمل لجان الحقيقة والمصالحة وفترة العدالة الانتقالية جاءت في جميع تجارب الشعوب بشكل مباشر بعد سقوط انظمة الفصل العنصري او الشمولية الدموية التي تسببت في تغييب ملايين البشر. وتأخير المصالحة او الغاؤها لن يعني ان المجتمع سيجد نفسه يوما معافى بدونها، سأستشهد هنا بقول بليغ لكبير اساقفة جنوب افريقيا ورئيس لجنة الحقيقة والمصالحة دزموند توتو: ( نحرج انفسنا اذا قلنا ان الماضي سيذهب وينسى، الماضي باق، واذا لم نكن قمنا بما قمنا به في لجنة الحقيقة والمصالحة، فأنه سيعود، الماضي وحش، ويجب مواجهة هذا الوحش وجها لوجه، والا سيعود مرات ليرهبك )، وقبل نحو شهر اثارت تصريحات سياسي عراقي بارز بشأن دعوات مصالحة مع البعثيين، ردود فعل سلبية قوية، مقالات وكتابات ترفض ان تكون المصالحة بلا ثمن، ايقضت هذه التصريحات الماضي المؤلم، وهو الوحش الذي عناه القس توتو ...
#عدنان_شيرخان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سنة مفقودة
-
وجها التغيير
-
لويزا موركانتيني
-
العقد الاجتماعي
-
الاكثر تحملا
-
دحر الفساد
-
نعمة النفط المفقودة
-
النفط والسياسة
-
بيئة انتخابية
-
وعود انتخابية
-
الكوتا في خطر
-
الثقافة السياسية
-
اشكالية المفهوم
-
سيداو ياسيداو
-
هل نحن ازاء ازمة اقتصادية ?
-
كفاءة الناخبين
-
اعداء المجتمع المدني
-
الحكم الرشيد
-
رياح الاصلاح
-
الاحزاب السياسية
المزيد.....
-
كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
-
اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
-
السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في
...
-
ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
-
السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير
...
-
غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا
...
-
شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
-
هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و
...
-
ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها
...
-
العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|