|
فدائيو مقتدى- صدام، يفرضون الإضرابات بالقوة
عبدالخالق حسين
الحوار المتمدن-العدد: 803 - 2004 / 4 / 13 - 09:01
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
كان الشعب العراقي مختطفاً من قبل سلطة المافيا البعثفاشية بقيادة صدام حسين لمدة 35 عاماً إلى أن تم تحريره من قبل قوات التحالف بقيادة أمريكا يوم 9 نيسان/أبريل 2003. وقد شاهدنا كيف عبر الناس عن فرحتهم الغامرة في ذلك اليوم الأغر، بتدمير رموز النظام الساقط من أصنام صدام المنتشرة في طول البلاد وعرضها وضربها بالنعال. ولكن تسلط البعثيين على رقاب الشعب ل 35 عاماً قد أكسبهم خبرة لا تقدر في التكيف مع مختلف الأوضاع المستجدة وتجييرها لصالحهم ومواصلة اضطهادهم للشعب و تدميرهم للوطن حتى وهم خارج السلطة.
فما أن سقط النظام الفاشي حتى سارع فدائيو صدام حسين بتغيير جلودهم والانضمام إلى ما يسمى ب«جيش المهدي» وأنصار مقتدى الصدر و«المقاومة الوطنية» و«أنصار الإسلام» و«جيش أنصار السنة» و«سرايا المجاهدين» وغيرها من الأسماء التي ما أنزل الله بها من سلطان، وراحوا يمارسون ذات السلوك البعثي القديم المعروف في ترويع الناس الأبرياء ورفع صور مقتدى بدلاً من صور صدام مرددين ذات الهتاف البغيض «بالروح بالدم.. » لا بل وحتى ذات الملابس السوداء التي كان يرتديها فدائيو صدام تشبهاً بفاشيي موسوليني.
تماماً وعلى طريقة البلطجي صدام حسين وعصابات البعث الذين كانوا يفرضون الإضرابات على أساتذة وطلبة المدارس والجامعات بالمسدسات قبل حوالي أربعين عاماً، تمهيداً لانقلابهم الأسود في 8 شباط 1963، كذلك أنصار مقتدى الصدر يتبعون اليوم ذات التكتيك الإرهابي بفرض الإضرابات على العراقيين بتهديدهم بالقتل. فمرحى بهذه «الشعبية الواسعة» التي يتمتع بها مقتدى الصدر..خليفة صدام، شعبية بقوة السلاح وتهديد العراقيين بالموت إن لم يذعنوا لأوامرهم القرقوشية!
ولم تتوقف الأوامر على تعطيل العمل في المدارس وغيرها من الدوائر الحكومية فحسب، بل تجاوزت حتى إلى أصحاب المخازن التجارية والمخابز ومحلات بيع المواد الغذائية. إذ يقول تقرير في صحيفة الشرق الأوسط لبوم أمس، 10/4/2004 ، بهذا الخصوص: « اكد مواطنون عراقيون ان الحياة تعطلت منذ أول من أمس في المؤسسات الحكومية والمراكز الخدمية الخاصة، حيث وزعت منشورات في بغداد وبقية المحافظات العراقية تضمنت تهديدات مباشرة أمرت المدارس واصحاب المحلات التجارية والمخابز والمطابع بالاغلاق أمس واليوم تضامنا مع احداث الفلوجة وحركة مقتدى الصدر». فيا ترى، من المتضرر من تعطيل الحياة في العراق، هل قوات التحالف أم الشعب العراقي؟ ولماذا تعطيل الخدمات وتحريم الأطفال من مواصلة تعليمهم في المدارس؟
وكنموذج من هذه الأعمال البلطجية التي يتبعها البعثيون الذين ظهروا تحت اسم «جيش المهدي» وأنصار مقتدى يقول التقرير: «.. قالت مديرة مدرسة ابتدائية ... امس ان شابين مسلحين من انصار مقتدى الصدر اقتحما مكتبها في وقت مبكر من صباح يوم الخميس الماضي واصدرا لها الاوامر بتعطيل الدراسة حتى يوم الاثنين طالبين منها السماح للطالبات بالخروج من المدرسة فورا. وقالت «اخبرتهم بانني اتلقى الاوامر من مديرية تربية الكرخ وهذه مسؤولية، فاجابني احدهم بلهجة تهديد: هل انت قادرة على مخالفة تعليمات السيد مقتدى؟ وهل تتحملين مسؤولية حياة الطالبات؟». واضافت مديرة المدرسة التي رفضت نشر اسمها لاسباب امنية انها رضخت للتهديدات وسمحت للطالبات والمعلمات بالخروج بعد ان اخبرتهن بان يوم السبت عطلة و«ماكو دوام». (الشرق الأوسط، 10/4/2004).
كما «... قامت ميليشيات «المهدي» بهدم قرية بأكملها بدعوى ان اهلها لا يتبعون تعاليم الاسلام وفقا لطروحاته. قاموا ايضا بنهب بنوك في منطقتهم، وقاموا بالاستيلاء على مراكز شرطة عراقية، معتبرين انفسهم المسؤولين الوحيدين عن الأمن». (عبدالرحمن الراشد، الشرق الأوسط، 10/4/2004).
أليس هذا هو سلوك البعثيين خلال سنوات حكمهم البغيض والحياة البائسة التي فرضوها على الشعب؟ وإزاء هذه الأوضاع المرعبة، هل من الصحيح إلقاء اللوم على مجلس الحكم أو قوات التحالف في سلوك هذه العصابات السائبة؟ وهل لدى النقاد أية خطة عملية لإيقاف هؤلاء الخارجين على القانون عند حدهم وحماية الناس من بطشهم؟
إن فلول النظام الساقط، المتسترين وراء مختلف العصابات الإرهابية الدينية وتحت مختلف المسميات، هدفهم إعادة حكم صدام حسين وإيقاف عجلة التاريخ وإفشال بناء العراق الجديد الديمقراطي الفيدرالي المزدهر. وهؤلاء مدعمون من قبل دول الجوار، إيران وسوريا تحديداً والأصوليين الوهابيين في السعودية، لتدمير العراق من أجل حماية أنظمتهم من ذات المصير الذي لقيه نظام صدام حسين. وهناك تقارير تفيد أن الحكومة الإيرانية وضعت كل ثقلها المالي والعسكري والإستخباراتي لجعل العراق فيتنام جديدة لأمريكا، كما يحلمون، بدلاً من المواجهة مع الدولة العظمى على أراضيها. ولهذا دفعت إيران 80 مليون دولار لتدريب 1000 من أنصار مقتدى الصدر في كرمنشاه على حرب العصابات والقتل والتخريب في العراق. إضافة مئات الملايين الأخرى من الدولارات لدعم التخريب في العراق في المجالات التخريبية الأخرى. كما دفعت إيران بالألوف من جواسيسها وعملائها لتصعيد التوتر والإرهاب في العراق بمناسبة الذكرى الأولى لإسقاط نظام القابر الجماعية.
وعليه، فإننا نهيب بكل المخلصين من أبناء الوطن وخاصة الذين في موقع المسؤولية من أعضاء مجلس الحكم والوزارة والقوات المسلحة والإداريين وغيرهم، إن الموقف حرج جداً يهدد بتدمير العراق وتفتيت شعبه. وإذا تركت الأمور على حالها فستؤدي إلى كارثة وطنية ومأساة إنسانية كبرى لا تقل فظاعة عن مجازر إبادة الجنس التي ارتكبتها قبائل الهوتو ضد التوتسي في رواندا قبل عشرة أعوام. لذلك فالوضع يتطلب الحكمة والروية والعمل على سيطرة الأمور بحزم. وقد استغربنا من لجوء عدد من أعضاء مجلس الحكم والوزراء إلى الإسراع في تقديم استقالاتهم أو تعليق عضويتهم عند أول هزة لفحص قوة أعصابهم. نعم، الموقف يتطلب من هؤلاء التحلي بالصبر والحكمة والشجاعة لمواجهة الأزمة لا الهروب منها تحت مختلف الذرائع، حتى وإن اختلفوا فيما بينهم أو مع الإدارة المدنية لقوات التحالف. فابتعادهم عن موقع المسؤولية يحرمهم من مساهماتهم وإسماع صوتهم إلى الآخرين لحل الأزمة.
ليعرف هؤلاء السادة أن العراق بعد 35 عاماً من الظلم والقهر والمقابر الجماعية، و رغم أنه أفضل مما كان عليه في عهد صدام ولكنه بالتأكيد (ليس حديقة للنزهة) على حد تعبير أمير طاهري، وإنما غابة مليئة بالضباع والمشاكل. فما أن أزيح نظام القهر ورفع الغطاء من قدر الضغط وهو بغلي، حتى تدفق الحمم ومعه هذه المشاكل المختلفة. وهذه المشاكل ليست جديدة أو وليدة اليوم، بل كانت موجودة في عهد صدام، ينبعث منها الدخان إذ كانت مكبوتة بالقمع والاضطهاد. ويمكن تشبيهها بالدمامل المحتقنة بالقيح والتي كانت تنتظر الانفجار لتتخلص من سمومها ورائحتها العفنة. فما ظاهرة مقتدى الصدر وغيره إلا من هذه الدمامل المتقيحة.
لذلك نود أن نصارح الأخوة الذين قبلوا بالمناصب العالية في عراق ما بعد صدام لأغراض شخصية في تحقيق المكانة والوجاهة والمنافع المادية، كانوا على خطأ كبير وقراءة خاطئة للواقع. فهذه المناصب تعني تحمل المسؤولية الكبرى ونكران الذات والاستعداد للتضحية بالمصالح الشخصية والعمل على توجيه الناس وإعلامهم بالمخاطر المحيقة بهم، لا الإذعان للغوغاء والرضوخ لتهديدات البلطجية وغوغائية الفضائيات العربية، لأنهم اختيروا لهذه المواقع أو المناصب من أجل خدمة الشعب والوطن وهو يمر في أشد مراحل التاريخ عربدة.
نؤكد مرة أخرى إن الوضع يتطلب من الجميع الحكمة والروية والحزم والصبر والشجاعة وقراءة صحيحة للواقع ومتطلباته. ومن أسندت له المسؤولية ولا يجد في نفسه الكفاءة لأداء المهمة المطلوبة فما عليه إلا أن يترك الساحة ويفسح المجال لغيره من الذين يرون في أنفسهم الكفاءة العالية في مواجهة التحديات والقيام بالمهمة الصعبة والاستعداد للتضحية وأن يعتبروا أنفسهم شهداء محتملين لشعبهم ووطنهم ويعملوا وفق ما تتطلبه المرحلة. وعليهم أن لا يتوانوا لحظة واحدة في تنفيذ الحل المطلوب مهما كان الحل قاسياً. فدورهم هنا كدور الجراح وهو يواجه مريضاً في حالة خطيرة، مهمته إنقاذ حياة مريضه وأن لا يتردد في إجراء العملية الجراحية مهما كانت كبيرة إذا تطلب الأمر. وإذا لم يجد هذا الجراح الكفاءة في نفسه فعليه إحالة المريض لجراح آخر أكفأ منه.
خلاصة القول: يجب عدم التساهل مع بلطجية صدام والزرقاوي ومقتدى الصدر في ترويع شعبنا ويعبثوا بأمنه ومصادرة حريته. كما نؤكد أن هذه الأزمة ما هي إلا سحابة سوداء عابرة مثل غيرها في الماضي وقد اعتاد عليها الشعب العراقي، ولكن في نهاية المطاف سيندحر أعداء شعبنا يلاحقهم الخزي والعار كما حصل لسيدهم صدام حسين وسيخرج الشعب منها منتصراً وهو أقوى عزيمة على مواجهة التحديات.
#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد عام على سقوط الفاشية..التداعيات وأسبابها!!
-
شكراً مقتدى!... على نفسها جنت براقش
-
البرابرة
-
الانفجار السكاني من أهم المعوقات للتنمية
-
تعقيب على توصيات مؤتمر أربيل رفض (اجتثاث البعث) وصفة لإفشال
...
-
ماذا يعني عندما يكون الإسلام المصدر الرئيسي للتشريع؟
-
مجموعة مقالات
-
مجموعة مقالات
-
مراجعة بعد عام على حرب تحرير العراق
-
التداعيات المحتملة لجريمة اغتيال الشيخ ياسين
-
نعم للمصالحة والمسامحة والاجتثاث!
-
هل إلغاء قانون الأحوال الشخصية أول الغيث... يا مجلس الحكم؟
-
رسالة إلى آية الله السيستاني حول قتل المسيحيين في العراق
-
حل الجيش العراقي... ضرر أم ضرورة؟
-
حول تصريحات السيد الحكيم بشأن تعويضات إيران من العراق
-
عذق البلح - وعقلية أيتام صدام التآمرية
-
سقوط صدام... سقوط آيديولوجية القومية العربية
-
تهنئة لشعبنا العراقي العظيم
-
تهنئة حارة وباقة ورد للحوار المتمدن
-
لماذا يخاف العرب من الشيعة والديمقراطية في العراق؟
المزيد.....
-
من زاوية جديدة.. شاهد لحظة تحطم طائرة شحن في ليتوانيا وتحوله
...
-
أنجلينا جولي توضح لماذا لا يحب بعض أولادها الأضواء
-
مسؤول لبناني لـCNN: إعلان وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرا
...
-
أحرزت -تقدمًا كبيرًا-.. بيان فرنسي حول وضع محادثات وقف إطلاق
...
-
هجوم صاروخي روسي على خاركيف يوقع 23 جريحا على الأقل
-
-يقعن ضحايا لأنهن نساء-.. أرقام صادمة للعنف المنزلي بألمانيا
...
-
كيف فرض حزب الله معادلة ردع ضد إسرائيل؟
-
محام دولي يكشف عن دور الموساد في اضطرابات أمستردام
-
-توجه المحلّقة بشكل مباشر نحوها-.. حزب الله يعرض مشاهد من اس
...
-
بعد -أوريشنيك-.. نظرة مختلفة إلى بوتين من الولايات المتحدة
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|