|
ويكبيديا مصري و آفاق تطور اللغة العربية
كمال البلعاوي
الحوار المتمدن-العدد: 2623 - 2009 / 4 / 21 - 07:27
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
لن ادعي أني عالم لغويات أو أنني من فطاحل اللغة العربية و لن أتحدث عن جذور اللغة العربية أو من أين آتت أو كيفية انتشارها أو جماليتها أو صعوبتها فلهذا الأمر الكثير ممن يتحدثون فيه و لكني سأتحدث عن اللغة و دورها و تأثيرها و تأثرها بتقدم الأمم و تأخرها. إن العربي هو من يتحدث اللغة العربية هذا هو التعريف الأكثر شيوعاً للعربي و قد يضاف إلى ذلك انه من يمتلك جنسية أحدى الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية إلا أن هذه الإضافة إنما هي إضافة لأغراض التعريف السياسي و نحن نتناول هنا الشق الثقافي للانتماء إذا ليس العربي هو المنحدر من العرق العربي الصافي لأن هذا لا وجود له كما انه لا وجود عمليا لأي عرق صافي لأن الجنس البشري و الذي تطور عن اصل واحد ثم ساح في الأرض فامتلكت كل جماعة خصوصية ثقافية و بعض الميزات الجسدية عاد فاختلط عبر ألوف السنين ليصبح الحديث عن العرق الصافي حديث أوهام يمنّي أصحاب العقليات الشوفينية أنفسهم به. فالجامع الرئيسي إذا لأشتات هذه الجماعة من البشر الذين يُسمون العرب هي اللغة, فاللغة التي ظهرت و تطورت أثناء العمل و بناء الحضارات كحاجة موضوعية و أساسية للتطور هي إلى حد كبير انعكاس لمستوى التطور الحضاري للأمة الناطقة بها فاللغة العربية التي وصلت إلى أوج قوتها في العصور الإسلامية الأولى ( الأموي و العباسي الأول ) أصبحت لغة للعلم تنشأ منها المفردات الجديدة لتغطي كل مخترع و مكتشف حديث في كل مجال إلا أن هذه اللغة أخذت بالانحدار كنتيجة للانحدار الحضاري و خروج السيطرة من يد العرب إلى أيدي أقوام أخرى مثل الفرس و الترك و مع بدء انهيار الدولة المركزية الجامعة ضعفت اللغة و كثر اللحن و مع تباعد المسافات و اختلاط العرب بالأقوام الأخرى و الاستعمار في فترة متأخرة أصبحت بعض اللهجات بعيدة إلى حد يقل أو يكثر عن اللغة العربية الفصحى. إلا أن اغلب هذه اللهجات بقيت ضمن اللغة الواحدة و لم تصبح لغات منفصلة و الدليل على ذلك هو الفهم المتبادل لهذه اللهجات من قبل الجماعات التي تتحدث بها فأي برنامج تلفزيوني باللهجة المصرية هو مفهوم تماما على امتداد الوطن العربي عند الأمي و الجاهل و المتعلم على حد سواء و هذا لن يكون إذا كانت هذه قد أصبحت لغة منفصلة و قد يقول قائل أن هذا بسبب انتشار الإعلام المصري منذ زمن طويل إلا أن الأمر هو العكس تماما فانتشار الإعلام المصري و اللهجة المصرية هو بسبب قدرة العرب على اختلاف أماكن تواجدهم على فهم هذه اللهجة و الدليل على ذلك هو الانتشار الحديث للهجات السورية و الخليجية بسبب كثرة البرامج التلفزيونية بهذه اللهجات و التي أصبحت منتشرة و تفهم على مساحة الوطن العربي. إذا فالاستنتاج المنطقي مما ذكر أعلاه أن تباعد اللهجات عن بعضها لم يحولها إلى لغات منفصلة تتشاطر نفس الأصل العربي بل استمرت في كونها فروع لأصل واحد و نذكر هنا مثال اللغة المالطية التي تنحدر من أصول عربية إلا أنها فقدت صلتها تماما باللغة العربية فلا يستطيع العربي جاهلا أو متعلماً أن يفهم اللغة المالطية. ربما يكون ما ذكر أعلاه عن تأثير الحضارة على اللغة من المواضيع التي كثر الخوض فيها إلا أن تأثير اللغة على الحضارة هو من المسائل غير المطروقة كثيرا و السبب هو انه بالرغم من التأثير المتبادل و العلاقة الجدلية بين التطور الحضاري و مستوى اللغة فإن لمستوى الحضارة ككل التأثير الأكبر بما لا يقاس على مستوى تطور اللغة حين نقارنه بالتأثير الذي يلعبه تطور اللغة على مستوى الحضارة, و لكن مع أن دور اللغة هو دور ضعيف نسبياً فلا بد من أن نؤكد انه دور مؤثر أيضا فتطور اللغة هو الذي يفتح الباب واسعا أمام تطور حضاري شامل في الساحات الروحية و الأدبية و الثقافية ككل و العلمية أيضا إلى حد ما. و لكن في بعض الحالات مثل حالة الأمة العربية و بسبب خصوصيتها فإن اللغة تلعب دورا محورياً ومهماً جداً على صعيد التطور الحضاري لهذه الأمة فكما قلنا اللغة هي الجامع الأساسي و الأهم الذي يجمع شتات هذه الأمة مما يوفر الشروط الضرورية للتطور الحضاري و الوصول إلى مصاف الدول المتقدمة لأن هذا يلزم له مجموعة من الشروط و منها توفر القدرات الأساسية البشرية و الجغرافية و المواد الخام و التي تفتقدها اغلب الدول العربية منفردة, و لكن المرء يقف متعجباً أمام رغبة البعض بالتنصل من هذا الجامع فيختلق امة مصرية و لبنانية فإذا كان الدافع إلى ذلك هو المصلحة الوطنية المصرية أو اللبنانية فقد طاش سهمهم و لم يصيبوا من الحقيقة شيئا و اغلب الظن أن لهم أجرا واحدا على ذلك فمهما كانت قدرات هذا البلد أو ذاك ألن تتعزز بقدرات باقي أجزاء الأمة في حال وحدتها ؟ فإن الدول العربية منفردة إن طالت أو قصرت لن تستطيع خلق دول متقدمة بما تمتلك و إن استطاعت فإن وحدتها هي تعزيز لهذا التقدم و تقوية له. و لكن هذه الدعوات للمدقق فيها تصدر من أشخاص لن ينالوا لا الأجر و لا الأجرين – إلا من أعداء هذه الأمة – لأن همهم ليس المصلحة الوطنية بقدر ما ينطلقون من حسابات ضيقة لأقليات أثنية أو طائفية هنا أو هناك ترى في الأمة العربية بوضعها الحالي وحشاً يسعى إلى امتصاصها و صهرها و نزع خصوصياتها منها, و مع انه و للأسف هذا صحيح إلى حد ما و لكن الرد على ذلك لا يكون بالانكفاء على الذات بل التأكيد على الوحدة في إطارها التقدمي و ليس في اطر دينية أو قومية متطرفة. و بسبب ما ذكر أعلاه رأينا ما يسمى بالوكيبديا مصري و هي نسخة من موقع الويكبيديا العالمي باللهجة المصرية و هي من المضحكات المبكيات فالكتابة بالطبع ركيكة و الكثير من الألفاظ من أصول إنجليزية و السبب في ذلك كما يقولون أن ( اللغة المصرية ) هي نتاج لمجموعة كبيرة من اللغات و اللغة العربية ليست أكثر من أحدى هذه اللغات مع أن أي تحليل بسيط للهجة المصرية تؤكد أنها و بأكثر من 99 % من أصول عربية واضحة كل الوضوح و هم يوردون مجموعة من الألفاظ التي يعتقدون أنها خاصة باللهجة المصرية ليظهر أن الكثير منها تستعمل في منطقة بلاد الشام و إن دل هذا على شيء فإنما يدل على جهل القائمين على هذا الموقع و من الطريف أن البعض ذكر انه لا يمكن إنشاء موقع ويكبيديا باللهجة المصرية لأن مصر نفسها فيها العديد من اللهجات فأيها ستستخدم؟ إذا قلنا اللهجة الأكثر انتشارا المستخدمة في القاهرة فلماذا عندها لا يحق لأهل الصعيد مثلاً إنشاء ويكبيديا جديدة تسمى ويكبيديا صعيدي. و قد تظهر الصورة قاتمة عند البعض ولكن الأوضاع تسير باتجاه أكثر ايجابية مما تبدو فهذه اللغة التي باعدت المسافات بين أهلها فتفرعت إلى لهجات شتى عاد التقدم و التطور و التكنولوجيا ليقارب بين هذه المسافات و يفرض عليها تفاعلاً دائما و مستمراً فقد غدا من السهل على أي عربي أن يفهم العديد من اللهجات الأخرى و حتى أن يتحدث ببعضها فهذه البرامج و الأفلام و المسلسلات التي تتعرض لانتقاد دائم و شديد – هي تستحقه بالمناسبة – ساهمت في إعادة خلق سبل التواصل بين المتحدثين بهذه اللغة و تأتي الشبكة العالمية ( الانترنت ) لتفرض نفسها و تساهم إلى جانب التلفاز في صهر هذه اللهجات و إعادة إنتاجها في سياق التطور الطبيعي في قوالب اقرب إلى بعضها و طبعاً فإن المصلحة هي المحرك الأساسي لهذا التفاعل فمن مصلحة منتجي البرامج و المسلسلات و الأفلام و الأخبار أن تعرض على اكبر عدد من المشاهدين و أن تنتشر اكبر انتشار ممكن لهذا يتم التوزيع يشكل فعّال بطول الوطن العربي و عرضه. و لهذا نستطيع أن نقول أن اللغة العربية ما زالت بعيدة عن الانقراض كل البعد بل أن المصلحة التجارية و القومية وضرورة التقدم و التطور تفرض أن يتم التفاعل و التوحد بين المتحدثين بهذه اللغة إذا أردنا أن نحقق ما نصبوا إليه من الاستقلال الحقيقي و التقدم.
#كمال_البلعاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ستنهار الولايات المتحدة قريباً ؟؟
-
الحرية و الديمقراطية في الماركسية ضرورة ام خيار
المزيد.....
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|