حازم الحسوني
الحوار المتمدن-العدد: 802 - 2004 / 4 / 12 - 10:42
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تسارعت وتيرة الأنباء المقلقة والواردة من أرض الوطن خلال الأيام المنصرمة , جراء الصدامات والأشتباكات التي جرت بين قوات الاحتلال وأنصار السيد مقتدى الصدر , والتي سقط جراءها العشرات من العراقيات و العراقيون الأبرياء جرحى وقتلى , أضافة الى تدمير العديد من أملاك المدنين العزل .
أن الأحداث الأخيرة ومن حيث الشكل جاءت على أثر أعتقال السيد مصطفى اليعقوبي , أحد مساعدي السيد مقتدى , وغلق صحيفة الحوزة الناطقة بأسم هذا التيار الديني , إلا انهُ في حقيقة الأمر جاءت كمحصلة لعملية شد الحبل بين قوات الاحتلال وتيار السيد مقتدى , وأنتهاكات مارسها الطرفين طيلة الفترة التي اعقبت سقوط صدام ولحد لحظة أنفجار الأحداث , وأما الأعتقال وغلق الصحيفة فكانت بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير .
لكي يتسنى لنا فهم حقيقة الأحداث الجارية الآن , وأمكانية تجاوزها مستقبلاً , لا بد من الوقوف على خلفية الأحداث , أي الأسباب التي ادت الى هذا التصعيد الخطير , والذي يتحمل مسؤوليتهِ طرفي الصدام هذا , ففيما يتعلق الأمر بقوات الاحتلال نقول :
1- أن سياسية قوات الاحتلال كانت ولا زالت مبنية على الغطرسة والعنجهية في التعامل مع العراقيات والعراقيين وخصوصاً القوات الأمريكية التي تفتقر الى فهم طبيعة ومزاج وتقاليد المواطن العراقي , الأمر الذي أدى الى زيادة الأستياء من هذهِ القوات , وتصاعد ردود الأفعال تجاهها .
2- سعي الأدارة الأمريكية والحاكم المدني للعراق على مسك كل خيوط الملف العراقي بأيديهم , ولذلك عملوا طيلة الفترة التي أعقبت سقوط صدام ولحد الآن على عرقلة أي خطوة عراقية خالصة لتوحيد قوى الشعب العراقي , وأتفاقهم على برنامج ومشروع عمل وطني , وذلك بعد ان فشلت محاولات هذهِ الأدارة والحاكم المدني في فرض أجندتهم السياسية على الشعب العراقي التي جاءوا بها عبر وسطاء لم يكن لديهم ذلك الرصيد الشعبي الذي يعتد بهِ .
3- بعد ان فشلت الأدارة الأمريكية في فرض إرادتها وتسويق مشروعها السياسي , عمد الحاكم المدني للعراق على تلافي الوضع , وتم خلق مجلس الحكم الأنتقالي حيث أشتركت بهِ قوى وطنية عراقية معروفة بشعبيتها وتاريخها النضالي ضد نظام صدام , ورغم تحفظاتنا على مجلس الحكم (ألا انهُ أرُيد منهُ ان يكون وسيلة للصراع السياسي مع قوات الاحتلال , ومحاولة لتجنب الشعب العراقي للمزيد من الخسائر البشرية واستثمار الضغط الدولي على قوات الاحتلال للإلتزام بتعهداتها كقوة محتلة تترتب عليها إلتزامات دولية حسب القانون الدولي) هكذا رأت القوى التي دخلت المجلس ونحن نتفق معها , إلا أن الحاكم المدني أراد منهُ أن يكون ورقة لكسب الشرعية والغطاء السياسي , فلذلك تم تحديد صلاحية المجلس وجعلهِ بلا قوة ولا حول , الأمر الذي أحدث شرخاً بين هذا المجلس وأبناء الشعب التواقين لحل مشاكلهم اليومية , وتوفير الأمن والعمل .
4- سعت قوات الاحتلال على أبقاء الملف الأمني في أيديها , وعملت هذهِ القوات على خلق تشكيل صوري لوزارة الداخلية وقوات الشرطة والحرس الوطني محدودة الصلاحية والتجهيزات والمعدات , الأمر الذي أضعف قدرة وأمكانية وزارة الداخلية على مواجهة عصابات الجريمة المنظمة , و سيادة ظاهرة الفلتان الأمني في أغلب مدن العراق , يضاف الى هذا فتح الحدود على مصراعيها لقوى الأجرام الخارجية وسهولة تسللها عبر الحدود العراقية .
5- أبعاد أي دور للأمم المتحدة , والتصرف بالعراق كغنيمة حرب لا يجوز تدخل الآخرين بها , فلذلك عرقلت أي محاولة من قبل المجتمع الدولي , ومطاليب مجلس الحكم وبقية تكوينات المجتمع العراقي في زج الأمم المتحدة بالتدخل والمساعدة في تسير العملية السياسية .
أذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وافقت أخيراً على تدخل الأمم المتحدة في أجراء الأنتخابات , فالتدخل هذا يبقى محدود وضمن السياق الأمريكي فقط , أي بكلمة أخرى ستحدد امريكا متى وكيف وبأي طريقة ستجري الأنتخابات , ومن ثم أعطاء أو عدم أعطاء الشرعية لهذهِ الأنتخابات .
في مقابل هذا مارس السيد مقتدى الكثير من الأخطاء , وبعث بالكثير من الرسائل السلبية للعديد من الأطراف الداخلية والخارجية ومنها :
1- سعى السيد مقتدى الصدر بظهورهِ المفاجئ على الساحة السياسية , لملأ الفراغ السياسي في الأسابيع والأشهر الأولى التي أعقبت سقوط صدام وخصوصاً في ظل غياب وحدة القوى الوطنية والسياسية التي ناضلت ضد نظام صدام طيلة عقدين أو أكثر من السنين , وأستثمار فشل هذهِ القوى في تحقيق تلك الوحدة , فلغرض تحقيق ذلك لجأ السيد مقتدى الى القوة أو التلويح بها , فأوعز الى انصارهِ بإصدار الأوامر بغلق محلات بيع الخمور ودور السينما ومحلات التسجيل وفرض الحجاب وغيرها من الممارسات التي أثارت الشك والريبة لدى أبناء الشعب العراقي من سياسة هذا الرجل , والتوجس من ظهور دكتاتورية جديدة وبغطاء ديني , وجعل نفسهُ فوق الجميع بل وأقام سجناً خاص بهِ .
2-عمل على خلق التعارض مع المرجعيات الدينية في النجف , وذهب أكثر من ذلك بإدعاهِ تمثيل الشيعة , وجعل نفسهِ القائد الأوحد لهذهِ الطائفة .
3-تفنن هذا السيد في فتح الجبهات , وخلق حالة العداء مع العديد من الأطراف فأبتداءاً بالمرجعية وبعض الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية , ومروراً بالأطراف الوطنية والسياسية الأخرى ورفض التعامل معها , وأتهام القوى والشخصيات التي دخلت مجلس الحكم بالعمالة لقوات الاحتلال , وأنتهاءاً بالموقف المعادي للأكراد ورفض مطلبهم بالفدرالية ضمن العراق الديمقراطي الموحد .
4-التخبط السياسي , وبعثهِ بأكثر من رسالة سلبية الى الداخل والخارج ومنها أعلان حكومتهِ الخاصة , وتشكيل جيش المهدي الذي تحدث عنهُ كونهُ جيشاً روحياً وغير مسلح , واذا بنا نشاهد تسليح هذهِ المليشيات والحديث عن سرايا وكتائب لها ..الخ , أضف الى هذا التصريحات الرنانة من قبيل الكف عن المظاهرات الأحتجاجية , وترهيب العدو , وأخرها رغبتهِ بان يكون اليد الضاربة لحزب الله وحركة حماس في العراق , ومطالبة الكويت بطرد الأمريكان من أراضيها , فسرعان ما جاء الرد الكويتي بالرفض .
أن الظروف الخطيرة الحالية تتطلب بشكل عاجل وقف اطلاق النار وتهدئة الأوضاع وأنقاذ الجرحى والمصابين من هذهِ الصدامات الدموية , وتتطلب أيضاً من قوات الاحتلال والسيد مقتدى وبقية الأطراف الحريصة على وحدة العراق ,أعادة النظر بمواقفها السياسية, والأستفادة من دروس هذهِ الأيام العصيبة .
المطلوب من قوات الاحتلال أدراك الحقائق على الأرض , والكف عن أستخدام العنف تجاه الأبرياء العزل , والكف عن ممارسة سياسة العصى الغليظة والعنجهية والأستفزاز في التعامل مع المواطنين , وأحترام التقاليد ومشاعر أبناء العراق , ومحاسبة المسؤولين عن أرتكاب الجرائم البشعة في مدن العراق ومنها التي تُمارس الآن في مدينة الفلوجة , فهي جرائم بكل معنى الكلمة ولا يمكن السكوت عنها .
أن على قوات الاحتلال الأعتراف بفشلها في أدارة الوضع الأمني , والأخلال بإلتزاماتها الدولية كقوة احتلال , وبالتالي لابد من أعطاء الصلاحيات الكاملة الى وزارة الداخلية وقوى الأمن الداخلي , وتجهيزها بالمعدات الضرورية اللازمة لمواجهة الجريمة المنظمة , وتسليم الملف الأمني للعراقيين والتي أشك بمقدرتهم حالياً على أدارة هذا الملف بسبب مستجدات الأوضاع الحالية ومحدودية الصلاحيات , أي بكلمة أخرى على قوات الاحتلال والحاكم المدني اعادة النظر بمجمل التعامل مع الملف العراقي , ومنها المتعلق أيضاً بمجلس الحكم وصلاحياتهِ أن أراد لهذا المجلس البقاء الى حين تسليم السلطة في حزيران .
تقتضي الظروف الحالية على الأدارة الأمريكية والحاكم المدني , العمل على أشراك الأمم المتحدة في الملف العراقي , وتسليم هذا الملف الى الأمم المتحدة , والتخلي عن سياستها في أستخدام العراق كغنيمة حرب , والأنفراد بهذا الملف .
أعتقد أن أمامهما احد الخيارين التالين أما الأستمرار بالعنجهية الحالية وتجاهل مطاليب الشعب العراقي بتحديد موعد زمني لإنهاء الاحتلال ورحيل القوات الأجنبية من العراق , والأستمرار في عدم أعطاء الصلاحيات الضرورية والحاسمة لممثلي الشعب العراقي , فبهذهِ الحالة سيدفعون بالمزيد من العراقيين للأستياء من سلوكهم هذا , والأصطفاف مع القوى التي تمارس العمل المسلح حالياً ومن بينهم فلول النظام الصدامي والعصابات العابرة للحدود , وأما التصرف بعقلانية وافساح المجال للأمم المتحدة بالأشراف على هذا الملف وتهيئة الظروف اللازمة لأجراء الأنتخابات ومساهمة العراقيين الرئيسية في رسم مستقبل العراق السياسي .
أما عن السيد مقتدى فالظروف الحالية تستوجب عليهِ مراجعة خطابهِ السياسي وتفويت الفرصة على فلول صدام وقوى الأرهاب الخارجي من أستثمار الوضع الحالي وذلك بالأنفتاح على القوى السياسية الإسلامية والعلمانية العاملة في الساحة السياسية وخصوصاً التي ناضلت وقدمت الشهداء في معتركها السياسي مع النظام الفاشي , والتوصل معهما الى صياغة برنامج ومشروع عمل وطني يرتكز على أحترام الرأي الآخر وأحترام التنوع السياسي والقومي والديني والطائفي للمجتمع العراقي , والألتزام بذلك أمام الشعب , وان يكف عن الحديث عن كونهُ يمثل الآخرين , فهو في حقيقة الأمر لا يمثل الأ خط(متشدد) ضمن تيار ديني( التيار الصدري) الذي هو أوسع من خط السيد مقتدى بكثير, وضمن طائفة محددة( الشيعة) أي بمعنى انهُ لا يمثل التيار بمجمله ولا الطائفة ولا الشعب العراقي بأي حال من الأحوال , وهذهِ الحقيقة عليهِ أدراكها , وبالتالي يصعب عليهِ تسويق خطابهِ وبرنامجهِ وفرض أرادتهِ بالقوة على الشعب العراقي , وعليهِ الأفصاح أيضاً عن برامجهِ السياسية والأقتصادية والأجتماعية لمعالجة تركة صدام الثقيلة على الشعب والوطن وإنهاء الاحتلال , وعليهِ أخيراً نقول أن يكف عن التصريحات الرنانة وان يفكر بعقل عراقي خالص , ويستوعب مصالح الدول المحيطة بالعراق وخصوصاً أيران وسوريا , وأن لا يكون جسراً أو معبراً لهؤلاء لتمرير سياستهم على جثث وأشلاء العراقيات والعراقيين .
أن المرحلة الحرجة التي يمر الوضع العراقي الآن تتطلب المزيد من التفكير والبحث , فنحن أمام حالة من خلط الأوراق مابين الأقرار بحق المقاومة للاحتلال بكل أنواعها ومابين التعنت الأمريكي بفرض مشروعهم على العراق , هذا من جهة ومن جهة اخرى تداخل المصالح العربية والأقليمية ومنظمات الأرهاب الدولي في الشأن العراقي , وترحيل مشاكل وبرامج هؤلاء الى الساحة العراقية , وإستخدام مؤيديهم ومناصريهم في عرقلة المشروع الوطني العراقي الذي لم يرى النور لحد الآن , وعرقلة بناء العراق الجديد الذي نأملهُ ونريدهُ أن يكون َ ديمقراطياً يحترم حقوق الإنسان , وينهي مرحلة الأستبداد وأحتكار السلطة ونبذ الآخر .
علينا أدراك حجم الكارثة المحيقة بالعراق وشعبهِ , وأن نرتقي بتفكيرنا الى مستوى خطورة هذهِ الكارثة , وان نحدد الأولويات والأساليب في العمل السياسي التي تمكننا من الخروج من هذهِ المرحلة الحرجة , وتمكننا من أرساء مجتمع العدالة ودولة القانون وحقوق الإنسان , وأولى هذهِ الأولويات هو التخلص من النظرة والمصلحة الحزبية والطائفية والقومية الضيقة , والتوصل الى صياغة المشروع الوطني العراقي , وهنا تقع مسؤولية تاريخية مضاعفة على القوى السياسية الحية في المجتمع على صياغة هذا المشروع , وأشراك الجماهير في العملية السياسية الهادفة الى إنهاء الاحتلال , واقامة العراق الديمقراطي الجديد .
السويد 10-4-2004
#حازم_الحسوني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟