|
مأزق الدستور .. نقد و تحليل
كاظم الحسن
الحوار المتمدن-العدد: 2621 - 2009 / 4 / 19 - 09:16
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
عرض كتـاب تأليف عدد من الباحثين عرض : كاظم الحسن تأتي اهمية هذا الكتاب من خلال القراءات المتنوعة والمختلفة للدستور وتحليل مضامينه والوقوف على الاشكاليات التي ما زالت تثير النقاش والجدل والالتباس، والمشكلة كما يصفها احد الباحثين في الحالة العراقية ان الماضي والمستقبل يسيران في اتجاهين متعاكسين، فماضي العراق يتميز بحكومة شديدة المركزية، اما مستقبله فمهدد بالتفكك.
والدساتير عموما لا تلتفت الى الماضي وحده بل تتطلع الى المستقبل لانها ستطبق على المستقبل لا على الماضي وعليه يجد المشرعون انفسهم ملزمين بالخروج من معالجة الماضي الى رحاب التطبيق وهذا ما يذهب اليه الباحثون في هذا الكتاب الصادر عن معهد الدراسات الاستراتيجية ـ بغداد ـ بيروت.
يقول الباحث فالح عبدالجبار: يعد الدستور الجديد أول وثيقة قانونية تصاغ على يد جمعية تأسيسية منتخبة منذ العام 1924، كما ان الفراغ من كتابة الدستور يشكل انعطافة في تاريخ الامة الممزقة في مجرى الانتقال من الحكم التسلطي شديد المركزية مرورا بخراب ونزاعات ما بعد الحرب وصولا الى تأسيس حكم دستوري تمثيلي وبرلماني.
والدستور الجديد هو، بمعنى من المعاني، متقدم بأشواط على كثير من دساتير المنطقة العربية وجوارها (ايران وتركيا) من حيث اقرار الدستور للقواعد والمعايير الاساسية في الحكم الديمقراطي واللامركزية والفيدرالية والحقوق والحريات السياسية والمدنية.
وحذر الباحث من غياب وسائل حماية هذه القواعد والحريات، فضلا عن احتواء الدستور على الكثير من المواد الغامضة والمتناقضة التي تتعلق بنواظم الحريات السياسية ودور الدين وحقوق المرأة، ووضع الاقليات، واستقلالية المجتمع المدني، كما يتضمن الدستور نقاطا خلافية بصدد الفيدرالية وتوزيع موارد الثروة او ثغرات في وجود المؤسسات والمفوضيات مثل مجلس الاتحاد، مفوضية حقوق الانسان، زد على هذا ان الدستور يقوم على فراغات تشريعية تزيد على الستين قانونا تنتظر من يسنها. وبهذا المعنى يرتكز الدستور على فراغات قانونية مؤسساتية. وفي ضوء تفجر الاوضاع السياسية (استمرار العنف وقوة نفوذ القوى الاسلامية الاصولية والمحافظة) وضعف المؤسسات (القضاء، الشرطة، المخابرات) فان النواقص الدستورية والالتباسات القانونية والمواد المتناقضة قادرة على تهديد الحريات السياسية والمدنية بل انها نذير شؤم لآفاق الانتقال السلمي والعلائق المتوازنة بين الاثنيات والجماعات الدينية.
ويرى الباحث ان القوى الوسطية، التي تشتمل على قوى واحزاب عديدة ليبرالية ويسارية، تتميز بضعف نسبي ازاء الاستقطاب الاثني ـ الطائفي (حيث لم تحصل مجتمعة على اكثر من 18 بالمائة من الاصوات في الانتخابات التأسيسية) الا انها تعي حاجة البلاد الآن وفي المستقبل الى قوى سياسية ومجتمعية عابرة للاثنيات والطوائف وتميز هذا التيار بمعارضته للأسلمة (على حد قوله) وانه يميل عموما الى تأسيس دولة قوية في المركز ويساند في الوقت ذاته الفيدرالية الاثنية للشعب الكردي ويدعم اللامركزية الادارية.
وبشأن الاقليات، ينقل الباحث من خلال اللقاءات مع ممثليهم مخاوفهم الناجمة عن ارساء الفيدراليات او صعود الهويات الفرعية. هذه المخاوف جميعا نابعة من تشظي مفهوم المواطنة، وغياب الحماية المؤسساتية للحريات المدنية. وتجمع سائر هذه القطاعات على ان تخصيص مقعد واحد لكل مائة الف نسمة يمثل عائقاً صلداً امام ما تعتبره انصافا في التمثيل. ملاحظات تحليلية بشأن الدستور اشار (ناثان براون) باحث اقدم في مؤسسة كارنيجي لدراسات السلام العالمي، الى خلو المجتمعات العربية من تجربة كتابة الدستور كهذه التجربة، الا ان هناك تجارب كثيرة مناظرة للتجربة العراقية، خارج العالم العربي. الواقع ان كثرة من الدساتير البارزة (مثل الدستور الاميركي، والدستور الفرنسي، والدستور الألماني، ودستور جنوب افريقيا)، وضعت بعد تحولات سياسية عاصفة كهذه. واضاف: ان الدساتير لا تلتفت الى الماضي وحده، بل تتطلع الى المستقبل، والمشكلة في الحالة العراقية ان الماضي والمستقبل يسيران في اتجاهين متعاكسين. ويحدد الباحث النقاط المثيرة للجدل، الباب الاول: المبادئ الاساسية، المادة (2): دين الدولة ومصادر التشريع والملاحظ هنا على سبيل المثال ما يلي: 1ـ ان الاشارة الى الاسلام بوصفه ديناً للدولة لم تثر اي سجال. ومن المؤكد ان هذه المادة تمنع اي اعتراض على قيام الدولة بتمويل المؤسسات الدينية او تدريس الدين في المدارس الدينية واستخدام الرموز الدينية في الحياة العامة. 2ـ اما الاشارة الى ان الاسلام هو مصدر ( اساس للتشريع) فهي صيغة توفيقية بين صيغة (مصدر للتشريع) (بصيغة التنكير) وصيغة المصدر الاساس (بصيغة التعريف والاطلاق
3ـ لعل الاهم من هذا وذاك هو النص على عدم جواز (سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام) اذ ان صيغة (ثوابت احكام الاسلام)، تبدو، آخر الامر بمثابة مساومة غريبة في الصياغة على (حد قوله) بين المعسكر الراغب في ادراج مقولة (ثوابت الاسلام) فقط (وهي صيغة عمومية جدا، نظرا لان الثوابت قليلة العدد قياسا لثراء وتنوع التراث الاسلامي) والمعسكر الراغب في ادراج (احكام) الاسلام، علما ان الاحكام هنا هي مفهوم اكثر تحديدا الا انه ذو طابع قانوني اكثر منه ديني. والارجح ان تتولى المحكمة الاتحادية العليا، دورا اساسيا في تفسير معاني الدستور وعليه سيكون قوام هذه المحكمة حاسما في تأويل معنى المادة (2) من الدستور. لكن المادة (2) من الدستور تحظر (سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية) ان هذا البند يوجه ارشادا قويا للبرلمان، وان يكن غامض المعنى. ويمكن لهذا البند ان يقوي المواد الدستورية الضعيفة الخاصة بالحقوق، وذلك علىالمدى البعيد. الدستور وقانونالأحوال الشخصية
اوضح الباحث رشيد الخيون، ان كل السلبيات التي تأتي من عدم التقيد بقانون مدني تجني سلبياته النساء بالدرجة الاولة، وفي المادة (39) من دستور 2005 الخاصة بالاحوال الشخصية، جاء فيها (العراقيون احرار في الالتزام بأحوالهم الشخصية، حسب دياناتهم، او مذاهبهم او معتقداتهم او اختياراتهم وينظم ذلك بقانون) يفهم من منطوق المادة (حسب قول الباحث) انها الغت قانون الاحوال الشخصة رقم 188 العام 1959، الذي هدف الى توحيد احكام المذاهب الفقهية الاسلامية الخمسة بالعراق بما يجاري روح العصر.
واضاف، ان شرائع العراق الرسمية القديمة من شريعة حمورابي وسواها اهتمت بتنظيم العلاقات الاجتماعية رسميا من شروط الحياة الزوجية وفسخها والحقوق والواجبات المتبادلة بين النساء والرجال، الا ان الانظمة الاسلامية تركتها لأئمة المذاهب، فبرغم ان الدولة العباسية تبنت المذهب الحنفي منذ هارون الرشيد، الا ان للشيعة او الشافعية مراجعهم في الشأن الاجتماعي من تنظيم علاقات الزواج والطلاق والميراث، وغيرها وكذا الحال مع الدولة العثمانية التي اعتمدت المذهب الحنفي ايضا.
واشار الباحث، الى المحاولات التي جرت في العهد الملكي لتشريع قانون يوحد البت بالاحوال الشخصية على اساس مدني، كانت البداية 1933 عندما (جرت محاولة لاصدار قانون الاحوال الشخصية قام بها التدوين القانوني، ووضعت لائحة لهذا المشروع غير انها تعثرت ثم جرت محاولة اخرى العام 1945 عندما اصدرت وزارة العدل امرا بتشكيل لجنة من اربعة اعضاء عهد اليها وضع لائحة قانون الاحوال الشخصية وانجزت هذا المشروع الا ان اللجنة لم تتمكن من تجاوز المادة (77) من القانون الأساس العراقي (1925) التي نصت على ان القضاء في المحاكم الشرعية انما يجري وفقا للاحكام الشرعية الخاصة بكل مذهب من المذاهب الاسلامية.
ويعتقد الباحث ان المعارضة الدينية لعبت دورها في حجب هذا القانون الذي فيه اضعاف للسلطة الفقهية الشرعية بوجود المحاكم المدنية، وان التقريب بين المسائل الفقهية بين المذهبين سيقلص من خصوصية هذا المذهب او ذاك ويؤثر على مجمل التمايز الديني.
وبما ان قانونا مثل قانون الاحوال الشخصية قد صدر في بلدان اسلامية عديدة، مصر ، الاردن، سوريا، المغرب، تونس فلايمكن ان يبقى العراق ممزقا في قوانينه الشرعية خصوصا ان بلدا مثل تونس قد تجاوز الى مساواة النساء بالرجال في الارث، ومنع تعدد الزوجات منعا باتا والمغرب قيدها بشروط. وبين الباحث، ان قانون 188 العام 1959، حسب معارضيه مخالف للشريعة الاسلامية ظاهرا في المادة الثامنة، الخاصة بتوحيد سن الزواج، والمادة الثالثة عشرة، الخاصة بتقييد تعدد الزوجات والمادة الرابعة والسبعين الخاصة بمساواة الذكور والاناث بالارث.
لقد قرر القانون سن الزواج بثماني عشرة سنة للجنسين وترك مجالا للقاضي يحدد فيه سن البلوغ بأقل من ثماني عشرة، اي بين 15 و16 سنة وان يكون الزواج بموافقة ولي الامر، بينما قرر المذهب الحنفي للذكر 18 سنة والانثى 17 سنة والمذهب الشافعي والحنبلي: 15 سنة لكل منهما. والمذهب المالكي: 17 سنة. واضاف ان الفجوة الكبرى بشأن سن الزواج الادنى للفتاة تظهر ما بين التشريع الحكومي والفقه الذي اجاز الزواج في سن الطفولة، فما عدا الممارسات الزوجية وهذا بطبيعة الحال لا يحدث الا بعقد وخطبة. اثبتت هذا التشريع رسائل الفقهاء الكبار، بداية من المرجع محمد كاظم اليزدي (ت1919)، وابي الحسن الموسوي الاصصفهاني (ت 1945).
#كاظم_الحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سرديات العقل وشقاء التحول الديمقراطي في العراق المعاصر
-
عرض كتاب العرب وجهة نظر يابانية
-
حوار مع د . ظاهر الحسناوي
-
حوار مع الباحث سعد سلوم:
-
ثنائية الوطني والخائن
-
شرعية الانتخابات وشرعية المنجزات
-
حرق المراحل
-
المجتمع المدني في عراق ما بعد الحرب
-
مصالحة الحزب الشمولي
-
التغيير السياسي في العراق انتصار لارادة الحياة
-
ثقافة حقوق الانسان من ركائز المجتمع المدني
-
المجتمع المدني بين المعايير الذاتية والموضوعية
-
حول اشكالية المفهوم
-
المجتمع المدني حصانة للديمقراطية
-
نورز... ذاكرةالمستقبل
-
التجاوز على أملاك الدولة
-
لإصلاح الديني.. إعادة قراءة للفكر والسلوك البشري
-
الاسلام والنزعة الانسانية العلمانية
-
قوانين الحرية في المجتمع الديمقراطي
-
آيديولوجيا التطرف والعنف
المزيد.....
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|