|
تذييل لخسارات قديمة .. ومتوقعة...
ماجد المذحجي
الحوار المتمدن-العدد: 802 - 2004 / 4 / 12 - 10:39
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
إلى .... غياث .. زياد .. ياسين
أنت.. أي حيز سينهش فصولك القادمة إذا لم تشذب الكلام وتملأه بالأناقة . وبماذا ستعبئ جيوب هذا المساء الثقيل إذا لم تمتلك رخصة مناسبة لتقنين جنونك. أنت ناقص تماماً وبحاجة لمكعبات إضافية من الكسل والتكنولوجيا. ربما بقليل من البلل في تحيات تقدم طازجة في الصباح.. وبقليل من التهذيب والانحناء المناسب لأحذية ملمعة بعناية.. سيصير مزاجك جاهزاً لعلاقة مختلفة مع بشر يتناولون الكحول وهم يتبادلون النكات بملابس أنيقة، وستستطيع أن تعيد تعريف بطاقة صوتك لتصير أقل خشونة وغير مؤذية لياقات تمَّ كيُها جيداً. فقط حينها – ربما – ستكون ملائماً لكي تشغل فراغاً مخصصاً لكائنات تستطيع أن تبتسم من دون تحريض مسبق.. وستكون ملائماً أيضا لاحتفالات رسمية مخصصة لقضم الكسل والشعارات الوطنية
● ● ●
مساءً .. حين تستحيل الأشياء خفيفة وهاربة ويبدو كل شيء مطارداً بكلاب الصمت، أنهض من فم السرير.. أدير المسجل وأرمم استيقاظي الثقيل بالموسيقى. أصب قليلاً من النبيذ و أتناوله على مهل أمام النافذة.. أشعل سيجارة حين يصبح الكأس في منتصفه تماماً وأدفع بالدخان بعيداً نحو شحوب يستيقظ ليلاً في قلب الأشجار والأبنية والنجوم.. حينها تكون السماء مجانية لتثاؤب يصعد عالياً بجانب قمر كسرَته الوحدة، وتدفعني الموسيقى لغناء ينغرس متوتراً في هذا الصمت الذي يلتهم كل شيء : صوت عربات تمر سريعاً في الأوتوستراد العام البعيد.. صراخ أطفال يستيقظون فزعين.. حشرجة أحجار تدوسها أحذية تعود إما سكرانة أو تعبة ..... لا صوت ينتصر في هذا الوقت.. حين يكون الهواء صلباً بما فيه الكفاية لكي يخنق الأصوات ويمنعها من الذهاب بعيداً. ربما أيضا لا يستيقظ أحد في هذا الوقت ليخدش حيطان الجنون سوى أنا وجثث هذا الوهم الذي تأكل من لحم رأسي..... ناولني سيجارة من علبته و أشعل الأخرى، استرخى على مقعده المقابل لي.. وضع علبة السجائر على الطاولة التي تتوسط المسافة بيننا وبدأ يعبئ الفراغ المحيط به بالدخان.. شرد قليلاً.. بدا وكأنه ينصب شراكاً للهواء والكلمات.. عيناه تطاردان قبلة تذوب في فم غيمة.. وحجر النشيج يملأ حنجرته بالبارود.. ويطلق وعداً أخيراً لامرأة تركها منذ زمن مضاءة به : يجب دوماً أن تتكئ على هامش الحب.. لأنك حينها تصبح ملائماً كمنتج دعائي لنساء يرغبن باستهلاكك لعدد معين من المرات فقط، يجب أن تتمدد في فراغات تُفسَح لك فقط.. فلست مطالباً بالتورط في افتراضات مسبقة. فقط.. ارتطِم بهذا الاحتفاء السخي باختلافك عن كائنات تقبّل بطريقة متشابهة وتمارس الجنس دون أن تحاول حتى الاحتفاظ برائحته. امنح الجسد نكهتك أنت القصي والشهي كالبهار.. ولا تتورط بالتكرار، كن ممتعاً كعطر أو قبلة.. أملأ روحها بقصيدة وجسدها بالأحصنة، حينها فقط تتمدد جذورك في قلب امرأة ستتذكرك حين يتصاعد البرد في أوردتها وحين يخلف غبي ما حوافره على روحها. توقفَ عن الكلام قليلاً.. هناك شيء بدأ يستيقظ ساخناً في جمجمته، الأحاديث تسرقه نحو أراض شائكة وغرف سريه خبأ فيها قديماً صفيحة من حزن صدئ واوراق مهترئه انتزعها من دفاتر الصراخ. كان يقاوم انجرافه نحوها.. لكن هنالك الكثير منها بدأ يذوب ويتسرب باتجاه فمه وعينيه وأطرافه.. وبدأ يملأ روحه بالحشرجة: الوطن.. أتعلم انه تبرير ساذج اخترعناه حين غادرنا إلى المنفى للتورط في طقس الحنين.. وهمٌ يأخذ شكل ترس نحتمي به حين لا نستطيع الذوبان– في بداية الأمر – في الجغرافيا الجديدة والطارئة بالنسبة لنا. إنه رصيد مفتوح كنا نسحب منه هوية تبرر اختلافنا وغباءنا وسخطنا وخسارتنا.. خزان مفتوح لذكريات اكتشفنا أننا بحاجة لدحرجتها لكي لانصاب بالنسيان والبرد ولكي نعزي أنفسنا بالأشواق. أوهام كثيرة ومثيرة كنا نُفرع منها الحكايات وننجز الأساطير لبشر لا يعرفون سوى أسمائنا المطبوعة بأناقة على جواز السفر. أطفأ عقب السيجارة في المنفضة.. وأطفأ صوته أيضاً، أسنَد رأسه على المقعد وثبت عينيه طويلاً في سقف الغرفة .. سحب نفساً عميقاً إلى صدره، كان يبدو بحاجة للكثير من الهواء ليطرد كل ذلك الدخان المتزاحم في ذاكرته وصدره وصوته. كان هناك شيء ميت يجثم عليه.. شيء كئيب كطفل لا يستطيع أن يلعب لأن ذراعيه مبتورتان : لم تكن المنافي هزيمتنا الصعبة.. كانت مصيدة لأشواق تتكاثر فينا كالجراثيم، لقد التصقنا بها– فنحن لم نمتلك خياراتنا أبداً – أيقظنا أرواحنا بشجرة حنين لا تهرم وثقبنا المسافة بالجنون. لقد نبتت أطرافنا من جديد وصارت لنا مساحة خاصة بنا من جديد نتقاسمها ساخنة كالرغيف......... بدأت انفعالاته تلتهم صوته.. وعلى ملامحه اشتعلت الكثير من الحرائق. استعادته لتفاصيل وأوقات مازالت رخوة وتنزف في ذاكرته تدفع بقيظ الخسارات عالياً وتملأه بنشيد محموم ورغبة حادة بالبكاء. أشاح بوجهه بعيداً عني.. نحو اتجاه آخر لا يغمد فيه نصْل الأسئلة ولا أنياب الذاكرة الباردة: الهزيمة الآن صارت تأتي نظيفة ومن دون أعراض جانبيه.. تدسها شاشات التلفزة والصحف بأناقة في الروح فلا تهز انسجامنا خلف قشورنا. كل شيء صار معلباً ومتقناً وضمن المواصفات المتوقعة: بشر جيدون فقط للصراخ والنوم.. وأوطان مجهزه للنزاع مع الهواء والشوارع والغرباء. وأنت!!؟.. ما الذي تمتلكه الآن سوى هذا التطفل على أزمنة يأكلها النسيان.. تقرض المذكرات والأناشيد والصور كجرذ في خرابه وترمم البقايا بإسمنت السؤال والبكاء. حاوِل أن ترتطم بكل هذه الأشياء التي تلمع من حولك في كل مكان .. ما الذي ستمنحك إياه سوى مذاق مر ولزج لغباء ينتشر كالغبار!! . لقد فقد كل شيء لونه وطزاجته واشتعاله، كنا نشعل ثوارتنا بقصاصات لـ(ماركس).. نستدعي ( علي بن احمد ) و ( تروتسكي ) إلى غرفنا الصغيرة كل يوم فلا تتسع لنا. كنا بحاجة لكواكب إضافية نعيد بناءها ونملأها بـ(البروليتاريا ) و ( القرامطة ) بعد أن ننتهي من إعادة ترتيب وتشكيل هذا الكوكب ....... كان يعيد خياطة الوقت برفاق يرقصون حول جثث تركها ميته في دمه.. يجمع حطب الذكريات المبللة بالنبيذ والثورات ويوقدها في استيقاظ مسائي لحزن مزمن . كان كل شيء يضيق من حوله ويجرفه بعنف نحو طقس قديم للبكاء يخترقه من أطرافه ويثقب في عظامه مكاناً لوردة الذهول. ● لم تكونوا سيئين ولكنها خسارات الوقت.....!!؟. كنت أحاول أن أبلل الهواء المتشنج بالتعزية والتبرير.. لم يلتفت باتجاهي، كان يبتعد.. يغادر هذا المناخ الرطب الذي يمتص أشواقه ويخلفه مطفأً كعقب سيجارة . لم يعد يأوي ويطمئن الآن إلا لامرأة تشعل أحراش جسده.. تلتصق بروحه وترمي بذاكرته في سلة مهملاتها.. امرأة تروضه مساءً قبل أن تلتهم أطراف السرير جسده وخيبته ونزقه: أيها الفتى.. افتراضاتك سيئة ومليئة بالتعثر، لست قادراً على إنجاز الأشياء دون التباسات، كل شيء يجثم عليه صوتك المهترىء كجثة قديمه. أنت جاهز الآن لشيء واحد فقط: أن تكون نفاية مبتسمة بإتقان. هكذا إذاً يمكن أن تبرر خساراتك التي تنمو كأعشاب البراري.. هذا هو وطنك الذي يشبه كل رهاناتك الخاسرة: مجموعة من الأصدقاء المحتفين بسخافاتك الناقصة دوماً.. نساء فارهات وقادرات على منحك قبلة على هامش جنس مؤجل باستمرار. ربما تشعر بالسخرية من هذا الفرح الذي يتكاثر كالفطر في هذه الكؤوس المراوغة.. ربما أنت قادر على دفع هذه الاستحقاقات بأرصدة مؤجله – كما فعلنا – ولكنك حتماً تذكرة جاهزة للرحيل باستمرار.. ستشعر بأعمدة الخيبة والندم تخترقك بسهولة وقسوة حين لاتحمل معك سوى اسمك الغبي. لست تحمل يا فتى سوى شارتك هذه : أنا بحاجة لأنبياء. لست تحمل سوى حكايات غرقت في أول صدفة فاضحة مع شيء جميل بأكثر مما تحتمل. ربما أنت قادر على منح هذه اللحظة بهجة إضافية.. ربما تستطيع أن تنهش حيزاً اكثر اتساعاً لك.. أوطاناً أكثر اتساعاً لأصدقائك . لكنك في المحصلة ستكتشف أن خياراتك تشبه أعواد الثقاب، وأنك لست قادراً على منح أي شيء. كلُ شيء اشتهيته كان أصدقاؤك أكثر قدرة منك على اقتناصه.. فهل ستستطيع أن تفلت إذاً من هذا الإحساس السخيف والحاد كشوكة في العين !!؟ . هنالك شيء دوماً ستخسره رغم كل محاولاتك السيئة للاحتفاظ به.. شيء لزج ومقزز كولادة ميته ..............
● ● ●
الخسارة .. إعداد جيد للتحرش بمفرقعات خلفها الوقت في معاطف الرجل القديم.. ورطة يقظة – ومناسبة أيضاً – لمطاردة الاطمئنان الرخو للرجل الممتد تماماً في الظل الصلب للخيبة .......... إذاً، ما الذي كان بإمكانك أيها الخاسر ولم تنجزه أو تعيد تعريفه بالمفاجآت المصقولة.. أي الجهات تلك التي لم تمر برخاوةِ ذاكرتِها ولم تدسّ فيها الأشواق لتخلفها الآن مبللة برعب الانسحاب نحو أسئلة لزجه.. ومخيفة حتماً. أي شيء ذلك الذي لم تتسرب في ثقوب ارتباكِه وترددِه لتنهض بعدها نافخاً في أطرافه روحك الساخنة.. وجنونَك الحاد.. ومصادفات الانتصار والحنين غير المتوقعة ..أنت الآن تبدو مناسباً لشغرِ مواقع المراقبة والمقارنات واصطياد نوبات الخيبة الجامحة.. جيد- أيضاً- لتعليل تواطئك مع حشرات الدوار المسائية ومع المكايدة الماهرة والممتعة للهزيمة.. تضيء ذهولك البارد.. بمساءات مفتوحة على النساء والنبيذ.. بالاستدراك اليومي لبقايا الثورات.. بالحكايات والقصائد وأساطير الرجال الذين رفضوا الانهيارات المفزعة في روح المدن الأخيرة . آيها الخاسر الملائم تماماً لاقتراف أحاديث جانبية تتعلق بالحنين وبكيفية مراوغة الهزائم وإشعال الثورات والنساء والمهتم أيضاً بتجهيز تبريرات متقنة لإنقاذ علاقات على وشك الوقوع باتجاهات مفضية للخسارة .......حتماً سأحتاجك – على الأغلب بشكل شخصي تماماً – لكي أقايض أناقتي بجانبك، بالكثير من الاعتناء الرهيف والأهمية الثخينة وغير ذلك من الأشياء المجهزة مسبقاً ودائماً لأي شخص ستختاره أنت – بعناية كما يتوقع الجميع – لكي يشغر حيزا من اطمئنانك .. وأشواقك ..... وأوقات انطفائك أيضا.ً
تعز – صيف 2003
#ماجد_المذحجي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
يمن خارج سياق المدنية.. وخارج سياق الفعل
-
تأملات سريعه في الحزب الاشتراكي اليمني .. والمؤتمر الخامس
-
هل بدأت الدولة اليمنية تتخلى عن وظيفتها؟؟....
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال
...
/ المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
-
الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري
...
/ صالح ياسر
-
نشرة اخبارية العدد 27
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح
...
/ أحمد سليمان
-
السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية
...
/ أحمد سليمان
-
صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل
...
/ أحمد سليمان
-
الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال
...
/ مركز الآن للثقافة والإعلام
-
جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م
...
/ امال الحسين
المزيد.....
|