عبدالامير الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 159 - 2002 / 6 / 13 - 06:45
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
>هل المعارضة العراقية مدخل صالح تستطيع الدول والقوى العربية الراغبة اذا ارادت ان تلعب عن طريقها دورا ما في جعل العراق اقدر على مواجهة احتمالات ونتائج العدوان الأميركي المتوقع عليه؟ تعتبر هذه الوسيلة بحد ذاتها مشكلة لا تقل سوءا وتعقيدا عن حالة الدول العربية المعنية نفسها، والاثنان يتبادلان الاتهامات وكل منهما يقترب من الآخر بحدود وهو يضمر عنه غير ما يبديه له من مشاعر عدم الثقة احيانا وعدم الاطمئنان مرات والاستهانة في كثير من الاحوال، والتبسيط هنا ما زال منذ زمن سيد الاحكام يساهم فيه حتى معاضدون من خارج هذه الدائرة كتّاب احيانا وصحافيون وقوى عربية ليست ضالعة مباشرة ولا تجد نفسها مضطرة للانشغال بهذه القضية الطويلة المتشعبة الكثيرة العقد الفاقدة لكل منطق والمحاطة بالفوضى وخراب المقاييس والمستعصية الى الحد الذي غالبا ما كان يشجع على نوع من التعالي عليها والاستنكاف عنها من دون ان يقدر من يفعلون ذلك انهم انما يلقون هنا اسلحتهم وينسحبون مولين لكن <<بشرف>> وخيلاء امام شاغل بالغ الخطورة ان لم يكن الاخطر من بين المشاغل التي تمس صميم المصير والمستقبل العربيين.
برغم كل ذلك قد تبدو هذه المسألة بسيطة في حال كان العالم العربي مستعدا لان يقر في سياقها مبادئ في التعامل مع المعارضة العراقية يكون أساسها:
1 الوقوف القاطع ضد كل اشكال العدوان الاميركي ومنها الحصار الاقتصادي.
2 اعتماد شعار التغيير السلمي الشامل، اي نبذ الشعار البالي الذي يرهن التغيير الديمقراطي بوسيلة تناقضه هي وسيلة <<إسقاط السلطة>> لقد تمت مناقشة هذا الشعار طويلا ومرارا من قبل وطنيين عراقيين معارضين قالوا صراحة بان شعار <<اسقاط السلطة>> في ظروف العدوان العسكري والحصار لا يخدم قضية الديمقراطية ولا الوطنية لا بل يناقضهما كليا ويقدم خدمة للعدوان وقواه ويسهل تدمير العراق وتمزيقه وتمزيق الاساس الابتدائي الضروري لقيام اي امل ديمقراطي، فللديمقراطية قاعدة اولى هي وحدة المجتمع والدولة بينما العدوان يريد إرجاع العراق الى ما دونهما الى ما قبلهما.
3 تبني شعار ومبادئ الحوار الوطني الشامل والتحول الوطني نحو الديمقراطية اي تحويل مطلب الديمقراطية الى سلاح مناهض للدكتاتورية باعتبارها عقبة تحول اليوم دون قيام افضل الشروط الوطنية الضرورية لمقاومة العدوان واحالة قضية مواجهة الكارثة الحالية والخروج منها الى وحدة قوى الشعب وإحياء دور القوى الوطنية والحية في الحياة العامة وفي المعركة التاريخية المديدة المفروضة على العراق في اطار العدوان على المنطقة برمتها.
4 اعتماد استراتيجية مواجهة وطنية شاملة ببعدها التاريخي بتخليص الدولة والحياة والاقتصاد من بنية الريع والسلطة الاحادية القمعية لصالح تنمية خلاقة تقوم على احالة المواجهة الراهنة الى العمل والانتاج الجماهيري الحر والمؤطر بفعل القوى الحية بحيث يرفع بوجه المعتدين سلاح اللحمة الوطنية الديمقراطية المقاتلة واعادة هيكلة الاقتصاد وقوى الانتاج والعلم والثقافة والمعرفة والابداع بدل تجميد طاقات المجتمع وأبعاده عن المواجهة وفرض نوع من <<الاعالة>> عليه تمارس من طريق بطاقات التموين الشهري مع حصر المواجهة الرسمية في المناحي العسكرية البحتة وفي قوة النفط باعتباره وسيلة رشوة تكتسب بواسطتها المواقف الدولية والعربية. ان سلاح الديمقراطية وخطة المواجهة الوطنية الشاملة امضى سلاح يملكه العراق في المعركة التاريخية المفتوحة وللخروج من الكارثة الى المستقبل وهو امضى وأقوى وقعا على المستوى القومي حتى من سلاح النفط.
لم يظهر في الاوساط المعارضة العراقية برنامج آخر يتفق مع المصلحة الوطنية والقومية غير هذا التصور الذي نشأ بصيغته الحالية قبل إحدى عشرة سنة، لكن احدا لم يكن يريد في حينه الاعتراف بهذه الظاهرة بينما كانت الولايات المتحدة تسيّد اعلاميا مفهوم المعارضة المرتبطة بها فنجحت في فرضه بوعي او من دون وعي ممثلا وحيدا عنها يجري التعامل معه كحقيقة حاسمة وممكنة سواء من لدن من يرفضونها او يقبلونها.
بالمقابل كانت الجهات الاقليمية والعربية تعرف المعارضة العراقية حسب نتائج تجربتها وتاريخ صراعاتها مع النظام العراقي. وبما ان عام 1990 1991 كان منعطفا تاريخيا بلغت عنده صراعات العقدين السابقين الذروة فلقد كان من المستحيل وقتها سماع صوت المستقبل وبالذات على صعيد تحولات من نوع تلك التي ظهرت داخل <<المعارضة العراقية>> فكان الميل المتوقع هو الى رفض تلك الظاهرة وطمسها لا الى تفحص دلالتها ناهيك طبعا عن التفكير بها كامكانية سياسية عملية..
اذن ستحصر هذه الظاهرة في الزاوية ويلقى عليها ستار من التجاهل والمنع، فهي الأضعف بما لا يقاس اذا ما قورنت بقوة الدعم الذي يتلقاه ممثلو صحوة الموت، فظل هؤلاء يرددون نفس الديماغوجيا ولغة التهريج من دون ان يخافوا من ان تضيع صرخاتهم او تفنّد وتُدان. ولقد قالوا وقتها إن الحديث عن <<الحوار الوطني>> دعم للنظام الدكتاتوري ودفاع عنه يضمر اغراضا وخططا معادية للديمقراطية. فالنظام لا يؤمن بالحوار. وقالوا ان التخلي عن شعار اسقاط السلطة جريمة وتراجع عن قضية شعب مضطهد، ولم يسألهم احد اذا كان شعارهم قابل للتنفيذ ام انه مستحيل كليا من دون تدخل اجنبي، وهل هو موافق للحساسية الوطنية في ظل العدوان الاميركي والحصار الذي ادى الى قتل مليون ونصف المليون عراقي ومن ثم فهل مثل هذا الشعار يضر ام يخدم النظام اليوم؟ هل يتيح له فرصة سانحة لكي يصادر التمثيل الوطني وقيادة المواجهة ضد عدوان اجنبي وحرب ابادة شاملة بقدر ما يهيىء اسباب ترك الشعب في الداخل اعزل وبلا وسائل او حجج تساعده علي مقاومة استمرار القمع ومصادرة الحرية باسم الخطر الداهم؟ ثم هل ان القوى الحية في اي مكان معنية بأن تطرح الشعارات التي تجري الموافقة عليها اي ان نطالب بالديمقراطية اذا كان النظام يوافق وبالاشتراكية اذا ضمنا ترحيب أعدائها والاسلام لأنه مطبق بحذافيره، هذا التهريج والجهل ما زالا ساريي المفعول مع انهما يعترفان صراحة بأن اعتماد مبدأ الحوار يخالف رغبة السلطة ويحرجها وينتزع من يدها، اذا كان الموقف العام للمعارضة مناهضا للعدوان والحصار، كل اسلحتها في حين يتحول صوت المعارضين الى قوة عملية لن تلبث ان تنعكس في الداخل وتؤسس لبداية حقبة تاريخية جديدة من النضال الطويل على طريق التحول الوطني نحو التعددية والديمقراطية.
لا يصح طبعا ان نقبل ما يردده هؤلاء عن قضية <<الحوار الوطني>> معتبرين المطلوب عودة الى سيادة قوة ما او جهة ما او الى تميز أحد على أحد من القوى والتكوينات، هذا مستحيل وهو من تراث عقلية ومفهوم هؤلاء. فالديمقراطية والتحول الديمقراطي يعنيان انقلابا تاريخيا وتغييرا شاملا لا مكان فيه لسلطة اي <<حزب واحد>> او جهة واحدة او جمع من العسكر، وهذه الافكار كتبت وأعلنت بوضوح ولمئات المرات خلال السنوات العشر الماضية وجرى تردادها بلا توقف وحين تم رفضها فان ذلك حدث لأنها كانت تدين في العمق نمط عقلية وممارسة قوى معارضة خرجت من التاريخ ولم تفلح على مدى عقود سوى في تكريس التنازلات المفضية الى الكوارث.
الآن تغير الموقف فنحن على اعتاب مغادرة لحظة وبقايا التضخم المرضي لصراعات حقبة السبعينات والثمانينات وكل يوم يمر تتأكد القوى الاقليمية والعربية ان ذلك الزمن انتهى، وقد برزت مؤخرا اشارات جديدة على وجهة تعامل مختلفة مع المعارضة العراقية توحي بأن قوانين زمن آخر ربما بدأت تأخذ طريقها للتنفيذ، لكن ليس من طبيعة منطقتنا ولا أنظمتها خصوصا اختيار غير المتوافر والمضمون ولهذا قد ندخل فترة مساعي الانتقال بما هو متوافر من الماضي بافتراض العمل على تحويره، وهذا بحد ذاته شيء لافت للنظر لكنه اقل من المطلوب بمراحل لأن المستقبل قال كلمته في اللحظة الفاصلة. وقبل إحدى عشرة سنة نشأت في المنفى ظاهرة معارضة وطنية ليست اقل من ظاهرة تاريخية ومدخل حقيقي للحل والانقاذ لمن أراد بالفعل ولمن يملك روح مبادرة وإرادة خلاقة تحسن الاستماع جيداً لصوت التاريخ..!!!
() كاتب عراقي مقيم في باريس.