|
المجتمع المدني والاستقرار الامني
مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب
(Moustafa M. Gharib)
الحوار المتمدن-العدد: 801 - 2004 / 4 / 11 - 06:30
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
نحتاج في العراق الجديد، العراق الديمقراطي التعددي الفدرالي إلى الاستقرار الأمني لكي تنجز مهمات بناء مؤسسات المجتمع المدني وقيام الدولة العراقية الحديثة على اسس صحيحة لا يختلف اثنان على ان الاستقرار الامني يلعب دوراً اساسياً في تطور عملية البناء والتوجه لتنفيذ مستلزمات خلق القاعدة المادية والروحية للمجتمع لكي ينتقل بدوره إلى تطور نوعي التزاماً بالترابط العضوي الحتمي ما بين الاستقرار والبناء كظاهرتين علميتين لا يمكن فصلهما عن بعضهما كما هي ظواهر العالم المحيط المتعددة الكونية وتشمل الكون كوحدة كونية ابتداءً ( من الجسيمات الاولية وانتهاء بالمجرات ) والاجتماعية بمفهومها السكاني، فالروابط الاجتماعية وتطور المجتمعات الانسانية وتقسيمها الطبقي يخضع ايضاً للترابط النسبي والعام بينهما. من خلال النظرة العلمية وليس التبسيطية التفاؤلية يجد المرء ان نشوء اي قاعدة لأي شيء يحتاج إلى اوليات وثوابت مادية وروحية لكي يقوم البناء على قاعدة راسخة تقاوم الهزات والمصاعب الجمة التي قد تصادفها بعد ذلك، ولهذا يلعب الاستقرار الامني دوراً فاعلاً في عملية الانجاز ثم الانتقال إلى مرحلة متقدمة منه، لا بل ان وجوده المستقر ولو نسبياً يجعل التوجه نحو الامام للبناء والتقدم من ضروريات التطور لكي يجري الوصول الى التكامل الذي ننشده جميعاً.. وتتعثر عملية استكمال مهمات بناء الدولة والمؤسسات التي يحتاجها الشعب بمجرد وجود ثغرات أمنية تحول دون تحقيق ما تطمح إليه القوى الطليعية التي تتبنى مفهوم المجتمع المدني بمؤسساته الجماهيرية الديمقراطية وتخليص المجتمع من آثار العنصرية والفاشية والدكتاتورية والتعصب القومي والديني والطائفي وكل ما يضر وحدة الشعب ومسيرة البناء. لهذا نحتاج في العراق الجديد، العراق الديمقراطي التعددي الفدرالي الاستقرا ر الأمني كقضية مركزية لا يمكن التهاون معها واعتبارها من الاوليات والاسس التي ترتكز عليها عملية التجديد في اخلاقيات عفا عنها الزمن وأصبحت لا تجاري متطلبات العصر الحديث بسبب تبنيها مقولات تعتمد على الغاء الآخر ونفي وجود الصراع ما بين الخير والشر إلا من وجهة نظرها ثم اعتبار الديمقراطية طريقة مستوردة لا تلائم مفاهيم الدين وتعتبر بالضد منه، هذه الحاجة الملحة مازالت تتعثر لأسباب عديدة منها .. قضية الاحتلال ونتائجه المأساوية في القضايا المعاشية والبطالة وغياب فرص العمل وقضية المؤسسات الامنية وغيرها من السلبيات، تأخر قيام الحكومة الوطنية الانتقالية التي تقع على عاتقها مهمات انجاز المرحلة، استمرار التفجيرات والمسلسل الارهابي وعدم الاستقرار والاضطرابات والمظاهرات غير السلمية ( مثل الاضطرابات والمظاهرات اللاسلمية المسلحة التي قامت مؤخراً وهي بالتأكيد تصب في مجرى تعطيل تسليم السلطة للعراقيين وبقاء الاحتلال اطول فترة ممكنة، عدم فهم المرحلة الحالية من قبل بعض القوى الاسلامية والقومية ومحاولة القفز على الواقع. ان الاحداث الدموية الأخيرة التي راح ضحيتها مئات المواطنين العراقيين الناتجة عن الانفلات الغوغائي والمُسْتَغل من قبل عناصر البعثفاشي وفلول النظام البائد + القوى الظلامية الاخرى والرد من قبل قوات الاحتلال غير المسؤول الذي راح ضحيتها عشرات المواطنين الأبرياء، تدل على الاهمية البالغة لمراجعة حساباتنا السابقة والراهنة والمستقبلية ولا سيما قضية الاستقرار الامني وتثبيت قاعدة اخلاقية في عدم التجاوز على القوانين والدساتير كقيمة حضارية تبدأ في محاسبة النفس والانضباط والتوجه نحو القانون لحل المشاكل والاشكالات التي تفرزها الحياة الاجتماعية والسياسية في اليلاد. اذن الاستقرار الامني مهمة آنية ومستقبلية ملحة لكي تنجز مهمات بناء مؤسسات المجتمع المدني الديمقراطي وقيام الدولة الديمقراطية الحديثة على أسس صحيحة بمؤسساتها الامنية الديمقراطية والفصل ما بين المؤسسات التتشريعية التنفيذية والقضائية وبالتالي خلق الاسلوب الامثل من التعامل الحر في الاختيار والانتماء والتصارع الموجه للبناء بدلاً من خلق روح الفتنة والتفرقة والتناحرات غير الطبيعية من اجل المكاسب النفعية الذاتية الضيقة، ووفق اسس صحيحة واعتماداً على الجماهير ودورها الخلاق نستطيع تجاوز الكثير من المحن والمعوقات والتخلص من روحية التشاؤم ومشاعر الخيبة واليأس والرضوخ للامر الواقع بدلاً من التفكير والعمل الجاد للتخلص من الميراث السيء الذي ورثناه من حكم النظام الشمولي الدكتاتوري خلال 35 عاماً مضت إلى غير رجعة. لقد لعب الاستبداد والهيمنة والاضطهاد الذي مارسته الحكومات المتعاقبة منذ تأسيس الدولة العراقية دوراً سلبياً في النظرة إلى مفهوم الحرية والديمقراطية وقواعد المجتمع المدني، لا بل تأثرت الكثير من قوى المجتمع بهذه السلوكيات المريضة ( الهيمنة والشعور بالأفضل والاحسن والعمل على الغاء الآخر بطرق ميكافيلية مشبوهة ) وراحت تخطط على انتهاج الاسلوب نفسه الذي انتهجته تلك الحكومات العراقية وبخاصة سلطة حزب البعث العراقي منذ 8 شباط 1963 وثم انقلاب 17 تموز 1968 وحتى استيلاء صدام حسين بطرقه الميكافيلية التآمرية على مقاليد السلطة وتوجيه المجتمع الى نوع من روح العسكرة والتخلي عن ابسط مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان، وبهذه الطريقة اصبحت الرؤيا نحو المجتمع المدني ضبابية غير مقنعة للبعض وتشير هذه القناعة عند البعض بأن الجماهير العراقية عاجزة عن خلق القيادة السياسية الفعالة للحياة الاجتماعية ولهذا راحت تنوب عن الجماهير في وضع الحلول الفوقية والعودة إلى الدائرة الضيقة التي خطط لها الحكم الشمولي لكي يسيطر على الجماهير والمجتمع العراقي. في وسط هذه الاجواء المشحونة والاضطرابات الامنية والتجاوزات على القانون وعلى حقوق الانسان تبرز العديد من الاسئلة حول الترابط العضوي بين الاستقرار الامني وقيام المجتمع المدني بمؤسساته ومنظماته الجماهيرية الديمقراطية وانتقال السلطة بشكل ديمقراطي وبواسطة صناديق الاقتراع والتنافس الحضاري الذي يعتمد على اساس دستور دائم يمنح جميع العراقيين الحق في الترشيح والانتخاب الا الذين يدانون بجرائم ضد الانسانية ومخلة بالشرف والمطلوبين قانونياً من اقطاب النظام الدكتاتوري الذين يتحملون مسؤولية مباشرة او غير مباشرة على ما أصاب العراقيين والعراق من اضرار مادية وروحية. واهم سؤال يطرح نفسه ـــ كيف يمكن المباشرة في وضع الخطط الكفيلة من تخليص روح العسكرة التي زرعها النظام الشمولي في المجتمع؟ وما هي الادوات التي يمكن استعمالها لكي نتخلص من عشرات الالاف من قطع السلاح التي وزعها نظام صدام حسين؟ هل هناك آليات صحيحة لتنفيذ المشروع حول الحقوق المدنية وحرية الرأي؟ ما هي السبل الكفيلة للتخلص من المظاهر والملشيات المسلحة وقيام المؤسسات الامنية على اسس وطنية هدفها المحافظة على امن المواطنين؟ هل يبقى الملف الامني بعيداً عن يد العراقيين الذين يعرفون كيف التعامل مع القضايا ذات الخصوصية في المجتمع العراقي ؟ كيف يمكن التعامل مع العقلية الشمولية التي مازالت تسيطر على عقول البعض ممن يسعون غلى استعمال الاساليب القمعية القديمة تحت واجهات وشعرات جديدة؟.. هذه الاسئلة وغيرها تحتاج إلى أكثر من وقفة من أجل التوصل إلى صيغ حضارية صحيحة لتنفيذ المشروع الكبير" ديمقراطة العراق" وتثبيت اسس المجتمع المدني بمؤسساته الجماهيريةالذي يقوم على اعتماد الحوار الديمقراطي الحضاري وحقوق الانسان وتنمية الوعي الاجتماعي بمسؤولية التضامن الجماعي ضد أي خرق لهذه الحقوق، واعتبار التنافس الديمقراطي الحر قاعدة اساسية للعلاقات بين القوى السياسية، والالتفات إلى تحسين دورة الاقتصاد الوطني والتخلص من الركود بجعله ينمو بدورته الطبيعية بعد هذا التوقف المريع.. والعمل الجاد من اجل رفع المستوى المعاشي للجماهير العراقية الكادحة والتخلص من البطالة وخلق فرص عمل جديدة امامهم لكي يمارسوا حقهم المشروع في البناء والتقدم والمشاركة في اتخاذ القرارات الهامة التي تخص امن واستقرار البلاد ولإزالة الآثار المأساوية التي خلفتها حقبة 35 عماماً من حكم الدكتاتورية في العراق. ان قاعدة الاستقرار الملازمة للقوانين والدساتير وعدم التجاوز عليهما تحت اية ذريعة كانت وما زالت احدى الادوات الفاعلة لخلق التوازن الطبيعي بين عملية البناء والتقدم وبين تطوير المؤسسات الملازمة لقيام المجتمع المدني ودولته الديمقراطية التعددية الفيدرالية. 10 / 4 / 2004
#مصطفى_محمد_غريب (هاشتاغ)
Moustafa_M._Gharib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اللجوء إلى السلاح غير مشروع قانونياً وأخلاقياً لحل المشاكل و
...
-
ماذا بعد هذه المحنة! إلى اين مقتدى الصدر بعد عرس الدم؟!
-
هل يستلم العراقيون السلطة في حزيران القادم ؟
-
ممن تطلب مغفرة وذنوب العالم مثل مجرات الكون ؟
-
في كثير من الأحيان لغة التهديد ضريبة تدفعها النساء
-
العيد السبعون على ولادة القرنفلة الحمراء لتكن الحياة كالقرنف
...
-
لا يا شاعرنا الجميل سعدي يوسف ليس ما نقله باتريك كوكبورن وتر
...
-
عملية حسابية بسيطة وليشربوا ماء المحيط إذا استطاعوا وثيقة قا
...
-
مابعد الأباريق المهشمة
-
الدستور المؤقت والعراق الديمقراطي التعددي الفدرالي
-
بمناسبة الثامن من آذار عيد المرأة المرأة والدستور العراقي ون
...
-
الدستور العراقي واهميته في الظروف الراهنة
-
قصيدتان
-
راية الفرسان..
-
المجلس الرئاسي القادم ومشكلة الطائفية
-
الانفلات الامني والتفجيرات في كربلاء والكاظمية في بغداد.. ان
...
-
لماذا بعض الإسلاميين في مجلس الحكم ضد تمثيل أكبر للمرأة في ا
...
-
ها أنتَ رضيت بقهر العالم حولي ..!
-
ارهاصات متفرقة في زمن الارتعاش !..
-
ما بعد أغاني المدينة الميتة
المزيد.....
-
مدفيديف: الناتو منخرط بشكل كامل في الصراع الأوكراني
-
السعودية.. إحباط 5 محاولات لتهريب مئات آلاف حبوب -الكبتاغون-
...
-
مصر.. الداخلية تكشف تفاصيل واقعة مصرع عامل دليفري بعد تداوله
...
-
اليونيفيل: إصابة 4 جنود إيطاليين من قوات حفظ السلام في جنوب
...
-
محمود الهباش: وجود إسرائيل في غزة لن يكتسب شرعية مهما طال
-
مشاركة عزاء للرفيق رؤوف الحباشنة بوفاة جدته
-
من هو الكاتب بوعلام صنصال وما مصيره منذ وصوله للجزائر؟
-
خبير عسكري: الاحتلال يستهدف مربعات سكنية بسبب تعثر عمليته ال
...
-
هل اكتشفت أم محمد هوية الواشي بنصر الله؟
-
قوات الاحتلال تقتحم جنين ونابلس واعتداءات للمستوطنين في الخل
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|