سليم الحكيم
الحوار المتمدن-العدد: 801 - 2004 / 4 / 11 - 06:27
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
توجد قواسم مشتركة بين الأحزاب والتيارات السياسية الدينية الإسلامية ؛وفي نفس الوقت لكل منها خصوصياتها ؛ لذلك يستوجب فرز المتشددة من بينها؛ لأن خلط الأوراق يظلم الأنسان العادي البسيط و يصعب عليه قرائة الساحة السياسية ؛و يظلم من المنظور الدمقراطي أحزابها المعتدلة والمتوازنة
التي يتطلب منها في الوقت نفسه الموضوعية، و الإبتعاد عن الحساسيات؛ لما يُطرح من رأي في المتشددة من بين تلك الأحزاب.
و في نفس المساق فالوقوف بوجه المتشددين وإجتناب حالة العصبية المذهبية و المداهنة و العزة بأثمها هي مهمة الأحزاب الدينية الإسلامية المعتدلة قبل الجميع، إذا كانت تلك الأحزاب تريد صدقا، الدمقراطية و التعددية والتداول السلمي للحكم في العراق.
يتصرف المتشددون من أمثال مقتدى؛ و من يتبعه على إعتبار أنفسهم الخراف البيض و كل الأخرين هم الخراف السود في نفس القطيع ؛ و لا أحد يفقه من أوحى لهم هذا التخيّل.
إن تيار المقتدى تتقمصه فكرة الدولة المقادة من الولي أو المرشد المختار؛ كما في إيران و قد لعب منذ اليوم الأول للتحرر من النظام الشمولي ؛ دورا يرفضه الشعب العراقي؛ فمحال أن يقبل بفاشية التعصب الديني كبديل؛ بعد أن ذاق فاشية التعصب القومي، و جحيم الظلم و القهر الصدامي؛ بل هو يتطلع الى مجتمع الرفاهية والحرية، بعيدا عن التزمّت و الأمر والنهي و الأكفان.
لقد واصل صاحب هذا التيارالأحادي النظرة، سلوك الطفل المهمل عن عمد؛ بينما يتصور ذاته وريث شرعيا كقائد الضرورة الجديد بإيحاء من مرجع تقليده في إيران؛ وعندما يركن جانبا عن لعبة لا يتناسب معها يقوم بتحطيم الأشياء من حوله و يطلق الصراخ بمختلف الموجات و النبرات لجلب الإنتباه.
لقد أعلن عن نفسه بشكل صريح و عملي ،أنه ضد حركة الحياة العراقية نحو الدمقراطية ؛ ففي البداية أظهر وجهه كشخص غيرمبال ولا يعنيه التغيير ، و هو الآن يريد الإستحواذ على كل مفاصل عملية التغيير لصالحه ،بدلا ًمن الإنسجام مع مَنْ في الساحة السياسية؛ للتخلص مِنْ بقايا النظام الأحادي الفاشي وإستكمال مستلزمات الإنتقال التدريجي الى النظام الدمقراطي التعددي- أي التعددي في الأيدلوجيات و ليس فقط التعددي في الأحزاب للأيدلوجية الواحدة- والحكم التداولي؛ فلا مكان بعد الآن للحكم الوراثي الحزبي أوالإيدلوجي على أرض الرافدين .
و كذلك واصل ذلك التيار الإستعراضات- المستنسخة- للقوة، لخداع الوعي الجماهيري؛و تحضير أرضية الخوف لدى الأنسان العراقي البسيط ؛ و شكّلَ حكومة وهمية؛ و شراذم أطلق عليها أسم المهدي؛ و هذه خدعة آخرى ليستغفل البعض فيتصورأنه أمام جيش لشخص مقدس؛ ومن يعصي أمره فهو في الجحيم ،ومن يسيرعلى خطاه فهو الضامن للخلاص منه .
في البداية حمل جيشه، الأعلام المُهلهلة الملونة تحت مسميات لا يمسها المطهرون!! فروّجت الفضائيات بكل فجورها وفسوقها الإيحاءات بقدسيتها وكأن الشيعة تملك بيارق خاصة مقدسة ؟؟؟؟ فيا للمهزلة و العار !! و تحولت الأعلام الى هراوات مثل التي تحملها جمهرة الحثالات الكريهة في إيران والسعودية، ثم الى سلاح من كل نوع بل ومخازن لها، وقام أتباع تياره بالإستيلاء على المال العام من الأبنية و حولوا المساجد الى قواعد لهم للدعاية السياسية الفئوية ؛ وهذا بحد ذاته سرقة لأمتياز، منعوه عن الغير بمختلف الحجج والأدعاءات، ولم تنج منهم حتى الآليات الحكومية و غيرها، وإستعملوا الحيل الشرعية لتبيض المسروقات، بدفع الخمس عنها كحق للأمام.
وكذلك هاجمت عناصرالتيار كل من ليس معهم؛ و وضعتهم تحت الضغط والترهيب و التهديد و إستعملت الأموال بسخاء لشراء ولاء الآخرين، مستغلة ً الحاجة المريرة التي تعانيه الشرائح المسحوقة من المجتمع .
و الأمثلة لا تحصى لما جربه أتباع هذا التيار من نشاطات لصالح أهدافهم السياسية ، فهم الأمرون والناهون و المنفذون لقصاص الله وهذا هو الذي يتنادون به كحكم شرعي.
و بعد هذا التوضيح المُبسّط لكل ما حصل و يحصل، يستوجب توجيه الخطاب الى رمزالعراق ؛الى الشبيبة العراقية المناضلة و تلك التي قد تنجرمع التيار؛ في مثل هذا الجو المُشوش- بسبب الهالات المضخمة للرموزوالنماذج المقدسة في الذاكرة القبلية في مجتمعنا – وبسبب التسلكات العنترية المثيرة للإندهاش والفضول.
فالأنجرار من دون أسس معقولة وأهداف واقعية؛ يُعطِّل القدرة على إتخاذ القرار الصحيح، و يوقع في دائرة من الخطاء لا يمكن إستدراكه إلا بصورة مأساوية و متأخرة ؛ وبعد عهد آخر من خراب جديد، فهلا زرتم المقابر الجماعية؛ لتسترجعوا الذكرى المرعبة لما حصل لشهدائنا الأعز و الأقد س من كل القادة الطامحين للسلطة، بالقوة وتزويرالألقاب القد سية والإستغفال والنشاطات القهرية المختلفة بدعم من نخبة من المريدين المنتفعين من حولهم .
و إذا كان تيار مقتدى وأصحابه صادقين في إدعائاتهم و حقيقيين في إيمانهم بدمقراطية الرأي؛ فطريقهم الوحيد هو الطريق السلمي للإقناع بأهدافهم و بالمنطق وليس بالتعابير التسقيطية للآخرين وأهدافهم ،و ليس بالصورة والكلمة المتوعدة بالويل والثبور لأستغفال عقول البعض من الناس؛ و ليس بعروض الضجيج البهلوانية، وبالهراوة و السلاح.
وأما الخطاب الآخرفهو الى قادة الأحزاب والحركات و التيارات السياسية؛ في أن أسوء مبدأ في السياسة هو"عفا الله عن ما سلف" وأن صح هذا في العلاقات الفردية في المجتمع؛ فلا يصح عند ما يتعلق الأمر بمصالح الشعب العليا والمصيرية ؛ ومن المؤكد أنه لا يمس من قريب أوبعيد مبدأ المصالحة السياسية، المُرتكِز على أزالة الضرر والوقاية المستقبلية منه بعهود مقدسة و موثقة بالإعتراف المتبادل لأطراف الخصومات.
و لذلك وبعيدا عن خلط الأوراق، يستوجب حسم الأمر ، تجاه القوى التي ترتكب الجرائم العامة، و قطع الطريق، على الذين يريدون إستعباد العراق، من مختلف المنطلقات و التضحية به على مذبح نظرياتهم وعقائدهم الأُحادية، للعودة الى الحكم الشمولي، بمسميات ولبوس جديدة ما أنزل الله بها من سلطان!!
وكفاكم نفاقا سياسيا ومذهبيا لأنكم تتصورون ذلك هو نصرة الأخ ظالما أو مظلوما!!! إنكم تقتلون العراق مرة ثانية منحيث لاتشعرون!!!!
سليم الحكيم
2004-04-09
#سليم_الحكيم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟