أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - سعد محمد رحيم - سيرك الإعلام ومهرِّجوه














المزيد.....


سيرك الإعلام ومهرِّجوه


سعد محمد رحيم

الحوار المتمدن-العدد: 2616 - 2009 / 4 / 14 - 08:58
المحور: الصحافة والاعلام
    


يبدو أن هناك برامج حوارية، على بعض القنوات الفضائية، ارتأت لنفسها أن تتحول إلى عروض سيرك رديئة تقدّم، في كل مرة، بضعة مهرجين للتحدث في قضايا السياسة وهمومها واتجاهاتها. والفرق بين مهرّجي السيرك التقليدي ومهرجي السيرك التلفازي هو أن الأخيرين لا يعرفون أنهم مهرجون، وأنهم، في حقيقة الأمر، لا يسلّون متفرجيهم الضجرين بعد كد وقلق نهار شاق، وإنما قد يزيدون من حيرتهم وعذابهم، ويربكون أذهانهم. على عكس المهرجين التقليديين الذين يدركون ما هو جوهر وظيفتهم ( وهي وظيفة شريفة ) فعلاً والذي يتلخص بإسعاد الناس، وإضحاكهم حيث الضحك علاج فعال، كما يقول الأطباء، للعديد من الأمراض النفسية، وحتى العضوية.
ويجب أن نعترف أن لمهرّجي السيرك التلفازي جمهورهم أيضاً.. هذا الجمهور يأخذ مهرّجيه على محمل الجد، ويتحدث عنهم في مجالسه بإعجاب، ويظن أنهم مفكرون دهاة طالما يرددون اصطلاحات سياسية مألوفة أو غامضة، بصوت جهوري، ويهزون قبضاتهم بغضب كدليل على مدى اتقاد غيرتهم الوطنية وحسهم القومي. ولنعترف أن بعضاً من هؤلاء المهرّجين لهم قدرة على التمثيل بدرجة لا بأس بها، يحاولون عبرها إيهام الناس بأن في جعبتهم مفاتيح الحلول السحرية لمشاكل الأمة كافة.
أفرزت الحقب القريبة المنقضية من تاريخنا، وصراعات الأحزاب والإيديولوجيات خلالها، نمطاً مسطحاً وتبسيطياً من الثقافة السياسية والإعلامية، يجعل قيمة عالية للكلام الإنشائي الرنان ذي الوقع العاطفي المؤثر عند كثر من الأفراد. فقد صار الحوار السياسي ( مع تحفظنا على كلمة حوار في هذا السياق ) ليس أكثر من أن ( تبهذل ) محاورك وتفند آراءه، ليس بالمنطق العلمي والدليل الواقعي، بل بالمداورة واللعب المخادع باللغة، والإيتاء بأكبر قدر ممكن من الشعارات المستهلكة وترديدها بحماس، والبراعة في صياغة المغالطات، واتهام خصمك جزافاً بالعمالة أو التجسس أو الخيانة أو الخنوع أو الجهل وغيرها من المصطلحات التي يحفل بها قاموسنا السياسي والإعلامي المتداول. وبذا أصبح الشعار، عند هؤلاء، بديلاً عن الفعل. وصب اللعنات بديلاً عن النقاش الهادئ. والتهريج وإدعاء الوطنية بديلاً عن التحليل المنهجي والنظر العميق. والرجم بالغيب بديلاً عن التوقع المتبصر والتنبؤ العلمي القائم على الرؤية المنهجية. والتبجح الزائف باحتكار الحقيقة بديلاً عن محاولة البحث عنها. فالهدف ليس الوصول إلى الحقيقة بل تسويق المعتقدات البالية الحاجبة للمصالح الضيقة للفئات التي ينتمي إليها المهرّجون أولئك.
بالمقابل، هناك مديرو أو مقدمو هذه البرامج السيركية، ومنهم من يبدون مهرّجين أكثر من ضيوفهم. والغريب أنهم أحياناً ينجحون في استدراج أشخاص لهم مكانتهم الثقافية والفكرية إلى حفلاتهم المهلهلة. وكم من هؤلاء المخدوعين أعلن عن أسفه وندمه، فيما بعد، لأنه سمح لنفسه أن يكون جزءاً من السيرك السياسي والإعلامي الذي انتعش سوقه في هذه الأيام بعد تناسل القنوات الفضائية وحاجتها إلى ملء الفراغ وكسب المشاهدين بغض النظر عن نوعية الزاد الثقافي والإعلامي الذي تقدمه لهم.
لا أدري ما هو العلاج الناجع للحد من أذى هذه البرامج السيركية التهريجية التي تعيد إنتاج ثقافة سياسية مشوهة ابتلينا بها منذ نصف قرن أو يزيد. ثقافة تعمي بدل أن توسع الرؤية وتعمّقها. تكرّس الانقسام والصراعات الأهلية بدل أن تجد لها حلولاً سليمة. تعزز التخلف بدل أن تمهد للبناء والتنمية. وأخيراً تخدم الأعداء الذين يدّعي المهرّجون محاربتهم، وذلك بإبقاء المجتمع في حالة من التناحر الداخلي الدائم.
أعرف أن من يمتلكون وعياً سياسياً حقيقياً يتابعون، أحياناً، مثل هذه البرامج بروح مرحة، ويضحكون على خَرَق المهرّجين التلفازيين، في زمن عزّ فيه الضحك الصادر من القلب. ويا ليت الجميع يضحكون. فللضحك فوائد جمة.



#سعد_محمد_رحيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ذلك الانهيار في عالم الأمس لستيفان تسفايج
- المثقف وشبكة علاقات السلطة؛ 3 موقع المثقف ووظيفته
- المثقف وشبكة علاقات السلطة:2 آليات الإقصاء والإدماج
- المثقف وشبكة علاقات السلطة: 1 آليات صناعة الممنوع
- الدولة والإنتاج الثقافي
- تلك الأسطورة المتجددة: قراءة في كتاب -أسرار أسمهان؛ المرأة، ...
- -متشرداً بين باريس ولندن-: هوامش المدن المتروبولية في أوروبا ...
- إيزابيل الليندي تكشف أسرار أسرتها في -حصيلة الأيام-
- قراءة في كتاب: ( لعنة النفط.. الاقتصاد السياسي للاستبداد )
- النخب؛ البيئة الثقافية، والمشروع السياسي
- في وداع عام آخر
- تواصل النخب والشباب
- سؤال الثقافة.. سؤال السياسة
- لمّا سقط المطر
- عالم يتغير
- -ليلة الملاك- ملعبة خيال طفل
- الحكم الصالح
- متاهة المنافي في ( سوسن أبيض )
- حين يموت الأطفال جوعاً
- من نص اللذة إلى لذة النص؛ قراءة في -دلتا فينوس-


المزيد.....




- السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات ...
- علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
- ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
- مصادر مثالية للبروتين النباتي
- هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل ...
- الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
- سوريا وغاز قطر
- الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع ...
- مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو ...
- مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - سعد محمد رحيم - سيرك الإعلام ومهرِّجوه