جهاد نصره
الحوار المتمدن-العدد: 800 - 2004 / 4 / 10 - 11:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ما يحدث في العراق منذ عام واحد، أي منذ يوم سقوط الذئب التكريتي، يشكِّل مشهداً واقعياً حياً، مقابل كم كبير من الكتابات التي راهنت على الممكنات المتوفرة في الواقع الاجتماعي- السياسي العربي ..! كتابات أحزاب سياسية، ومثقفين، ومحللِّين، ومفكِّرين.. ونحن نتكلم بالطبع بعيداً عن الأنظمة الحاكمة، وكتاّبها، ومنظِّريها..! إنها حالة جدل صاخب بين المتغيرات المتلاحقة و الوقائع الحّية على الأرض، وسلسلة من المواقف النظرية العنيدة، بمرجعياتها الفكرية المختلفة من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. والمدهش في الأمر،هو استمرارية جميع الأطراف على مراهناتها النظرية..! وكأنَّ عدوى الاستمرارية انتقلت من أنظمة التسلّط إلى خصومها بكامل عفونتها، بحيث لم يشهد الإنسان في هذه المنطقة حالة استقالة واحدة ،أو حالة مراجعة، أو حالة انحلال حزبي، أو حتى حالة يأس معلن ..! فالجميع من غير استثناء، مستمرون في مراهناتهم على أنَّها الصواب بعينه..! لكنها الوقائع الحياتية العنيدة التي لا تستجيب لمراهناتهم.. ولا تتكّيف مع اطروحاتهم.. وهكذا، بدلاً من الإقرار بالهزيمة ، وتعّثر المراهنات القائمة كمقدمة حتمية لمراهنات أخرى تقوم على قراءات متجددة للممكنات الواقعية التي تتيحها الحياة، جرى ولا يزال يجري، العكس من ذلك، بحيث يبدو المستقبل لمن يهمه الأمر شبيه بلوحة واحدة يحاول المشاركة في رسمها فنانون من مختلف العصور، والمدارس الفنية ..!
لقد آلت الأمور، والأوضاع في معظم دول المنطقة، وبخاصة دول المنظومة الثورية ، إلى حافة الحضيض ، ولم يبق هناك من يرغب بالرهان على المراهنين الخاسرين..! بحيث صار المطلب المحدَّد بضرورة الخروج من كامل المناخ المعرفي، والسياسي السائد خلال نصف القرن المنصرم، مبرراً بل ملحّاً ..! إنَّ أول إجراء تستوجبه عملية السعي نحو مناخات سياسية جديدة، هو خلع، ورمي الأثواب العتيقة التي أثبتت الحياة - التي تدعي كل أحزاب المنطقة على الدوام، أنَّها أثبتت صحة برامجها وخطوطها السياسية.. ولكن لا تعرف لماذا تظلّ جالسة على المزابل..!- أثبتت أنَّها أصبحت مملوءة بالثقوب، ومرقَّعة بما يكفي لإحالتها إلى سوق البالة ..والبدء بعملية توليد مناخ سياسي جديد بثوب جديد ، ومصطلحات جديدة ، وخطاب سياسي جديد..!
لقد أسقطت حرب الفلوجة المحتدمة هذه الأيام، مختلف أشكال ، وأنواع الرهانات السياسية المعتمدة حتى اليوم.. وهي نتيجة كارثية بكلِّ المقاييس، ويبدو أنَّ المشهد العراقي الراهن، بمضامينه المتباينة ، و تطوراته المتسارعة ، ستكون له آثار جوهرية، وحاسمة على جغرافيا الفكر السياسي في دول المحيط بشكل خاص..والحياة ، أثبتت بالضد مما كانت تقوله الأحزاب السياسية (( وبعضهم )) لا يزال يردد هذه الاسطوانة ، أثبتت عدم صحة كلّ المراهنات السياسية السابقة لكن فقط للذي له عينان فيرى.. وأذنان فيسمع..!
9/4/2004
#جهاد_نصره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟