أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نذير الماجد - أحداث القطيف وبوادر الاصطفافات الجديدة















المزيد.....

أحداث القطيف وبوادر الاصطفافات الجديدة


نذير الماجد

الحوار المتمدن-العدد: 2613 - 2009 / 4 / 11 - 06:48
المحور: المجتمع المدني
    


لأن اللغة ليست محايدة تماما وليست دائما مجردة عن القيمة فإن التوصيف المرتبط تلقائيا بتأثيرات القيمة إنما هو قدر لا مفر منه حتى وإن كانت آليات الفرز منزهة عن التحكيمات القيمية.

اللغة لها طبيعة منحازة ومهما حاولت أن تبتعد عن أي حكم قيمي ستقع في النهاية في فخ المفاضلة، لكنها مع ذلك ستكون وفقا لمعايير محايدة بالضرورة، هكذا نجد كيف تمتلك اللغة رصيدا غنيا من المفردات للتعويض وللحد من حالات الفرز القيمي المرتكز على اساس معايير منحازة، فما إن ترتبط المفردة بحكم قيمي منحاز حتى يتم تجاوزها بمرادف لغوي أكثر حياد وموضوعية ضمن علاقة جدلية تربط اللغة بالأدلجة (بالمعنى اللغوي المباشر). هذه العلاقة هي التي تخفف من أثر الصدمة التي تنجم عن ثنائيات كالمعارضة والموالاة، الأقلية والأكثرية، الممانعة والموادعة، وغيرها من ثنائيات نجد لها رواجا هذه الأيام في واقعنا السياسي.

ولعل الأحداث الأخيرة في بلدة العوامية قد ساهمت إلى حد كبير في تفاقم وتيرة الفرز القائم على أساس "مانوي" يشيطن طرف ويمثلن آخر، يضفي على أحدهما صفة ملائكية مفرطة فيما يجعل من الآخر أسوأ من الشيطان، لكي ترتبط في النتيجة ثنائية كالمعارضة والموالاة كان يجب أن تظل مجرد عنوان يعكس التفاوت السياسي الموضوعي بتصنيفات قيمية تقترب من التخوين تارة ومن التنزيه الكامل والمثلنة تارة أخرى، ولن تكون النتيجة سوى مزيدا من الانحسار للمنطقة الرمادية، للرؤية الوسطية والمعتدلة. وبالتالي ليست هذه الذهنية سوى وعيا زائفا تتسم به كل أيديولوجيا.

ليست المشكلة في غياب المنطقة الرمادية بقدر ما تكمن في ذهنية التبخيس والاستباحة، التبخيس الذي يغيب كل الجوانب المضيئة في الطرف الذي يراد له أن يصبح بمثابة أقنوم للشر، لكي يتسنى قمعه واستئصاله، فالذهنية الأيديولوجية والتي هي غير قادرة على الحياد والنظرة الموضوعية هي ذهنية قمعية في الأساس، إنها شكل من أشكال الاستبداد ليس إلا.

إن كل وعي أيديولوجي ليس قادرا على اضاءة الواقع، لأن الأيديولوجيا بالتعريف كما يقول جورج طرابيشي هي ذلك الحجاب الحاجز بين الوعي والواقع، بدليل المآزق التي تقع فيها كل فئة غارقة في مقاربة الاشياء وفقا للمصالح الضيقة، وما التخبطات وضبابية الرؤية التي نجدها هذه الأيام بخصوص أحداث العوامية التي هي بدورها حلقة من حلقات القطيعة الناجمة عن انسداد كل منافذ الاصلاح والتغيير في الواقع السياسي إلا أبسط دليل على ضمور وانحسار الوعي السياسي "الموضوعي" لصالح الأيديولوجي والمنحاز.

هذه الأحداث التي جاءت عقب تراكمات مستمرة كانت سببا كافيا لانتاج اصطفافات بدأت تتكشف شيئا فشئيا، لكن التصنيف واطلاق المسميات ليست عملية لا تكتنفها المخاطرة، إنها ليست عملية سهلة على الاطلاق، ولهذا السبب بالضبط ولكي نتجنب الوقوع في التصنيفات التعسفية يفضل الولوج مباشرة في رسم الملامح والحيثيات ضمن جرد لا يمكن أن يكون جامعا شموليا قبل الاضطلاع بأي تسمية أو تصنيف.

في هذه الأيام بدأ يتشكل أكثر من تيار كاستجابة منفعلة أو فاعلة لتلك الأحداث الدرامية التي وقعت في بلدة صغيرة يقطنها البؤس والفاقة، الأحداث التي على اثرها صدرت ثلاثة بيانات يمكن اعتبارها كتجليات لهذه التيارات الوليدة والتي كان لها بذورها وارهاصاتها قبل الحدث: بيان الستين وبيان الأكثر من ألف وبيان ثالث أصدره رمز ديني بمفرده هو الخطيب المشهور السيد منير الخباز، ومع أن هذه البيانات ليست كافية تماما لتكوين تصور متكامل حول هذه التوجهات لأنها لا تعكس بشكل كامل رؤيتها السياسية إلا أن بإمكاننا أن نؤسس عليها انطباعا أوليا يساعدنا على ادراك الملامح الأساسية لهذه التيارات للتوصل لتصور أدق للحراك المجتمعي الراهن.

أولا: بيان الستين الذي كشف عن تحالف بين توجهات كانت متباينة حتى الأمس القريب، وهو ليس بيانا تأسيسا بقدر ما هو بيان اعلان لتيار بدأت ملامحه تتوضح. وهو تيار يصفه مناوؤه بالتخاذل إلى جانب لائحة طويلة من التوصيفات التعسفية، يميل هذا التيار إلى تبني خطاب تصالحي ترضوي مع حرصه على نيل الحقوق الاساسية ولكن ضمن دائرة المتاح واللعبة الداخلية بكل قواعدها، ما يجمع بين كل الموقعين هو الحرص على التزام الهدوء في التعاطي مع الخلل، لكن ثمة تباينات عديدة لا تقتصر على التوجه الفكري وحسب، بل أيضا على مجمل النشاط السياسي والجدية في التعاطي مع التحديات الوطنية.

الشيخ الصفار "أحد الموقعين" يمثل توجها محددا له خبرته السياسية الطويلة وخطابه الوحدوي الذي يشيد به الكثيرون، خطاب ليس انهزاميا كما يرى البعض الآخر ولكنه خطاب واقعي من حيث ادراكه وإلمامه بقواعد اللعبة في الداخل، هذا الادراك المقترن بوعي وخبرة طويلة يكسبه حس المناورة واستغلال كل الهوامش المتاحة لنيل الحقوق وتحقيق المطالب، لكن السمة الأبرز في اعتقادي هي دأبه المستمرعلى ترسيخ واقع انفتاحي متسامح وتجاوز الحالة المرضية للأنكفاء على الذات واجترار الألم كما هو يعبر.

لكن المفارقة أن بيان الستين يضم توجهات تكاد تكون مناوئة لأي توجه انفتاحي يتبناه الشيخ الصفار، وهو الأمر الذي جعل البعض يعتبر البيان جامعا لخليط يضم توجهات متعددة تمثل أطياف فكرية مختلفة، فالبيان الذي ضم وجوها تمثل ذلك التحالف العريق بين الرموز الدينية وأصحاب النفوذ "أو أهل العوائل حتى لا أقول الاقطاع" ضم أيضا رموز بارزة في الحركة الوطنية التي اكتسحت الواقع في الستينات من القرن الماضي.

ثانيا: في الوقت الذي يؤخذ على بيان الستين نخبويته العالية وتجاهله لضرورة اشراك الرأي العام نجد أن أبرز سمة يتسم بها بيان "الأكثر من ألف" هو اهتمامه بأوسع شريحة مجتمعية. إن السمة الأساسية لهذا البيان والذي يمكن أن يؤسس هو الآخر لتيار متمايز تماما هي اشراكه للمواطنين -وهم الذين بوسع الكثيرين وصفهم بالعوام- وهذا يدل على أن هذا التيار قد أدرك أهمية حضور المواطن العادي في صنع الحراك السياسي، لأن تغييبه هو الذي يمثل في الحقيقة اختطافا للقضية واحتكارها، وهو يعكس نفسا ديموقراطيا جميلا جدا كم نحن بأمس الحاجة إليه في واقع مشوه يسود فيه القمع والاستئثار بكل شيء!.

ومع تأكيده على مبدأ الحوار خيارا وحيدا وتركيزه على نبذ العنف بكل أشكاله وتمظهراته ينحى البيان نحو فضح حدة الانتهاكات التي تتعرض لها الأقليات المذهبية، أي أن له جنبة حقوقية أتاحت مجالا أوسع لاشراك شريحة تدعو وتناضل من أجل دولة الحقوق والمؤسسات، وإذا ما حاولنا استكشاف وقراءة ماوراء الخطاب سنجد أن أبرز ملامح هذا التيار يتمثل في السعي لحل نهائي وحاسم لمسألة الأقليات ومنها طبعا الأقلية الشيعية.

وهذا ما يمثل عاملا مشتركا أدى إلى وجود تعاطف واضح من قبل رموز معارضة تقطن في "ما وراء الحدود" أي خارج البلاد. وهذا هو بالضبط ما يشكل بؤرة التماهي والتلاقي بين الداخل والخارج، لأن المعارضة، أي معارضة، يجب أن تمثل جزءا أساسيا في النشاط السياسي، إلا أنه في كل العالم العربي "هذا العالم الاستثنائي" لا يمكن لأي معارضة أن تفصح عن ذاتها إلا في منفى اختياري، ولكن ضرورة التنسيق والتشاور مع الداخل ومحاولة ايجاد قاعدة أو حامل اجتماعي وغيرها من اشياء هي التي تمنح الشرعية للمعارضة التي يجب أن تتحلى بخطاب سياسي واقعي لا يحلق في الفضاء ولا يطالب بالمستحيل، وهو الشيء الذي يعتبر مأخذا أساسيا على خطاب المعارضة في الخارج، كالتلويح بالانفصال الذي وجد له بعض الصدى في الداخل رغم أنه مطلب غير واقعي على الاطلاق، إلا إذا كان بمثابة ورقة ضاغطة يتم التلويح بها للتذكير بوجود فئة مضطهدة تقطن فوق أطنانٍ من الذهب الأسود.

ثالثا: يرى الكثير من المتابعين للشأن المحلي أن اصدار السيد الخباز لبيان مستقل يمثل دليلا واضحا على وجود نية للمغايرة، نية جادة تسعى لرسم ملامح تيار جديد لا هو مع هذا ولا مع ذاك، لكن الملفت في موقفه هو حرصه على لغة على قدر كبير من الحياد، كان يحاول أن لا يقع في فخ الادانة بشكل اعتباطي. فيما تتجلى السمة الأساسية المضيئة جدا في دعوته للتنسيق بين جميع الفاعلين الاجتماعيين تلافيا لأي حالة احتكار أو اختطاف للقرار السياسي المحلي ولكن هي دعوة ناقصة طالما اقتصرت على رجال الدين ولم تتسع أكثر لتشمل ممثلي جميع الاتجاهات الفكرية بما فيها التيارات الفكرية الوليدة!

لكن الشيء الجديد في هذا التوجه للخباز هو النزوع الواضح جدا للخروج من شرنقة التحازب الطائفي المقيت، نلمس ذلك في دعوته للمواطنين السنة لزيارة المساجد والحسينيات في مناطق الشيعة ولعدم الاصغاء إلى التيارات الاقصائية السلفية والتي لها ما يماثلها في نزعة الاقصاء ذاتها في الواقع الشيعي نفسه.

هذه الاطلالة السريعة تكشف عن أمر يمثل لدى الكثيرين بارقة أمل في تجاوز كل تلك الاصطفافات البدائية التي اكتسحت الواقع منذ بداية الثمانينات أي منذ انتشار تيار الاسلام السياسي، فالملاحظ أن هذه الاصطفافات لم تعد ذات منطلق مرجعي كما كان سائدا في العقود الماضية، حيث كما يعلم الجميع كانت المغايرة والتمايز على أساس مرجعي، "المرجع يمثل قطب الرحى لكل تيار" ولكنا نشهد الآن تحولا في الوعي السياسي أدى لبروز بوادر لاصطفافات جديدة ذات مضمون سياسي أكثر، وإذا ما كتب لهذه البوادر النمو والنضج فلابد أن تصل في نهاية المطاف لبلورة خطاب وطني "زمني" معلمن وإذا ما شئنا المصارحة أكثر وهو ما يشكل بالنسبة للكثيرين أملا وطموحا يلامس وجدانهم، بإمكان هذه البوادر أن تشكل ارهاصات لتعددية سياسية تسع الوطن كله، وحينئذ "فقط" ستختفي كل النزعات الانفصالية!!



#نذير_الماجد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حفاظا على السلم الأهلي.. قدم استقالتك يا سمو الأمير
- حينما لا تصبح العمامة كالنعامة!
- بين بيان التصحيح وأحداث المدينة: مفارقات وخطاب مشترك
- أنقذوا السعودية قبل أن تحترق
- كل فلنتاين وأنتم بخير
- في السعودية.. نعم للمسيرات السلمية!
- المثقف ودوره الطليعي
- مجزرة المال السعودي!
- لماذا بيان تصحيح المسار الشيعي؟
- لماذا البيان؟
- لكي لا تُهدر أموال الخمس!
- الاختلاط ضرورة حضارية 2-2
- كفوا عن الإتجار بالدين..يا رجال الدين
- الأزمة العالمية وشطحات الخطاب الديني
- الاختلاط ضرورة حضارية 1-2
- شاكر النابلسي و مغازلة الأصولية!
- خطوات على طريق الأنسنة 2-2
- خطوات على طريق الأنسنة 1-2
- يا صعاليك العالم اتحدوا !!
- توضيح حول تحريم السيستاني للمسلسلات التركية


المزيد.....




- ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم ...
- كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا ...
- أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه ...
- أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
- -وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس ...
- الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
- بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة ...
- بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
- قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - نذير الماجد - أحداث القطيف وبوادر الاصطفافات الجديدة