|
جائزة أوصمان صبري ومعاناة الشعب الكردي في سورية
عبدالباسط سيدا
الحوار المتمدن-العدد: 2612 - 2009 / 4 / 10 - 09:54
المحور:
القضية الكردية
قبل أيام كما على موعد هام في المكتبة الكردية بستوكهولم (4-4-2009)، حيث التقى جمع من المهتمين بالشأن الكردي، وذلك بناء على دعوة من اللجنة المشرفة على جائزة أوصمان صبري، وهي جائزة تقديرية معنوية في المقام الأول، تُمنح لأصدقاء الشعب الكردي ( مُنحت في السابق لكل من عالم الاجتماع التركي إسماعيل بيشيكجي والسيدة دانييل ميتران)، وقد مُنحت هذا العام إالى الباحث العراقي الرصين، صديق الشعب الكردي الدكتور منذر الفضل؛ وذلك تقديراً لجهوده الفذة المستمرة في ميدان الدفاع عن حقوق الشعب الكردي؛ وسعيه الحثيث من أجل التواصل بين الشعبين العربي والكردي. وفي كلمة القبول والشكر التي وجهها إلى ممثل اللجنة المشرفة على الجائزة الكاتب حيدر عمر والحضور، تناول الدكتور الفضل جملة من القضايا الحيوية، في مقدمتها أهمية التفاعل بين المثقفين العرب والكرد؛ وشدد على ضرورة تمتّع المثقف العربي بالشجاعة البحثية لدى تناوله الموضوع الكردي، ليتمكن من رؤية الأمور على حقيقتها، ومن ثم التعبير عنها بموجب ما تمليه عليه التزاماته المبدئية، وقناعاته الضميرية، بعيداً عن التوجهات الرسمية والنزعات العصبوية المنغلقة على ذواتها. أما المعاناة الكردية فقد كان لها الحيّز الأكبر في كلمة الدكتور الفضل، إذ بيّن أن لا إنسانية التعامل مع الكرد في الدول التي تضطهد الشعب الكردي تتناقض بصورة صارخة مع كل الأعراف الإنسانية والمواثيق الدولية. وقد توقف الدكتور الفاضل عند معاناة الشعب الكردي في سورية، مؤكداً أنها تجسد حالة من حالات الإبادة الجماعية للجنس البشري. وما ذهب إليه هذا المجال هو أن القانون الدولي لا يكتفي بإدانة الحالات التي تعتمد السلاح والتصفية الجسدية المباشرة؛ بل يدين أيضاً الحالات التي تعتمد فيها الجهات الرسمية خططاً مسبقة تقوم على الحد من حريات التنقل، ومنع فرص العمل والتعلم، وفرض التخلف، وعرقلة النشاط الاقتصادي، وكبت الحريات، واغتيال الثقافة، وعدم الاعتراف الدستوري؛ هذا إلى جانب التجريد من الجنسية، وسلب الأراضي؛ كل ذلك يمثل من دون أي لبس جريمة بحق الإنسانية، يعاقب عليها القانون الدولي. والوقائع الراهنة على الأرض التي تخص معاناة الكرد السوريين تؤكد من دون أية مواربة صحة ما ذهب إليه الدكتور منذر الفضل في سياق تحديده لطبيعة ما يتعرض له الشعب الكردي في سورية، حيث يمارس النظام سياسة تمييزية عنصرية مكشوفة فاقعة، لا تعطي أي وزن لاعتبارات الوحدة الوطنية، ولا تكترث بالمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الشعوب أو مبادئ حقوق الإنسان. والأمر اللافت في الوضعية السورية، هو وجود علاقة طردية بين الانفتاح الخارجي على النظام والقمع الداخلي الذي يمارسه النظام ذاته في مواجهة الشعب السوري بأسره عرباً وكرداً ومكوّنات أخرى؛ لكن القمع الذي يصيب الشعب الكردي مركب، يتكوّن من القمع العام من ناحية، والقمع الخاص المرتبط بالانتماء القومي من ناحية أخرى؛ وإلا فكيف لنا أن نفسر حالة الاستنفار العام الذي تعيشه هذه الأيام دوائر السلطة السورية باختصاصاتها المختلفة ضد الشعب الكردي؛ وهي حالة تتجلى في الاعتقالات المستمرة وأحكام السجن الجائرة الطويلة الأمد بحق النشطاء الكرد بناء على تهم مختلقة؛ كما تتمثل حالة الاستنفار المشار إليها في إجراءات عرقلة النشاط الزراعي في المناطق الكردية التي تعاني أصلاً من الإهمال والنهب والحرمان من المشاريع التنموية، وذلك لمحاربة الناس في لقمة عيشهم، وإجبارهم على الخنوع أو الرحيل؛ وقد جاء القرار التعسفي الأخير الخاص برفع أسعار الأسمدة بصورة غير منطقية وغير مسبوقة، ليكون عبئاً إضافيا يتفاعل مع الأعباء والقيود السالفة الكثيرة المتشابكة، منها على سبيل المثال لا الحصر: التحديد الاعتباطي للمساحات المروية المسوح بزارعته، ومنع بيع وشراء العقارات والأراضي الزراعية في المناطق الكردية تحت يافطة ما يسمى بالمرسوم 49 لعام 2008. ولم تكتف العقلية العنصرية التي توجه سياسة السلطة في ميدان الملف الكردي بكل ذلك، بل لجأت وتلجأ إلى السياسات القديمة - الجديدة الخاصة بمنع الكرد الذين جُردوا من الجنسية السورية بموجب إحصاء 1962 السيئ الصيت من العمل، هذا إلى جانب تحريمهم من كل الحقوق المدنية الأخرى. كما أن إجراءات نقل الموظفين الكرد إلى أماكن أخرى بعيدة عن مناطق سكناهم تأتي هي الأخرى لتكون وسيلة ضغط إضافية في إطار لعبة تضييق الخناق على المجتمع الكردي بكل شرائحه؛ الأمر الذي يثبت أن السياسة الرسمية السورية المعتمدة تجاه الشعب الكردي هي سياسة تستهدف الوجود الكردي برمته، سياسة اضطهادية شمولية ترمي إلى شلّ المجتمع الكردي وإنهاكه، لينشغل بقوت يومه، وينأى بذاته عن أي تفاعل مع الهم الوطني السوري العام؛ فالكابوس المرعب بالنسبة إلى السلطة السورية الحالية هو أن يحدث تفاعل وطني حقيقي بين سائر المكوّنات السورية، وذلك في سياق المطالبة بالتغيير الديمقراطي على قاعدة احترام وحدة البلاد والخصوصيات. ومن هنا تأتي أهمية وحيوية الحوار العربي- الكردي، سواء على الصعيد السوري الخاص، أم على الصعيد العام؛ حوار يتسم المشاركون فيه بمزايا الجرأة والموضوعية واحترام الآخر المختلف؛ حوار يقطع بصورة نهائية مع الأحكام المسبقة التي تثير التوجس والشكوك والأحقاد غير المسوّغة؛ ويشدد في المقابل على ركائز التفاهم والانسجام والتواصل التي يزخر بها التاريخ الطويل المشترك بين الشعبين الجارين الصديقين. وبالعودة إلى ما بدأنا به موضوعنا هذا نقول: إن أهمية منح جائزة اوصمان صبري - الذي يُعد بحق أحد أهم رواد الفكر القومي الكردي المعاصر- إلى الباحث العراقي القدير الدكتور منذر الفضل تتشخص في كونها دعوة مفتوحة صادقة موجهة إلى الاخوة الأعزاء من الباحثين العرب، ليضطلعوا بمسؤولياتهم، ويعملوا بجدية مع اخوتهم من الباحثين الكرد من أجل الانطلاق بحوارٍ حقيقي أصيل متميّز، سيكون من دون شك لصالح الشعبين الصديقين، بل لصالح المنطقة بأكملها.
#عبدالباسط_سيدا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انتفاضة قامشلي المباركة في ذكراها الخامسة
-
كمال مظهر باحث أصيل متجدد 2/2
-
كمال مظهر باحث أصيل متجدد 1/2
-
غزة: تأملات في مرحلة ما بعد العدوان
-
تركيا بين التمزّق الداخلي والهاجس الإقليمي
-
الشرق الأوسط: معادلات الراهن واحتمالات المستقبل -3
-
الشرق الأوسط: معادلات الراهن واحتمالات المستقبل -2
-
1-الشرق الأوسط: معادلات الراهن واحتمالات المستقبل
-
محاكمة نظام صدام في أجواء صدمة الإعدام
-
اللهاث خلف السراب تكتيك سئمناه
-
جهود مستمرة في مواجهة مأساة مستمرة
-
حزب البعث: مؤتمر بائس وموقف حائر
-
كردستان العراق: ضرورة تجاوز العصبية الحزبية إلى المؤسساتية ا
...
-
حول خلفية وطبيعة موقف حزب البعث من المسالة الكردية
-
إلى الانتخابات أيها العراقيون من أجل ألاّ يتحكّم صدام آخر بر
...
-
الحضور الكردي القوي في الجمعية الوطنية القادمة ضمان لوحدة ال
...
-
المعارضة السورية وضرورة الاعتراف بالوقائع
-
تغييب الوعي وأسطرة المزيف في الاعلام العربي - أهمية الاعتراف
...
-
تفييب الوعي وأسطرة المزيف في الاعلام العربي
-
تغيييب الوعي وأسطرة المزيف في الإعلام العربي - شرعنة الإرهاب
المزيد.....
-
إعلام الاحتلال: اشتباكات واعتقالات مستمرة في الخليل ونابلس و
...
-
قوات الاحتلال تشن حملة اعتقالات خلال اقتحامها بلدة قفين شمال
...
-
مجزرة في بيت لاهيا وشهداء من النازحين بدير البلح وخان يونس
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
المزيد.....
-
سعید بارودو. حیاتي الحزبیة
/ ابو داستان
-
العنصرية في النظرية والممارسة أو حملات مذابح الأنفال في كردس
...
/ كاظم حبيب
-
*الحياة الحزبية السرية في كوردستان – سوريا * *1898- 2008 *
/ حواس محمود
-
افيستا _ الكتاب المقدس للزرداشتيين_
/ د. خليل عبدالرحمن
-
عفرين نجمة في سماء كردستان - الجزء الأول
/ بير رستم
-
كردستان مستعمرة أم مستعبدة دولية؟
/ بير رستم
-
الكرد وخارطة الصراعات الإقليمية
/ بير رستم
-
الأحزاب الكردية والصراعات القبلية
/ بير رستم
-
المسألة الكردية ومشروع الأمة الديمقراطية
/ بير رستم
-
الكرد في المعادلات السياسية
/ بير رستم
المزيد.....
|