|
أزمة الهوية في فلسطين
هشام أبو شهلا
الحوار المتمدن-العدد: 2612 - 2009 / 4 / 10 - 02:27
المحور:
القضية الفلسطينية
التقرير الأخير لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP في فلسطين، والصادر أواخر آذار/مارس 2009، أبرز وبشكل فظ للغاية واحدة من أعمق وأخطر الأزمات التي تواجه الشعب الفلسطيني في المرحلة الحالية من صراعه طويل الأمد، ألا وهي أزمة الهوية. في إجابة من الشباب الفلسطيني – وهي أهم شريحة مجتمعية – لسؤال عن تعريف لهويتهم، جاءت النتائج كالتالي: 47% يعتبرون أنفسهم مسلمين، مقابل 28% فقط يعتبرون أنفسهم فلسطينيين، فيما توزعت النسبة الباقية لصالح الانتماء الإنساني والقومي العربي. وهذه النسب كفيلة بإبراز مدى عمق الأزمة وتغلغلها في المجتمع الفلسطيني. وتعتبر الأزمة، بشكل عام، من المنظور السياسي، حالة أو مشكلة تأخذ بأبعاد النظام السياسي القائم، وتستدعي اتخاذ قرار لمواجهة التحدي الذي تمثله. كما أن أزمة الهوية هي واحدة من أخطر الأزمات نظرا لكونها ذات جذور اجتماعية داخلية، وهي تؤثر أيضا في تعميق الأزمات الأخرى، كأزمة بناء الدولة والمشاركة والاندماج وغيرها، حيث أن أزمة الهوية تتعلق بمشكلة الولاءات المحدودة وتحويلها إلى الولاء الأكبر. وتعرّف الهوية على أنها: الشعور بالانتماء المشترك من أعضاء المجتمع السياسي الواحد إلى الدولة أو الإقليم الذي يعيشون فيه، والعمل معاً من أجل تحقيق المصالح العليا للوطن. وانطلاقاً من هذا التعريف تبدو مدى خطورة المساس بالهوية المشتركة للمجتمعات حيث أنها من شأنها أن تخلق حالة من حالات الصراع الداخلي والحروب الأهلية التي تعمق من حدة التنافس بجانبه السلبي وتزيد التمزق القومي. لا أحد طبعاً ينكر دور الإسلام كدين وعقيدة وفضاء فكري وحضاري للشعب الفلسطيني والأمة العربية، حيث أن التراث والحضارة الإسلامية مكون عضوي من مكونات خصوصيتنا الثقافية، ونحن مطالبون بالتعامل مع إشكاليات هذا التراث بهدف الاستناد له وتطويره واستخدامه في صراعنا القومي وتطورنا الحضاري. إلا أن ما يجب علينا أخذه بعين الاعتبار، أن الانتماء الديني لا يجوز أن يزاحم الانتماء الوطني والقومي، أو يكون بديلاً له في أي حال من الأحوال، لأن الدين كأحد الروافد الفرعية للثقافة السياسية، غالباً ما يكون مصدراً للنزاعات، عدا عن كونه يعتبر مرجعاً محدوداً ومتدنياً لها، يطفو على وجه الخصوص في المجتمعات التقليدية، فمثلاً في دولة متقدمة، لن يكون معنى لسؤال حول هوية الانتماء لأن المجتمع هناك قد تجاوز هذه المرحلة. كما لا يمكن تجاهل الظروف العالمية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، ودور "الحرب على الإرهاب" في تنمية هذه الأزمة عبر تجييش عواطف الشباب في المجتمعات العربية التقليدية، التي تلقفت عن سذاجة دور الطرف الآخر، وساهمت في تكريس الصورة المغلوطة للمعركة وكأنها ضد الإسلام. إن دوائر الانتماء متعددة، بدءاً من انتماء الفرد لأسرته الصغيرة، إلى انتمائه للمنظومة البشرية، مروراً بالانتماء الحزبي أو الديني، إلا أن الدائرة المفصلية والأساسية هي الوطن، فهي الدافع والأساس لأي عملية تقدم في المجتمعات، وبدون تعزيزها ستسود حالة النزاعات المتجددة. ولا يمكن إطلاقاً تبرير ضعف الانتماء الوطني لدى الشباب الفلسطيني بحالة الاكتئاب المستشرية في أوساطهم والتي جاوزت الـ 80% بحسب التقرير. وبما أن المجتمع الفلسطيني في عداد المجتمعات التقليدية النامية، فإن الأزمة تتطلب منا تطوير مستوى الثقافة السياسية للتغلب على التهديدات الخطيرة التي تعيق عملية تكامل حدود وهوية الدولة من خلال عملية تنشئة سياسية تقوم بأدوار ثلاثة رئيسية ومتكاملة، وهي: نقل الثقافة السياسية من جيل لآخر، وتكوينها، وتغييرها بما يتلاءم ودعم المحافظة على النسق السياسي، بهدف الانتقال من التوجهات السياسية العاطفية، إلى التوجهات المعرفية والتقييمية. قد يكون الوضع الفلسطيني الحالي المتردي، نتيجة لهذه الأزمة، لكنه على الأغلب سبب لها، فإن الصراع حول الهوية كمفهوم يؤدي إلى ضعف النظام السياسي وتدخل القوى الخارجية، ويكون العلاج الأمثل لهذه الأزمة هو بالتحول إلى الهوية الوطنية، من خلال الاتفاق على إقرار الهوية المشتركة، واحترام الرموز القومية، والإيمان الطوعي الاختياري بالانتماء إلى الدولة الواحدة، وتطوير نظام اتصال يربط بين أعضاء المجتمع السياسي الواحد ويسمح بسهولة تبادل وتناقل القيم المشترك. يجدر الإشارة أخيراً إلى أن إعادة تصحيح مفهوم الهوية لدى الشباب الفلسطيني ليست بالشيء المستحيل في حال تغيرت الظروف الموضوعية التي تمر بها القضية الفلسطينية على الصعيد الداخلي، خصوصاً إذا ما عرفنا أنه وفي ذات التقرير أعرب 69% من الشباب عن اعتقادهم بأن العنف لن يساعد في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مقابل 8% فقط، في تحول حاد عن النقيض الذي كان يسود الأوساط الشبابية الفلسطينية قبل ثلاثة أعوام من الآن، وهذا ما يعطينا الأمل في صحوة وطنية تعيد توجيه دفة الهوية والانتماء باتجاهها الصحيح؛ فلسطين، قضيةً وشعباً، في المستقبل المنظور.
#هشام_أبو_شهلا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
للأرض يومٌ، يقول آذار
-
سبع قذائف.. وقذيفة
-
لديك ما يكفيك من خبز ولكن!!
-
عرفات، لو ينهض..!!
-
التقارب الفرنسي السوري.. والمدخل اللبناني
-
إلى الحاضر ملء الغياب.. محمود درويش
-
عن العدالة.. والتنمية
-
دلال.. كأنها نائمة
-
الإتحاد من أجل ساركوزي !! ..
-
وحيداً في وطني ..
المزيد.....
-
إعلان وصول الرهائن السبعة المفرج عنهم من خان يونس إلى إسرائي
...
-
إصابة شاب برصاص الجيش الإسرائيلي في مخيم جنين واقتحامات غربي
...
-
ترامب يطرح سؤالا على برج مراقبة مطار ريغان
-
سماعات ذكية لمراقبة صحة القلب
-
جهاز للمساعدة في تحسين النوم والتغلب على الأرق
-
ماذا يعني حظر إسرائيل للأونروا بالنسبة لملايين الفلسطينيين؟
...
-
كيف يفكر دونالد ترامب في إعادة إعمار غزة؟
-
الإمارات تتسلم أول دفعة من مقاتلات -رافال- الفرنسية في صفقة
...
-
ميركل تنتقد زعيم حزبها بسبب تمرير خطة اللجوء بأصوات -البديل-
...
-
الجيش الإسرائيلي يغتال أسيرا محررا في نابلس (صورة)
المزيد.....
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
المزيد.....
|