أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - أبريلُ أقسى الشهور














المزيد.....

أبريلُ أقسى الشهور


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 2610 - 2009 / 4 / 8 - 10:58
المحور: سيرة ذاتية
    


حينما يشرعُ مارسُ في لمْلَمةِ أشيائه ويمسكُ عصاه تأهُّبًا للرحيل، نقفُ عند البابِ ننتظرُ، بشغفٍ، شهرًا، ندركُ أنه لا يشبه الشهورَ الأخرى. لا تُعوّلوا كثيرًا على ما في رؤوسكم. فغالبًا سوف أخيّبَ رجاءَكم. لستُ احكي عن 6 أبريل وسنينه، ولا عن شبابِ 6 أبريل الواعد. إنما عن الشهر الثاني بالتقويم الرومانيّ الذي غدا الرابعَ في التقويم اليوليوسي؛ على يد يوليوس قيصر قبل خمسٍ وأربعين سنةً من الميلاد. الشهرُ الذي اشتّقَ لنفسِه اسمًا من التفتُّح؛ بوصفه نهايةَ الشتاء وبداية الربيع، ومن آفروديت إلهة الحبَّ؛ لأن الحبَّ والربيعَ صُنْوان. أبريلُ الذي بدأ به ت.س.إليوت قصيدتَه "أرضُ الخَراب" قائلا: "أبريلُ أقسى الشهور/ يُنبتُ الليلكَ من الأرضِ المَيْتَة/ ويمزجُ الذاكرةَ بالرغبة/ ويوقظُ الجذورَ الخاملةَ بمطر الربيع.". يدخلُ أبريلُ علينا ونحن صغارٌ، فنبتهج لأن الإجازةَ الصيفية قد لاحتْ حمائمُها في الأفق. ونبتهج لأننا سنتخفَّفُ من المعاطف الثقيلة ومن تحذيراتِ الأمهات من تيارات الهواء والمطر وفتْح النوافذ والخروج لفناء المدرسة وفيتامين سي.... لكنَّ شيئًا مبهجًا آخرَ عرفه جيلي، في أبريل، من أجله كنّا ننتظره من العام للعام. تربيةُ دودِ القزِّ. نُخبئُ صناديقَ الأحذية، ونذهبُ بقروشِنا إلى العمِّ الجالس على رأس الشارع أمام مِشَنّة من خيوطِ الخَيْش، مُغطاةٍ بأوراق التوت، وفوقه تزحفُ عشراتٌ من الديدان البيضاءِ البضّةِ التي تقطعُ بياضَها حلقاتٌ سوداءُ تجعلها أشبهَ بالقطار مع عينيها السوداوين الجميلتين اللتين هما مصباحا القطار. نشتري الدودَ وخزينًا من أوراق التوت، ندّسه في درج الثلاجة السفلي في كيس نايلون. لكنَّ الأكثر متعةً كان تسلُّقُ الشجرةِ الضخمة في المدرسة واختلاس بعض أوراق التوت، ثم دسِّها في الحقيبة بحنكة اللص، وتهريبه إلى البيت في غفلةٍ من حرّاس المدرسة. بالنسبةِ لي، اكتسبتْ عمليةُ تربية دود القزِّ ملمحًا قُدسيًّا عجائبيًّا. ليس وحسب لشعوري أنني شاهدةٌ عمليةَ الخلق والتحوّر المدهشة؛ حين تَبخُُّ الدودةُ من فمِها خيوطَ الحرير حول جسِدها المتكوِّرِ لتغدو شرنقةً بيضاء فاتنة، لا تلبث بعد أسبوع أن تنكسرَ لتخرجَ منها فراشةٌ تطيرُ، فيطير معها عقلي دهشةً وعجبًا، وكذا حزنًا على انتهاء شهادتي على معجزة الحياة، ليس لهذا وحسب اكتسبتِ التجربةُ بُعدًا أسطوريًّا مقدّسًا، بل لأن أمي، التي كانت تنهانا، شقيقي وأنا، بحسمٍ قاسٍ عن كل الهوايات التي تُعطّلنا عن الدراسة، حتى القراءة، في غير المناهج الدراسية، أبدًا لم تتبرَّمْ من تربيتنا دودَ القزِّ. لسبب مجهول حِرتُ كثيرًا في تفسيره، فاستسلمتُ أخيرًا إلى أن هذه الهوايةَ تحمل سِمةً مقدسةً؛ لذا تباركها الماما. حتى أنها كانت تواسيني حينما تقضي دودةٌ من دوداتي وتقول: "خلاص هي أنهتْ حياتها هنا وهتعمل الشرنقة فوق عند ربنا" فأكفُّ عن البكاء.
كثيرًا حاولتُ أن أجعلَ أولادي يمارسون تلك التجربةَ الفائقةَ. لكنه جيلٌ، فيما يبدو، لم يعد يجد الدهشةَ في "الحياة"، بل في "افتراض الحياة"، في غرف الدردشة على الشبكة! أما حَيرتي الأبديةُ من مباركة أُمّي لدودة القزِّ فلن تبرحني أبدًا. ذاك أنني، وهي على فراش المرض، سألتها: "اشمعنى هواية دودة القز كنتِ مش رافضاها يا ماما؟"، فابتسمتْ في وَهَنٍ ولم ترُدّ أبدًا. وذهبَ السرُّ معها!-جريدة "المصري اليوم" 6/4/09



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- احذروا هذا الرمز!
- الكونُ يتآمرُ من أجل تحقيق أحلامِنا
- ما تشدي حِيلك يا بلد!
- من أين نأتي بسوزان، لكلِّ طه حسين؟
- طواويسُنا الجميلةُ
- أنا أقولُها علنًا!
- وأين صاحبي حسن؟
- حينما للظلام وَبَرٌ
- الله كبير!
- -وهي مصر بتحبني؟-
- الحقلُ هو سجادةُ صلاتي
- مصرُ الكثيرةُ، وأمُّ كلثوم
- أيها العُنُقُ النبيل، شكرا لك!
- مصرُ التى لا يحبُّها أحد!
- قديسٌ طيبٌ، وطفلٌ عابرٌ الزمن
- رُدّ لى ابتسامتى!
- ومَنْ الذى قتلَ الجميلة؟
- كانت: سيفٌ فى يدِها، غدتْ: شيئًا يُمتَلَكُ!
- بالرقص... يقشّرون أوجاعَهم!
- الجميلةُ التي تبكي جمالَها


المزيد.....




- فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN ...
- فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا ...
- لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو ...
- المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و ...
- الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية ...
- أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر ...
- -هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت ...
- رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا ...
- يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن 
- نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - فاطمة ناعوت - أبريلُ أقسى الشهور