|
أوباما -يكتشف- تركيا!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2610 - 2009 / 4 / 8 - 10:52
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
وَجْه آخر من "التغيير"، الذي وعد به، رأيناه إذ برَّ الرئيس أوباما بوعده أنْ يخاطب العالم الإسلامي (بلغة جديدة، أو بلهجة جديدة) عَبْر دولة إسلامية يزورها، بصفة كونه رئيساً للولايات المتحدة؛ ولقد انتهى التخمين والتكهُّن، فتركيا هي تلك الدولة الإسلامية التي وَقَعَ اختيار الرئيس أوباما عليها لتكون المنبر الذي منه يخاطب العالم الإسلامي، "معيداً الأمور إلى نصابها"، أو مُصْلِحاً ما أفسده سلفه الجمهوري، رئيس "الحرب على الإرهاب"، والتي خاض غمارها بما حَمَلَ كثيراً من المسلمين على النظر إليها على أنَّها استئناف لـ "الحرب الصليبية"، أو حرب على المسلمين، والعالم الإسلامي، وعلى الإسلام نفسه.
كُنْ مسلماً، وكُنْ مسيحياً؛ ولكن إيَّاكَ و"الدولة الإسلامية"، أو "الدولة المسيحية"..
هذا هو "المعيار الأوبامي" الجديد، فالرئيس أوباما خاطب النواب الأتراك قائلاً: الولايات المتحدة هي مسيحية من الوجهة الدينية، فغالبية سكانها من المسيحيين؛ ولكنها ليست بـ "دولة مسيحية"؛ وتركيا تشبهها، فهي إسلامية من الوجهة الدينية؛ لأنَّ غالبية سكانها من المسلمين؛ ولكنها ليست بـ "دولة إسلامية".
أوباما، وبصفة كونه رئيساً للولايات المتحدة، لم يَزُرْ إسرائيل، أو لم يزرها بعد، فإذا زارها، وخاطب الإسرائيليين من منبر الكنيست، فإنَّي أتوقَّع أنْ يتحدَّث بما يُظْهِر ويؤكِّد التزامه المنطق ذاته، فإسرائيل، على ما ينبغي لأوباما أن يقول، تشبه الولايات المتحدة وتركيا، فهي يهودية من الوجهة الدينية؛ لأنَّ غالبية سكانها من اليهود؛ ولكنها ليست، ويجب ألاَّ تكون، "دولة يهودية"، فهلاَّ يجرؤ، فنصفِّق له، نحن و"التغيير" ذاته، كثيراً.
نتمنى أن يكون مُحبَّاً لأرسطو أكثر، فلا يحاول أن يصوِّر لنا اليهود على أنَّهم الاجتماع الاستثنائي بين "الدين" و"القومية"؛ لأنَّه، عندئذٍ، سيؤكِّد لنا أنَّ البديهية الهندسية يمكن ويجب اغتيالها إذا ما تعارضت مع مصالح "شعب الله المختار"!
حتى تجربته الشخصية هو يمكن، ويجب، أن تفيده كثيراً في سعيه، إذا ما سعى، لإقناع النواب الإسرائيليين بأنْ لا "حقوق قومية" لشعوب، أو جماعات قومية، كفَّت عن الوجود، فإذا كان من حقِّ الرئيس أوباما أنْ يَرْفُض أنْ يُنْظَر إليه، أو يُعَامَل، على أنَّه مسلم؛ لأنَّ أباه كان مسلماً، فإنَّ من واجبه أنْ يَرْفُض أنْ يُنْظَر إلى يهود العالم اليوم، أو يُعاملوا، على أنَّهم "شعب"، أو "جماعة قومية"؛ لأنَّهم يدينون بديانة عِرْق قد باد وانقرض منذ آلاف السنين، وغدا البحث والتنقيب عنه من اختصاص علم "الهندسة الوراثية".
ولقد أظهر أوباما كثيراً من الذكاء عندما حدَّث النواب الأتراك عنه في معرض حديثه عن ضرورة "عَلْمَنة" الدول، أكانت مسيحية، من الوجهة الدينية، أم إسلامية، فهو قال: "ثمَّة كثير من مواطني الولايات المتحدة ينتمون إلى عائلات تضم مسلمين، أو يعيشون في بلد تقطنه غالبية من المسلمين، وأنا أحد هؤلاء المواطنين".
ولكَ أيُّها المستمع أن تختار، فالرئيس أوباما هو من مواطني الولايات المتحدة "الذين ينتمون إلى عائلات تضم مسلمين"، أو من مواطنيها "الذين عاشوا، أو يعيشون، في بلد (كإندونيسيا) تقطنه غالبية من المسلمين".
رحم الله "المثل الديمقراطي الأعلى"، أي العراق، على ما أراد له بوش أن يكون، على ما زعم؛ فتركيا اليوم هي المثل الأعلى للعالم الإسلامي، فهي الدولة التي فيها تصالح "الإسلام" و"العلمانية"، أو شرعا يتحوَّلان من "خصمين" إلى "صديقين".
وأحسب أنَّ الرئيس أوباما قد زكَّاها لقيادة العالم الإسلامي، أو لقيادة جوارها النفطي من العالم الإسلامي، فلا إيران، ولا السعودية، ولا مصر؛ وإنَّما تركيا.. همزة الوصل، جغرافياً وثقافياً، بين الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي المسيحي، والعضو المهم الآن، وأكثر من ذي قبل، في حلف الناتو، الذي يُعْمَل على توسيعه، جغرافياً، ولجهة مهماته أيضاً، فهذا "الشرطي الدولي" يبحث الآن عن عمل له في الجوار الإقليمي الإسلامي لتركيا، التي ستفتح أبوابها على مصاريعها لـ "المارينز" العائدين إلى الوطن من العراق؛ وقد تفتح باباً من أبوابها لمغادرة مزيدٍ من جنودها (المدنيين) إلى أفغانستان، التي يحاول الرئيس أوباما نصراً فيها.
وتركيا بما تحمله في يدها من مفاتيح كثيرة يمكن أن تكون مفتاحاً كبيراً في يد الرئيس أوباما، الذي سيتوفَّر على تذليل كل العقبات، وفي مقدَّمها عقبة ساركوزي، من طريق انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فإنَّ لندن وأنقرة يمكن أن تفيدا واشنطن كثيراً في سعيها (المهذَّب هذه المرَّة) إلى تقليص نفوذ "محور باريس ـ برلين".
أمَّا إيران (الشعب والقيادة) ذات "الحضارة العظيمة".. و"العظيمة" بـ "فارسيتها"، فقد دعاها الرئيس أوباما إلى أن تختار أمراً من أمرين، صوَّرهما على أنَّهما متناقضان، يستحيل الجمع بينهما، فهي إمَّا أن تتوفَّر على "البناء العسكري"، وهو "الرذيلة بعينها"، وإمَّا أن تتوفَّر على تسليح نفسها بالحضارة، وهو "الفضيلة بعينها"، وكأنَّ هذه "الفضيلة" وتلك "الرذيلة" لم تجتمعا في الولايات المتحدة، وفي إسرائيل أيضاً!
الرئيس أوباما لا يقف من "القنبلة النووية" موقفاً "مُطْلَقَاً"، فهي شرٌّ مستطير إذا كانت في يد إيران، وخيرٌ عميم إذا كانت في يد إسرائيل.
ودرءاً لهذا الشر النووي والصاروخي الإيراني، شرع الرئيس أوباما يحاول إقناع الروس بأنَّ باريس عاصمة بريطانيا إذ قال لهم وكأنَّه يقترح عليهم صفقة: قفوا معنا ضدَّ البرنامج النووي الإيراني، وضد الترسانة الصاروخية لإيران، فنقف معكم في سعيكم إلى إزالة بواعث خوفكم وقلقكم من الدرع المضادة للصواريخ، والتي نعتزم نشر أجزاء منها في بولندا وتشيكيا، فلولا الصواريخ الإيرانية، التي قد تزوَّد، مستقبلاً، رؤوساً نووية لما قرَّرنا نشر تلك الأجزاء.
الروس لم يقتنعوا بأنَّ باريس هي عاصمة بريطانيا، لأنْ ليس في ذلك شيء من المنطق؛ ولأنَّهم مقتنعون بأنَّ "أوباما الأفغاني" في أمسِّ الحاجة إليهم، فإذا كان لا بدَّ من صفقة فَلْتَحِلَّ أفغانستان محل إيران في تلك المعادلة.
لقد "اكتشف" الرئيس أوباما تركيا؛ ولكن متى؟
عندما قرَّرت الولايات المتحدة أن يكون عهد أوباما عهداً جديداً لحلف "الناتو"، فهذا الحلف الذي شرع يتحوَّل إلى "شرطي دولي"، يقيم له مخفراً في الجوار الإقليمي الإسلامي لتركيا، لا خيار لديه إلاَّ أن "يكتشف"، مع الرئيس أوباما، أهمية تركيا، وأهمية موقعها الجيو ـ إستراتيجي على وجه الخصوص؛ وها هو الأمين العام الجديد للحلف يتعهد بالتعاون الوثيق مع هذا "الحليف الوثيق"، و"الشريك الإستراتيجي المهم"، أي تركيا.
الرئيس أوباما نظر إلى القرن الحادي والعشرين من "النافذة الأمنية ـ الإستراتيجية"، فرأى "القنبلة النووية" وهي تتحوَّل، أو توشك أن تتحوَّل، إلى سلاح في يد "الفقراء"، وكأنَّها أضحت سلاحاً لا يحتاج صنعه وحيازته إلى كثير من المال والجهد والوقت.
وهذا الذي رآه قاده إلى استنتاج مؤداه أنَّ عالماً يخلو من السلاح النووي يمكن أن يكون أفضل للولايات المتحدة إذا ما قرَّرت المضي قدماً في محاولتها قيادة، أو حكم، العالم، فكوريا الشمالية، مثلاً، يمكنها أن تصنع قنبلة نووية، وصاروخاً يسقط في آلاسكا؛ ولكنها لن تتمكَّن من صنع طائرة كطائرة "ستيلث".
وهذا الفرق الذي حدث هو ما جعل الولايات المتحدة، في عهد أوباما، تتخلَّق بأخلاق نووية حميدة، فتدعو، من خلال "رئيس التغيير"، وفي حشد شعبي أوروبي، إلى قيام عالمٍ يخلو تماماً من السلاح النووي، وتدَّعي، في الوقت نفسه، أنَّ "الإثم النووي" الذي ارتكبته، "عن اضطِّرار"، في هيروشيما ونكازاكي، قد علَّمها الآن "الفضيلة النووية"، فعالمٌ يخلو من السلاح النووي، تقوده، أو تحكمه، الولايات المتحدة، هو "أجمل وخير وأبقى"!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العرب.. أُمَّة عاطلة عن العمل!
-
الموت والحياة!
-
-الوسيط- ليبرمان يجب ألاَّ يفشل!
-
كفاكم استئساداً على -المبادرة-!
-
جيفرسون وأوباما.. وشيطان -الجزيرة-!
-
غساسنة ومناذرة جاءوا إلى الدوحة!
-
ما وراء أكمة -الدعوة الفاتيكانية-!
-
-الاحترام-.. حلال على حكومة نتنياهو وحرام على الحكومة الفلسط
...
-
أوباما ينفخ في -وول ستريت- ما يشبه -روحاً إسلامية-!
-
التَّحدِّي اللغوي!
-
-الخطاب النيروزي-.. معنىً ومبنىً!
-
في الأردن.. يجادلون في -الأقاليم- وكأنَّها -أقانيم-!
-
-أُمُّ اللجان- يجب ألاَّ تكون ل -الحكومة-!
-
شيء من -الأيديولوجيا الإعلامية-!
-
على هذا فَلْيَتَّفِق -المتحاورون-!
-
وخلقناكم -فصائل- لتحاوروا..!
-
-الغلاء الأردني-.. مات -سبباً- وبقي -نتيجةً-!
-
أزمة -مقالة الرأي-!
-
-العدالة الدولية- بين إقليمي غزة ودارفور!
-
حلٌّ تتوفَّر على إبداعه -حكومة نتنياهو ليبرمان-!
المزيد.....
-
تحليل للفيديو.. هذا ما تكشفه اللقطات التي تظهر اللحظة التي س
...
-
كينيا.. عودة التيار الكهربائي لمعظم أنحاء البلاد بعد ساعات م
...
-
أخطار عظيمة جدا: وزير الدفاع الروسي يتحدث عن حرب مع الناتو
-
ساليفان: أوكرانيا ستكون في موقف ضعف في المفاوضات مع روسيا دو
...
-
ترامب يقاضي صحيفة وشركة لاستطلاعات الرأي لأنها توقعت فوز هار
...
-
بسبب المرض.. محكمة سويسرية قد تلغي محاكمة رفعت الأسد
-
-من دعاة الحرب وداعم لأوكرانيا-.. كارلسون يعيق فرص بومبيو في
...
-
مجلة فرنسية تكشف تفاصيل الانفصال بين ثلاثي الساحل و-إيكواس-
...
-
حديث إسرائيلي عن -تقدم كبير- بمفاوضات غزة واتفاق محتمل خلال
...
-
فعاليات اليوم الوطني القطري أكثر من مجرد احتفالات
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|