Jacques DIOUF
بالرغم من وفرة المواد الغذائية في العالم فإن اكثر من 800 مليون شخص ما زالوا يعانون من المعدة الخاوية، ألوف الاطفال يموتون يوميا من النتائج المباشرة او غير المباشرة للجوع وسؤ التغذية المستديم. ففي حين أن جميع الآمال متاحة امام تراكم الثروات في العالم ما زال السؤال مطروحا: هل ننتهي من الجوع؟
لقد تمّ بالطبع تسجيل بعض النقاط في الحرب على هذا الوباء اذ ازداد انتاج المواد الغذائية خلال القرن العشرين بنسبة اعلى من عدد السكان الذي تزايد أكثر من الضعف. بيد ان عدم التساوي في الحصول على الغذاء ووسائل انتاجه لا يزال يحرم ملايين البشر من الحق الجوهري الاول وهو الاكل حتى الشبع. وما زال هناك الكثير لانجازه قبل تأمين غذاء صحيّ ومغذٍّ للجميع.
في تشرين الثاني/نوفمبر 1996 وضع مسؤولون في 186 بلدا منهم 112 رئيس دولة وحكومة، اللبنة الاولى خلال القمة العالمية للغذاء، فحددوا لانفسهم هدفا بسيطا وطموحا في آن واحد: خفض عدد ضحايا سؤ التغذية من 800 مليون الى 400 مليون قبل العام 2015. لكن المطلوب من اجل ذلك ان ينخفض هذا العدد سنويا بنسبة 22 مليون شخص في وقتٍ لم يتعدَّ التراجع 6 ملايين سنويا.
بالرغم من القرارات والأثر الاعلامي الجيد لقمة 1996 لا تزال قائمةً مسألة الجوع، تلك اللطخة على ضمير البشرية، بل هي تزداد سوءاً في بعض المناطق. والارقام تتكلم: يقدَّر عدد الاشخاص الذين يعانون من سؤ التغذية في العالم بـ 717 مليون في البلدان النامية و27 مليوناً في البلدان التي تعيش حالة انتقالية و11 مليوناً في البلدان المتقدمة. واذا كان سؤ التغذية منتشراً في صفوف الاطفال فإنه متفاقم في شكل خاص في افريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا. فهناك ما يقارب 156 مليون طفل تحت سن الخامسة يعانون من نقص في البروتيين الحيوي وحوالى 177 مليوناً من تأخر في النمو بسبب سؤ التغذية. من جهة اخرى فإن 17 في المئة من المولودين الجدد في البلدان النامية يعانون من تأخر في النمو داخل الرحم نتيجة سؤ تغذية الامهات الحوامل.
هل يمكن ذات يوم تحقيق الهدف المعلن؟ الا يتطلب استمرار الجوع في عالم من الوفرة ــ واحيانا من البذخ ــ اتخاذ مبادرات عالمية جديدة؟ ما العمل من اجل تحريك ارادة سياسية لا تلين وتعبئة موارد اضافية للتغلب على هذا الوباء؟ انه التحدي الذي يواجه "القمة العالمية للغذاء: بعد خمس سنوات" والتي تجمع في روما بين 10 و13 حزيران/يونيو 2002 رؤساء الدول والحكومات والبرلمانيين ومسؤولي المنظمات الدولية المشتركة بين الحكومات وتلك غير الحكومية ايضا اضافة الى مسؤولي مؤسسات التمويل الدولية وممثلي القطاع الخاص.
في تموز/يوليو 2001 أكدت قمة الدول الثماني [2] في جنوى والتي دعيت اليها منظمة الاغذية والزراعة الدولية ان الهدف الرئيسي للاستراتيجيا المشتركة في سبيل الحد من الفقر يكمن في تأمين الغذاء المناسب والتنمية الريفية. وعلى جميع الجهود ان تصب في اعادة اطلاق الانتاجية الزراعية وخصوصا ان المساعدة لهذا القطاع تمثل جزءا لا يستهان به من المساعدة العامة للتنمية. هكذا يفترض التشديد على السياسات الزراعية الوطنية وعلى إعداد الفنيين في مجال الزراعة. لذلك قدمت الدول الثماني دعمها للتعاون بين الجنوب والجنوب والذي يلعب دورا رئيسيا في نقل التقنيات الملائمة للحاجات الاقتصادية الاجتماعية للمزارعين الفقراء مع احترام الشروط البيئية [3] . كما قررت قمة الدول الثماني اعطاء الاولوية للمناطق التي تعاني اكثر من غيرها من سؤ التغذية وخصوصا الى جنوب الصحراء الافريقية وجنوب آسيا.
وتشكل الزراعة تحديا رئيسيا كون اغلب الذين يعانون من سؤ التغذية لن يجدوا حلا الا من خلالها. ففي العام 1999 كان 60 في المئة من اجمالي سكان البلدان النامية يعيش في الريف بينما نسبة العاملين في القطاع الزراعي تقترب ايضا من النسبة نفسها. وفي العديد من البلدان التي تعاني ارتفاعا في نسبة سؤ التغذية فإن القطاع الزراعي يمثل اكثر من 25 في المئة من الناتج المحلي ويؤمن في صورة مباشرة او غير مباشرة معيشة 70 في المئة من الفقراء او ممن يعانون انعدام الامن الغذائي. أضف الى ذلك ان غالبية المحرومين القاطنين في المدن هم من اصول ريفية حيث لم يتمكنوا من تأمين معيشة عائلاتهم.
فالمطلوب اذاً المزيد من الاستثمارات في زراعة البلدان النامية لكن الاغلبية وللاسف لا تكرس لها ما يكفي من الموارد بالرغم من دورها كمحرك للاقتصاد في تلك البلدان.
والبلدان المتقدمة، كما المؤسسات المالية الدولية، عمدت الى خفض مساعداتها الى هذا القطاع بالاضافة الى ان بعض البلدان الصناعية لم تتبع دائما سياسات من شأنها اقامة بيئة مؤاتية لنمو الزراعة في البلدان المتخلفة. هكذا وفي العام 1999 قدرت المساعدات التي تقدمها دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية الى زراعاتها بحوالى 361 مليار دولار اي 1،4 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. ان المبلغ في حد ذاته كبير وخصوصا اذا ما قارنّاه بالمساعدات الرسمية للزراعة في البلدان الفقيرة والتي بلغت 7،4 ملايين دولار عام 1998. في المحصلة يستفيد مزارعو البلدان المتقدمة من 48 ضعف ما يستفيد منه زملاؤهم في البلدان الفقيرة. ومع ان هذا الوضع يتطابق مع اتفاقيات منظمة التجارة العالمية فإنه يدفع بنا الى التشكيك في عدالة هذه الاتفاقيات.
ان كلفة الجوع الاقتصادية مفرطة على الافراد كما على المجتمعات. فسؤ التغذية يؤدي الى المرض والموت ويرغم العائلات على انفاق مواردها الضعيفة على الخدمات الصحية، كما تحد كلفة الجوع من فرص التعلم امام الاولاد وتخنق الانتاجية وتمنع الافراد من استغلال مواهبهم الطبيعية وتكبح النمو الاقتصادي وتحرم الامم من وسائل بلوغ مستويات مقبولة من النمو. فلولا سوء التغذية لكان الناتج المحلي الخام للشخص الواحد في بلدان افريقيا الواقعة الى جنوب الصحراء يراوح بين 1000 و3500 دولار عام 1990 بينما لا يتعدى سنويا معدل الـ800 دولار.
ويزيد مرض الإيدز الوضع سوءاً وهو ينتشر بسرعة فائقة في المناطق الريفية في البلدان النامية. والوباء يعرض الامن الغذائي للخطر ويضعف القدرات الانتاجية. والارقام مرعبة: 7 ملايين من العاملين في الزراعة قضوا بسبب الإيدز منذ 1985 في البلدان الخمسة والعشرين الاكثر تعرضا للمرض في افريقيا ويمكن ان يلقى 16 مليوناً جدداً حتفهم من اليوم الى العام 2020. حتى ان بعض البلدان قد تفقد ربع يدها العاملة الزراعية. فالحرب ضد الجوع ليست فقط ضرورة اخلاقية بل هي تحمل الفائدة للاقتصاد وتساهم في استقرار المجتمعات كافة وأمنها. في الواقع، يمثل الجوع في الغالب ليس فقط نتيجة بل مصدرا للنزاعات والاضطرابات المدنية ويؤثر مباشرة على الهجرات المدينية والهجرة الى الخارج. فالشخص الجائع يصبح قادرا على ارتكاب الاسوأ.
فعلى المجتمع الدولي تالياً ان ينظر الى القضاء التام على سؤ التغذية كجزء لا يتجزأ من ضرورات التضامن العالمي. وعليه اتخاذ التدابير كافة من اجل القيام بواجباته في هذا الاطار. ويطلب من الامم الصناعية اذاً زيادة تمويلها وتسهيل نقل التقنيات المناسبة وتخفيف عبء الدين وفتح الاسواق وتفادي "الاغراق" في سوق المواد الغذائية الفائضة وضمان شروط التبادل العادل. من جهتها، يفترض بالبلدان النامية ان تؤمن الموازنات الكافية للفلاحين الفقراء واعتماد سياسات تشجيع الانتاج الزراعي وخصوصا السيطرة على موارد الماء وتشجيع الاستثمارات الخاصة المحلية وتحسين الحصول على الاراضي والمعارف والاسواق والقروض وخصوصا امام النساء.
لا وجود لدواء سحري في الحرب على الجوع وسؤ التغذية، والحلول ليست سهلة. بيد انه يمكن تحقيق النتائج اذا ترجمت الدول والمجتمع الدولي التزاماتها اعمالاً ملموسة. ان المعركة صعبة لكن يمكن ويجب ان يتحول ابسط الحقوق الانسانية، وهو الحق في الشبع، الى واقع بفضل دعم الرأي العام واصحاب النيات الحسنة والارادة الطيبة في العالم.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] المدير العام للفاو (منظمة الامم المتحدة للاغذية والزراعة).
[2] تضم مجموعة الدول الثماني البلدان المتقدمة: الولايات المتحدة، كندا، المانيا، بريطانيا، فرنسا، ايطاليا، اليابان وروسيا.
[3] اقرأRoland-Pierre Paringaux, … Coopération Sud-Sud au Sénégal î, Le Monde diplomatique, mars 2001
جميع الحقوق محفوظة 2001© , العالم الدبلوماسي و مفهوم