أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سومر الياس - القوه والسياسه















المزيد.....


القوه والسياسه


سومر الياس

الحوار المتمدن-العدد: 2609 - 2009 / 4 / 7 - 09:18
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بالرغم من أن االسياسه موجوده في كل مكان حولنا , الا أن هذا الوجود وللاسف لا يعيننا لكي نحدد كيف ومن اين نبتدأ بدراسه السياسيه, فالعالم السياسي من حولنا معقد جدا ومتعدد الابعاد, وعلى الرغم من أن دارس السياسه يمكنه ملاحظتها في كل مكان, حتى في المنزل والعمل والشارع ويمكنه ملاحظه الشموليه التي يحتويها هذا العلم في اطلالته على الواقع, فانه و للأسف ايضا لايمكن الدخول الى عالم السياسه المعقد الا اذا تزودنا بأدوات فكريه معينه تعيننا على فهم هذا العلم, ليس أقلها فهم القوه كمفهوم فلسفي وفهم العلاقه بين القوه والسياسه ومن ثم فهم أوجه القوه السياسيه المتعدده وارتباطها بمفاهيم اخرى كالسلطه السياسيه والسياده و الدوله وما الى ذلك.

مقدمه

تأمل أرسطو طاليس مليا في الحياه السياسيه قبل الفي عام مسجلا ملاحظته الشهيره عن الانسان بانه حيوان سياسي, وما عناه أرسطو بالانسان في ذلك الزمان هو انسان الطبقه الحاكمه في اثينا فقط والتي لم تزد عن عشرة الاف نسمه وقتها, ان كلمه انسان في النظريات السياسيه اليوم تعني جميع الناس مهما كانت ديانتهم أو طائفتهم أو لونهم أو جنسهم أو اثنيتهم أو عرقهم ,ان الانسان في علم السياسه الحديث هو الانسان كنموذج موحد أينما كان وحيثما وجد.

أينما أجتمع اثنان أو أكثر من الناس كان هناك سياسه, والسياسه سواء أدركنا أم لم ندرك تعلمنا كيف نفكر بأنفسنا وبالاخرين وتحكم جميع علاقاتنا الاجتماعيه, واقع الامر انها الرباط الوثيق الذي يجمع تلك العلاقات الاجتماعيه البسيطه منها والمعقده , كما أنها أيضا شراره الصراع والثوره في المجتمعات الانسانيه, انها حكما وفيصلا تمزق الصداقات والتحالفات وتحولها شظايا وتفتت المجتمعات والامم وتجعلها هباءا منثورا.
ان السياسه في كل مكان حولنا كالهواء الذي نتنفسه , وكما هو الهواء أيضا يصعب رؤيتها والامساك بتلابيبها ودراستها, وهي على مستوى الفرد أو الجماعات البشريه أو المجتمع العام أو الدوله في تغير دائم وإنتقال من مكان الى مكان بسرعة رهيبه بسبب ديناميكية الصراعات والإتفاقات وتعقد العلاقات الاجتماعيه, ومعضلتها الأساسيه أنها دوما سائره الى حيث لا يمكن لسياسي أن يتنبأ مهما كان عبقريا .

فمن كان سيتنبأ بأحداث الحادي عشر من سبتمبر, على الرغم من ظهور تفسيرات كثيره حول اسبابها, ومن كان سيتبأ بتأثير تلك الاحداث على السياسات الدوليه وعلى حياتنا اليوميه, فبغض النظر عن المأسي والضحايا التي احدثتها الهجمات نفسها فقد أدت الى نتائج أوخم على الصعيد الدولي, فأذا بقوه عظمى تخرج غاضبه منتقمه لتحتل بلادا اخرى وتتتسبب بمئآت الآلاف من الضحايا وبتسارع لامثيل له للارهاب الدولي على الرغم من عدم توفر أدله كافيه ان ديكتاتور العراق السابق كان يملك أسلحه دمار شامل أو انه كان يعد لهجوم ارهابي. فخلال سنوات بسيطه تغير العالم السياسي و سقطت كل الآمال المعلقه على الألفيه الجديده, قوه عظمى غاضبه, تحالفات دوليه متشنجه, تعدي على الحريات, مراقبه للناس, أوجه جديده للعنصريه وطوابير طويله في مطارات العالم.

لم يتنبأ كذلك كارل منهيم حين كتب في السياسه منذ سبعين عاما أنه أصاب جوهر السياسه عندما ميز بين السياسه والاداره السياسيه, حيث أعتير منهيم حينها أن الاداره السياسيه هي ما تهتم بالشؤؤن الروتينيه اليوميه للدوله وتحكمها قوانين وقواعد ويسهل التنبأ بنتائجها, وبالمقابل اعتبر ان السياسه هي فن التعامل مع القوى اللاعقلانيه الناجمه عن التنافس والصراع الاجتماعي , وقسم تلك القوى اللاعقلانيه الى قوة الصراع الاجتماعي الخارج عن السيطره وقوة الهيمنه (بمفهومها المادي وليس المعنوي) في المجتمع , وقد إعتبر أن هذين الشكلين من القوه اللاعقلانيه متى وجدا يشكلان حاله من الخلل في التنظيم الاجتماعي تستوجب معها تدخل السياسه.
اذا كيف لنا ان نفهم شيئا بهذه الكثافه في حياتنا اليوميه كالسياسه ويحمل في نفس الوقت هذا الكم من العجز عن فهمه والتنبأ به, كيف يمكن التعامل مع شيء موجود في كل مكان ومع ذلك غير مدرك, أليس الموجود في كل مكان هو بحكم الغير موجود. لا يمكن الاكتفاء بمراقبه العمليه السياسيه ونتائجها عبر متابعه اخبار الصحف مثلا أو نشرات الاخبار, بل يجب ان تكون مقاربتنا للسياسه أكاديميه حتى نستطيع التميز بين ما هو سياسي وما هو غيرسياسي.

هناك خصائص ومفاهيم تنقل السياسه الى عالم المحسوس والملموس والمدرك يختلف حولها علماء السياسه, ولكنم بالمقابل يتفقون حول نقطه مبدئيه أساسيه وجوهريه للانطلاق الى عالمها الا وهي : أن مفهوم السياسه في الجوهر يتمحور حول القوه , انها واقع الامر ميكانيك القوه . وهاجس علم السياسه هو دراسه تلك القوه لتنظيمها ومعرفه كيفيه استخدامها ونتائج تطبيقها, فمن يملك القوه السياسيه ولماذا يملكها؟ كيف تتدفق تلك القوه من هذا المصدر الى المؤسسات والافراد والى ماذا تنتهي؟ من اين اتت القوه السياسيه أساسا؟ وهل يمكن استخدام تلك القوه لبناء مجتمع افضل؟

السياسه والقوه

ان العلاقه بين السياسه والقوه هي علاقه مبدئيه لازمت كل دارس للسياسه عبر التاريخ, نيقولا مكيافيلي 1469-1527 الذي يسمى أول عالم سياسي هو أول من ميز بين الامور كما هي كائنه (the is) والأمور كما يجب ان تكون (the ought) في السياسه.
بينما تعالج الشراثع السماويه والقوانين الاخلاقيه الأمور وتنظر لها كما يجب ان تكون, على السياسه ان تعالج الامور وتنظر لها كما هي كائنه, قبل خمسمائه عام نصح مايكيافيلي في كتابه الشهير الأمير النخب الحاكمه في ايطاليا بالتوقف عن استخدام أي معيار أخلاقي للحكم وبالمقابل استخدام القوه بشكليها المادي (الفيزيائي) والمعنوي (قوه الاقناع) لاخضاع معارضيهم وتجريدهم من السلاح, لقد اعتبر أن النجاح في السياسه والمعيار الاخلاقي لا يتفقان وأن على الحاكم أن يخرق القوانين الأخلاقيه أحيانا ليبقى في السلطه, ان الغايه النهائيه المتمثله بالبقاء بالسلطه تبرر الوساثل اللاأخلاقيه المتبعه في استخدام القوه. ولكن بالنسبه لماكيافيلي كانت السياسه هي اندماج تام بين المنصب والسلطه أو القوه .
في بدايات القرن العشرين عرف فلاديمير لينين الثائر الشيوعي السياسه بأنها : من يفعل ماذا و لمن. ولكن التعريف الاكثر شيوعا أتى من الامريكي هارولد لاسويل عام 1930 حيث أعتبر أن دراسه السياسه تتمحورحول: من يحصل على ماذا؟ , اين يحصل عليه وكيف يحصل عليه؟
ان القول بأن السياسه هي ميكانيك القوه يجرنا الى سؤال اخر حول ماهيه القوه, معظم علماء السياسه مقتنعون بكلانيه القوه, يقول عاموس هاولي : كل فعل هو تطبيق للقوه, كل علاقه اجتماعيه هي معادله للقوه, كل مجتمع هو تنظيم للقوه. وأغلبهم يختلفون في تعريف أوجه القوه ايضا كما يختلفون في تعريف السياسه, وهناك عشرات التعاريف للقوه ولكن بالمستوى الابتدائي الأساسي تفهم القوه من خلال آثارها ونتائجها وبعبارة اخرى القوه هي التي تجعل الامور تحدث وتلك الامور ربما لم تكن لتحدث بدونها. ولكن بالمستوى الأعمق هناك خلافات جذريه حول القوه كمفهوم وماهيه, فكيف نحصل على القوه هل بالثروه أم بالمعرفه؟ بالمظهر الجيد أم بالخداع, بالعرق أم بالنفوذ أم عبر اشياء اخرى؟
كيف نمارس القوه, بالتأثير أم بالاكراه أم بالتحكم أم يالاقناع أو بميكانيك اخر؟ هل نشعر نحن أنفسنا أساسا بالقوى المؤثره علينا وهل نستطيع تحليلها ومعرفة مصدرها؟ من يستفاد من القوه الجماعات , النخب, الأفراد أم المجتمع في عموميته؟ من يقرر كيف للقوه ان تستخدم؟


قوة الناس الفاعله وقوه فاعله على الناس


لقد تعامل علماء السياسه مع القوه من منطلقين الاول قوه لفعل الشيء(power to) والثاني قوه تفعل على الشيء(power over), بتعبير اخر قوة الحريه وهي فوة الناس الفاعله وقوة الاستعباد وهي قوة فاعله على الناس .
ان قوه الحريه تتضمن الاعتراف بالأهداف الفرديه والأهداف الاجتماعيه للشعب في مجتمع ما, أي ان القوه الحاكمه مصدرها التفويض, بشكل عام في الانظمه الديمقراطيه القوه الحاكمه مصدرها المواطنين وبالتالي فهي تأخذ بعين الاعتبار مصالح هؤلاء المواطنين من خلال دساتير وهيئات تشريعيه قانونيه ومؤسسات أنتجوها, فمن خلال ممارسات ديمقراطيه يستطيع المواطنون أن يملكوا قوه تفعل لصالحهم وهم قادرون على ان يحاسبوا من هم في السلطه على أفعالهم وأن يبقوهم في السلطه أو يقذفوا بهم خارجها.

بالنسبه للكثيرين هناك نظرة سخريه هذا النوع من القوه أو تجاه كل هذا الهراء وهذه السذاجه كما يسمونها , فالناس تظن بسذاجه منقطعه النظير انها تحكم نفسها بنفسها ديمقراطيا وأنها تصنع سياسات دولها بيد أن الحقيقه أن مصيرهؤلاء يقرر من الطبقه الرأسماليه والنخب السياسيه ومراكز قوى تمسك بخيوط اللعبه من وراء الستار وهو أساسا قد حسم منذ زمان طويل, ولكن من جهه اخرى ان نظره واحده على الطالب الذي وقف وحيدا وعيناه تلمعان متحديا دبابه في ميدان تيانانامن في الصين, أوعلى الشعب اليوغسلافي الذي لم يذهب الى عمله ذات صباح بل ذهب الى الشوارع والساحات العامه وبقي هناك الى ان طرد ميلوسوفيتش خارج السلطه, أو على روزا باركس التي رفضت أن ترجع الى مؤخره الباص في الجنوب الامريكي العنصري, تجعلنا ندرك أن الناس أفرادا وجماعات يملكون قوه للفعل بخصوص التغيير السياسي .
ولكن الصراع للتغير السياسي له ثمنه دائما, سواء كان وقتا صغيرا لكتابه رساله في الشأن العام, أو حضورمحفوف بالمخاطر لتجمع سياسي, أو ربما ثمنا باهظا كحياة الانسان نفسها. صحيح أن ساحات التاريخ مليئه بقبور الطغاة والمستبدين ولكنها واقع الأمر مليئه أكثر بكثير بكل ذي ضمير حي وقف في وجههم وعارضهم.

أما فكره القوه كفاعله على الناس بالمقابل فهي تحمل في جوهرها الخضوع والعبوديه, انها تلك القوى الغاشمه من خارجنا كمواطنين التي تقيدنا وتحدد افعالنا, بل تجعلنا نفعل أمور نحن لا نرغب بها ومعاكسه ومغايره لطموحاتنا واهتماماتنا المشروعه, وتعريف روبرت داهل للقوه هو مثال جيد هنا : ان زيد يملك قوه بمقدار ما ان زيد قادر على أن يجعل عمر يفعل امور لن يفعلها بدون وجود زيد.ولقد اثر تعريف داحل بالمدرسه السلوكيه التي حكمت علم السياسه في كندا وامريكا في الستينات والسبعينات. والمدرسه السلوكيه السياسيه ألقت ضوءا على العوامل المؤثره على سلوك الأفراد السياسي وردات فعلهم اكثر مما ركزت على الدساتير واللامساواه الاجتماعيه كنظام موجود.
استخدم السلوكيون الأبحاث الميدانيه والاحصاءات على الراي العام للأفراد العاديين في المجتمع والقاده السياسيين على السواء, لقد آمن هؤلاء السلوكيون بأن الفرد هو الوحده الاساسيه التي يتكون منها المجتمع وبالتالي فان دراسه موقفه وردات فعله ازاء ما يجري حوله هو الأساس في علم السياسه مواطنا كان ام قائدا سياسيا.

لقد اقتنع هؤلاء السلوكيون أن دراسه الأفراد عبر الاحصائيات الحسابيه والأبحاث سيمكنهم من اكتشاف قوانين واضحه في علم السياسه كما هو الحال بالنسبه لعلماء الطبيعه في دراستهم للطبيعه, وأنهم سوف يستطيعون تحديد قوانين سياسيه محدده وواضحه حسب الزمان والمكان, كقانون يستطيع تحديد متى ستظهر الثوره في مجتمع ما على سبيل المثال , ولكن لسوء الحظ أثبت علم السياسه مره اخرى أنه يتحدى أي نوع من الدراسات تعطيه القدره على التنبأ بسلوك الجنس البشري ومن ثم التنبأ بالحدث السياسي, حيث أن أهم حدثين سياسيين في العصر الحديث ألا وهما انهيار الاتحاد السوفيتي وأحداث الحادي عشر من ايلول قد باغتا كل عالم سياسي.
وللانصاف فان علماء الاقتصاد لم يفعلو الأفضل في ميدانهم من حيث القدره على التنبأ بحالة الاقتصاد و الأسواق العالميه, فقد فشلوا في التببأ بأي أزمه اقتصاديه منذ الأزمه الخانقه عام 1930 والى يومنا هذا, واقع الامر ان المشكله لا تحكمها منهجيه تعليميه فعاله لعلم السياسه أوالاقتصاد بقدر ما يحكمها علاقات اجتماعيه بين البشر غايه في التعقيد الى الحد الذي لا يمكن فهمها وحصرها في عموميات علميه خارج الزمان والمكان.

ان مثالا آخرا مهما عن القوه كفاعله على الناس ومستعبده لهم هو في نظرية الصراع الطبقي في الفكر الشيوعي حيث فهمت القوه السياسيه والاجتماعيه في ضوء صراع اقتصادي طبقي تاريخي, فقد تحدث كارل ماركس وفريديريك انجلز عن القوه كفاعله على الانسان ومستعبده له في بيانهما الشيوعي حيث كتبا : ان تاريخ كل مجتمع وجد وسيوجد على وجه الارض هو تاريخ صراع بين طبقتين, الأحرار والعبيد, الاقطاعي والفلاح, سيد الحرفه والأجير, السيد والخادم, وبتعبير عام بين المستغل (بكسر الغين) والمستغل (بفتحها), لقد وقف هذان المتعارضان في مصالحهما دائما كل في مواجهه الاخر.
لقد أضاف كارل ماركس الى الفكره الأساسيه في علم السياسه القائله ان الانسان هو حيوان سياسي فكره أساسيه اخرى وهي ان الانسان يولد في نموذج سياسي حدد له مسبقا ضمن سياق تاريخي حتى قبل ان يلقظ أنفاسه الاولى في هذه الحياة.

وفي زمان آخر ومكان آخر وبعيدا عن قرن ماركس التاسع عشر أن تولد أسودا أو هنديا احمرا أو حتى إمرأه أومن طبقه عامله هو أن تولدا خاضعا لتلك القوه الفاعله عليك والمستعبده لك بدون ارادتك في سياق تاريخ مليء بالعنصريه والاستعمار و طغيان رأس المال الحاكم والتميز بين الرجل والمرأه. أو حسب تعبير ماركس نفسه: ان الناس تدخل الى العالم السياسي وهي محكومه بفروقات عميقه في قوتها السياسيه أو بتعبير اخر انهم يأتون الى العالم وفق ظروف مسبقه ليست من اختيارهم, تحكم حياتهم وتستعبدهم.

القوه كسلطه سياسيه

يضع معظم علماء السياسه القوه الشرعيه في الدساتير ونظام القيم الاجتماعيه, ومن هذه الزاويه تفهم القوه كسلطه سياسيه (authority), إن القوه السياسيه في هذه الحاله موجوده في نفوس الافراد وذات سلطان معنوي على تصرفاتهم اكثر منها قوه ماديه خارجيه (على الرغم من وجود علاقه تبادليه يصعب فصلها بين المادي والمعنوي هنا).
كمثال للتوضيح اذا كنت تقود سيارتك واستوقفك شرطي فأنك ستتوقف من تلقاء نفسك في الحال, أما في سيناريو اخر وإذا استوقفك شخصا آخرا فانك لن تتوقف وربما أغلقت نوافذك وأقفلت الأبواب وهرعت بسيارتك مسرعا, ان السلطه هنا موجوده في بدله الشرطي الرسميه, بمعنى آخر ان السلطه هي قوه متفق عليها اجتماعيا تتميز بالنزاهه والشرعيه. ان المسؤليين الذين تم منحهم هذه السلطه وهذه الشرعيه في هذه الحاله قد تم منحهم إياها ليس لمميزات شخصيه فيهم بقدر ما لأنهم ملاثمين لطبيعه المؤسسات التي يمثلونها سواء كان هذا المسؤل شرطيا أو قاضيا او حتى رثيسا للدوله. إن شرعيه المنصب في هذه الحاله يساندها الخوف من المحاسبه والعقاب من طرف مانح هذا المنصب ألا وهو المواطن, ان معظمنا كمواطنين يطيع القوانين لانه مقتنع بحكم القانون اولا كما انه يخاف من المخالفات او السجن ثانيا , وكذلك الحال مع اصحاب السلطه الشرعيه أو المسؤلين في الدوله, انهم يعلمون جيدا انهم سيحاسبون متى فشلو في انجاز ما هو متوقع منهم والعمل وفق مبادىء دساتير مؤسساتهم من ذلك الشرطي الذي يرتشي الى ذياك القاثد السياسي الذي يكذب على الجماهير.

ماكس ويبر1864-1920 من أهم علماء الأجتماع السياسي الحديث كان قد قسم السلطه التي تحكم المجتمع الى ثلاثه أشكال تقليديه وكاريزماتيه وقانونيه عقلانيه.
السلطه التقليديه مكانها الطبيعي في المجتمعات الابويه التقليديه الماقبل صناعيه وهي موضوعه بيد عدد من الأفراد بحكم العادات والتقاليد أو عامل الوراثه, ان الزعيم أو صاحب السلطه مطاع هنا ليس لسبب خلا أنه كان كذلك داثما عبر التاريخ, ومن سخرية الأقدار ان السلطه التقليديه لا تجد حرجا في ان تأخذ النصائح من الاخرين بما في ذلك رب العالمين والعارفين إلا انها مع ذلك تعتبر نفسها سلطه لاتقبل النقاش او الجدل أو حتى الشك في مدى شرعيتها.
أما السلطه الكاريزماتيه فهي أيضا سلطه فرديه ولكن مصدرها هو ميزات خارقه في شخصيه القائد أو الزعيم أكثر منها عوامل وراثيه أو تقليديه , لقد أعتبر ويبر أن مثل هكذا قاده يكتسبون سلطاتهم في فترات الأزمات العنيفه والثورات الاجتماعيه نتيجه لمميزات معينه شخصيه جباره تميزهم عن الأشخاص العاديين , ان أزمه عام 1930 الإقتصاديه وصعود هتلر في المانيا وموسوليني في ايطاليا الى سده الحكم يعتبران مثالان نموذجيان عن السلطه الكاريزماتيه.

رأى ويبر ان السلطه التقليديه والسلطه الكاريزماتيه محكومتان بالزوال في اي مجتمع حداثي, حيث تصبح السلطه في مثل هكذا مجتمع وبنتيجه طبيعيه للحداثه وثقافه العقل قانونيه عقلانيه (rational-legal), وهذا النوع من السلطه مصدره العقل وحكم القانون والمؤسسات الدستوريه والمحاكم والهيئات التشريعيه. إن السلطه هنا تمنح للقائد السياسي الذي يحترم قوانين تلك المؤسسات ويعمل بها, ومن هنا تكون شرعيته من الجماهير التي أنتجت تلك المؤسسات. وبالتالي فإن حق الوصول الى السلطه في مثل هكذا مجتمعات لن يؤخذ بعين الاعتبار حتى بالنسبه للكاريزماتيون من أهل السياسه إلا اذا كان في اطار النظام القانوني العقلاني, بعباره اخرى لن تفيد القائد السياسي مدى ورعه وتقواه أو إنتسابه الى ذلك البيت الكريم أو تلك السلاله الدمويه الطاهره والشريفه أو شدة مواهبه الكاريزماتيه الخارقه اذا لم بنسجم ذلك مع الشرعيه في ثقافه قانونيه عقلانيه وكمثال على ذلك الانتخاب في دوله ديمقراطيه(من هنا نستطيع ان نفهم الى أي هاويه يمكن ان تقود الديمقراطيه المجتمعات التقليدبه).

وعلى الرغم من أن هذه الأنواع الثلائه من السلطه تميز أنواع مختلفه من المجتمعات البسيطه منها والمعقده, التقليديه الابويه منها والحداثيه العقلانيه فانها موجوده جميعا في الثقافه المعاصره . وليس غريبا أن تجد زعيما دينيا أو رجل دين او داعيه يدعو الى مجتمع أبوي تقليدي وسلطه ابويه تقليديه أو ان تفتح التلفاز في أحد ايام الاسبوع لتجد أن أحدهم يربط بين مشاكل العالم وضعف روابط المجتمع التقليدي الأسريه مثلا او ضعف الايمان الديني أو عدم احترام الاديان وما الى ذلك.كما أن للكاريزما السياسيه ايضا وجود في السياسه المعاصره ويعتبر روبرت موغابي في زيمبابوي مثالا جيدا حيث فرض هذا الرجل سلطته بالقوه العسكريه وبقوه شخصيته, ولكن في عالم تحكمه ثقافه قانونيه منشاها العقل فان مثل هكذا سلطات تقليديه دينيه أوكاريزماتيه يعتبر غير شرعيا.

الدوله وقوة السياده القاهره للجميع

إن تصاعد الشكل الثالث للسلطه أي سلطه القانون والعقل هو وثيق الصله بمبدأ السياده (sovereignity) والدوله المدنيه, والسياده تعنى القوه أو السلطه العليا المطلقه في الدوله التي هي فوق الجميع لانها أصلا من أجل الجميع, تمثل الإراده العامه للشعب وهي فوق اي إراده فرديه (أو إراده طائفيه تزعم انها تمثل الاكثريه كما في حاله مجتمعاتنا) وهي قوه لا تقبل النقاش أو الجدال أو الشك في حقها حيث تأسست.
ولقد كان الزعماء الاقطاعيون في المجتمعات التقليديه القروسطيه في أوروبا قد أعلنوا هذا الحق او تلك القوه في شخوصهم النبيله وواقع الامر كان هذا سببا في تشتتها ما بين النبلاء والملك والكنيسه.

تدريجيا منذ القرن الخامس عشر وحتى القرن السابع عشر وبنتيجه لسقوط الإقطاع وصعود الرأسمال بدأت تلك السلطات بالاندماج لتشكل ما يسمى بأسلاف الدول المدنيه الحديثه ,هؤلاء الأسلاف إما كانو ملوكا ذوي سلطات مطلقه كما في فرنسا والبروسيا والروسيا والنمسا واسبانيا أو كانو ملوكا دستوريين كما في إنجلترا وهولندا, إن السياده في الملكيات تمثلت في شخص الملك وتمثل عبارة لويس الرابع عشر انا الدوله والدوله أنا مثالا واضحا لذلك, لقد إعتبر هؤلاء الملوك أن السلطه المطلقه والسياده هي هبه من الله وحق منه وبالتالي فإن عصيانها هو عصيان لله وهو الجرم الأكبر في ذلك العصر الذي يمكن ان يقترفه انسان, وقد تقوضت تلك السياده الدينيه مع الزحف الديمقراطي وصراع الطبقات ومفهوم سياده الشعب أو الفكره ان السياده يجب ان تكون و بشكل مطلق في يد جميع المواطنين (وليس الاكثريه الطائفيه كما يفهمها الحمقى من الاحزاب الدينيه الطائفيه) بدلا من ان تكون في يد الطغاة. ويعتبر علماء السياسه ان الملكيات المطلقه قد قدمت بنيه تحتيه اساسيه للدوله الدستوريه المدنيه الحديثه بشكل غير مباشرمن حيث أنها مركزت السلطه السياسيه والعسكريه والاداريه في كيان محدد هو كيان الملك والذي مهد لفهم الدستور ككيان بديل.

لقد أتخذت الدول في القرون الأربعه الماضيه أشكالا متعدده تراوحت من الديمقراطيات الانتخابيه الى الديكتاتوريات الفاشيه الى الانظمه الشيوعيه, وأيا كان شكل الدوله فانها جميعها تشترك في خاصيه اساسيه مميزه لها : سياده لقوة الجميع فوق الجميع لا تقبل التفاوض ولا تتجزأ وتحكم فوق بقعه جغرافيه معينه تسمى أرض قوميه . هذه الهيمنه للسياده الوطنيه الممثله لجميع من يعيش فوق الارض القوميه قد تم إعلانها رسميا في معاهدة وستفاليا عام 1648 والتي قسمت العالم الى دول ذات سياده لها الحق في الدفاع عن سيادتها و أمنها القومي بالقوه العسكريه إذا كان هذا التهديد من خارج الدوله أو ناتج من سياسات محليه داخليه. هذا الاندماج والإنصهار لمفهوم القوه مع مفاهيم كالسياده والسلطه والشرعيه قد أثر وصاغ تعريف ماكس ويبر للدوله : إنها مجتمع انساني ينجح بفرض قوه ماديه مهيمنه تمثله وتسود على بقعه جغرافيه معينه.


ترجمه بتصرف وبعض الاضافات لبحث حول علاقه السياسه والقوه للبروفسوره جينين برودي أستاذه علم السياسه وعضو قسم الدراسات والابحاث السياسيه بجامعه البرتا الكنديه.



#سومر_الياس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطيه متى وأين كيف ولماذا
- قراءه في رسالة سبينوزا السياسيه


المزيد.....




- زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح ...
- الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد ...
- طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
- موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
- بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
- تصريحات ماكرون تشعل الغضب في هايتي وتضع باريس في موقف محرج
- هونغ كونغ تحتفل بـ100 يوم على ولادة أول توأم باندا في تاريخه ...
- حزب -البديل- فرع بافاريا يتبنى قرارًا بترحيل الأجانب من ألما ...
- هل تسعى إسرائيل لتدمير لبنان؟
- زيلينسكي يلوم حلفاءه على النقص في عديد جيشه


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سومر الياس - القوه والسياسه