كامل عباس
الحوار المتمدن-العدد: 799 - 2004 / 4 / 9 - 10:06
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
يتميز الخطاب الرسمي لثلاثة تيارات سياسية عربية ( شيوعية – قومية – إسلامية ) حتى هذه اللحظة بعطالة واضحة موروثة من مرحلة النظام العالمي القديم , يتمحور الخطاب حول النضال ضد الإمبريالية والصهيونية , أي العداء لأمريكا والغرب, يستمد أرضيته من كره المواطن العربي الشديد لأمريكا وهو محق في ذلك , لكن القوى السياسية ليست محقة في مجاراة الشعور العفوي , بل عليها أن تنتج خطابا عقلانيا ومنطقيا يبنى على المتغيرات الملموسة في حركة الواقع ويتلاءم مع معطيات العصر.
الصورة أكثر وضوحا عندنا في سوريا , فقواها الوطنية الموالية والمعارضة , الموجودة داخل الجبهة أو خارجها تفتتح بياناتها بشعار النضال ضد الإمبريالية كما يفتتح المسلم كلامه بالبسملة , يجد هذا المنطق تتمته في فهمه لقضية الديمقراطية , فالديمقراطية عند هؤلاء يجب أن تكون على قاعدة الوطنية , وإن لم تكن كذلك يرفضونها , في مقدمة هؤلاء من يسمون أنفسهم اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين والذي جاء في بيانهم الأخير ( نعم للوحدة الوطنية لا للفتنة ) مايلي –هناك ضغوط خارجية كبيرة على سوريا يتجاوب معها جماعة الاصلاح والديمقراطية في الداخل ... – ويروج هؤلاء لبضاعة فاسدة مفادها أن الإمبريالية الإمريكية مفلسة ومأزومة وتصدر أزمتها عسكريا وهي على بعد أمتار من الهاوية, كما أنهم يتوهمون أن إكثارهم من ترداد شعار الامبريالية والصهيونية بمناسبة وبدون مناسبة, سيجعلهم يبدون في أعين الجماهير أكثر ثورية ,
ليس بعيدا عن هؤلاء كثيرا, التجمع الوطني الديمقراطي المعارض بأغلبية أحزابه وفهمهم القومي لما يجري في المنطقة ومساندتهم للجان مناصرة العراق والتي عقدت مؤتمرها السنوي في حمص وكان من جملة مطالبها مقاطعة قناة الحرة الفضائية ؟؟!! لأنها أمريكية .
كم في ذلك النهج من مغالطات وإضعاف حتى لمن يود أن يناضل ضد أمريكا ومشروعها حول الشرق الأوسط الكبير . أما أن أمريكا مأزومة وهي على بعد أمتار من الهاوية فهو كلام لا يستحق الرد عليه , فأمريكا دولة قوية الآن سياسيا وعسكريا واقتصاديا وهي تقود وتوجه العالم في المدى المنظور شئنا أم أبينا , وأمريكا بنظامها الرسمي الحالي لو لم تكن متقدمة على النظام السوفياتي لما انتصرت عليه في الحرب الباردة , والديمقراطية الموجودة في أمريكا والدول الأوروبية وحركة المجتمع المدني هناك معطى إنساني للجنس البشري قاطبة وصلت اليه تلك الدول عبر تضحيات عديدة وهو يؤثر على سياستها الخارجية شاءت قيادتها السياسية أم أبت .
من جهة أخرى فإن أمريكا التي دعمت الديكتاتورية في دول عديدة إبان الحرب الباردة لم يعد لها مصلحة في ذلك بعد أن أصبحت سيدة العالم , لا بل إن البنية التحتية للدول الديكتاتورية هي التي تفرخ الإرهاب الذي ضرب قلب أمريكا .
بهذا المعنى يصبح للديمقراطية قيمة إنسانية عامة أسمى من كل الأوطان واحترام الإنسان وحقوقه الفردية ينتج عنه كتحصيل حاصل صون الوطن , وفي سوريا بلدنا الحبيب مثلا لايمكن استرجاع جولاننا الحبيب إلابعد بناء دولة الحق والقانون التي تصان وتحترم فيها هذه الحقوق. إن السير على هذا الطريق وحده يسمح بتعديل موازين القوى والتفكير بكل الوسائل الممكنة بعد ذلك يصبح مشروعا لتحسين شروط المفاوض السوري أمام الله والعالم, بما فيه المقاومة المسلحة للعدو في الأراضي المحتلة, أما التفكير باسترجاع الجولان عن طريق التوازن العسكري فقد ولى زمانه , والمطالبة بالديمقراطية على قاعدة الوطنية يساهم عن جهل ربما بإنتاج نظام جديد ( ليس بالضرورة يقوده البعث ) يحكمنا أربعون عاما أخرى باسم قانون الطوارئ تحت حجة الخطر الخارجي .
بالمقابل نجد تيار سياسي حديث النشأة في سوريا أدرك أهمية الديمقراطية وأولويتها في أي إصلاح يحصن الوطن , ولكن المأساة تكمن في أساليبب عمله من أجل ذلك, يقف في مقدمة هذا التيار شخصيات وطنية عديدة مرموقة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر , طيب تيزيني وميشيل كيلو وإلى جانبهم لجان إحياء المجتمع المدني . فقد كرّس هؤلاء جهودهم لدفع السلطة السورية الذي يقودها الرئيس الشاب باتجاه الإصلاح عبر المناشدة والبيانات والمذكرات واللقاءات التي تشرح أهمية الإصلاح, وهم يستندون الى فهم نظري يقول بأهمية دور البنيان الفوقي , دور السياسة في لحظات كتلك , وأهمية السياسية في تاريخ سوريا الحديث قياسا بالاقتصاد , ولكن النتيجة تكاد تكون هزيلة جدا بعد أربع سنوات من عمر الرئيس الاصلاحي الشاب في الحكم , ولو صرفوا جهودهم تلك في طرق أخرى لكان أجدى وأنفع حتى للتيار الإصلاحي داخل السلطة الذي يراهنون عليه. نقدم هنا مثالين واقعيين على ما أعتقد, مثل فهمهم السياسي الواقعي, وبإمكاننا تقديم عشرات الأمثلة
الأول : اعتصام سلمي ودوري في كل سنه بمناسبة اعتقال زملائهم نشطاء ربيع دمشق على الأقل من أجل تعريف المجتمع السوري بقضيتهم والعالم أيضا وتحسين شروط اعتقالهم والتي تسوء يوما عن أخر وبينهم مرضى ومتقدمين في السن . الأستاذ حبيب عيسى مثلا, الناطق الرسمي باسم منتدى الأتاسي, لم يجر ذلك المنتدى حتى الآن أي اعتصام في ذكرى اعتقاله, بل استمر باسلوب محاضراته التي أصبحت ممجوجة ومكررة ولاجديد فيها .
الثاني : أوسع تضامن اجتماعي على الأرض مع جماعة المجردين مدنيا للمساهمة في حفظ تجربتهم السياسية وإعادة اندماجهم في المجتمع , يشار الى أن الكثير منهم تجاوز الستون وهو مضطر الى بيع قوة عمله الضعيفه من أجل إطعام أطفاله, والكثير منهم أمضى أكثر من عشرين عاما في خدمة الدولة, وقد اعتقل وهو على رأس عمله, وفي أي دولة من دول الأرض يحق لهم تقاعد نسبي, وكان بالإمان مساعدتهم قضائيا, على الأقل لاسترداد تأميناتهم الاجتماعية, وعندي أسماء عديدة لمن يهمه الأمر .
الخلاصة : هناك جهتان تتقاطعان في المطالبة بإجراء إصلاح سياسي عاجل داخل سوريا .
الأولى :جهة خارجية في مقدمتها أمريكا ( الجارة الجديدة لسوريا ) ولها أعوان وشركاء داخل السلطة وخارجها أصبحوا يرون بالديمقراطية ضمانا لاستثمار أموالهم وهم يودون إصلاحا سياسيا مفصلا على قدر مصالحهم ومصالح أمريكا واسرائيل .
الثانية : جهة داخلية لها مصلحة بإصلاح سياسي عريض يتم فيه انتقال هادئ وسلمي وتدريجي نحو دولة يصبح فيها السوريون مواطنون وليسوا رعايا . دولة تجري تنمية اجتماعية شاملة يعاد فيها توزيع الدخل القومي بما يخدم كل شرائح المجتمع .
مع الأسف الشديد ميزان القوى على الأرض كاسح لمصلحة الجهة الأولى , والممثلين السياسيين للجهة الثانية على قدر كبير من التشرذم والضياع وعدم التنسيق فيما بينهم ,
الصورة في سوريا حالكة السواد وإن كان هناك شعاع أمل فهو شعاع جاء من فصيل كان له قصب السبق في تلمس أهمية الديمقراطية للمجتمع السوري منذ الثمانينات , وقد قدم موضوعات فيها الكثير من الشجاعة والجرأة والسباحة ضدالتيار حتىداخل التجمع الوطني الذي ينتمي إليه وضد تيار ""قومجي إذا صح التعبير داخله "
مثل فهمه للعولمة وقول الموضوعات عنها في الصفحة السابعة ( وبمثل هذا المضمون تكون العولمة فعلا تاريخيا , إضافة إلى كونها فعلا في الجغرافيا البشرية الحديثة ...... وبالتالي العمل على تحسين شروطها وتعزيز جوانبها الايجابية . ) .
الخطوة الثانية المرتبكة والخجولة جاءت في افتتاحية الرأي العدد 27 – ما بعد نظام الحزب الواحد , مرحلة جديدة في سوريا مختلفة - والتي انتهت كما يلي :
( التحدي المطروح على أية نخب سورية لا يتعلق بموقفها من التغيير بل بموقعها ضمنه , أي بقدرتها على التأثير عليه من داخله لأن رفضه من خارجه لن يعني الا الانجراف في تياره وستكون ملامح التغيير انعكاسا أمينا لموازين القوى الفاعلة فيه وهو في المدى المنظور لا يتوافق مع المصالح الوطنية السورية ...) .
لو تحلى الرفاق بالجرأة حتى النهاية لأضافوا بأن العمل من أجل تعديل موازين القوى لمصلحة الوطن يتطلب الاعتراف الصريح بأن اتجاه الضربة الرئيسية يجب أن تكون في هذه اللحظة ضد الإستبداد والديكتاتورية وليست ضد أمريكا, لا بل إننا نتقاطع معها في الدعوة الى شرق أوسط جديد ديمقراطي, كلٌ يعمل من أجله يما يتناسب مع مصالحه .
كامل عباس
اللاذقية /1/4/2004
#كامل_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟