|
هل يتصالح الحكام العرب؟
عادل حبه
الحوار المتمدن-العدد: 2604 - 2009 / 4 / 2 - 09:28
المحور:
حقوق الانسان
على هامش مؤتمر الدوحة : تكاد تكون هي المرة الأولى في كل تاريخ مؤتمرات القمة العربية أن يشير ممثل أحدى الدول الأعضاء في الجامعة العربية، وهو السيد نوري المالكي، بمفردات سياسية لم يعهدها كل الحكام العرب. ففي معرض حديث السيد رئيس الوزراء العراقي عن الوضع في العراق أشار إلى أن:"العراق تحكمه اليوم مؤسسات دستورية وتحترم فيه حرية الرأي والتعبير والمعتقد ، طوى والى الابد صفحة الماضي الأليمة التي كان يتحكم فيها الشخص الواحد والحزب الواحد....ونجاحنا على طريق الديمقراطية والتعددية واعتماد مبدأ التداول السلمي للسلطة ، تعزز وترسخ بإنقاذ البلاد من هاوية الحرب الطائفية بعد تصدينا الحازم للإرهابيين والخارجين عن القانون في جميع محافظات العراق دون النظر إلى انتماءاتهم السياسية والمذهبية وهو ما زاد في تعزيز ثقة جميع مكونات الشعب العراقي بحكومة الوحدة الوطنية التي أثبتت عمليا أنها تضع مصلحة العراق فوق جميع الاعتبارات". ولقد كانت إشارة السيد نوري المالكي إلى موضوعة الديمقراطية هي إشارة تدل على ما وصلت إليه العملية الديمقراطية الفتية في العراق، وهي نغمة "نشاز" في هذا الجمع غير الديمقراطي وغير المنتخب من قبل الشعوب العربية. ويكاد يكون السيد نوري المالكي هو الوحيد من بين الحكام العرب من تولى المسؤولية في بلاده عبر انتخابات ديمقراطية نزيهة. إن تطرق السيد رئيس الوزراء العراقي إلى موضوعة الديمقراطية بدت غريبة على أسماع الحكام العرب الذين شاركوا في مؤتمر القمة العربية الأخير، وبعضهم يعتبر هذه المفردة غريبة على "التقاليد" و"كفر بالقيم العربية والأسلامية". ولذا وحفاظاً على كرسي الحكم فهم لا يتفوهون بهذه المفردة ولا يقربوا منها أو حتى لا يفهمونها. ولربما أثارت هذه المفردة غيض هؤلاء الحكام أيضاً لأن غالبيتهم الساحقة لم يتربعوا على كرسي الحكم عبر إرادة شعبية كما حصل في العراق بعد الإطاحة بالطغيان عام 2003. فالرئيس الحالي للقمة العربية أمير قطر تسلط على الحكم بعد أن غدر بأبيه وأزاحه عن منصب الإمارة منتهزاً فرصة مغادرته البلاد بزيارة رسمية. أما الوفد العماني الجالس على يمين الوفد العراقي، فإن سلطان هذه الإمارة تسلم الحكم هو الآخر بعد أن أزاح أبية من منصب سلطان عمان. واستولى جمع غفير من الحكام العرب والأنظمة التي يمثلونها على السلطة عبر انقلابات عسكرية وليس عبر صناديق الانتخابات. ففي موريتانيا وليبيا ومصر والسودان وسوريا واليمن وجزر القمر والصومال قامت الأنظمة فيها بعد انقلابات عسكرية وليس عبر عملية ديمقراطية وعبر صناديق الانتخابات. أما الأنظمة الأخرى فهي أنظمة عائلية ليس للمواطن فيها أي دور في انتخاب رموزها. ففي الكويت والبحرين والعربية السعودية والمغرب والأردن، تحتل الأسرة الحاكمة في غالبيتها كل المناصب الحساسة من رئاسة الوزراء إلى وزارة الدفاع والأجهزة الأمنية، ناهيك عن منصب الملك أو الأمير الحاكم الذي يتمتع بصلاحيات لا تصمد أمامها أية تشكيلات وهمية لممثلي مجلس الأمة أو الشورى أو النخب العشائرية فيها. وهكذا أصبح الهم الأساسي لغالبية المشاركين في هذه القمم هو ليس النهوض بالعالم العربي حضارياً وقيام أفضل العلاقات بين الشعوب العربية، بل كيفية الحفاظ على المواقع الشخصية لهؤلاء الحكام وبقائهم لأطول فترة على رأس الأنظمة العربية. ولا يمكن تفسير النص الخاص في إعلان الدوحة حول السودان إلا ّ في إطار الدفاع عن شخص عمر البشير وأمنه وهو المتهم بأخطر التهم الجنائية. فلم يشر الإعلان بأي حرف عن الشعب السوداني والكوارث التي جلبها عمر البشير لهذا الشعب المغلوب على أمره ولا عن جرائمه ضد السودانيين في دارفور، وإليكم النص:" نؤكد على تضامننا مع السودان ورفضنا لقرار الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية بشأن فخامة الرئيس عمر حسن احمد البشير ودعمنا للسودان الشقيق في مواجهة كل ما يستهدف النيل من سيادته وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه ورفضنا لكل الإجراءات التي تهدد جهود السلام التي تبذلها دولة قطر في إطار اللجنة الوزارية العربية الأفريقية وبالتنسيق مع الوسيط المشترك للامم المتحدة والاتحاد الإفريقي والتي نؤكد دعمنا وتأييدنا لها من اجل احلال السلام في دارفور". وهكذا تحولت القمم العربية والجامعة العربية وخلال كل تاريخها إلى حامية للمستبدين والطغاة بدل أن تتحول إلى مدافع عن الضحايا من شعوبنا العربية، وأن تستجيب لطلب المنظمات الدولية بتسليم البشير إلى القضاء الدولي كي ينظر في التهم الموجهة إليه. وهذا الموقف هو تكرار لما اتخذت القمم العربية من قرارات وتدابير للتستر على حاكمنا السابق صدام حسين. إن مواقف الجامعة والقمم العربية هي مواقف مدانة بقدر ما يتعلق بتسترهم على انتهاكات خطيرة تعرض لها المواطن في البلدان العربية من سجون وتعذيب رهيب وإذابة اجساد المعارضين بالحوامض الكيمياوية وتسميم المواطنين بالثاليوم، وإلى حد استخدام السلاح الكيمياوي ضد المواطنين في بلداننا، والعراق خير مثال، دون أن يرف جفن للمشاركين في القمم العربية ولا أن تهتز مشاعر موظفي الجامعة العربية حيال هذه الجرائم. ومن الطريف ولأول مرة في تاريخ القمم العربية يشير بيان الدوحة إلى ضرورة الاهتمام بمصير الأطفال والشباب العرب، وهو أمر غريب، كما ورد في بيان الدوحة الأخير حيث جاء فيه: " * نؤكد على أهمية التنشئة الاجتماعية القويمة للطفل العربي وإبراز هويته الوطنية عبر تطوير منظومة قيمية تنشئ الطفل العربي على الوعي بهويته وتغرس فيه اعتزازه بوطنيته وانتماءه الى عروبته وفخره بها وبتراثها وأمجادها وإسهامها في تطوير الحضارة الإنسانية.
* ندعو إلى إتاحة الفرص أمام الشباب لتمكينهم من المشاركة الفاعلة في حياة المجتمع وتوفير فرص العمل لهم وإذكاء الشعور الوطني وتعزيز انتمائهم للحضارة والهوية العربية". ولكن هؤلاء الحكام يخشون من الإشارة إلى المكون الذي يشكل أكثر من نصف المجتمعات العربية، والذي يتعرض إلى أسوء أنواع التمييز في العمل والمناصب والتهميش والانتهاكات وطغيان الأمية بين النساء العربيات والزواج المبكر والزواج العرفي الشبيه بالبغاء والختان المشين والاغتصاب حتى من قبل أوليائها، وهي المرأة العربية. فهذه المرأة التي ليس لها أي حضور في كل القمم العربية ولا يوضع كرسي لها كي تجلس عليه، هي التي تحتاج إلى "منظومة قيمية" شأنها على الأقل شأن الطفل العربي. فهي لا تُمَثل في غالبية مؤسسات الدولة ولا تشارك في تحديد مستقبلها ولا تستطيع حتى أن تسافر لوحدها ولا تستطيع حتى قيادة سيارتها في عدد من البلدان المشاركة في هذه القمم. فالمرأة العربية في القمم وفي الجامعة العربية وعند غالبية الحكام العرب ما هي إلاّ مكونات هامشية ملحقة بالذكور شأنها شأن العبيد، لا حول لها ولا قوة ومغلفة بستر وأقنعة سوداء، وهي مجرد مصنع تفريخ وتلبية الرغبات الجنسية الذكورية فحسب. وهذا ما لم تقف عنده القمم والجامعة العربية ومعالجة هذا العبء الخطير وقد دخلنا في القرن الواحد والعشرين. إن تحويل الجامعة العربية والقمم العربية إلى ميادين لصراعات شخصية بائسة وللمهاترات المعيبة بين الملوك والرؤساء العرب، أو ميادين لمحاور للنزاع والمواجهة بين الدول العربية ومنذ تأسيسها، أو ميادين لتأليه الذات هو ما يعرقل أي مسعى لعلاقات طبيعية بين الدول العربية تخدم هدف النهوض بالواقع العربي المتدهور وولوج طريق القبول بما يفرزه صندوق الانتخابات، وليس هدف التغطية على جرائم بعض الحكام أو تكريس تسلطهم رغماً عن إرادة المواطنين العرب. فالقذافي على سبيل المثال لا يتحدث أو يقترح ما هو مجدي للعرب ولأفريقيا بقدر ما يهتم بشخصه، حيث يشير في مؤتمر الدوحة الأخير إلى:" أنا قائد أممي وعميد الحكام العرب وملك ملوك افريقيا وإمام للمسلمين مكانتي العالمية لا تسمح لي بأن أنزل إلى مستوى آخر"!!!. إنه لا يناقش مخالفيه بأسلوب حضاري يليق برئيس فريق كرة قدم وليس دولة من دول القرن الواحد والعشرين، حيث أشار في مؤتمر قمة سابق في معرض نقاشه مع غريمه الملك عبدالله ملك السعودية، بل يكيل من الشتائم السوقية كالتي أوردها وعلى النحو التالي في مؤتمر سابق للقمة حيث يقول :" بعد ست سنوات وأنت هارب من المواجهة وأريد أن اقول لك إنك أنت الكذب وراءك والقبر قدامك وانك أنت صنعتك بريطانيا وتحميك أمريكا". إن إرساء علاقات طبيعية مثمرة بين الدول العربية وتحويل الجامعة العربية إلى مؤسسة لها مكانة إقليمياً وعالمياً، وليس مؤسسة للتغطية على جرائم البشير وأمثال البشير من الحكام العرب، تستدعي بإلحاح أن تنتقل هذه البلدان من ظاهرة الاستبداد والاستخفاف بالرأي العام العربي إلى إرساء أنظمة للقيم والمؤسسات المنتخبة، سداها ولحمتها احترام إرادة الشعب عبر صناديق الانتخابات، واحترام المعايير الديمقراطية الحديثة وتطبيقها وضمان حقوق الإنسان العربي، وتصفية كل مظاهر الاستبداد والتسلط القائمة في الغالبية الساحقة من أعضاء الجامعة العربية. فعند توفر هذه الظروف ستتجه بلداننا نحو المزيد من التنسيق الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المثمر، والمزيد من العلاقات الوثيقة والراسخة، وتتحرر شعوبنا من الأمزجة الشخصية الاستبدادية التي دفعت بلداننا إلى طريق الهدر في المال والعقل والانسان وإلى طريق الهاوية والكوارث. وعندها سيحالفنا النجاح تماماً كما يحالف النجاح الآن البلدان الاوربية بالرغم من تنوعها القومي واللغوي والثقافي.
#عادل_حبه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تقرير سري من عزيز نسين
-
حول الموقف من البعثيين
-
التضييق والتجاوز على الحقوق النقابية هو خرق للدستور وتزييف ل
...
-
خطوة مهمة على طريق إرساء دعائم الديمقراطية الحقيقية في العرا
...
-
مجنون فوق السقف للكاتب التركي الساخر: عزيز نسين
-
قميص عثمان يفرخ قميص غزة
-
هيهات منا الذلة-
-
لنعمل على بناء الدولة العراقية الديمقراطية الحديثة المستقرة
-
رئيس بلدية نموذجي!!! للكاتب التركي الساخر عزيز نسين
-
هل أن السيد طارق الهاشمي جاد في دعوته لنبذ الطائفية ومحاصصته
...
-
القبلة لإنطون پاڤلوڤيچ چيخوف
-
حكاية وزير مزور
-
على هامش طرح مسودة الاتفاقية العراقية-الامريكية
-
كيف ستجرى الانتخابات في ظل عدم وجود قانون للأحزاب؟
-
تغييرات في القاعدة الاجتماعية للحكم في إيران
-
أية اتفاقية يريدها العراقيون مع الولايات المتحدة؟
-
الأزمة المالية العالمية وآفاقها
-
الطائفية داء اجتماعي مدمر يحتاج إلى علاج جذري
-
لن يستطيعوا اغتيال ما تحمله من نور في قلبك ومن حبنا لك ياكام
...
-
بغداد والشعراء والصور ذهب الزمان وضوعه العطر -رحبانيات-
المزيد.....
-
بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
-
مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا
...
-
إصابة 16 شخصا جراء حريق في مأوى للاجئين في ألمانيا
-
مظاهرة حاشدة مناهضة للحكومة في تل أبيب تطالب بحل قضية الأسرى
...
-
آلاف الإسرائيليين يتظاهرون ضد نتنياهو
-
مسؤول أميركي يعلق لـ-الحرة- على وقف إسرائيل الاعتقال الإداري
...
-
لماذا تعجز الأمم المتحدة عن حماية نفسها من إسرائيل؟
-
مرشح ترامب لوزارة أمنية ينتمي للواء متورط بجرائم حرب في العر
...
-
لندن.. اعتقال نتنياهو ودعم إسرائيل
-
اعتقالات واقتحامات بالضفة ومستوطنون يهاجمون بلدة تل الرميدة
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|